القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 ديسمبر 2022

تفسير ما تبقي نن سورة الأنبياء وهو من الاية 91 حتي الاية10. والاستماع اليها

=================== 

 

 

=====

 

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)

تفسير ابن كثير

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)

{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) } .
هكذا قَرَن تعالى (1) قصة مريم وابنها عيسى، عليه السلام، بقصة زكريا وابنه يحيى، عليهما السلام، فيذكر أولا قصة زكريا، ثم يتبعها بقصة مريم؛ لأن تلك مُوَطّئة لهذه، فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير قد طَعَن في السن، ومن امرأة عجوز عاقر لم تكن تلد في حال شبابها، ثم يذكر قصة مريم وهي أعجب، فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر. هكذا وقع في سورة "آل عمران"، وفي سورة "مريم"، وهاهنا ذكر قصة زكريا، ثم أتبعها بقصة مريم، فقوله: { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } يعني: مريم، عليها السلام ، كما قال في سورة التحريم: { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } [التحريم:12] .
وقوله: { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } أي: دلالة على أن الله على كل شيء قدير، وأنه يخلق ما يشاء، و { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [يس:82]. وهذا كقوله: { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } [مريم :21].
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عَمْرو بن علي، حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مُخَلَّد (2) عن شَبِيب (3) -يعني ابن بشر (4) -عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: { لِلْعَالَمِينَ } قال: العالمين: الجن والإنس .
{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) } .
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جُبَيْر، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: { إِنَّ (5) هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } يقول: دينكم دين واحد.
وقال الحسن البصري؛ في (6) هذه الآية: بين لهم ما يتقون وما يأتون ثم قال: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي: سنتكم سنة واحدة. فقوله: { إِنَّ هَذِهِ } إنّ واسمها، و { أُمَّتُكُمْ } خبر إن، أي: هذه شريعتكم التي بينت لكم ووضحت لكم، وقوله: { أُمَّةً وَاحِدَةً } نصب (7) على الحال؛ ولهذا قال: { وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ، كَمَا قَالَ: { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [المؤمنون:51، 52]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء أولاد عَلات ديننا واحد" ، يعني: أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له بشرائع متنوعة لرسله، كما قال تعالى: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [المائدة :48] .
__________
(1) في ت: "يقرن الله تعالى" وفي ف، أ: "يقرن تعالى".
(2) في ف: "عن مجلز".
(3) في ت، ف، أ: "شعيب".
(4) في ف: "بشير".
(5) في ت، ف: "وإن".
(6) في ت: "من".
(7) في ت: "نصيب".

(5/371)


وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)

وقوله: { وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أي: اختلفت الأمم على رسلها، فمن بين مُصَدق لهم ومكذب؛ ولهذا قال: { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } أي: يوم القيامة، فيجازَى كل بحسب عمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر؛ ولهذا قال: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي: قلبه مصدق، وعمل عملا صالحا، { فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } ، كقوله: { إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا } [الكهف:30] أي: لا يُكْفَر سعيُه، وهو عمله، بل يُشْكَر، فلا يظلم مثقال ذرة؛ ولهذا قال: { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي: يُكتب جميعُ عمله، فلا يَضيع عليه منه شيء.
{ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) } .
يقول تعالى: { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } قال ابن عباس: وجب، يعني: قدرًا مُقَدرًا (1) أن أهل كل (2) قرية (3) أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة. هكذا صرح به ابن عباس، وأبو جعفر الباقر، وقتادة، وغير واحد.
وفي رواية عن ابن عباس: { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } أي: لا يتوبون.
والقول الأول أظهر، والله أعلم.
وقوله: { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } : قد قدمنا أنهم من سلالة آدم، عليه السلام، بل هم من نسل نوح أيضا (4) من أولاد يافث أبي الترك، والترك شرذمة منهم، تركوا من وراء السد الذي بناه ذو القرنين.
وقال: { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا. وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } [الكهف:98، 99]، وقال في هذه الآية الكريمة: { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } أي: يسرعون في المشي إلى الفساد.
والحَدَب: هو المرتفع من الأرض، قاله ابن عباس، وعكرمة، وأبو صالح، والثوري وغيرهم، وهذه صفتهم في حال خروجهم، كأن السامع مشاهد لذلك، { وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:14] : هذا إخبار عالم ما كان وما يكون، الذي يعلم غيب السموات والأرض، لا إله إلا هو.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن مثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عُبَيد الله بن أبي يزيد قال: رأى ابُن عباس صبيانا ينزو بعضهم على بعض، يلعبون، فقال ابن عباس: هكذا
__________
(1) في ت، ف: "مقدورا".
(2) في ت، ف: "إن كل أهل".
(3) في ت: "القرية".
(4) في ف، أ: "عليه السلام".

(5/372)


يخرج يأجوج ومأجوج (1) .
وقد ورد ذكر خروجهم في أحاديث متعددة من السنة النبوية:
فالحديث الأول: قال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عُمَر بن قتادة، عن محمود بن لَبيد، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُفتَح يأجوجُ ومأجوجُ، فيخرجون كما قال الله عز وجل" : { [وَهُمْ ] (2) مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } ، فيغشونَ الناس، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم (3) ، ويضمون إليهم مواشيَهم، ويشربون مياه الأرض، حتى إن بعضَهم ليمر بالنهر، فيشربون ما فيه حتى يتركوه يَبَسا، حتى إن مَنْ بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول (4) : قد كان هاهنا ماء مرةً حتى إذا لم يبقَ من الناس أحد إلا أحدٌ في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهلُ الأرض، قد فرغنا منهم، بقي أهلُ السماء. قال: "ثم يهزّ أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه مُخْتَضبَةً دما؛ للبلاء والفتنة. فبينما هم على ذلك إذ بعث الله عز وجل دودا في أعناقهم كنَغَف الجراد الذي يخرج في أعناقه، فيصبحون (5) موتى لا يُسمَع لهم حس، فيقول المسلمون: ألا رجل يَشْري لنا نفسه، فينظر ما فعل هذا العدو؟" قال: "فيتجرّد رجل منهم محتسبا نفسه، قد أوطنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى، بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا، إن الله عز وجل قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم ويُسَرِّحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فَتَشْكر عنه كأحسن ما شَكرَت عن شيء من النبات أصابته قط.
ورواه ابن ماجه، من حديث يونس بن بُكَيْر، عن ابن إسحاق، به (6) .
الحديث الثاني: قال [الإمام] (7) أحمد أيضا: حدثنا الوليد بن مسلم أبو العباس الدمشقي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني يحيى بن جابر الطائي -قاضي حمص-حدثني عبد الرحمن بن جُبَير بن نُفَير الحضرمي، عن أبيه، أنه سمع النَّوّاس بن سمْعانَ الكلابي قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غَداة، فخَفَض فيه ورَفَع، حتى ظنناه في طائفة النخل، [فلما رُحْنَا إليه عرف ذلك في وجوهنا، فسألناه فقلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل] (8) . فقال: "غير الدجال أخْوَفُني عليكم، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حَجِيجُه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم: إنه شاب جَعْدُ قَطَط عينه
__________
(1) تفسير الطبري (17/70).
(2) زيادة من أ.
(3) في ت: "وحضرتهم".
(4) في ت: "فيقولون".
(5) في ت: "فيحصون".
(6) المسند (3/77) وسنن ابن ماجه برقم (4079) ، وقال البوصيري في الزوائد (3/260): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(7) زيادة من ت، ف، أ.
(8) زيادة من ت، ف، أ، والمسند.

(5/373)


طافية، وإنه يخرج خَلَةَ بين الشام والعراق، فعاث يمينا وشمالا يا عباد الله اثبتوا".
قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم".
قلنا: يا رسول الله، فذاك اليوم الذي هو كسنة، أتكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: "لا اقدروا له قدره".
قلنا: يا رسول الله، فما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح". قال: "فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، وتروح عليهم سارحتهم وهي أطول ما كانت ذُرَى، وأمده خواصر، وأسبغه ضروعا. ويمر بالحي فيدعوهم فيردون عليه قولَه، فتتبعه أموالهم، فيصبحون مُمْحلين، ليس لهم من أموالهم. ويمر بالخَربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل". قال: "ويأمر برجل فيُقتَل، فيضربه بالسيف فيقطعه جَزْلتين رَمْيَةَ الغَرَض، ثم يدعوه فيقبل إليه [يتهلل وجهه] (1) .
فبينما هم على ذلك، إذ بعث الله عز وجل المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة (2) البيضاء، شرقي دمشق، بين مَهْرُودَتَين واضعا يَدَه على أجنحة مَلَكين، فيتبعه فيدركه، فيقتله عند باب لُدّ الشرقي".
قال: "فبينما هم كذلك، إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم: أني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يَدَانِ لك بقتالهم، فَحَوّز عبادي إلى الطور، فيبعث الله عز وجل يأجوج ومأجوج، وهم كما قال الله: { مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل، فيرسل الله عليهم نَغَفًا في رقابهم، فيصبحون فَرْسى، كموت نفس واحدة.
فيهبط عيسى وأصحابه، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زَهَمُهم ونَتْنهُم، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البُخْت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله".
قال ابن جابر (3) فحدثني عطاء بن يزيد السَّكْسَكيّ (4) ، عن كعب -أو غيره-قال: فتطرحهم بالمَهْبِل. [قال ابن جابر: فقلت: يا أبا يزيد، وأين المَهْبِل؟] (5) ، قال: مطلع الشمس.
قال: "ويرسل الله مطرًا لا يَكُنَّ (6) منه بيت مَدَر ولا وَبَر أربعين يوما، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلَقَةِ، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك ، ورُدي بركتك". قال: "فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحْفها، ويُبَارك في الرَسْل، حتى إن اللَّقْحَةَ من الإبل لتكفي الفِئَامَ من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت".
__________
(1) زيادة من ف، أ، والمسند.
(2) في ت: "المنازل".
(3) في ت: "جرير".
(4) في ت: "السلسلي".
(5) زيادة من ف، أ، والمسند.
(6) في ت: "يكون".

(5/374)


قال: "فبينما هم على ذلك (1) ، إذ بعث الله عز وجل ريحا طيبة تحت آباطهم، فتقبض روح كل مسلم -أو قال: كل مؤمن-ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمير، وعليهم تقوم الساعة".
انفرد (2) بإخراجه مسلم دون البخاري، فرواه مع بقية أهل السنن من طرق، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، به (3) وقال الترمذي: حسن صحيح.
الحديث الثالث: قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن حَرْمَلَة، عن خالته قالت: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب أصبعُه من لدغة عَقْرب، فقال: "إنكم تقولون: "لا عدو (4) ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدوًا، حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه، صغار العيون، صُهْبَ الشّعاف، من كل حَدَب ينسلون، كأن وجوههم المَجَانّ المُطرَقة" (5) .
وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث محمد بن عمرو، عن خالد بن عبد الله بن حَرْمَلة المدلجي، عن خالة له، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله (6) .
الحديث الرابع: قد تقدم في تفسير آخر سورة الأعراف من رواية الإمام أحمد، عن هُشَيْم، عن العَوَّام، عن جَبَلَة بن سُحَيْم، عن مُؤثر بن عَفَازَةَ، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم السلام، قال: فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها (7) . فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها (8) . فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال: أما وَجْبَتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيها عهد إلي ربي أن الدجال خارج".
قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص" قال: "فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم إن تحتي كافرًا، فتعال فاقتله". قال: "فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم". قال: "فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حَدَب يَنسلون، فيطؤون بلادهم، لا (9) يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه". قال: "ثم يرجع الناس إليّ يشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم، حتى تَجوى الأرض من نَتْن ريحهم، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم، حتى يقذفهم في البحر. ففيما عهد إليّ ربي أن ذلك إذا كان كذلك، أن الساعة كالحامل المُتِمّ، لا يدري أهلها متى تَفْجُؤهم بولادها ليلا أو نهارا".
ورواه ابن ماجه، عن محمد بن بشار، عن يزيد بن هارون، عن العَوَّام بن حَوْشَب، به (10)
__________
(1) في ف: "هم كذلك".
(2) في ت: "وانفرد".
(3) المسند (4/181) وصحيح مسلم برقم (2137) وسنن أبي داود برقم (4321) وسنن الترمذي برقم (2240) وسنن النسائي الكبرى برقم (10783) وسنن ابن ماجه برقم (4075).
(4) في ت، ف، أ: "لا عدو لكم".
(5) المسند (5/217).
(6) في ت، أ: "مثله سواء".
(7) في ت: "فيها".
(8) في ت: "فيها".
(9) في ت، ف: "ولا".
(10) المسند (1/375) وسنن ابن ماجه برقم (4081) وسبق عند تفسير الآية: 187 من سورة الأعراف. ، نحوه وزاد: "قال العَوَّام، ووجد تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ } .
ورواه ابن جرير هاهنا من حديث جبلة، به (1) .
والأحاديث في هذا كثيرة جدا، والآثار عن السلف كذلك.
وقد روى ابُن جرير وابن أبي حاتم، من حديث مَعْمَر، عن غير واحد، عن حميد بن هلال، عن أبي الصَّيف قال: قال كعب: إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج، حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل قالوا: نجيء غدا فنخرج، فيعيده الله كما كان. فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله كما كان، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم يقول: نجيء غدا فنخرج إن شاء الله. فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه، فيحفرون حتى يخرجوا. فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة، فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة فيقولون (2) : قد كان هاهنا مرة ماء، ويفر الناس منهم، فلا يقوم لهم شيء. ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع إليهم مُخَضَّبة بالدماء فيقولون: غلبنا أهل الأرض وأهل السماء. فيدعو عليهم عيسى ابن مريم، عليه السلام، فيقول: "اللهم، لا طاقة ولا يَدَين لنا بهم، فاكفناهم بما شئت"، فيسلط الله عليهم دودا يقال له: النغف، فيفرس (3) رقابهم، ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر، ويبعث الله عينا يقال لها: "الحياة" يطهر الله الأرض وينبتها، حتى أن الرمانة ليشبع منها السَّكْن". قيل: وما السَّكن يا كعب؟ قال: أهل البيت -قال: "فبينما الناس كذلك إذ أتاهم الصَّريخ أن ذا السُّويقَتَين يريده. قال: فيبعث (4) عيسى ابن مريم طليعة سبعمائة، أو بين السبعمائة والثمانمائة، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة، فيقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عَجَاج (5) الناس، فيتسافدون كما تَسَافَدُ البهائم، فَمَثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظرها متى تضع؟ قال كعب: فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا -أو بعد علمي هذا شيئا-فهو المتكلف (6) .
هذا من أحسن سياقات كعب الأحبار، لما شهد له من صحيح الأخبار.
وقد ثبت في الحديث أن عيسى ابن مريم يحج البيت العتيق، وقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان بن داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عُتبَةَ، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليُحَجَّنَّ هذا البيت، وليُعْتَمَرنّ بعد خروج يأجوج ومأجوج". انفرد بإخراجه البخاري (7) .
__________
(1) تفسير الطبري (17/72).
(2) في ت: "فيقول".
(3) في ت: "فيفرش".
(4) في ت: "فيبعث الله عيسى".
(5) في ت، ف: "عجاج من".
(6) تفسير الطبري (17/71).
(7) المسند (3/27) وصحيح البخاري برقم (1593).

**  إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آَلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)

وقوله: { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } يعني: يوم القيامة، إذا وُجدت هذه الأهوال والزلازل والبلابل، أزفت الساعة واقتربت، فإذا كانت ووقعت قال الكافرون: { هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [القمر:8]. ولهذا قال تعالى: { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي: من شدة ما يشاهدونه من الأمور العظام: { يَا وَيْلَنَا } أي: يقولون: { يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } أي: في الدنيا، { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } ، يعترفون بظلمهم لأنفسهم، حيث لا ينفعهم ذلك.
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) } . 

تفسير القرطبي

الآية: 91 {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}

 ** قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي واذكر مريم التي أحصنت فرجها وإنما ذكرها وليست من الأنبياء ليتم ذكر عيسى عليه السلام ولهذا قال: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} ولم يقل آيتين لأن معنى الكلام: وجعلنا شأنهما وأمرهما آية للعالمين. وقال الزجاج: إن الآية فيهما واحدة؛ لأنها ولدته من غير فحل وعلى مذهب سيبويه التقدير: وجعلنا آيه للعالمين وجعلنا ابنها آية للعالمين ثم حذف. وعلى مذهب الفراء: وجعلناها آية للعالمين وابنها؛ مثل قوله جل ثناؤه: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}. وقيل: إن من آياتها أنها أول امرأة قبلت في النذر في المتعبد. ومنها أن الله عز وجل غذاها برزق من عنده لم يجره على يد عبد من عبيدة. وقيل: إنها لم تلقم ثديا قط. و {أَحْصَنَتْ} يعني عفت فامتنعت من الفاحشة. وقيل: إن المراد بالفرج فرج القميص؛ أي لم تعلق بثوبها ريبة؛ أي إنها طاهرة الأثواب. وفروج القميص أربعة: الكمان والأعلى والأسفل. قال السهيلي: فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا؛ فإنه من لطيف الكناية لأن القرآن أنزه معنى، وأوزن لفظا، وألطف إشارة، وأحسن عبارة من أن يريد ما يذهب إليه وهم الجاهل، لا سيما والنفخ من روح القدس بأمر القدوس، فأضف القدس إلى القدوس، ونزه المقدسة المطهرة عن الظن الكاذب والحدس. {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} يعني أمرنا جبريل حتى نفخ في درعها، فأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها. وقد مضى هذا في “النساء” و”مريم” فلا معنى للإعادة. {آيَةً} أي علامة وأعجوبة للخلق، وعلما لنبوة عيسى، ودلالة على نفوذ قدرتنا فيما نشاء.
الآية: 92 {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعبدونِ}
قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لما ذكر الأنبياء قال: هؤلاء كلهم مجتمعون على التوحيد؛ فالأمة هنا بمعنى الدين الذي هو الإسلام؛ قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما. فأما المشركون فقد خالفوا الكل. {وَأَنَا رَبُّكُمْ} أي إلهكم وحدي. {فاعبد ونُي} أي أفردوني بالعبادة. وقرأ عيسى بن عمرو وابن أبي إسحاق: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} ورواها حسين عن أبي عمرو. الباقون {أُمَّةً وَاحِدَةً} بالنصب على القطع بمجيء النكرة بعد تمام الكلام؛ قال الفراء. الزجاج: انتصب {أُمَّةً} على الحال؛ أي في حال اجتماعها على الحق؛ أي هذه أمتكم ما دامت أمة واحدة واجتمعتم على التوحيد فإذا تفرقتم وخالفتم فليس من خالف الحق من جملة أهل الدين الحق؛ وهو كما تقول: فلان صديقي عفيفا أي ما دام عفيفا فإذا خالف العفة لم يكن صديقي. وأما الرفع فيجوز أن يكون على البدل من {أُمَّتُكُمْ} أو على إضمار مبتدأ؛ أي إن هذه أمتكم، هذه أمة واحدة. أو يكون خبرا بعد خبر. ولو نصبت {أمتكم} على البدل من {هذه} لجاز ويكون “أمَّةٌ وَاحِدَةٌ” خبر “إن”.
الآيتان: 93 - 94 {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
قوله تعالى: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي تفرقوا في الدين؛ قال الكلبي. الأخفش: اختلفوا فيه. والمراد المشركون؛ ذمهم لمخالفة الحق، واتخاذهم آلهة من دون الله. قال الأزهري: أي تفرقوا في أمرهم؛ فنصب {أَمْرَهُمْ} بحذف “في”. فالمتقطع على هذا لازم وعلى الأول متعد. والمراد جميع الخلق؛ أي جعلوا أمرهم في أديانهم قطعا وتقسموه بينهم، فمن موحد، ومن يهودي، ومن نصراني، ومن عابد ملك أو صنم. {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} أي إلى حكمنا فنجازيهم.
قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} {مِنَ} للتبعيض لا للجنس إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات فرضها ونفلها؛ فالمعنى: من يعمل شيئا من الطاعات فرضا أو نفلا وهو موحد مسلم. وقال ابن عباس: مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم. {فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي لا جحود لعمله، أي لا يضيع جزاؤه ولا يغطي والكفر ضده الإيمان. والكفر أيضا جحود النعمة، وهو ضد الشكر. وقد كفره كفورا وكفرانا. وفي ابن مسعود {فَلا كُفْرَ لِسَعْيِهِ} . {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} لعمله حافظون. نظيره {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: 195] أي كل ذلك محفوظ ليجازي به. 

 الآيات: 95 - 97 {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ، حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}
قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} قراءة زيد بن ثابت وأهل المدينة {وَحَرَامٌ} وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وأهل الكوفة {وَحِرْمٌ} ورويت عن علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم. وهما مثل حل وحلال. وقد روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير {وَحَرِمَ} بفتح الحاء والميم وكسر الراء. وعن ابن عباس أيضا وعكرمة وأبي العالية {وَحَرُمَ} بضم الراء وفتح الحاء والميم. وعن ابن عباس أيضا {وَحَرَمَ} وعنه أيضا {وَحَرَّمَ} ، {وَحُرِّمَ}. وعن عكرمة أيضا {وَحَرِمٌ}. عن قتادة ومطر الوارق {وَحَرْمٌ} تسع قراءات. وقرأ السلمي {عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْتُهَا}. واختلف في {لا} في {لا يَرْجِعُونَ} فقيل: هي صلة؛ روي ذلك عن ابن عباس، واختاره أبو عبيد؛ أي وحرام قرية أهلكناها أن يرجعوا بعد الهلاك. وقيل: ليست بصلة، وإنما هي ثابتة ويكون الحرام بمعنى الواجب؛ أي وجب على قرية؛ كما قالت الخنساء:
وإن حراما لا أرى الدهر باكيا ... على شجوه إلا بكيت على صخر
تريد أخاها؛ فـ “لا” ثابتة على هذا القول. قال النحاس: والآية مشكلة ومن أحسن ما قيل فيها وأجله ما رواه ابن عيينة وابن علية وهشيم وابن إدريس ومحمد بن فضيل وسليمان بن حيان ومعلى عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن بن عباس في قول الله عز وجل: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} قال: وجب انهم لا يرجعون؛ قال: لا يتوبون. قال أبو جعفر: واشتقاق هذا بين في اللغة، وشرحه: أن معنى حرم الشيء حظر ومنع منه، كما أن معنى أحل أبيح ولم يمنع منه، فإذا كان {حَرَامٌ} و {حِرْمٌ} بمعنى واجب فمعناه أنه قد ضيق الخروج منه ومنع فقد دخل في باب المحظور بهذا؛ فأما قول أبي عبيدة: إن {لا} زائدة فقد رده عليه جماعة؛ لأنها لا تزاد في مثل هذا الموضع، ولا فيما يقع فيه إشكال، ولو كانت زائدة لكان التأويل بعيدا أيضا؛ لأنه إن أراد وحرام على قرية أهلكناها أن يرجعوا إلى الدنيا فهذا ما لا فائدة فيه، وإن أراد التوبة فالتوبة لا تحرم. وقيل: في الكلام إضمار أي وحرام على قرية حكمنا باستئصالها، أو بالختم على قلوبها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون؛ قال الزجاج وأبو علي؛ و {لا} غير زائدة. وهذا هو معنى قول ابن عباس.
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} تقدم القول فيهم. وفي الكلام حذف، أي حتى إذا فتح سد يأجوج ومأجوج، مثل {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قال ابن عباس: من كل شرف يقبلون؛ أي لكثرتهم ينسلون من كل ناحية. والحدب ما ارتفع من الأرض، والجمع الحداب مأخوذ من حدبة الظهر؛ قال عنترة:
فما رعشت يداي ولا ازدهاني ... تواترهم إلي إلي من الحداب
وقيل: {يَنْسِلُونَ} يخرجون؛ ومنه قول امرئ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
وقيل: يسرعون؛ ومنه قول النابغة:
عسلان الذئب أمسى قاربا ... برد الليل عليه فنسل
يقال: عسل الذئب يعسل عسلا وعسلانا إذا أعنق وأسرع. وفي الحديث: "كذب عليك العسل" أي عليك بسرعة المشي. وقال الزجاج: والنسلان مشية الذئب إذا أسرع؛ يقال: نسل فلان في العدو ينسل بالكسر والضم نسلا ونسولا ونسلانا؛ أي أسرع. ثم قيل في الذين ينسلون من كل حدب: إنهم يأجوج ومأجوج، وهو الأظهر؛ وهو قول ابن مسعود وابن عباس. وقيل: جميع الخلق؛ فإنهم يحشرون إلى أرض الموقف، وهم يسرعون من كل صوب. وقرئ في الشواذ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ جَدَثٍ يَنْسِلُونَ} أخذا من قوله: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]. وحكى هذه القراءة المهدوي عن ابن مسعود والثعلبي عن مجاهد وأبي الصهباء.
قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} يعني القيامة. وقال الفراء والكسائي وغيرهما: الواو زائدة مقحمة؛ والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق {فَاقْتَرَبَ} جواب “إذا”. وأنشد الفراء:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
أي انتحى، والواو زائدة؛ ومنه قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ} [الصافات: 103 - 104] أي للجبين ناديناه. وأجاز الكسائي أن يكون جواب “إذا” {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ويكون قوله: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} معطوفا على الفعل الذي هو شرط. وقال البصريون: الجواب محذوف والتقدير: قالوا يا ويلنا؛ وهو قول الزجاج، وهو قول حسن. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعبد هُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] المعنى: قالوا ما نعبد هم، وحذف القول كثير. {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ} {هِيَ} ضمير الأبصار، والأبصار المذكورة بعدها تفسير لها كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا شخصت عند مجيء الوعد. وقال الشاعر:
لعمر أبيها لا تقول ظعينتي ... ألا فرَّ عني مالك بن أبي كعب فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها. وقال الفراء: “هي” عماد، مثل {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ} [الحج: 46]. وقيل: إن الكلام تم قول “هي” التقدير: فإذا هي؛ بمعنى القيامة بارزة واقعة؛ أي من قربها كأنها آتية حاضرة ابتداء فقال: {أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} على تقديم الخبر على الابتداء؛ أي أبصار الذين كفروا شاخصة من هذا اليوم؛ أي من هوله لا تكاد تطرف؛ يقولون: يا ويلنا إنا كنا ظالمين ووضعنا العبادة في غير موضعها. الآية: 98 {إِنَّكُمْ وَمَا تَعبد ونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}
فيه أربع مسائل:-
الأولى: قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعبد ونَ} قال ابن عباس: آية لا يسألني الناس عنها! لا أدري أعرفوها فلم يسألوا عنها، أو جهلوها فلا يسألون عنها؛ فقيل: وما هي؟ قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعبد ونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} لما أنزلت شق على كفار قريش، وقالوا: شتم آلهتنا، وأتوا ابن الزبعرى وأخبروه، فقال: لو حضرته لرددت عليه. قالوا: وما كنت تقول؟ قال: كنت أقول له: هذا المسيح تعبد ه اليهود تعبد عزيرا أفهما من حصب جهنم؟ فعجبت قريش من مقالته، ورأوا أن محمدا قد خصم؛ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] وفيه نزل {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً} [الزخرف: 57] يعني ابن الزبعرى {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] بكسر الصاد؛ أي يضجون؛ وسيأتي.
الثانية: هذه الآية أصل القول بالعموم وأن له صيغا مخصوصة، خلافا لمن قال: ليست له صيغة موضوعة للدلالة عليه، وهو باطل بما دلت عليه هذه الآية وغيرها؛ فهذا عبد الله بن الزبعرى قد فهم “ما” في جاهليته جميع من عبد، ووافقه على ذلك قريش وهم العرب الفصحاء، واللسن البلغاء، ولو لم تكن للعموم لما صح أن يستثنى منها، وقد وجد ذلك فهي للعموم وهذا واضح.
الثالثة: قراءة العامة بالمهملة أي إنكم يا معشر الكفار والأوثان التي تعبد ونها من دون الله وقود جهنم؛ قال ابن عباس قال مجاهد وعكرمة وقتادة: حطبها. وقرأ علي بن أبي طالب وعائشة رضوان الله عليهما {حَطَبُ جَهَنَّمَ} بالطاء. وقرأ ابن عباس {حَضبُ} بالضاد المعجمة؛ قال الفراء: يريد الحصب. قال: وذكر لنا أن الحضب في لغة أهل اليمن الحطب، وكل ما هيجت به النار وأوقدتها به فهو حضب؛ ذكره الجوهري. والموقد محضب. وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} كل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به. ويظهر من هذه الآية أن الناس من الكفار وما يعبد ون من الأصنام حطب لجهنم. ونظير هذه الآية قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24]. وقيل: إن المراد بالحجارة حجارة الكبريت؛ على ما تقدم في "البقرة" وأن النار لا تكون على الأصنام عذابا ولا عقوبة؛ لأنها لم تذنب، ولكن تكون عذابا على من عبد ها: أول شيء بالحسرة، ثم تجمع على النار فتكون نارها أشد من كل نار، ثم يعذبون بها. وقيل: تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم وقيل: إنما جعلت في النار تبكيتا لعبادتهم.
قوله تعالى: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} أي فيها داخلون. والخطاب للمشركين عبد ه الأصنام؛ أي أنتم واردوها مع الأصنام. ويجوز أن يقال: الخطاب للأصنام وعبد تها؛ لأن الأصنام وإن كانت جمادات فقد يخبر عنها بكنايات الآدميين. وقال العلماء: لا يدخل في هذا عيسى ولا عزير ولا الملائكة صلوات الله عليهم؛ لأن “ما” لغير الآدميين. فلو أراد ذلك لقال: “ومن”. قال الزجاج: ولأن المخاطبين بهذه الآية مشركو مكة دون غيرهم.
الآيتان: 99 - 100 {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ}
قوله تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} أي لو كانت الأصنام آلهة لما ورد عابدوها النار. وقيل: ما وردها العابدون والمعبودون؛ ولهذا قال: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} أي لهؤلاء الذين وردوا النار من الكفار والشياطين؛ فأما الأصنام فعلى الخلاف فيها؛ هل يحييها الله تعالى ويعذبها حتى يكون لها زفير أو لا؟ قولان: والزفير صوت نفس المغموم يخرج من القلب. وقد تقدم في “هود”. {وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} قيل: في الكلام حذف؛ والمعنى وهم فيها لا يسمعون شيئا؛ لأنهم يحشرون صما، كما قال الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء: 97]. وفي سماع الأشياء روح وأنس، فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل: لا يسمعون ما يسرهم، بل يسمعون صوت من يتولى تعذيبهم من الزبانية. وقيل: إذا قيل لهم {اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] يصيرون حينئذ صما بكما؛ كما قال ابن مسعود: إذا بقي من يخلد في النار في جهنم جعلوا في توابيت من نار، ثم جعلت التوابيت في توابيت أخرى فيها مسامير من نار، فلا يسمعون شيئا، ولا يرى أحد منهم أن في النار من يعذب غيره. 

تفسير الدر المنثور

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب قَيْصر إِلَى مُعَاوِيَة: سَلام عَلَيْك أما بعد
فأنبئني بأكرم عباد الله عَلَيْهِ وَأكْرم إمائه عَلَيْهِ
فَكتب إِلَيْهِ: أما بعد
كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي فَقلت: أمّا أكْرم عباده عَلَيْهِ فآدم خلقه بِيَدِهِ وعلّمه الْأَسْمَاء كلهَا
وأمّا أكْرم إمائه عَلَيْهِ فمريم بنت عمرَان {الَّتِي أحصنت فرجهَا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا} قَالَ: نفخ فِي جيبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: نفخ فِي فرجهَا الْآيَة 92 - 95 .

** إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: إِن هَذَا دينكُمْ دينا وَاحِدًا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} أَي دينكُمْ دين وَاحِد وربكم وَاحِد والشريعة مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميدعن الْكَلْبِيّ {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: لسانكم لِسَان وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} قَالَ: {وتقطعوا} اخْتلفُوا فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وَحرَام على قَرْيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن الزبير قَالَ: إِن صبياناً هَهُنَا يقرؤون وَحرم على قَرْيَة وَإِنَّمَا هِيَ {وَحرَام على قَرْيَة}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {وَحرَام على قَرْيَة} بِالْألف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: وَجب إهلاكها
قَالَ: دمرناها {أَنهم لَا يرجعُونَ} قَالَ: إِلَى الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَحرم على قَرْيَة قَالَ: وَجب على قَرْيَة {أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} كَمَا قَالَ: (ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ) (يس آيَة 31)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف وَحرم على قَرْيَة فَقيل لسَعِيد: أَي شَيْء حرم قَالَ: يحرم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب {على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: كتبنَا عَلَيْهَا الْهَلَاك فِي دينهَا {أَنهم لَا يرجعُونَ} عَمَّا هم عَلَيْهِ

** وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب بالحبشية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَحرَام على قَرْيَة} أَي وَجب عَلَيْهَا أَنَّهَا إِذا أهلكت لَا ترجع إِلَى دنياها الْآيَة 96 - 97 .

 ** حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)

أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {حَتَّى إِذا فتحت} خَفِيفَة {يَأْجُوج وَمَأْجُوج} مَهْمُوزَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: جَمِيع النَّاس من كَانَ مَكَان جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: من كل أكمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من كل حدب} قَالَ: شرف {يَنْسلونَ} قَالَ: يقبلُونَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ينشرون من جَوف الأَرْض من كل نَاحيَة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: فَأَما يومهم فَيوم سوء تخطفهن بالحدب الصقور وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج} قَالَ: هَذَا مُبْتَدأ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ من كل جدث بِالْجِيم والثاء مثل قَوْله: {فَإِذا هم من الأجداث إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} (يس آيَة 51) وَهِي الْقُبُور
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:  يفتح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيخْرجُونَ على النَّاس كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فيغشون النَّاس وينحاز الْمُسلمُونَ عَنْهُم إِلَى مدائنهم وحصونهم ويضمون إِلَيْهِم مَوَاشِيهمْ وَيَشْرَبُونَ مياه الأَرْض حَتَّى يَتْرُكُوهُ يبساً حَتَّى إِن بَعضهم ليمر بذلك النَّهر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
حَتَّى إِذا لم يبْق من النَّاس أحد إِلَّا أَخذ فِي حصن أَو مَدِينَة قَالَ قَائِلهمْ: هَؤُلَاءِ أهل الأَرْض قد فَرغْنَا مِنْهُم وَبَقِي أهل السَّمَاء
قَالَ: يهز أحدهم حربته ثمَّ يَرْمِي بهَا إِلَى السَّمَاء فترجع إِلَيْهِ مخضبة دَمًا للبلاء والفتنة فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله دوداً فِي أَعْنَاقهم كنغف الْجَرَاد يخرج فِي أعناقه فيصبحون موتى لَا يسمع لَهُم حس فَيَقُول الْمُسلمُونَ: أَلا رجل يشري لنا نَفسه فَينْظر مَا فعل هَؤُلَاءِ الْعَدو فيتجرد رجل مِنْهُم محتسباً نَفسه قد أوطنها على أَنه مقتول فَينزل فيجدهم موتى بَعضهم على بعض فينادي معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا إِن الله قد كفاكم عَدوكُمْ  فَيخْرجُونَ من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مَوَاشِيهمْ فَمَا يكون لَهَا مرعى إِلَّا لحومهم فتشكر عَنهُ أحسن مَا شكرت عَن شَيْء من النَّبَات أَصَابَته قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقِيت لَيْلَة أسرِي بِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا أَمر السَّاعَة فَردُّوا أَمرهم إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى مُوسَى فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى عِيسَى فَقَالَ: أما وجبتهُّا فَلَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله وَفِيمَا عهد إليّ رَبِّي أَن الدَّجَّال خَارج وَمَعِي قضيبان فَإِذا رَآنِي ذاب كَمَا يذوب الرصاص فيهلكه الله إِذا رَآنِي حَتَّى أَن الْحجر وَالشَّجر يَقُول: يَا مُسلم إِن تحتي كَافِرًا فتعال فاقتله
فيهلكهم الله ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ لَا يأْتونَ على شَيْء إِلَّا أهلكوه وَلَا يَمرونَ على مَاء إِلَّا شربوه ثمَّ يرجع النَّاس يَشْكُونَهُمْ فأدعو الله عَلَيْهِم فيهلكهم ويميتهم حَتَّى تجْرِي الأَرْض من نَتن ريحهم وَينزل الله الْمَطَر فيجترف أَجْسَادهم حَتَّى يقذفهم فِي الْبَحْر
وَفِيمَا عهد إِلَيّ رَبِّي إِذا كَانَ ذَلِك أَن السَّاعَة كالحامل المتم لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفجأهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا
قَالَ ابْن مَسْعُود: فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق} الْآيَة
قَالَ: جَمِيع النَّاس من مَكَان كَانُوا جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خَالِد بن عبد الله بن حَرْمَلَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: خطب رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عاصب أُصْبُعه من لدغة عقرب فَقَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ لَا عدوّ لكم وَإِنَّكُمْ لَا تزالون تقاتلون عدوا حَتَّى يَأْتِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون صهب الشفار من كل حدب يَنْسلونَ كَانَ وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أبي يزِيد قَالَ: رأى ابْن عَبَّاس صبياناً ينزو بَعضهم على بعض يَلْعَبُونَ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَكَذَا يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال ذَات غَدَاة فخفض فِيهِ رفع حَتَّى ظننا أَنه فِي نَاحيَة النّخل فَقَالَ: غير الدَّجَّال أخوفني عَلَيْكُم فَإِن خرج وَأَنا فِيكُم فَأَنا حجيجه دونكم وَإِن يخرج وَلست فِيكُم فَكل امْرِئ حجيج نَفسه وَالله خليفتي على كل مُسلم  إِنَّه شَاب جعد قطط عينه طافئة وَإنَّهُ تخرج خيله بَين الشَّام وَالْعراق فعاث يَمِينا وَشمَالًا يَا عباد الله اثبتوا: قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا لبثه فِي الأَرْض قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَسَائِر الْأَيَّام كأيامكم  قُلْنَا: يَا رَسُول الله فَذَلِك الْيَوْم الَّذِي هُوَ كَسنة أتكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة قَالَ: لَا  -أقدروا لَهُ قدره
قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا أسرعه فِي الأَرْض قَالَ: كالغيث يشْتَد بِهِ الرّيح فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون لَهُ فيأمر السَّمَاء فتمطر وَالْأَرْض فتنبت وَتَروح عَلَيْهِم سارحتهم وَهِي أطول مَا كَانَ درا وأمده خواصر وأشبعه ضروعاً ويمرّ بالحي فيدعوهم فيردون عَلَيْهِ قَوْله فتتبعه أَمْوَالهم فيصبحون ممحلين لَيْسَ لَهُم من أَمْوَالهم شَيْء ويمر بالخربة فَيَقُول لَهَا: أَخْرِجِي كنوزك
فتتبعه كنوزها كيعاسيب النَّحْل وَيَأْمُر بِرَجُل فَيقْتل فيضربه ضَرْبَة بِالسَّيْفِ فيقطعه جزلتين رمية الْغَرَض ثمَّ يَدعُوهُ فَيقبل إِلَيْهِ
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله الْمَسِيح ابْن مَرْيَم فَينزل عِنْد المنارة الْبَيْضَاء شَرْقي دمشق بَين مهرودتين وَاضِعا يَده على أَجْنِحَة ملكَيْنِ فيتبعه فيدركه فيقتله عِنْد بَاب لدّ الشَّرْقِي فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك أوحى الله إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم: أَنِّي قد أخرجت عباداً من عبَادي لَا يدان لَك بقتالهم فحرز عبَادي إِلَى الطّور
فيبعث الله يَأْجُوج وَمَأْجُوج كَمَا قَالَ الله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل عَلَيْهِم نغفاً فِي رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس وَاحِدَة فيهبط عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الأَرْض فيجدون نَتن ريحهم فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل الله عَلَيْهِم طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حَيْثُ شَاءَ الله وَيُرْسل الله مَطَرا لَا يكن مِنْهُ بَيت مدر وَلَا بر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فتغسل الأَرْض حَتَّى تتركها زلفة وَيُقَال للْأَرْض: أنبتي ثمرتك فَيَوْمئِذٍ يَأْكُل النَّفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فِي الرُّسُل حَتَّى أَن اللقحة من الْإِبِل لتكفي الفئام من النَّاس واللقحة من الْبَقر تَكْفِي الْفَخْذ وَالشَّاة من الْغنم تَكْفِي الْبَيْت فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله ريحًا طيبَة تَحت آباطهم فتقبض روح كل مُسلم وَيبقى شرار النَّاس يتهارجون تهارج الْحمر وَعَلَيْهِم تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو نتجت فرس عِنْد خُرُوجهمْ مَا ركب فلوها حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول الْآيَات: الدَّجَّال ونزول عِيسَى ونار تخرج من قَعْر عدن تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وتبيت مَعَهم إِذا باتوا وَالدُّخَان وَالدَّابَّة ويأجوج وَمَأْجُوج
قَالَ حُذَيْفَة: قلت: يَا رَسُول الله مَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَم كل أمة أَرْبَعمِائَة ألف أمة
لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى يرى ألف عين تَطوف بَين يَدَيْهِ من صلبه وهم ولد آدم فيسيرون إِلَى خراب الدُّنْيَا وَيكون مقدمتهم بِالشَّام وساقتهم بالعراق فيمرون بأنهار الدُّنْيَا فيشربون الْفُرَات ودجلة وبحيرة طبرية حَتَّى يأْتونَ بَيت الْمُقَدّس فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا أهل الدُّنْيَا فَقَاتلُوا من فِي السَّمَاء فيرمون بالنشاب إِلَى السَّمَاء فترجع نشابتهم مخضبة بِالدَّمِ فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا من فِي السَّمَاء
وَعِيسَى والمسلمون بجبل طور سينين فَيُوحِي الله إِلَى عِيسَى: أَن أحرز عبَادي بِالطورِ وَمَا يَلِي أَيْلَة ثمَّ إِن عِيسَى يرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء ويؤمن الْمُسلمُونَ فيبعث الله عَلَيْهِم دَابَّة يُقَال لَهَا النغف
تدخل فِي مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشَّام إِلَى حاق الْمشرق حَتَّى تنتن الأَرْض من جيفهم وَيَأْمُر الله السَّمَاء فتمطر كأفواه الْقرب فتغسل الأَرْض من جيفهم ونتنهم فَعِنْدَ ذَلِك طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا

 === وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فيموجون فِي الأَرْض فيفسدون فِيهَا
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم دَابَّة مثل النغف فتلج فِي أسماعهم ومناخرهم فيموتون مِنْهَا فتنتن الأَرْض مِنْهُم فَيُرْسل الله مَاء فيطهر الأَرْض مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَلَا يتركون أحدا إِلَّا قَتَلُوهُ إِلَّا أهل الْحُصُون فيمرون على الْبحيرَة فيشربونها فيمر الْمَار فَيَقُول: كَأَنَّهُ كَانَ هَهُنَا مَاء فيبعث الله عَلَيْهِم النغف حَتَّى يكسر أَعْنَاقهم فيصيروا خبالاً فَيَقُول أهل الْحُصُون: لقد هلك أَعدَاء الله
فيرسلون رجلا لينْظر ويشرط عَلَيْهِم إِن وجدهم أَحيَاء أَن يرفعوه فيجدهم قد هَلَكُوا
فَينزل الله مَاء من السَّمَاء فيقذف بهم فِي الْبَحْر فَتطهر الأَرْض مِنْهُم ويغرس النَّاس بعدهمْ الشّجر وَالنَّخْل وَتخرج الأَرْض ثَمَرهَا كَمَا كَانَت تخرج فِي زمن يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: إِذا كَانَ عِنْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج حفروا حَتَّى يسمع الَّذِي يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي غَدا نخرج
فيعيده الله كَمَا كَانَ فيجيئون غَدا فيحفرون حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي فنخرج فيجيئون من الْغَد فيجدونه قد أَعَادَهُ الله تَعَالَى كَمَا كَانَ فيحفرونه حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل ألْقى الله على لِسَان رجل مِنْهُم يَقُول: نجيء غَدا فنخرج إِن شَاءَ الله
فيجيئون من الْغَد فيجدونه كَمَا تَرَكُوهُ فيخرقون ثمَّ يخرجُون فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ثمَّ تمر الزمرة الثَّانِيَة فيلحسون طينها ثمَّ تمر الزمرة الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ: كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
ويفر النَّاس مِنْهُم وَلَا يقوم لَهُم شَيْء ويرمون بسهامهم إِلَى السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: غلبنا أهل الأَرْض وَأهل السَّمَاء فيدعو عَلَيْهِم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: اللَّهُمَّ لَا طَاقَة وَلَا يَد لنا بهم فاكفناهم بِمَا شِئْت
فَيُرْسل الله عَلَيْهِم دوداً يُقَال لَهُ: النغف فتقرس رقابهم وَيبْعَث الله عَلَيْهِم طيراً فتأخذهم بمناقيرها فتلقيهم فِي الْبَحْر وَيبْعَث الله تَعَالَى عينا يُقَال لَهَا الْحَيَاة تطهر الأَرْض مِنْهُم وينبتها حَتَّى أَن الرمانة ليشبع مِنْهَا السكن قيل: وَمَا السكن يَا كَعْب قَالَ: أهل الْبَيْت
قَالَ: فَبينا النَّاس كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم الصُّرَاخ أَن ذَا السويقتين أَتَى الْبَيْت يُريدهُ
فيبعث عِيسَى طَلِيعَة سَبْعمِائة أَو بَين السبعمائة والثمانمائة حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق يبْعَث الله ريحًا يَمَانِية طيبَة فَيقبض فِيهَا روح كل مُؤمن ثمَّ يبْقى محاح من النَّاس فيتسافدون كَمَا تتسافد الْبَهَائِم فَمثل السَّاعَة كَمثل رجل يطِيف حول فرسه ينظرها مَتى تضع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: مَا كَانَ مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا رَأس مائَة سنة إِلَّا كَانَ عِنْد رَأس الْمِائَة أَمر
قَالَ: فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وهم كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فَيَأْتِي أوّلهم على نهر عجاج فيشربونه كُله حَتَّى مَا يبْقى مِنْهُ قَطْرَة وَيَأْتِي آخِرهم فيمر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء فيفسدون فِي الأَرْض ويحاصرون الْمُؤمنِينَ فِي مَدِينَة إليا فيقولن: لم يبْق فِي الأَرْض أحد إِلَّا قد ذبحناه
هلموا نرمي من فِي السَّمَاء
فيرمون فِي السَّمَاء فترجع إِلَيْهِم سِهَامهمْ فِي نصلها الدَّم فَيَقُولُونَ: مَا بَقِي فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء أحد إِلَّا وَقد قَتَلْنَاهُ
فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله عَلَيْهِم
فيدعو عَلَيْهِم فيبعث الله فِي آذانهم النغف فيقتلهم جَمِيعًا فِي لَيْلَة وَاحِدَة حَتَّى تنتن الأَرْض من جيقهم فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله فَإنَّا نخشى أَن نموت من نَتن جيفهم
فيدعو الله فَيُرْسل عَلَيْهِم وابلاً من السَّمَاء فيجعلهم سيلاً فيقذفهم فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن رجلا اقتنى فلواً بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج لم يركبه حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليحجن هَذَا الْبَيْت وليعتمرن بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: اقْترب يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عَن الرّبيع {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: قَامَت عَلَيْهِم السَّاعَة الْآيَة 98 - 104 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...