تفسير الأيات من سورة الأعراف {120 الي130}
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
الأعراف - تفسير ابن كثير
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)
{ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) }
يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى، عليه السلام، في ذلك الموقف العظيم، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه، { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ } أي: تأكل { مَا يَأْفِكُونَ } أي: ما يلقونه ويوهمون أنه حق، وهو باطل.
قال ابن عباس: فجعلت لا تَمُرّ بشيء (1) من حبالهم ولا من خُشُبهم (2) إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء، وليس هذا بسحر، فخروا سجدا وقالوا: { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
وقال محمد بن إسحاق: جعلت تبتلع (3) تلك الحبال والعصى واحدة، واحدة حتى ما يُرَى
__________
(1) في أ: "على شيء".
(2) في أ: "عصيهم".
(3) في أ: "تتبع".
قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا { قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } لو كان هذا ساحرا ما غُلبنا.
وقال القاسم بن أبي بَزَّة: أوحى الله إليه أن ألق عصاك، فألقى عصاه، فإذا هي ثعبان فاغرٌ فَاهُ، يبتلع (1) حبالهم وعصيهم. فألقي السحرة عند ذلك سجدا، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما.
{ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) }
يخبر تعالى عما توعد به فرعون، لعنه الله، السحرة لما آمنوا بموسى، عليه السلام، وما أظهره للناس من كيده ومكره في قوله: { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي: إن غَلَبَه لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، كقوله في الآية الأخرى: { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ } [طه:70] وهو يعلم وكلّ من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل؛ فإن موسى، عليه السلام، بمجرد ما جاء من "مَدْين" دعا فرعون إلى الله، وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به، فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته، فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر، ممن اختار هو والملأ من قومه، وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل. وقد كانوا من أحرص الناس على ذلك، وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون، وموسى، عليه السلام، لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجَهَلتهم، كما قال تعالى: { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } [الزخرف:54] فإن قوما صدّقوه في قوله: { أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى } [النازعات:24] من أجْهَل خلق الله وأضلهم.
وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة، في قوله تعالى: { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ } قاوا: التقى موسى، عليه السلام، وأميرُ السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر، فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق. وفرعون ينظر إليهما، قالوا: فلهذا قال ما قال.
وقوله: { لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا } أي: تجتمعوا أنتم وهو، وتكون لكم (2) دولة وصولة، وتخرجوا
__________
(1) في م: "يبلع".
(2) في ك، م: "لهم".
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
منها الأكابر والرؤساء، وتكون الدولة والتصرف لكم، { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي: ما أصنع بكم.
ثم فسر هذا الوعيد بقوله: { لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ } يعني: يقطع يد الرّجُل اليمنى ورجْله اليسرى أو بالعكس. و { لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } وقال في الآية الأخرى: { فِي جُذُوعِ النَّخْلِ } [طه:71] أي: على الجذوع.
قال ابن عباس: وكان (1) أولَ من صلب، وأولَ من قطع الأيدي والأرجل من خلاف، فرعون.
وقول السحرة: { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } أي: قد تحققنا أنا إليه راجعون، وعذابه أشد من عذابك، ونكاله (2) ما تدعونا إليه، وما أكرهتنا عليه من السحر، أعظم (3) من نكالك، فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص من عذاب الله، لما قالوا: { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } أي: عمنا بالصبر على دينك، والثبات عليه، { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } أي: متابعين لنبيك موسى، عليه السلام. وقالوا لفرعون: { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُالدَّرَجَاتُ الْعُلا } [طه:72-75] فكانوا في أول النهار سحرة، فصاروا في آخره (4) شهداء بررة.
قال ابن عباس، وعُبَيد بن عُمَيْر، وقتادة، وابن جُرَيْج: كانوا في أول النهار سحرة، وفي آخره شهداء.
{ وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) }
يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه، وما أظهروه (5) لموسى، عليه السلام، وقومه من الأذى والبغضة: { وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } أي: لفرعون { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ } أي: أتدعهم ليفسدوا في الأرض، أي: يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، يالله للعجب ! صار (6) هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون؛ ولهذا قالوا: { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } قال بعضهم: "الواو" هنا حالية، أي: أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك؟
__________
(1) في م، أ: "فكان".
(2) في أ: "ونكاله على ".
(3) في د: "أشد".
(4) في ك، م، أ: "في آخر النهار".
(5) في ك، م، أ: "أضمروه"، وفي د: "أضمروا".
(6) في أ: "صاروا".
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
وقرأ ذلك أُبيّ بن كعب: "وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك"، حكاه ابن جرير.
وقال آخرون: هي عاطفة، أي: لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم (1) عليه وعلى تركه آلهتك.
وقرأ بعضهم: "إلاهتك" أي: عبادتك، ورُوي ذلك عن ابن عباس ومجاهد.
وعلى القراءة الأولى قال بعضهم: كان لفرعون إله يعبده. قال الحسن البصري: كان لفرعون إله يعبده في السر. وقال في رواية أخرى: كان له (2) جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها.
وقال السدي في قوله تعالى: { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } وآلهته، فيما زعم ابن عباس، كانت البقر، كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها، فلذلك أخرج لهم عجلا جسدا.
فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله: { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى، عليه السلام، حذرا من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه [هذا] (3) أيضا، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد: نصرهم الله عليه وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده.
ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل، { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا } ووعدهم بالعاقبة، وأن الدار ستصير لهم في قوله: { إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } أي: قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك. فقال منبهًا لهم على حالهم الحاضرة (4) وما يصيرون (5) إليه في ثاني الحال: { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ [ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ] } (6) وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر، عند حلول النعم وزوال النقم.
{ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
__________
(1) في أ: "أقررتم".
(2) في ك، م، أ: "لفرعون".
(3) زيادة من م، أ.
(4) في ك، د، م: "الحاضر".
(5) في د: "يصير".
(6) زيادة من د، ك، م، وفي هـ: "الآية".
الأعراف - تفسير القرطبي
الآيات: 118 - 122 {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}
قوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ} قال مجاهد: فظهر الحق. {وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} نصب على الحال. والفعل منه صغر يصغر صغرا وصغرا وصغارا. أي انقلب قوم فرعون وفرعون معهم أذلاء مقهورين مغلوبين. فأما السحرة فقد آمنوا.
الآيتان: 123 - 124 {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}
قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} إنكار منه عليهم. {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا}
الآية:124 {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}
الآية: 125 {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ}
الآية: 126 {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}
قوله تعالى {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} إنكار منه عليهم .{إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} أي جرت بينكم وبينه مواطأة في هذا لتستولوا على مصر، أي كان هذا منكم في مدينة مصر قبل أن تبرزوا إلى هذه الصحراء
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديدا لهم. قال ابن عباس: كان فرعون أول من صلب، وقطع الأيدي والأرجل من خلاف، الرجل اليمنى واليد اليسرى، واليد اليمنى والرجل اليسرى، عن الحسن.
قوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا} قرأ الحسن بفتح القاف. قال الأخفش: هي لغة يقال: نقمت الأمر ونقمته أنكرته، أي لست تكره منا سوى أن آمنا بالله وهو الحق. {لَمَّا جَاءَتْنَا} آياته وبيناته. {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً} الإفراغ الصب، أي اصببه علينا عند القطع والصلب. {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} فقيل: إن فرعون أخذ السحرة وقطعهم على شاطئ النهر، وإنه آمن بموسى عند إيمان السحرة ستمائة ألف.
الآيتان: 127 - 128 {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}
قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي بإيقاع الفرقة وتشتيت الشمل. {وَيَذَرَكَ} بنصب الراء جواب الاستفهام، والواو نائبة عن الفاء. {وَآلِهَتَكَ} قال الحسن: كان فرعون يعبد الأصنام، فكان يعبد ويعبد. قال سليمان التيمي: بلغني أن فرعون كان يعبد البقر. قال التيمي: فقلت للحسن هل كان فرعون يعبد شيئا؟ قال نعم؛ إنه كان يعبد شيئا كان قد جعل في عنقه. وقيل: معنى {وآلهتك} أي وطاعتك، كما قيل في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] إنهم ما عبدوهم ولكن أطاعوهم؛ فصار تمثيلا. وقرأ نعيم بن ميسرة {وَيَذَرُكَ} بالرفع على تقدير وهو يذرك. وقرأ الأشهب العقيلي {ويَذَرْك} مجزوما مخفف يذرك لثقل الضمة. وقرأ أنس ابن مالك {ونذرُك} بالرفع والنون. أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حيا. وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس والضحاك {وإلاَ هتك} ومعناه وعبادتك. وعلى هذه القراءة كان يعبد ولا يعبد، أي ويترك عبادته لك. قال أبو بكر الأنباري: فمن مذهب أصحاب هذه القراءة أن فرعون لما قال {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24] و {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] نفى أن يكون له رب مع الإهة. فقيل له: ويذرك وإلاهتك؛ بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك. وقراءة العامة {وَآلِهَتَكَ}كما تقدم، وهي مبنية على أن فرعون ادعى الربوبية في ظاهر أمره وكان يعلم أنه مربوب. ودليل هذا قوله عند حضور الحمام {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ} [يونس: 90] فلم يقبل هذا القول منه لما أتى به بعد إغلاق باب التوبة. وكان قبل هذا الحال له إله يعبده سرا دون رب العالمين جل وعز؛ قال الحسن وغيره. وفي حرف أبي {أَتَذَر مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وقد تَرَكُوكَ أن يَعْبُدُوك}. وقيل: {وإلا هتك} قيل: كان يعبد بقرة، وكان إذا استحسن بقرة أمر بعبادتها، وقال: أنا ربكم ورب هذه. ولهذا قال: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً} [طه: 88]. ذكره ابن عباس والسدي. قال الزجاج: كان له أصنام صغار يعبدها قومه تقربا إليه فنسبت إليه؛ ولهذا قال: "أنا ربكم الأعلى". قال إسماعيل بن إسحاق: قول فرعون {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} . يدل على أنهم كانوا يعبدون شيئا غيره. وقد قيل: إن المراد بالإلاهة على قراءة ابن عباس البقرة التي كان يعبدها. وقيل: أرادوا بها الشمس وكانوا يعبدونها. قال الشاعر:
وأعجلنا الإلاهة أن تؤوبا
ثم آنس قومه فقال {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} بالتخفيف، قراءة نافع وابن كثير. والباقون بالتشديد على التكثير. {وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} أي لا تخافوا جانبهم. {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} آنسهم بهذا الكلام. ولم يقل سنقتل موسى لعلمه أنه لا يقدر عليه. وعن سعيد بن جبير قال: كان فرعون قد ملئ من موسى رعبا؛ فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار. ولما بلغ قوم موسى من فرعون هذا قال لهم موسى: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ} أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر. {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي الجنة لمن اتقى. وعاقبة كل شيء: آخره، ولكنها إذا أطلقت فقيل: العاقبة لفلان فهم منه في العرف الخير.
الآية: 129 {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}
قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا} أي في ابتداء ولادتك بقتل الأبناء واسترقاق النساء. {وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي والآن أعيد علينا ذلك؛ يعنون الوعيد الذي كان من فرعون. وقيل: الأذى من قبل تسخيرهم لبني إسرائيل في أعمالهم إلى نصف النهار، وإرسالهم بقيته ليكتسبوا لأنفسهم. والأذى من بعد: تسخيرهم جميع النهار كله بلا طعام ولا شراب؛ قاله جويبر. وقال الحسن: الأذى من قبل ومن بعد واحد، وهو أخذ الجزية. {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} {عَسَى} من الله واجب؛ جدد لهم الوعد وحققه. وقد استحلفوا في مصر في زمان داود وسليمان عليهما السلام، وفتحوا بيت المقدس مع يوشع بن نون؛ كما تقدم. وروي أنهم قالوا ذلك حين خرج بهم موسى وتبعهم فرعون فكان وراءهم والبحر أمامهم، فحقق الله الوعيد بأن غرق فرعون وقومه وأنجاهم. {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي يرى ذلك العمل الذي يجب به الجزاء؛ لأن الله لا يجازيهم على ما يعلمه منهم؛ إنما يجازيهم على ما يقع منهم.
الآية: 130 {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} يعني الجدوب. وهذا معروف في اللغة؛ يقال: أصابتهم سنة، أي جدب. وتقديره جدب سنة. وفي الحديث: "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف". ومن العرب من يعرب النون في السنين؛ وأنشد الفراء:
أرى مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال
قال النحاس: وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون؛ ولكن أنشد في هذا ما لا يجوز غيره، وهو قوله: وقد جاوزت رأس الأربعين
وحكى الفراء عن بني عامر أنهم يقولون: أقمت عنده سنينا يا هذا؛ مصروفا. قال: وبنو تميم لا يصرفون ويقولون: مضت له سنين يا هذا. وسنين جمع سنة، والسنة هنا بمعنى الجدب لا بمعنى الحول. ومنه أسنت القوم أي أجدبوا. قال عبدالله بن الزبعرى:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
{لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} أي ليتعظوا وترق قلوبهم.
الأعراف - تفسير الدر المنثور
وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت السَّحَرَة سبعين رجلا أَصْبحُوا سحرة وأمسوا شُهَدَاء
وَفِي لفظ: كَانُوا سحرة فِي أول النَّهَار وشهداء آخر النَّهَار حِين قتلوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: كَانَ سحرة فِرْعَوْن اثْنَي عشر ألفا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن اسحق قَالَ: جمع لَهُ خَمْسَة عشر ألف سَاحر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ثُمَامَة قَالَ: سحرة فِرْعَوْن سَبْعَة عشر الْفَا - وَفِي لفظ: تِسْعَة عشر ألفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: كَانَ السَّحَرَة بضعَة وَثَلَاثِينَ ألفا لَيْسَ مِنْهُم رجل إِلَّا مَعَه حَبل أَو عَصا فَلَمَّا ألقوا سحروا أعين النَّاس واسترهبوهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْقَاسِم
بن أبي بزَّة قَالَ: سحرة فِرْعَوْن كَانُوا سبعين ألف سَاحر فَألْقوا سبعين ألف
حَبل وَسبعين ألف عَصا حَتَّى جعل مُوسَى يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى ألقِ عصاك -فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان فاغر فَاه فابتلع حبالهم وعصيهم
فَألْقى السَّحَرَة عِنْد ذَلِك سجدا فَمَا رفعوا رؤوسهم حَتَّى رَأَوْا الْجنَّة
وَالنَّار وثواب أَهلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: كَانَت السَّحَرَة الَّذين تَوَفَّاهُم الله مُسلمين ثَمَانِينَ ألفا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: السَّحَرَة ثَلَاثمِائَة من قرم ثَلَاثمِائَة من الْعَريش ويشكون فِي ثَلَاثمِائَة من الاسكندرية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالُوا إنَّ لنا لأجرا} أَي إِن لنا لعطاء وفضيلة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَمَّا ألقوا} قَالَ: ألقوا حِبَالًا غلاظاً وخشباً طوَالًا فَأَقْبَلت تخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك} قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى أَن ألق مَا فِي يَمِينك فَألْقى عَصَاهُ فَأكلت كل حَيَّة فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك سجدوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك} فَألْقى عَصَاهُ فتحولت حَيَّة فَأكلت سحرهم كُله وعصيهم وحبالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تلقف مَا يأفكون} قَالَ: يكذبُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {تلقف مَا يأفكون} قَالَ: تسترط حبالهم وعصيهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن السَّحَرَة قَالُوا حِين اجْتَمعُوا
إِن يَك ماجاء بِهِ سحرًا فَلَنْ يغلب وَإِن يَك من الله فسترون
فَلَمَّا ألْقى عَصَاهُ أكلت مَا افكوا من سحرهم وعادت كَمَا كَانَت علمُوا أَنه من الله فَألْقوا عِنْد ذَلِك ساجدين قَالُوا: آمنا بِرَبّ الْعَالمين
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة قَالَ: التقى مُوسَى وأمير السَّحَرَة فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أريتك إِن غلبتك أتؤمن بِي وَتشهد أَن مَا جِئْت بِهِ حق قَالَ السَّاحر: لآتينَّ غَدا بِسحر لَا يغلبه سحر فو الله لَئِن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أَنَّك حق وَفرْعَوْن ينظر إِلَيْهِم وَهُوَ قَول فِرْعَوْن: إِن هَذَا لمكر مكرتموه فِي الْمَدِينَة إِذْ التقيتما لتظاهر أفتخرجا مِنْهَا أَهلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَوَقع الْحق} قَالَ: ظهر {وَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَالَ: ذهب الإِفك الَّذِي كَانُوا يعْملُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَألقى السَّحَرَة ساجدين} قَالَ: رَأَوْا مَنَازِلهمْ تبنى لَهُم وهم فِي سجودهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن اأاوزاعي قَالَ: لما خرَّ السَّحَرَة سجدا رفعت لَهُم الْجنَّة حَتَّى نظرُوا إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِن هَذَا لمكر مكرتموه فِي الْمَدِينَة} إِذْ التقيتما لتظاهر افتخرجا مِنْهَا أَهلهَا {لأقطعن أَيْدِيكُم} الْآيَة
قَالَ: قَتلهمْ وقطعهم كَمَا قَالَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَ من رُؤُوس السَّحَرَة الَّذين جمع فِرْعَوْن لمُوسَى فِيمَا بَلغنِي سَابُور وعاذور وحطحط ومصفى
أَرْبَعَة هم الَّذين آمنُوا حِين رَأَوْا مَا رَأَوْا من سُلْطَان الله فآمنت مَعَهم السَّحَرَة جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أول من صلب فِرْعَوْن وَهُوَ أول من قطع الْأَيْدِي والأرجل من خلاف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما ألقوا مَا فِي أَيْديهم من السحر ألْقى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين فتحت فَماً لَهَا مثل الرَّحَى فَوضعت مشفرها على الأَرْض وَرفعت المشفر الآخر فاستوعبت كل شَيْء ألقوه من حبالهم وعصيهم ثمَّ جَاءَ إِلَيْهَا فَأَخذهَا فَصَارَت عَصا كَمَا كَانَت فخرت بَنو إِسْرَائِيل سجدا وَقَالُوا: آمنا بِرَبّ مُوسَى وَهَارُون قَالَ {آمنتم لَهُ قبل أَن آذن لكم} الْآيَة
قَالَ: فَكَانَ أول من قطع من خلاف وَأول من صلب فِي الأَرْض فِرْعَوْن
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لأقطعن أَيْدِيكُم وأرجلكم من خلاف} قَالَ: يدا من هَهُنَا ورجلاً من هَهُنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا أول النَّهَار سحرة وَآخره شُهَدَاء
تفسير- الْآيَة (127 - 128)
وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ (ويذرك وإلاهتك) قَالَ: عبادتك وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ فِرْعَوْن يُعبد وَلَا يَعبد
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الضَّحَّاك {{مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس (ويذرك وإلاهتك) قَالَ: يتْرك عبادتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ويذرك وآلهتك} قَالَ: وعبادتك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك
أَنه قَالَ: كَيفَ تقرأون هَذِه الْآيَة {ويذرك} قَالُوا: ويذرك وآلهتك
فَقَالَ الضَّحَّاك: إِنَّمَا هِيَ الأهتك أَي عبادتك أَلا ترى أَنه يَقُول أَنا ربكُم الْأَعْلَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس لَيْسَ يعنون الْأَصْنَام إِنَّمَا يعنون بآلهتك تعظيمك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: لَيْسَ يعنون بِهِ الْأَصْنَام إِنَّمَا يعنون تَعْظِيمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: قَرَأت على بكر بن عبد الله {ويذرك وآلهتك} قَالَ بكر: أتعرف هَذَا فِي العربيه فَقلت: نعم
فجَاء الْحسن فاستقرأني بكر فقرأتها كَذَلِك فَقَالَ الْحسن {ويذرك وآلهتك} فَقلت لِلْحسنِ: أَو كَانَ يعبد شيا قَالَ: أَي وَالله ان كَانَ ليعبد
قَالَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ: بَلغنِي أَنه كَانَ يَجْعَل فِي عُنُقه شَيْئا يعبده قَالَ: وَبَلغنِي أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يعبد الْبَقر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ويذرك وآلهتك} قَالَ: كَانَ فِرْعَوْن لَهُ آلِهَة يَعْبُدهَا سرا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما آمَنت السَّحَرَة اتبع مُوسَى سِتّمائَة ألف من بني إِسْرَائِيل
تفسير - الْآيَة (129)
قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالُوا أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} قَالَ: من قبل ارسال الله إياك وَمن بعده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه فِي الْآيَة قَالَ: قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى: كَانَ فِرْعَوْن يكلفنا اللَّبن قبل أَن تَأْتِينَا فَلَمَّا جِئْت كلفنا اللَّبن مَعَ التِّبْن أَيْضا فَقَالَ مُوسَى: أَي رب أهلك فِرْعَوْن حَتَّى مَتى تبقيه
فَأوحى الله إِلَيْهِم: إِنَّهُم لم يعملوا الذَّنب الَّذِي اهلكهم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قَالُوا أوذينا من قبل أَن تَأْتِينَا وَمن بعد مَا جئتنا} قَالَ: أما قبل أَن يبْعَث حزرا لعدو الله فِرْعَوْن حَاز إِنَّه يُولد فِي هَذَا الْعَام غُلَام يسلبك ملكك
قَالَ: فتتبع أَوْلَادهم فِي ذَلِك الْعَام بِذبح الذُّكُور مِنْهُم ثمَّ ذبحهم أَيْضا بَعْدَمَا جَاءَهُم مُوسَى وَهَذَا قَول نَبِي إِسْرَائِيل يَشكونَ إِلَى مُوسَى
فَقَالَ لَهُم مُوسَى {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن بِنَا أهل الْبَيْت يفتح وَيخْتم فَلَا بُد أَن تقع دولة لبني هَاشم فانظروا فِيمَن تَكُونُوا من بني هَاشم وَفِيهِمْ نزلت {عَسى ربكُم أَن يهْلك عَدوكُمْ ويستخلفكم فِي الأَرْض فَينْظر كَيفَ تَعْمَلُونَ}
تفسير- الْآيَة (130)
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: السنون الْجُوع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: الجوائح {وَنقص من الثمرات} دون ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} قَالَ: أَخذهم الله بِالسِّنِينَ بِالْجُوعِ عَاما فعاماً {وَنقص من الثمرات} فَأَما السنون فَكَانَ ذَلِك فِي باديتهم وَأهل مَوَاشِيهمْ وَأما نقص من الثمرات فَكَانَ فِي أمصارهم وقراهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن رَجَاء بن حَيْوَة فِي قَوْله {وَنقص من الثمرات} قَالَ: حَتَّى لَا تحمل النَّخْلَة إِلَّا بسرة وَاحِدَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَخذ الله آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ يبس كل شَيْء لَهُم وَذَهَبت مَوَاشِيهمْ حَتَّى يبس نيل مصر واجتمعوا إِلَى فِرْعَوْن فَقَالُوا لَهُ: إِن كنت تزْعم فأتنا فِي نيل مصر بِمَاء قَالَ: غدْوَة يصبحكم المَاء فَلَمَّا خَرجُوا من عِنْده قَالَ: أَي شَيْء صنعت انا أقدر على أَن أجري فِي نيل مصر مَاء غدْوَة أصبح فيكذبونني
فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل قَامَ واغتسل وَلبس مدرعة صوف ثمَّ خرج حافياً حَتَّى أَتَى نيل مصر فَقَامَ فِي بَطْنه فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي أعلم أَنَّك تقدر على أَن تملا نيل مصر مَاء فأملاه فَمَا علم إِلَّا بخرير المَاء يقبل فَخرج وَأَقْبل النّيل يزخ بِالْمَاءِ لما أَرَادَ الله بهم من الهلكة
الأعراف - تفسير البغوي
قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)
{ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) }
{ فَوَقَعَ الْحَقُّ } قال الحسن ومجاهد: ظهر الحق، { وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } 135/أ من السحرُ
قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)
وذلك أن السحرة قالوا: لو كان ما يصنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصيّنا فلما فقدت علموا أن ذلك من أمر الله.
{ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ } ذليلين مقهورين .
{ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } لله تعالى. قال مقاتل: ألقاهم الله. وقيل: ألهمهم الله أن يسجدوا فسجدوا. وقال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.
{ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } فقال فرعون: إياي تعنون فقالوا، { رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
{ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ } قال مقاتل: قال موسى لكبير السحرة تؤمن بي إن غلبتك؟ فقال: لآتين بسحر لا يغلبه سحر، ولئن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر. { قَالَ } لهم { فِرْعَوْنُ } حين آمنوا { آمَنْتُمْ بِهِ } قرأ حفص "آمنتم" على الخبر هاهنا وفي طه والشعراء، وقرأ الآخرون بالاستفهام أآمنتم به، { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } أصدقتم موسى من غير أمري إياكم، { إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ } أي: صنيع صنعتموه أنتم وموسى: { فِي الْمَدِينَةِ } في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر، { لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ما أفعل بكم.
{ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ } وهو أن يقطع من كل شق طرفا. قال الكلبي: لأقطعن أيديكم اليمنى وأرجلكم اليسرى، { ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } على شاطئ [نهر] (1) مصر.
{ قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) }
{ قَالُوا } يعني السحرة لفرعون، { إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ } راجعون في الآخرة.
{ وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا } أي: ما تكره منا. وقال الضحاك وغيره: وما تطعن علينا. وقال عطاء: ما لنا عندك من ذنب تعذبنا عليه، { إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا } ثم فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا:
__________
(1) في "ب": (بحر).
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
{ رَبَّنَا أَفْرِغْ } اصبب، { عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } ذكر الكلبي: أن فرعون قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم وذكر غيره: أنه لم يقدر عليهم لقوله تعالى:(فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون) [القصص-35].
{ وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ } له { أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ } وأرادوا بالإفساد في الأرض دعاءهم الناس إلى مخالفة فرعون في عبادته، { وَيَذَرَكَ } أي: وليذرك، { وَآلِهَتَكَ } فلا يعبدك ولا يعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها، وكان إذا رأى بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، فلذلك أخرج السامري لهم عجلا. وقال الحسن: كان قد علق على عنقه صليبا يعبده. وقال السدي: كان فرعون قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بعبادتها، وقال لقومه هذه آلهتكم وأنا ربها وربكم، فذلك قوله(أنا ربكم الأعلى)(النازعات-24)، وقرأ ابن مسعود وابن عباس والشعبي والضحاك: "ويذرك وإلاهتك" بكسر الألف، أي: عبادتك فلا يعبدك، لأن فرعون كان يُعْبَد ولا يَعْبُد وقيل: أراد بالآلهة الشمس. وكانوا يعبدونها قال الشاعر: تروحنا من اللعباء قصرا ... وأعجلنا الإلاهة أن تؤبا
{ قَالَ } فرعون { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ } قرأ أهل الحجاز: "سنقتل" بالتخفيف من القتل، وقرأ الآخرون بالتشديد من التقتيل على التكثير، { وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ } نتركهن أحياء، { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } غالبون. قال ابن عباس: كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل في العام الذي قيل أنه يولد مولود يذهب بملكك، فلم يزل يقتلهم حتى أتاهم موسى بالرسالة، وكان من أمره ما كان، فقال فرعون: أعيدوا عليهم القتل، فأعادوا عليهم القتل، فشكت ذلك بنو إسرائيل.
{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) }
{ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ } يعني أرض مصر، { يُورِثُهَا } يعطيها { مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } بالنصر والظفر. وقيل: السعادة والشهادة. وقيل: الجنة.
{ قَالُوا أُوذِينَا } قال ابن عباس: لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل، فقالوا -يعني قوم موسى -إنا أوذينا، { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا } بالرسالة بقتل الأبناء، { وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا } بإعادة القتل علينا. وقيل: فالمراد منه أن فرعون كان يستسخرهم قبل مجيء موسى إلى نصف النهار، فلما جاء موسى استسخرهم جميع النهار بلا أجر. وذكر الكلبي أنهم كانوا يضربون له اللَّبِن بتبن فرعون، فلما جاء موسى أجبرهم أن يضربوه بتبن من عندهم. { قَالَ } موسى { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ } فرعون، { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ } أي: يسكنكم أرض مصر من بعدهم، { فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فحقق الله ذلك بإغراق فرعون واستخلافهم في ديارهم وأموالهم فعبدوا العجل.
قوله عز وجل: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ } أي: بالجدوب والقحط. تقول العرب: مستهم السنة، أي: جدب السنة وشدة السنة. وقيل: أراد بالسنين القحط سنة بعد سنة، { وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ } والغلات بالآفات والعاهات. وقال قتادة: أما السنين فلأهل البوادي، وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار، { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: يتعظون وذلك لأن الشدة ترقق القوب وترغبها فيما عند الله عز وجل.
التدوي
قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)
====
=====
===
======
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق