القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 ديسمبر 2022

الايات من {1 الي10.}


   

 اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
---------
تفسير ابن كثير
الأنبياء - تفسير ابن كثير
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)
سورة الأنبياء
وهي مكية.
قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غُنْدَر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق: سمعت عبد الرحمن بن يزيد (1) ، عن عبد الله قال: بنو إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء، هن من العتاق الأول، وهن من تلادي (2) .
بسم الله الرحمن الرحيم
{
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) }
هذا تنبيه من الله، عز وجل، على اقتراب الساعة ودنوها، وأن الناس في غفلة عنها، أي: لا يعملون لها، ولا يستعدون من أجلها.
وقال النسائي: حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم { فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } قال: "في الدنيا" (3) ، وقال تعالى: { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } [ النحل : 1 ] ، وقال [تعالى] (4) : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } [ القمر : 1، 2 ]
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن هانئ أبي نُوَاس الشاعر أنه قال: أشعر الناس الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:
النَّاس في غَفَلاتِهِمْ ... وَرَحا المِنيَّة تَطْحَنُ ...
فقيل له: من أين أخذ (5) هذا؟ قال (6) : من قوله تعالى: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } (7) .
__________
(1)
في أ: "زيد".
(2)
صحيح البخاري برقم (4739).
(3)
سنن النسائي الكبرى برقم (11332).
(4)
زيادة من ف، أ.
(5)
في ف، أ: "أخذت".
(6)
في ف، أ: "فقال".
(7)
تاريخ دمشق (4/611 "المخطوط"). 

 [وروى في ترجمة "عامر بن ربيعة" ، من طريق موسى بن عبيدة الآمدي، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عامر ابن ربيعة: أنه نزل به رجل من العرب، فأكرم عامر مثواه، وكلّم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم واديًا في العرب، وقد أردت أن أقطعَ لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك. فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك، نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا: { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } ] (1) (2) .
ثم أخبر تعالى أنهم لا يُصغون إلى الوحي الذي أنزل الله على رسوله، والخطاب مع قريش ومن شابههم من الكفار، فقال: { مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ } أي: جديد إنزاله { إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حَرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضًا لم يشب. ورواه البخاري بنحوه (3) .
وقوله: { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } أي: قائلين فيما بينهم خفْيَةً { هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } يعنونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستبعدون كونه نبيًا؛ لأنه بَشَرٌ مثلهم، فكيف اختص بالوحي دونهم؛ ولهذا قال: { أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ } ؟ أي: أفتتبعونه فتكونون كمن أتى (4) السحر وهو يعلم أنه سحر. فقال تعالى مجيبًا لهم عما افتروه واختلقوه من الكذب.
{
قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ } أي: الذي يعلم ذلك، لا يخفى عليه خافية، وهو الذي أنزل هذا القرآن المشتمل على خبر الأولين والآخرين، الذي لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله، إلا الذي يعلم السر في السموات والأرض.
وقوله: { وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [أي: السميع] (5) لأقوالكم، { الْعَلِيم } بأحوالكم. وفي هذا تهديد لهم ووعيد.
وقوله: { بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ } هذا إخبار عن تعنت الكفار وإلحادهم، واختلافهم فيما يصفون به (6) القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه. فتارة يجعلونه سحرًا، وتارة يجعلونه شعرًا، وتارة يجعلونه أضغاث أحلام، وتارة يجعلونه مفتري، كما قال: { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا } [ الإسراء : 48 ، والفرقان : 9 ] .
وقوله: { فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ } : يعنون ناقة صالح، وآيات موسى وعيسى. وقد قال الله تعالى: { وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا } [الآية] (7) [ الإسراء : 59 ] ؛ ولهذا قال تعالى: { مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } أي: ما آتينا قرية من القرى الذين بعث فيهم الرسل آية على يَدَيْ نبيها فآمنوا بها، بل كذبوا، فأهلكناهم
__________
(1)
زيادة من ف، أ.
(2)
تاريخ دمشق (8/680 "المخطوط").
(3)
صحيح البخاري برقم (7522).
(4)
في أ: "يأتي".
(5)
زيادة من ف، أ.
(6)
في ف، أ: " فيه".
(7)
زيادة من ف.  (5/332)
==
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)

بذلك، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو (1) رَأَوْها دون أولئك؟ كلا بل { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ } [ يونس : 96، 97 ] .
هذا كله، وقد شاهدوا من الآيات الباهرات، والحجج القاطعات، والدلائل البينات، على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى، وأبهر وأقطع وأقهر، مما شُوهِدَ مع غيره من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال ابن أبي حاتم، رحمه الله: ذكر عن زيد بن الحباب، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا الحارث بن زيد الحضرمي، عن علي بن رباح اللخمي، حدثني من شهد عبادة بن الصامت، يقول: كنا في المسجد ومعنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، يُقْرِئُ بعضنا بعضا القرآن، فجاء عبد الله بن أبي بن سلول، ومعه نُمْرُقة وزِرْبِيّة، فوضع واتكأ، وكان صبيحًا فصيحًا جدلا فقال: يا أبا بكر، قل لمحمد يأتينا بآية كما جاء الأولون؟ جاء موسى بالألواح، وجاء داود بالزبور، وجاء صالح بالناقة، وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة. فبكى أبو بكر، رضي الله عنه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: قوموا إلى رسول الله (2) صلى الله عليه وسلم نستغيث به من هذا المنافق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا يقام لي، إنما يقام لله عز وجل". فقلنا: يا رسول الله، إنا لقينا من هذا المنافق. فقال:"إن (3) جبريل قال (4) لي: اخرج فأخبر بنعم الله التي أنعم بها عليك، وفضيلته التي فُضِّلت بها، فبشرني أني بعثت إلى الأحمر والأسود، وأمرني أن أنذر الجن، وآتاني كتابه وأنا أمّي، وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر، وذكر اسمي في الأذان وأيدني (5) بالملائكة، وآتاني النصر، وجعل الرعب أمامي، وآتاني الكوثر، وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعون مقنعو (6) رءوسهم، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفًا من أمتي الجنة بغير حساب وآتاني السلطان والملك، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة في جنات النعيم (7) ، فليس فوقي أحد إلا الملائكة الذين يحملون العرش، وأحل لي (8) الغنائم (9) ، ولم تحل لأحد كان قبلنا" . وهذا الحديث غريب جدًا.
{
وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا يُوحَى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) } .
يقول تعالى رادِّا على من أنكر بعثة الرسل من البشر: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا يُوحَى (10) إِلَيْهِمْ }
__________
(1)
في ف: "ولو".
(2)
في ف: "إلى رسوله".
(3)
في ف: "أتى".
(4)
في ف: "فقال".
(5)
في أ: "وأمرني".
(6)
في ف: "مقنعي".
(7)
في ف، أ: "عدن".
(8)
في ف، أ: "لي ولأمتي".
(9)
في أ: "المغانم".
(10)
في ف، أ: "نوحي".  (5/333)
----------
لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)
أي: جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر، لم يكن فيهم أحد من الملائكة، كما قال في الآية الأخرى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا يُوحَى (1) إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } [ يوسف : 109 ]، وقال تعالى: { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ } [ الأحقاف :9 ]، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم أنهم أنكروا ذلك فقالوا: { أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا } [ التغابن :6 ] ؛ ولهذا قال تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } أي :اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف: هل كان الرسل الذين أتوهم بشرًا أو ملائكة؟ إنما كانوا بشرًا، وذلك من تمام نِعمَ الله على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلا (2) منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم.
وقوله: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ } أي: بل قد كانوا أجسادًا يأكلون الطعام، كما قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأسْوَاقِ } [ الفرقان:20] أي: قد كانوا بشرا من البشر، يأكلون ويشربون مثل الناس، ويدخلون الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بضار لهم ولا ناقص منهم شيئًا، كما توهمه المشركون في قولهم: { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا } [ الفرقان: 7، 8 ] .
وقوله: { وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ } أي: في الدنيا، بل كانوا يعيشون ثم يموتون، { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ } [ الأنبياء:34 ]، وخاصتهم أنهم يوحى إليهم من الله عز وجل، تنزل عليهم الملائكة عن الله بما يحكم (3) في خلقه مما يأمر به وينهى عنه.
وقوله: { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ } أي: الذي وعدهم ربهم: "ليهلكن الظالمين" ، صدقهم الله وعده ففعل ذلك؛ ولهذا قال: { فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ } أي: أتباعهم من المؤمنين، { وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } أي: المكذبين بما جاءت الرسل به.
{
لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10) }
__________
(1)
في ف، أ: "نوحي".
(2)
في ف، أ: "رسولا" ، وهو خطأ.
(3)
في ف: "يحكمه".  (5/334) 
تفسير الطبري /الأنبياء - تفسير القرطبي
تفسير سورة الأنبياء
مقدمة السورة

الآيات: 1 - 3 {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}
قوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} قال عبد الله بن مسعود: الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول، وهن تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التلاد. وروي أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جدارا فمر به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} فنفض يده من البنيان، وقال: والله لا بنيت أبدا وقد اقترب الحساب. “اقترب” أي قرب الوقت  /(11/266) 
الذي يحاسبون فيه على أعمالهم. {لِلنَّاسِ} قال ابن عباس: المراد بالناس هنا المشركون بدليل قوله تعالى: {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} إلى قوله: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ }. وقيل: الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش؛ يدل على ذلك ما بعد من الآيات؛ ومن علم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأن ما كان لم يكن إذا ذهب، وكل آت قريب، والموت لا محالة آت؛ وموت كل إنسان قيام ساعته؛ والقيامة أيضا قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى. وقال الضحاك: معنى {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} أي عذابهم يعني أهل مكة؛ من لأنهم استبطؤوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا، وكان قتلهم يوم بدر. النحاس ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس؛ لئلا يتقدم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير. {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} ابتداء وخبر. ويجوز النصب في غير القرآن على الحال.
وفيه وجهان:
أحدهما: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} يعني بالدنيا عن الآخرة. الثاني: عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا الواو عند سيبويه بمعنى "إذ" وهي التي يسميها النحويون واو الحال؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154].
قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} محدث” نعت لـ {ذِكْرٍ}. وأجاز الكسائي والفراء {مُحْدَثاً} بمعنى ما يأتيهم محدثا؛ نصب على الحال. وأجاز الفراء أيضا رفع {مُحْدَث} على النعت للذكر؛ لأنك لو حذفت {مِن} رفعت ذكرا؛ أي ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث؛ يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزل الله تعالى عليه في وقت بعد وقت؛ لا أن القرآن مخلوق. وقيل: الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به. وقال: {مِنْ رَبِّهِمْ} لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث؛ قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية: 21]. ويقال: فلان في مجلس (11/267)
الذكر. وقيل: الذكر الرسول نفسه؛ قال الحسين بن الفضل بدليل ما في سياق الآية {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] ولو أراد بالذكر القرآن لقال: هل هذا إلا أساطير الأولين؛ ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ. وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم: 51 - 52] يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. وقال: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً. رَسُولاً} [الطلاق: 10 - 11]. {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم، أو القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم أو من أمته. {وَهُمْ يَلْعَبُونَ} الواو واو الحال يدل عليه {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} ومعنى {يَلْعَبُونَ} أي يلهون. وقيل: يشتغلون؛ فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به
وجهين:
أحدهما: بلذاتهم
.
الثاني: بسماع ما يتلى عليهم.
وإن حمل تأويله حلى الشغل احتمل ما يتشاغلون به وجهين: أحدهما: بالدنيا لأنها لعب؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36]. الثاني: يتشاغلون بالقدح فيه، والاعتراض عليه. قال الحسن: كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل وقيل: يستمعون القرآن مستهزئين.
قوله تعالى: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي ساهية قلوبهم، معرضة عن ذكر الله، متشاغلة عن التأمل والتفهم؛ من قول العرب: لهيت عن ذكر الشيء إذا تركته وسلوت عنه ألهى لهيا ولهيانا. و {لاَهِيَةً} نعت تقدم الاسم، ومن حق النعت أن يتبع المنعوت في جميع الإعراب، فإذا تقدم النعت الاسم انتصب كقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [القلم: 43] و {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} [الإنسان: 14] و {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} قال الشاعر:
لعزة موحشا طلل ... يلوح كأنه خلل
أراد: طلل موحش. وأجاز الكسائي والفراء {لاهِيَةٌ قُلُوبُهُمْ} بالرفع بمعنى قلوبهم لاهية. وأجاز غيرهما الرفع على أن يكون خبرا بعد خبر وعلى إضمار مبتدأ. وقال الكسائي: ويجوز أن يكون المعنى؛ إلا استمعوه لاهية قلوبهم. {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي تناجوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بين من هم فقال: {الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي الذي أشركوا؛ فـ { الَّذِينَ ظَلَمُوا } بدل من الواو في {أَسَرُّوا} وهو عائد على الناس المتقدم ذكرهم؛ ولا يوقف على هذا  (11/268)
-------
القول على {النَّجْوَى}. قال المبرد وهو كقولك: إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله فبنو بدل من الواو في انطلقوا. وقيل: هو رفع على الذم، أي هم الذين ظلموا. وقيل: على حذف القول؛ التقدير: يقول الذين ظلموا وحذف القول؛ مثل {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ،سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الرعد: 23 - 24]. واختار هذا القول النحاس؛ قال: والدليل على صحة هذا الجواب أن بعده {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3]. وقول رابع: يكون منصوبا بمعنى أعني الذين ظلموا. وأجاز الفراء أن يكون خفضا بمعنى اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم؛ ولا يوقف على هذا الوجه على النجوى” ويوقف على الوجه المتقدمة الثلاثة قبله؛ فهذه خمسة أقوال. وأجاز الأخفش الرفع على لغة من قال: أكلوني البراغيث؛ وهو حسن؛ قال الله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ } [المائدة: 71]. وقال الشاعر:
بك نال النضال دون المساعي ... فاهتدين النبال للأغراض
وقال آخر:
ولكن ديافي أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السليط أقاربه
وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير؛ مجازه: والذين ظلموا أسروا النجوى أبو عبيدة: “أسروا” هنا من الأضداد؛ فيحتمل أن يكونوا أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكونوا أظهروه وأعلنوه.
قوله تعالى: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي تناجوا بينهم وقالوا: هل هذا الذكر الذي هو الرسول، أو هل هذا الذي يدعوكم إلا بشر مثلكم، لا يتميز عنكم بشيء، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق كما تفعلون. وما علموا أن الله عز وجل أنه لا يجوز أن يرسل إليهم إلا بشرا ليتفهموا ويعلمهم. {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} أي إن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر، فكيف تجيؤون إليه وتتبعونه؟ فأطلع الله نبيه عليه السلام على ما تناجوا به. و”السحر” في اللغة كل مموه لا حقيقة له ولا صحة. {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أنه إنسان مثلكم مثل: “وأنتم تعقلون” لأن العقل البصر بالأشياء. وقيل: المعنى؛ أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر. وقيل: المعني؛ أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق؛ ومعنى الكلام التوبيخ.  (11/269)
--------
الآيات: 4 - 6 {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} أي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض. وفي مصاحف أهل الكوفة {قَالَ رَبِّي} أي قال محمد ربي يعلم القول؛ أي هو عالم بما تناجيتم به. وقيل: إن القراءة الأولى أولي لأنهم أسروا هذا القول فأظهر الله عز وجل عليه نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يقول لهم هذا؛ قال النحاس: والقراءتان صحيحتان وهما بمنزلة الآيتين، وفيهما من الفائدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر وأنه قال كما أمر.
قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} قال الزجاج: أي قالوا الذي يأتي به أضغاث أحلام. وقال غيره: أي قالوا هو أخلاط كالأحلام المختلطة؛ أي أهاويل رآها في المنام؛ قال معناه مجاهد وقتادة؛ ومنه قول الشاعر:
كضغث حلم غرمنه حالمه
وقال القتبي: إنها الرؤيا الكاذبة؛ وفيه قول الشاعر:
أحاديث طسم أو سراب بفدفد ... ترقرق للساري وأضغاث حالم
وقال اليزيدي: الأضغاث ما لم يكن له تأويل. وقد مضى هذا في “يوسف”. فلما رأوا أن الأمر ليس كما قالوا انتقلوا عن ذلك فقالوا: {بَلِ افْتَرَاهُ} ثم انتقلوا عن ذلك فقالوا: {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} أي هم متحيرون لا يستقرون على شيء قالوا ومرة سحر، ومرة أضغاث أحلام، ومرة افتراه، ومرة شاعر. وقيل: أي قال فريق إنه ساحر، وفريق إنه أضغاث أحلام؛ وفريق إنه افتراه، وفريق إنه شاعر. والافتراء الاختلاق؛ وقد تقدم(11/270)
---------
{
فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} أي كما أرسل موسى بالعصا وغيرها من الآيات ومثل ناقة صالح. وكانوا عالمين بأن القرآن ليس بسحر ولا رؤيا ولكن قالوا: ينبغي أن يأتي بآية نقترحها؛ ولم يكن لهم الاقتراح بعدما رأوا آية واحدة. وأيضا إذا لم يؤمنوا بآية هي من جنس ما هم أعلم الناس به، ولا مجال للشبهة فيها فكيف يؤمنون بآية غيرها، ولو أبرأ الأكمه والأبرص لقالوا: هذا من باب الطب، وليس ذلك من صناعتنا، وإنما كان سؤالهم تعنتا إذ كان الله أعطاهم من الآيات ما فيه كفاية. وبين الله عز وجل أنهم لو كانوا يؤمنون لأعطاهم ما سألوه لقوله عز وجل: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].
قوله تعالى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ} قال ابن عباس: يريد قوم صالح وقوم فرعون. {أَهْلَكْنَاهَا} يريد كان في علمنا هلاكها. {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} يريد يصدقون؛ أي فما آمنوا بالآيات فاستؤصلوا فلو رأى هؤلاء ما اقترحوا لما آمنوا؛ لما سبق من القضاء بأنهم لا يؤمنون أيضا؛ وإنما تأخر عقابهم لعلمنا بأن في أصلابهم من يؤمن. و{مِنْ} زائدة في قوله: {مِنْ قَرْيَةٍ} كقوله: {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 47].
الآيات: 7 - 10 {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ، ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ، لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} هذا رد عليهم في قولهم: {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الأنبياء: 3] وتأنيس لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ أي لم يرسل قبلك إلا رجالا. (11/271)
------
{
فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} يريد أهل التوراة والإنجيل الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، قاله سفيان. وسماهم أهل الذكر؛ لأنهم كانوا يذكرون خبر الأنبياء مما لم تعرفه العرب. وكان كفار قريش يراجعون أهل الكتاب في آمر محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن زيد: أراد بالذكر القرآن؛ أي فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن؛ قال جابر الجعفي: لما نزلت هذه الآية قال علي رضي الله عنه نحن أهل الذكر. وقد ثبت بالتواتر أن الرسل كانوا من البشر؛ فالمعنى لا تبدؤوا بالإنكار وبقولكم ينبغي أن يكون الرسول من الملائكة، بل ناظروا المؤمنين ليبينوا لكم جواز أن يكون الرسول من البشر. والملك لا يسمى رجلا؛ لأن الرجل يقع على ماله ضد من لفظه تقول رجل وامرأة، ورجل وصبي فقوله: {إِلَّا رِجَالاً} من بني آدم. وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِي إِلَيْهِمْ}.
مسألة: لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أجمعوا على أن الأعمى لا بدله من تقليد غيره ممن يثق بميزة بالقبلة إذا أشكلت عليه؛ فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين به لا بد له من تقليد عالمه، وكذلك لم يختلف العلماء أن العامة لا يجوز لها الفتيا؛ لجهلها بالمعاني التي منها يجوز التحليل والتحريم.
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} الضمير في {جَعَلْنَاهُمْ} للأنبياء؛ أي لم نجعل الرسل قبلك خارجين عن طباع البشر لا يحتاجون إلى طعام وشراب {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} يريد لا يموتون وهذا جواب لقولهم: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: 33] وقولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان: 7]. و{جَسَداً} اسم جنس؛ ولهذا لم يقل أجسادا، وقيل: لم يقل أجسادا؛ لأنه أراد وما جعلنا كل واحد منهم جسدا. والجسد البدن؛ تقول منه تجسد كما تقول من الجسم تجسم. والجسد أيضا الزعفران أو نحوه الصبغ، وهو الدم أيضا؛ قاله النابغة:
وما أهريق على الأنصاب من جسد (11/272)
---------
وقال الكلبي: والجسد هو المتجسد الذي فيه الروح يأكل ويشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما لا يأكل ولا يشرب جسما وقال مجاهد: الجسد ما لا يأكل ولا يشرب؛ فعلى مقتضى هذا القول يكون ما يأكل ويشرب نفسا ذكره الماوردي. {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} يعني الأنبياء؛ أي بإنجائهم ونصرهم وإهلاك مكذبيهم. {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ} أي الذين صدقوا الأنبياء. {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} أي المشركين.
قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً} يعني القرآن. {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} رفع بالابتداء والجملة في موضع نصب لأنها نعت لكتاب؛ والمراد بالذكر هنا الشرف؛ أي فيه شرفكم، مثل {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44]. ثم نبههم بالاستفهام الذي معناه التوقيف فقال عز وجل: {فَلا تَعْقِلُونَ} وقيل: فيه ذكركم أي ذكر أم دينكم؛ وأحكام شرعكم وما تصيرون إليه من ثواب وعقاب، أفلا تعقلون هذه الأشياء التي ذكرناها؟ ! وقال مجاهد: {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} أي حديثكم. وقيل: مكارم أخلاقكم، ومحاسن أعمالكم. وقال سهل بن عبد الله: العمل بما فيه حياتكم.
قلت: وهذه الأقوال بمعنى والأول يعمها؛ إذ هي شرف كلها، والكتاب شرف لنبينا عليه السلام؛ لأنه معجزته، وهو شرف لنا إن عملنا بما فيه، دليله قول عليه السلام: "القرآن حجة لك أو عليك". 
تفسير الدر المنثور الأنبياء - تفسير الدر المنثور 
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
21 .
سُورَة الْأَنْبِيَاء مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْأَنْبِيَاء أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخر البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بَنو إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء هن من الْعتاق الأول وَهن من تلادي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن عَامر بن ربيعَة أَنه نزل بِهِ رجل من الْعَرَب وَأكْرم عَامر مثواه وكلم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الرجل فَقَالَ: إِنِّي استقطعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاديا مَا فِي الْعَرَب أفضل مِنْهُ وَقد أردْت أَن أقطع لَك مِنْهُ قِطْعَة تكون لَك ولعقبك
فَقَالَ عَامر: لَا حَاجَة لي فِي قطيعتك نزلت الْيَوْم سُورَة أذهلتنا عَن الدُّنْيَا {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون} الْآيَة 1 - 15  (5/615) 
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون} قَالَ: من أَمر الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ: مَا يوعدون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم} يَقُول: مَا ينزل عَلَيْهِم شَيْء من الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {لاهية قُلُوبهم} قَالَ: غافلة
وَفِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} يَقُول: أَسرُّوا الَّذين ظلمُوا النَّجْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى} قَالَ: أَسرُّوا نَجوَاهُمْ بَينهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أفتأتون السحر} يَقُولُونَ: إِن مُتَابعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَابعَة السحر
وَفِي قَوْله: {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل} قَالَ: الْغَيْب وَفِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أباطيل أَحْلَام
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي عَن جُنْدُب البَجلِيّ أَنه قتل ساحراً كَانَ عِنْد الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ قَالَ: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون} (5/616)
--------
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَي فعل الأحلام إِنَّمَا هِيَ رُؤْيا رَآهَا {بل افتراه بل هُوَ شَاعِر} كل هَذَا قد كَانَ مِنْهُ {فليأتنا بِآيَة كَمَا أرسل الأوّلون} كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرسل {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها} أَي أَن الرُّسُل كَانُوا إِذا جاؤوا قَومهمْ بِالْآيَاتِ فَلم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت اسْتَأْنَيْت بقومك قَالَ: بل أستأني بقومي فَأنْزل الله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفهم يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا جعلناهم جسداً لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} يَقُول: لم نجعلهم جسداً لَيْسَ يَأْكُلُون الطَّعَام إِنَّمَا جعلناهم جسداً يَأْكُلُون الطَّعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا كَانُوا خَالِدين} قَالَ: لَا بُد لَهُم من الْمَوْت أَن يموتوا
وَفِي قَوْله: {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} إِلَى قَوْله: {وأهلكنا المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ شرفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ حديثكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ دينكُمْ أمسك عَلَيْكُم دينكُمْ بِكِتَابِكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} يَقُول: فِيهِ ذكر مَا تعنون بِهِ وَأمر آخرتكم ودنياكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله نَبيا من  (5/617) 
حمير يُقَال لَهُ شُعَيْب فَوَثَبَ إِلَيْهِ عبد بعصا فَسَار إِلَيْهِم بخْتنصر فَقَاتلهُمْ فَقَتلهُمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم شَيْء وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: هِيَ حصون بني أَزْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: أهلكناها
وَفِي قَوْله: {لَا تركضوا} قَالَ: لَا تَفِرُّوا
وَفِي قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} قَالَ: تتفهمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا أحسوا بِالْعَذَابِ وَذَهَبت عَنْهُم الرُّسُل من بعد مَا أنذروهم فكذبوهم فَلَمَّا فقدوا الرُّسُل وأحسوا بِالْعَذَابِ أَرَادوا الرّجْعَة إِلَى الْإِيمَان وركضوا هاربين من الْعَذَاب فَقيل لَهُم: لَا تركضوا/ فعرفوا أَنه لَا محيص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِذا هم مِنْهَا يركضون} قَالَ: يفرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} يَقُول: ارْجعُوا إِلَى دنياكم الَّتِي أترفتم فِيهَا {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} من دنياكم شَيْئا استهزاء بهم
وَفِي قَوْله: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: لما رَأَوْا الْعَذَاب وعاينوه لم يكن لَهُم هجيري إِلَّا قَوْلهم: {إِنَّا كُنَّا ظالمين} حَتَّى دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} قَالَ: ارْجعُوا إِلَى دُوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: هم أهل حصون كَانُوا قتلوا نَبِيّهم فَأرْسل الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ
وَفِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً خامدين} قَالَ: بِالسَّيْفِ ضربت الْمَلَائِكَة وُجُوههم حَتَّى رجعُوا إِلَى مساكنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: حَدثنِي رجل من المحررين قَالَ: كَانَ بِالْيمن قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حُضُور وَالْأُخْرَى فُلَانَة فبطروا وأترفوا حَتَّى كَانُوا  (5/618)
-------
يغلقون أَبْوَابهم فَلَمَّا أترفوا بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ فَألْقى الله فِي قلب بخْتنصر أَن يغزوهم فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فقاتلوهم فهزموا جَيْشه ثمَّ رجعُوا منهزمين إِلَيْهِ فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا آخر أكثف من الأول فهزموهم أَيْضا فَلَمَّا رأى بخْتنصر ذَلِك غزاهم هُوَ بِنَفسِهِ فقاتلوه فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا يركضون فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: (لَا تركضوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ ومساكنكم) فَرَجَعُوا فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: يَا لثارات النَّبِي فَقتلُوا بِالسَّيْفِ فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً} قَالَ: الْحَصاد {خامدين} قَالَ: كخمود النَّار إِذا طفئت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خامدين} قَالَ: ميتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: خلوا ثيابهن على عَوْرَاتهمْ فهم بأفنية الْبيُوت خمود {الْآيَة 16 }(5/619)
------
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} يَقُول: مَا خلقناهما عَبَثا وَلَا بَاطِلا الْآيَة 17 - 20 (5/619) 
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)

أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو الْوَلَد  (5/619)
------
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} الْآيَة
يَقُول: لَو أردْت أَن أَتَّخِذ ولدا لأتخذت من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اللَّهْو بِلِسَان الْيمن الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو بلغَة أهل الْيمن الْمَرْأَة
وَفِي قَوْله: {إِن كُنَّا فاعلين} أَي إِن ذَلِك لَا يكون وَلَا يَنْبَغِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: نسَاء {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من الْحور الْعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: لعباً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من عندنَا {إِن كُنَّا فاعلين} أَي مَا كُنَّا فاعلين
يَقُول: وَمَا خلقنَا جنَّة وَلَا نَارا وَلَا موتا وَلَا بعثاً وَلَا حسابا وكل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن} فَهُوَ إِنْكَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل نقذف بِالْحَقِّ} قَالَ: الْقُرْآن {على الْبَاطِل} قَالَ: اللّبْس {فَإِذا هُوَ زاهق} قَالَ: هَالك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلكم الويل مِمَّا تصفون} قَالَ: هِيَ وَالله لكل واصف كذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن عِنْده} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} يَقُول: لَا يرجعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يحسرون (5/620)
-----
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا ينقطعون من الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} أما شغلهمْ رِسَالَة أما شغلهمْ عمل فَقَالَ: جعل لَهُم التَّسْبِيح كَمَا جعل لكم النَّفس أَلَسْت تَأْكُل وتشرب وتجيء وَتذهب وتتكلم وَأَنت تتنفس فَكَذَلِك جعل لَهُم التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} قَالَ: جعلت أنفاسهم تسبيحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة صمداً لَيْسَ لَهُم أَجْوَاف الْآيَة 21 - 23
(5/621) 
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
------
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قَالَ: يحيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قيقول: ينشرون الْمَوْتَى من الأَرْض يَقُول: يحيونهم من قُبُورهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض} يَعْنِي مِمَّا اتَّخذُوا من الْحِجَارَة والخشب
وَفِي قَوْله: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} قَالَ: لَو كَانَ مَعَهُمَا آلِهَة إِلَّا الله {لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش} يسبح نَفسه تبَارك وَتَعَالَى إِذا قيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان

(5/621)


وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} قَالَ: بعباده {وهم يسْأَلُون} قَالَ: عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} قَالَ: لَا يسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا فِي الأَرْض قوم أبْغض إليّ من الْقَدَرِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا لأَنهم لَا يعلمُونَ قدرَة الله تَعَالَى
قَالَ الله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي بعض مَا أنزل الله فِي الْكتب: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا قدرت الْخَيْر وَالشَّر فطوبى لمن قدرت على يَده الْخَيْر ويسّرْتُه لَهُ وويل لمن قدرت على يَده الشَّرّ ويسرته لَهُ

إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أُسْأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون فويل لمن قَالَ وَكَيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لما بعث الله موى وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نوف الْبكالِي قَالَ: قَالَ عُزَيْر فِيمَا يُنَاجِي ربه: يَا رب تخلق خلقا (تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء) (الْأَعْرَاف آيَة 155) فَقَالَ لَهُ: يَا عُزَيْر أعرض عَن هَذَا
فَأَعَادَ فَقيل لَهُ: لتعرضن عَن هَذَا وَإِلَّا محوتك من النبوّة إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَن عُزَيْرًا سَأَلَ ربه عَن الْقدر فَقَالَ: سَأَلتنِي عَن علمي عُقُوبَتك أَن لَا أسميك فِي الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك

(5/622)


تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَانْتهى مُوسَى
فَلَمَّا بعث الله عُزَيْرًا وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة بعد مَا كَانَ رَفعهَا عَن بني إِسْرَائِيل حَتَّى قَالَ: من قَالَ: إِنَّه ابْن الله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَأَبت نَفسه حَتَّى سَأَلَ أَيْضا فَقَالَ: أتستطيع أَن تصرّ صرة من الشَّمْس قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بمثقال من نور قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بقيراط من نور قَالَ: لَا
قَالَ: فَهَكَذَا إِن لَا تقدر على الَّذِي سَأَلت إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون أما أَنِّي لَا أجعَل عُقُوبَتك إِلَّا أَن أمحو اسْمك من الْأَنْبِيَاء فَلَا تذكر فيهم
فمحي اسْمه من الْأَنْبِيَاء فَلَيْسَ يذكر فيهم وَهُوَ نَبِي
فَلَمَّا بعث الله عِيسَى وَرَأى مَنْزِلَته من ربه وَعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون وَأَنت عَبدِي ورسولي وكلمتي ألقيتك إِلَى مَرْيَم وروح مني خلقتك من تُرَاب ثمَّ قلت لَك كن فَكنت لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ بك كَمَا فعلت بصاحبك بَين يَديك
إِنِّي لَا أسَال عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَجمع عِيسَى من تيعه وَقَالَ: الْقدر سرّ الله فَلَا تكلفوه
الْآيَة 24 - 25  (5/623) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...