القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 يناير 2023

تفسير الأيات{من 150 الي155}من سورة الأعراف

 

تفسير الأيات{من 150 الي155}من سورة الأعراف


وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

الأعراف - تفسير ابن كثير

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) }

يخبر تعالى أن موسى، عليه السلام، رجع إلى قومه من مناجاة ربه تعالى وهو غضبان أسف.

قال أبو الدرداء "الأسف": أشد الغضب.

{ قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي } يقول: بئس ما صنعتم في عبادتكم العجل بعد أن ذهبت وتركتكم.

وقوله: { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } ؟ يقول: استعجلتم مجيئي إليكم، وهو مقدر من الله تعالى.

وقوله: { وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } قيل: كانت الألواح من زُمُرُّد. وقيل: من

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)

ياقوت. وقيل: من بَرَد وفي هذا دلالة على ما جاء في الحديث: "ليس الخبر كالمعاينة" (1)

ثم ظاهر السياق أنه إنما ألقى الألواح غضبًا على قومه، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا. وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبًا، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة، وقد رَدّه ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرد، وكأنه تَلَقَّاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذابون ووَضّاعون وأفاكون وزنادقة.

وقوله: { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } خوفًا أن يكون قد قَصَّر في نهيهم، كما قال في الآية الأخرى: { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي . قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } [طه:92-94] وقال هاهنا: { ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي: لا تَسُقني مَسَاقهم، ولا تخلطني معهم. وإنما قال: { ابْنَ أُمَّ } ؛ لتكون (2) أرأف وأنجع عنده، وإلا فهو شقيقه لأبيه وأمه. فلما تحقق موسى، عليه السلام، براءة ساحة هارون [عليه السلام] (3) كما قال تعالى: { وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي } [طه:90] فعند ذلك قال موسى: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال النبي (4) صلى الله عليه وسلم "يرحم (5) الله موسى، ليس المعاين كالمخبر؛ أخبره ربه، عز وجل، أن قومه فتنوا بعده، فلم يلق الألواح، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح" (6)

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) }

أما الغضب الذي نال بني إسرائيل في عبادة العجل، فهو أن الله تعالى لم يقبل لهم توبة، حتى قَتَل بعضهم بعضًا، كما تقدم في سورة البقرة: { فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة:54]

وأما الذلة فأعقبهم ذلك ذلا وصغارًا (7) في الحياة الدنيا، وقوله: { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } نائلة

__________

(1) رواه أحمد في مسنده (1/271) من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الخبر كالمعاينة إن الله، عز وجل، أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت".

(2) في ك، م: "ليكون".

(3) زيادة من ك، أ.

(4) في ك، أ: "رسول الله"

(5) في م: "رحم".

(6) ورواه الحاكم في المستدرك (2/380) من طريق أبي بشر، به. وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" وفي تلخيص الذهبي: "سمعه من أبي بشر ثقتان".

(7) في أ: "فأعقبهم ذل وصغار".

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

لكل من افترى بدعة، فإن ذُلَّ البدعة ومخالفة الرسالة (1) متصلة من قلبه على كتفيه، كما قال الحسن البصري: إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هَمْلَجَت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين.

وهكذا روى أيوب السَّخْتَيَاني، عن أبي قِلابة الجَرْمي، أنه قرأ هذه الآية: { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قال: هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.

وقال سفيان بن عيينة: كل صاحب بدعة ذليل.

ثم نبه تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبة عباده من أي ذنب كان، حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق؛ ولهذا عقب هذه القصة بقوله: { وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ } أي: يا محمد، يا رسول الرحمة ونبي النور (2) { مِنْ بَعْدِهَا } أي: من بعد تلك الفعلة { لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا أبان، حدثنا قتادة، عن عَزْرَة (3) عن الحسن العُرَفي، عن عَلْقَمة، عن عبد الله بن مسعود؛ أنه سئل عن ذلك -يعني عن الرجل يزني بالمرأة، ثم يتزوجها -فتلا هذه الآية: { وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } فتلاها عبد الله عشر مرات، فلم يأمرهم (4) بها ولم ينههم عنها.

{ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) }

يقول تعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ } أي: سكن { عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ } أي: غضبه على قومه { أَخَذَ الألْوَاحَ } أي: التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل، غيرةً لله وغضبًا له { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ }

يقول كثير من المفسرين: إنها لما ألقاها تكسرت، ثم جمعها بعد ذلك؛ ولهذا قال بعض السلف: فوجد فيها هدى ورحمة. وأما التفصيل فذهب، وزعموا أن رضاضها لم يزل موجودا في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية، والله أعلم بصحة هذا. وأما الدليل القاطع على أنها تكسرت حين ألقاها، وهي من جوهر الجنة (5) فقد (6) أخبر [الله] (7) تعالى أنه لما أخذها بعد ما ألقاها وجد فيها هدى ورحمة.

{ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } ضمن الرهبة معنى الخضوع؛ ولهذا عدَّاها باللام. وقال قتادة: في قوله تعالى: { أَخَذَ الألْوَاحَ } قال: رب، إني أجدُ في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم (8) أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون -أي آخرون في الخَلْقِ -السابقون (9) في دخول الجنة،

__________

(1) في م: "الرسل".

(2) في ك، م، أ: "التوبة".

(3) في م: "عروة".

(4) في ك، م: "يأمر".

(5) في أ: "من جوهر من الجنة".

(6) في ك: "وقد".

(7) زيادة من أ.

(8) في د، ك، م، أ: "اجعلهم".

(9) في د، أ: "سابقون".

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

رب اجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها -كتابهم -وكان من قبلهم يقرءون كتابهم نظرا، حتى إذا رفعوها لم يحفظوا [منها] (1) شيئًا، ولم يعرفوه. قال قتادة: وإن الله أعطاهم أيتها الأمة من الحفظ شيئا لم يعطه (2) أحدًا من الأمم. قال: رب، اجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول، وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فصول الضلالة، حتى يقاتلوا (3) الأعور الكذاب، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم، ويؤجرون عليها -وكان مَنْ قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه، بعث الله عليها نارًا فأكلتها، وإن ردت عليه تُركَت، فتأكلها السباع والطير، وإن الله أخذ صدقاتكم من غنيكم لفقيركم (4) -قال: رب، اجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال رب، إني أجد في الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ثم لم يعملها، كتبت له حسنة، فإن عملها، كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة [ضعف] (5) رب اجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة إذا هَم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها، فإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة، فاجعلهم أمتي: قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: رب، إني أجد في الألواح أمة هم المشفَّعون والمشفوع لهم، فاجعلهم أمتي. قال: تلك أمة أحمد. قال: قتادة فذكر لنا أن نبي الله موسى [عليه السلام] (6) نبذ الألواح، وقال اللهم اجعلني من أمة أحمد (7)

{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }

__________

(1) زيادة من أ.

(2) في ك، م، أ: "يعط".

(3) في ك، م: "يقاتلون" وهو خطأ.

(4) في ك: "غنيهم لفقيرهم".

(5) زيادة من أ.

(6) زيادة من أ.

(7) تفسير الطبري (13/124).

 

الأعراف - تفسير القرطبي

الآيتان: 150 - 151 {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} لم ينصرف {غَضْبَانَ} لأن مؤنثه غضبى، ولأن الألف والنون فيه بمنزلة ألفي التأنيث في قولك حمراء. وهو نصب على الحال. و {أَسِفاً} شديد الغضب. قال أبو الدرداء: الأسف منزلة وراء الغضب أشد من ذلك. وهو أسف وأسف وأسفان وأسوف. والأسيف أيضا الحزين. ابن عباس

والسدي: رجع حزينا من صنيع قومه. وقال الطبري: أخبره الله عز وجل قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل؛ فلذلك رجع وهو غضبان. ابن العربي: وكان موسى عليه السلام من أعظم الناس غضبا، لكنه كان سريع الفيئة؛ فتلك بتلك. قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: كان موسى عليه السلام إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته، ورفع شعر بدنه جبته. وذلك أن الغضب جمرة تتوقد في القلب. ولأجله أمر النبي صلى الله عليه وسلم من غضب أن يضطجع. فإن لم يذهب غضبه اغتسل؛ فيخمدها اضطجاعه ويطفئها اغتساله. وسرعه غضبه كان سببا لصكه ملك الموت ففقأ عينه. وقال الترمذي الحكيم: وإنما استجاز موسى عليه السلام ذلك لأنه كليم الله؛ كأنه رأى أن من اجترأ عليه أو مد إليه يدا بأذى فقد عظم الخطب فيه. ألا ترى أنه احتج عليه فقال: من أين تنزع روحي؟ أمن فمي وقد ناجيت به ربي! أم من سمعي وقد سمعت به كلام ربي! أم من يدي وقد قبضت منه الألواح! أم من قدمي وقد قمت بين يديه أكلمه بالطور! أم من عيني وقد أشرق وجهي لنوره. فرجع إلى ربه مفحما. وفي مصنف أبي داود عن أبي ذر قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" . وروي أيضا عن أبي وائل القاص قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه؛ فقام ثم رجع وقد توضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" .

قوله تعالى: {قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} ذم منه لهم؛ أي بئس العمل عملتم بعدي. يقال: خلفه؛ بما يكره. ويقال في الخير أيضا. يقال منه: خلفه بخير أو بشر في أهله وقومه

بعد شخوصه. {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} أي سبقتموه. والعجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، وهي مذمومة. والسرعة: عمل الشيء في أول أوقاته، وهي محمودة. قال يعقوب: يقال عجلت الشيء سبقته. وأعجلت الرجل استعجلته، أي حملته على العجلة. ومعنى {أَمْرَ رَبِّكُمْ} أي ميعاد ربكم، أي وعد أربعين ليلة. وقيل: أن تعجلتم سخط ربكم. وقيل: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم.

قوله تعالى {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} فيه مسألتان:-

الأولى: قوله تعالى: {وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ} أي مما اعتراه من الغضب والأسف حين أشرف على قومه وهم عاكفون على عبادة العجل، وعلى أخيه في إهمال أمرهم؛ قال سعيد بن جبير. ولهذا قيل: ليس الخبر كالمعاينة. ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح عنه، ولا يصح أن إلقاءه الألواح إنما كان لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك لأمته. وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه أن الألواح تكسرت، وأنه رفع منها التفصيل وبقي فيها الهدى والرحمة.

الثانية: وقد استدل بعض جهال المتصوفة بهذا على جواز رمي الثياب إذا اشتد طربهم على المغنى. ثم منهم من يرمي بها صحاحا، ومنهم من يخرقها ثم يرمي بها. قال: هؤلاء في غيبة فلا يلامون؛ فإن موسى عليه السلام لما غلب عليه الغم بعبادة قومه العجل، رمى الألواح فكسرها، ولم يدر ما صنع. قال أبو الفرج الجوزي: من يصحح عن موسى عليه السلام أنه رماها رمي كاسر؟ والذي ذكر في القرآن ألقاها، فمن أين لنا أنها تكسرت؟ ثم لو قيل: تكسرت فمن أين لنا أنه قصد كسرها؟ ثم لو صححنا ذلك عنه قلنا كان في غيبة، حتى لو كان بين يديه بحر من نار لخاضه. ومن يصحح لهؤلاء غيبتهم وهم يعرفون المغنى من غيره، ويحذرون من بئر لو كانت عندهم. ثم كيف تقاس أحوال الأنبياء على أحوال هؤلاء السفهاء. وقد سئل ابن عقيل عن تواجدهم وتخريق ثيابهم فقال: خطأ وحرام؛ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال. فقال له قائل: فإنهم لا يعقلون ما يفعلون. فقال:

إن حضروا هذه الأمكنة مع علمهم أن الطرب يغلب عليهم فيزيل عقولهم أثموا بما أدخلوه على أنفسهم من التخريق وغيره مما أفسدوا، ولا يسقط عنهم خطاب الشرع؛ لأنهم مخاطبون قبل الحضور بتجنب هذا الموضع الذي يفضي إلى ذلك. كما هم منهيون عن شرب المسكر، كذلك هذا الطرب الذي يسميه أهل التصوف وجدا إن صدقوا أن فيه سكر طبع، وإن كذبوا أفسدوا مع الصحو، فلا سلامة فيه مع الحالين، وتجنب مواضع الريب واجب.

قوله تعالى: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} أي بلحيته وذؤابته. وكان هارون أكبر من موسى - صلوات الله وسلامه عليهما - بثلاث سنين، وأحب إلى بني إسرائيل من موسى؛ لأنه كان لين الغضب. وللعلماء في أخذ موسى برأس أخيه أربع تأويلات:

الأول: أن ذلك كان متعارفا عندهم؛ كما كانت العرب تفعله من قبض الرجل على لحية أخيه وصاحبه إكراما وتعظيما، فلم يكن ذلك على طريق الإذلال.

الثاني: أن ذلك إنما كان ليسر إليه نزول الألواح عليه؛ لأنها نزلت عليه في هذه المناجاة وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل قبل التوراة. فقال له هارون: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي؛ لئلا يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله.

الثالث: إنما فعل ذلك به لأنه وقع في نفسه أن هارون مائل مع بني إسرائيل فيما فعلوه من أمر العجل. ومثل هذا لا يجوز على الأنبياء.

الرابع: ضم إليه أخاه ليعلم ما لديه؛ فكره ذلك هارون لئلا يظن بنو إسرائيل أنه أهانه؛ فبين له أخوه أنهم استضعفوه، يعني عبدة العجل، وكادوا يقتلونه أي قاربوا. فلما سمع عذره قال: رب اغفر لي ولأخي؛ أي اغفر لي ما كان من الغضب الذي ألقيت من أجله الألواح، ولأخي لأنه ظنه مقصرا في الإنكار عليهم وإن لم يقع منه تقصير؛ أي اغفر لأخي إن قصر. قال الحسن: عبد كلهم العجل غير هارون، إذ لو كان ثم مؤمن غير موسى وهارون لما اقتصر على قوله: رب اغفر لي ولأخي، ولدعا لذلك المؤمن أيضا. وقيل: استغفر لنفسه من فعله بأخيه،

فعل ذلك لموجدته عليه؛ إذ لم يلحق به فيعرفه ما جرى ليرجع فيتلافاهم؛ ولهذا قال: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا،أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [طه: 92 - 93] الآية. فبين هارون أنه إنما أقام خوفا على نفسه من القتل. فدلت الآية على أن لمن خشي القتل على نفسه عند تغيير المنكر أن يسكت. ابن العربي: وفيها دليل على أن الغضب لا يغير الأحكام كما زعم بعض الناس؛ فإن موسى عليه السلام لم يغير غضبه شيئا من أفعاله، بل اطردت على مجراها من إلقاء لوح وعتاب أخ وصك ملك. الهدوي: لأن غضبه كان لله عز وجل، وسكوته عن بني إسرائيل خوفا أن يتحاربوا أو يتفرقوا.

قوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ} وكان ابن أمه وأبيه. ولكنها كلمة لين وعطف. قال الزجاج: قيل كان هارون أخا موسى لأمه لا لأبيه. وقرئ بفتح الميم وكسرها؛ فمن فتح جعل {ابْنَ أُمَّ} اسما واحدا كخمسة عشر؛ فصار كقولك: يا خمسة عشر أقبلوا. ومن كسر الميم جعله مضافا إلى ضمير المتكلم ثم حذف ياء الإضافة؛ لأن مبنى النداء على الحذف، وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الإضافة؛ كقوله: "يا عباد} [الزمر: 10]. يدل عليه قراءة ابن السميقع {يا ابنَ أمّي} بإثبات الياء على الأصل. وقال الكسائي والفراء وأبو عبيد: {يا ابن أمَّ} بالفتح، تقديره يا ابن أماه. وقال البصريون: هذا القول خطأ؛ لأن الألف خفيفة لا تحذف، ولكن جعل الاسمين اسما واحدا. وقال الأخفش وأبو حاتم: {يا بن أمَّ} بالكسر كما تقول: يا غلام غلام أقبل، وهي لغة شاذة والقراءة بها بعيدة. وإنما هذا فيما يكون مضافا إليك؛ فأما المضاف إلى مضاف إليك فالوجه أن تقول: يا غلام غلامي، ويا ابن أخي. وجوزوا يا ابن أم، يا ابن عم، لكثرتها في الكلام. قال الزجاج والنحاس: ولكن لها وجه حسن جيد، يجعل الابن مع الأم ومع العم اسما واحدا؛ بمنزلة قولك: يا خمسة عشر أقبلوا، فحذفت الياء كما حذفت من يا غلام {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} استذلوني وعدوني ضعيفا. {وَكَادُوا} أي قاربوا .{يَقْتُلُونَنِي} بنونين؛ لأنه فعل مستقبل. ويجوز الإدغام في غير القرآن. {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ}

أي لا تسرهم. والشماتة: السرور بما يصيب أخاك من المصائب في الدين والدنيا. وهي محرمة منهي عنها. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من سوء القضاء ودرك الشقاء وشماتة الأعداء" . أخرجه البخاري وغيره. وقال الشاعر:

إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا

فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا

وقرأ مجاهد ومالك بن دينار {تَشْمَت} بالنصب في التاء وفتح الميم، {الأعداءُ} بالرفع. والمعنى: لا تفعل بي ما تشمت من أجله الأعداء، أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي. وعن مجاهد أيضا {تَشْمَتْ} بالفتح فيهما {الأعداءَ} بالنصب. قال ابن جني: المعنى فلا تشمت بي أنت يا رب. وجاز هذا كما قال: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] ونحوه. ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء؛ كأنه قال: ولا تشمت بي، الأعداء. قال أبو عبيد: وحكيت عن حميد: {فلا تشمِت} بكسر الميم. قال النحاس: ولا وجه لهذه القراءة؛ لأنه إن كان من شمت وجب أن يقول تشمت. وإن كان من أشمت وجب أن يقول تشمت. وقوله: {وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال مجاهد: يعني الذين عبدوا العجل. {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} تقدم.

الآيتان: 152 - 153 {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَبذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ} الغضب من الله العقوبة. {وَذِلَّةُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} لأنهم أمروا بقتل بعضهم بعضا. وقيل: الذلة الجزية.

وفيه بعد؛ لأن الجزية لم تؤخذ منهم وإنما أخذت من ذرياتهم. ثم قيل: هذا من تمام كلام موسى عليه السلام؛ أخبر الله عز وجل به عنه، وتم الكلام. ثم قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} وكان هذا القول من موسى عليه السلام قبل أن يتوب القوم بقتلهم أنفسهم، فإنهم لما تابوا وعفا الله عنهم بعد أن جرى القتل العظيم أخبرهم أن من مات منهم قتيلا فهو شهيد، ومن بقي حيا فهو مغفور له. وقيل: كان ثم طائفة أشربوا في قلوبهم العجل، أي حبه، فلم يتوبوا؛ فهم المعنيون.بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} وقيل: أراد من مات منهم قبل رجوع موسى من الميقات. وقيل: أراد أولادهم. وهو ما جرى على قريظة والنضير؛ أي سينال أولادهم. والله أعلم. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} أي مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين. وقال مالك بن أنس رحمة الله عليه: ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلة، ثم قرأ {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ - حتى قال - وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} أي المبتدعين. وقيل: إن موسى أم بذبح العجل، فجرى منه دم وبرده بالمبرد وألقاه مع الدم في اليم وأمرهم بالشرب من ذلك الماء؛ فمن عبد ذلك العجل وأشربه ظهر ذلك على أطراف فمه؛ فبذلك عرف عبدة العجل. ثم أخبر الله تعالى أن الله يقبل توبة التائب من الشرك وغيره. {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ} أي الكفر والمعاصي. {ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا} أي من بعد فعلها. {وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} أي من بعد التوبة {لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.

الآية: 154 {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}

قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ} أي سكن. وكذلك قرأها معاوية بن قرة {سكن}بالنون. وأصل السكوت السكون والإمساك؛ يقال: جرى الوادي ثلاثا

ثم سكن، أي أمسك عن الجري. وقال عكرمة: سكت موسى عن الغضب؛ فهو من المقلوب. كقولك: أدخلت الأصبع في الخاتم وأدخلت الخاتم في الأصبع. وأدخلت القلنسوة في رأسي، وأدخلت رأسي في القلنسوة. {أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} التي ألقاها. {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ} أي {هُدىً} من الضلالة؛ {وَرَحْمَةٌ} أي من العذاب. والنسخ: نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر. ويقال للأصل الذي كتبت منه: نسخة، وللفرع نسخة. فقيل: لما تكسرت الألواح صام موسى أربعين يوما؛ فردت عليه وأعيدت له تلك الألواح في لوحين، ولم يفقد منها شيئا؛ ذكره ابن عباس. قال القشيري: فعلى هذا {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي وفيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة هدى ورحمة. وقال عطاء: وفيما بقي منها. وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستة أسباعها. ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء. وقيل: المعنى {وَفِي نُسْخَتِهَا} أي وفيما نسخ له منها من اللوح المحفوظ هدى. وقيل: المعنى وفيما كتب له فيها هدى ورحمة، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه. وهذا كما يقال: انسخ ما يقول فلان، أي أثبته في كتابك.

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} أي يخافون. وفي اللام ثلاثة أقوال: قول الكوفيين هي زائدة. قال الكسائي: حدثني من سمع الفرزدق يقول: نقدت لها مائة درهم، بمعنى نقدتها. وقيل: هي لام أجل؛ المعنى: والذين هم من أجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة؛ عن الأخفش. وقال محمد بن يزيد: هي متعلقة بمصدر؛ المعنى: للذين هم رهبتهم لربهم. وقيل: لما تقدم المفعول حسن دخول اللام؛ كقول: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43]. فلما تقدم المعمول وهو المفعول ضعف عمل الفعل فصار بمنزلة ما لا يتعدى.

الآية: 155 {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}

قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} مفعولان، أحدهما حذفت منه من؛ وأنشد سيبويه:

منا الذي اختير الرجال سماحة ... وبرا إذا هب الرياح الزعازع

وقال الراعي يمدح رجلا:

اخترتك الناس إذ رثت خلائقهم ... واختل من كان يرجى عنده السول

يريد: اخترتك من الناس. وأصل اختار اختير؛ فلما تحركت الياء وقبلها فتحة قلبت ألفا، نحو قال وباع.

قوله تعالى: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي ماتوا. والرجفة في اللغة الزلزلة الشديدة. ويروى أنهم زلزلوا حتى ماتوا. {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} أي أمتهم؛ كما قال عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} [النساء: 176]. {وَإِيَّايَ} عطف. والمعنى: لو شئت أمتنا من قبل أن نخرج إلى الميقات بمحضر بني إسرائيل حتى لا يتهموني. أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد عن علي رضي الله عنه قال: انطلق موسى وهارون صلى الله عليهما وانطلق شبر وشبير - هما ابنا هارون - فانتهوا إلى جبل فيه سرير، فقام عليه هارون فقبض روحه. فرجع موسى إلى قومه، فقالوا: أنت قتلته، حسدتنا على لينه وعلى خلقه، أو كلمة نحوها، الشك من سفيان، فقال: كيف أقتله ومعي ابناه ! قال: فاختاروا من شئتم؛ فاختاروا من كل سبط عشرة. قال: فذلك قوله: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا} فانتهوا إليه؛ فقالوا: من قتلك يا هارون؟ قال: ما قتلني

أحد ولكن الله توفاني. قالوا: يا موسى، ما تعصى. فأخذتهم الرجفة، فجعلوا يترددون يمينا وشمالا، ويقول: {أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} قال: فدعا الله فأحياهم وجعلهم أنبياء كلهم. قيل: أخذتهم الرجفة لقولهم: أرنا الله جهرة كما قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} [البقرة: 55]. وقال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا من عبد العجل، ولم يرضوا عبادته. وقيل: هؤلاء السبعون غير من قالوا أرنا الله جهرة. وقال وهب: ما ماتوا، ولكن أخذتهم الرجفة من الهيبة حتى كادت أن تبين مفاصلهم، وخاف موسى عليهم الموت. وقد تقدم في "البقرة" عن وهب أنهم ماتوا يوما وليلة. وقيل غير هذا في معنى سبب أخذهم بالرجفة. والله أعلم بصحة ذلك. ومقصود الاستفهام في قوله: {أَتُهْلِكُنَا} الجحد؛ أي لست تفعل ذلك. وهو كثير في كلام العرب. وإذا كان نفيا كان بمعنى الإيجاب؛ كما قال:

ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح

وقيل: معناه الدعاء والطلب، أي لا تهلكنا؛ وأضاف إلى نفسه. والمراد القوم الذين ماتوا من الرجفة. وقال المبرد: المراد بالاستفهام استفهام استعظام؛ كأنه يقول: لا تهلكنا، وقد علم موسى أن الله لا يهلك أحدا بذنب غيره؛ ولكنه كقول عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118]. وقيل: المراد بالسفهاء السبعون. والمعنى: أتهلك بني إسرائيل بما فعل هؤلاء السفهاء في قولهم {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} . {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} أي ما هذا إلا اختبارك وامتحانك. وأضاف الفتنة إلى الله عز وجل ولم يضفها إلى نفسه؛ كما قال إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80] فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى: وقال يوشع: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف:63]. وإنما استفاد ذلك موسى عليه السلام من قوله تعالى له:

{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} [طه: 85]. فلما رجع إلى قومه ورأى العجل منصوبا للعبادة وله خوار قال {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا} أي بالفتنة. {مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} وهذا رد على القدرية.

 

الأعراف - تفسير الدر المنثور

 

 

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أسفا} قَالَ: حَزينًا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} قَالَ: حَزينًا على مَا صنع قومه من بعده

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {غَضْبَان اسفاً} قَالَ: حَزينًا وَفِي الزخرف {فَلَمَّا آسفونا} الزخرف الْآيَة 55 يَقُول: اغضبونا

والأسف على وَجْهَيْن: الْغَضَب والحزن

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أسفا} قَالَ: جزعاً

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: الأسف: منزلَة وَرَاء الْغَضَب أَشد من ذَلِك

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الأسف: الْغَضَب الشَّديد

وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ايزحم الله مُوسَى لَيْسَ المعاين كالمخبر أخبرهُ ربه تبَارك وَتَعَالَى أَن قومه فتنُوا بعده فَلم يلق الألواح فَلَمَّا رَآهُمْ وعاينهم ألْقى الألواح فتكسر مَا تكسر

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذا غضب اشتعلت قلنسوته نَارا

وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما ألْقى مُوسَى الألواح تَكَسَّرَتْ فَرفعت إِلَّا سدسها

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب الله لمُوسَى فِي الألواح فِيهَا {موعظة وتفصيلاً لكل شَيْء} الْأَعْرَاف الْآيَة 145 فَلَمَّا أَلْقَاهَا رفع الله مِنْهَا سِتَّة أسباعها وَبَقِي سبع يَقُول الله {وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة} الْأَعْرَاف الْآيَة 154 يَقُول: فِيمَا بَقِي مِنْهَا

وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أُوتِيَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّبع المثاني وَهِي الطوَال وأوتي مُوسَى سِتا فَلَمَّا ألْقى الألواح رفعت أثنتان وَبقيت أَربع

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَألقى الألواح} قَالَ: ذكر أَنه رفع من الألواح خَمْسَة أَشْيَاء وَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَن يُعلمهُ النَّاس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} لُقْمَان الْآيَة 34 إِلَى آخر الْآيَة

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت الألوح من زمرد فَلَمَّا أَلْقَاهَا مُوسَى ذهب التَّفْصِيل وَبَقِي الْهدى

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: اخبرت أَن الواح مُوسَى كَانَت تِسْعَة فَرفع مِنْهَا لوحان وَبَقِي سَبْعَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تجعلني مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: مَعَ أَصْحَاب الْعجل

 

- الْآيَة (152)

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)

- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: تَلا أَبُو قلَابَة هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم غضب من رَبهم وذلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} قَالَ: هُوَ جَزَاء لكل مفتر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أَن يذله الله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} قَالَ: كل صَاحب بِدعَة ذليل

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لَا تَجِد مبتدعاً إِلَّا وجدته ذليلاً ألم تسمع إِلَى قَول الله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل سينالهم غضب من رَبهم وذلة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا}

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لَيْسَ فِي الأَرْض صَاحب بِدعَة إِلَّا وَهُوَ يجد ذلة تغشاه وَهُوَ فِي كتاب الله

قَالُوا: أَيْن هِيَ قَالَ: أما سَمِعْتُمْ إِلَى قَوْله {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل} الْآيَة قَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد هَذِه لأَصْحَاب الْعجل

خَاصَّة

 

قَالَ: كلا اقْرَأ مَا بعْدهَا {وَكَذَلِكَ نجزي المفترين} فَهِيَ لكل مفتر ومبتدع إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

 

- الْآيَة (153)

وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود

أَنه سُئِلَ عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يَتَزَوَّجهَا فَتلا {وَالَّذين عمِلُوا السَّيِّئَات ثمَّ تَابُوا من بعْدهَا وآمنوا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم}

 

- الْآيَة (154)

وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اعطى الله مُوسَى التَّوْرَاة فِي سَبْعَة أَلْوَاح من زبرجد فِيهَا تبيان لكل شَيْء وموعظة التَّوْرَاة مَكْتُوبَة فَلَمَّا جَاءَ بهَا فَرَأى بني إِسْرَائِيل عكوفاً على الْعجل فَرمى التَّوْرَاة من يَده فتحطمت وَأَقْبل على هرون فَأخذ بِرَأْسِهِ فَرفع الله مِنْهَا سِتَّة أَسْبَاع وَبَقِي سبع {وَلما سكت عَن مُوسَى الْغَضَب أَخذ الألواح وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة للَّذين هم لرَبهم يرهبون} قَالَ: فَمَا بَقِي مِنْهَا

وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد

إِن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت الألواح من زمرد فَلَمَّا أَلْقَاهَا مُوسَى ذهب التَّفْصِيل وَبَقِي الْهدى وَالرَّحْمَة وَقَرَأَ {وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء موعظة وتفصيلا لكل شَيْء} الْأَعْرَاف آيَة 145 وقرا / وَلما ذهب عَن مُوسَى الْغَضَب أَخذ الألواح وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة / قَالَ: وَلم يذكر التَّفْصِيل هَهُنَا

وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} قَالَ: اخْتَارَهُمْ ليقوموا مَعَ هرون على قومه بِأَمْر الله {فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} تناولتهم الصاعقة حِين أخذت قَومهمْ

وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي سعد عَن مُجَاهِد {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} بعد أَن خرج مُوسَى بالسبعين من قومه يدعونَ الله ويسألونه أَن يكْشف عَنْهُم الْبلَاء فَلم يستجب لَهُم علم مُوسَى أَنهم قد أَصَابُوا من الْمعْصِيَة مَا أصَاب قَومهمْ قَالَ أَبُو سعد: فَحَدثني مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: فَلم يستجب لَهُم من أجل أَنهم لم ينهوهم عَن الْمُنكر وَلم يأمروهم بِالْمَعْرُوفِ فَأَخَذتهم الرجفة فماتوا ثمَّ أحياهم الله

وَأخرج عبد بن حميد عَن الْفضل بن عِيسَى بن أخي الرقاشِي

إِن بني إِسْرَائِيل قَالُوا ذَات يَوْم لمُوسَى: أَلَسْت ابْن عمنَا وَمنا وتزعم أَنَّك كلمت رب الْعِزَّة فانا لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة فَلَمَّا أَن أَبَوا إِلَّا ذَلِك أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اختر من قَوْمك سبعين رجلا

فَاخْتَارَ مُوسَى من قومه سبعين رجلا خيرة ثمَّ قَالَ لَهُم: اخْرُجُوا

فَلَمَّا برزوا جَاءَهُم مَا لَا قبل لَهُم بِهِ فَأَخَذتهم الرجفة قَالُوا: يَا مُوسَى ردنا

فَقَالَ لَهُم مُوسَى: لَيْسَ لي من الْأَمر شَيْء سَأَلْتُم شَيْئا فجاءكم فماتوا جَمِيعًا قيل: يَا مُوسَى ارْجع

قَالَ: رب إِلَى أَيْن الرّجْعَة {قَالَ رب لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا} الْأَعْرَاف آيَة 155 إِلَى قَوْله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ} الْآيَة

قَالَ عِكْرِمَة

كتبت الرَّحْمَة يَوْمئِذٍ لهَذِهِ الْأمة

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حضر أجل هرون أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن انْطلق أَنْت وهرون وَابْن هرون إِلَى غَار فِي الْجَبَل فَأَنا قَابض روحه فَانْطَلق مُوسَى وهرون وَابْن هرون فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْغَار دخلُوا فَإِذا سَرِير فاضطجع عَلَيْهِ مُوسَى ثمَّ قَامَ عَنهُ فَقَالَ: مَا أحسن هَذَا الْمَكَان يَا هرون فاضطجع هرون فَقبض روحه فَرجع مُوسَى وَابْن هرون إِلَى بني إِسْرَائِيل حزينين

فَقَالُوا لَهُ: ايْنَ هرون قَالَ: مَاتَ

قَالُوا: بل قتلته كنت تعلم أَنا نحبه

فَقَالَ لَهُم مُوسَى: وَيْلكُمْ أقتل أخي وَقد سَأَلته الله وزيراً وَلَو أَنِّي أردْت قَتله أَكَانَ ابْنه يدعني قَالُوا لَهُ: بلَى قتلته حسدتناه

قَالَ: فَاخْتَارُوا سبعين رجلا فَانْطَلق بهم فَمَرض رجلَانِ فِي الطَّرِيق فَخط عَلَيْهِمَا خطا فَانْطَلق مُوسَى وَابْن هرون وَبَنُو إِسْرَائِيل حَتَّى انْتَهوا إِلَى هرون فَقَالَ: يَا هرون من قَتلك قَالَ: لم يقتلني أحد وَلَكِنِّي مت قَالُوا: مَا

تقضي يَا مُوسَى ادْع لنا رَبك يجعلنا أَنْبيَاء

قَالَ: فَأَخَذتهم الرجفة فصعقوا وصعق الرّجلَانِ اللَّذَان خلفوا وَقَامَ مُوسَى يدعوا ربه {لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا} فأحياهم الله فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ أَنْبيَاء

 

- الْآيَة (155)

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} الْآيَة

قَالَ: كَانَ الله أمره أَن يخْتَار من قومه سبعين رجلا فَاخْتَارَ سبعين رجلا فبرز بهم فَكَانَ ليدعوا ربكُم فِيمَا دعوا الله أَن قَالُوا: اللهمَّ اعطنا مَا لم تعطه أحدا بَعدنَا فكره الله ذَلِك من دُعَائِهِمْ فَأَخَذتهم الرجفة قَالَ مُوسَى {لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} يَقُول: إِن هُوَ إِلَّا عذابك تصيب بِهِ من تشَاء وتصرفه عَمَّن تشَاء

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الْحِمْيَرِي قَالَ: لما اخْتَار مُوسَى قومه سبعين رجلا لميقات ربه قَالَ الله لمُوسَى: أجعَل لكم الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَأَجْعَل لكم السكينَة مَعكُمْ فِي بُيُوتكُمْ واجعلكم تقرأون التَّوْرَاة من ظُهُور قُلُوبكُمْ فيقرأها الرجل مِنْكُم وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير

فَقَالَ مُوسَى: أَن الله قد جعل لكم الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا

قَالُوا: لَا نُرِيد أَن نصلي إِلَّا فِي الْكَنَائِس

قَالَ: وَيجْعَل السكينَة مَعكُمْ فِي بُيُوتكُمْ

قَالُوا: لَا نُرِيد إِلَّا كَمَا كَانَت فِي التابوت

قَالَ: ويجعلكم تقرأون التَّوْرَاة عَن ظُهُور قُلُوبكُمْ فيقرأها الرجل مِنْكُم وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير

قَالُوا: لَا نُرِيد أَن نقرأها إِلَّا نظرا

قَالَ الله {فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ وَيُؤْتونَ الزَّكَاة} إِلَى قَوْله {المفلحون} قَالَ مُوسَى: أَتَيْتُك بوفد قومِي فَجعلت وفادتهم لغَيرهم اجْعَلنِي نَبِي هَذِه الْأمة

قَالَ: إِن نَبِيّهم مِنْهُم

قَالَ: اجْعَلنِي من هَذِه الْأمة

قَالَ: إِنَّك لن تُدْرِكهُمْ

قَالَ: رب أَتَيْتُك بوفد قومِي فَجعلت وفادتهم لغَيرهم

قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ}

الْأَعْرَاف الْآيَة 159 قَالَ: فَرضِي مُوسَى

قَالَ نوف: أَلا تحمدون رَبًّا شهد غيبتكم وَأخذ لكم بسمعكم وَجعل وفادة غَيْركُمْ لكم وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الْبكالِي

أَن مُوسَى لما اخْتَار من قومه سبعين رجلا قَالَ لَهُم: فِدوا الى الله وَسَلُوهُ فَكَانَت لمُوسَى مَسْأَلَة وَلَهُم مَسْأَلَة فَلَمَّا انْتهى إِلَى الطّور - الْمَكَان الَّذِي وعده الله بِهِ - قَالَ لَهُم مُوسَى: سلوا الله

قَالُوا {أرنا الله جهرة} النِّسَاء الْآيَة 153 قَالَ: وَيحكم

 

تسْأَلُون الله هَذَا مرَّتَيْنِ قَالَ: هِيَ مَسْأَلَتنَا أرنا الله جهرة فَأَخَذتهم الرجفة فصعقوا فَقَالَ مُوسَى: أَي رب جئْتُك بسبعين من خِيَار بني إِسْرَائِيل فأرجع إِلَيْهِم وَلَيْسَ معي مِنْهُم أحد فَكيف أصنع ببني إِسْرَائِيل أَلَيْسَ يقتلونني فَقيل لَهُ: سل مسألتك

قَالَ: أَي رب إِنِّي أَسأَلك أَن تبعثهم

فبعثهم الله فَذَهَبت مسألتهم ومسألته وَجعلت تِلْكَ الدعْوَة لهَذِهِ الْأمة

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي سعيد الرقاشِي فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} قَالَ: كَانُوا قد جاوزوا الثَّلَاثِينَ وَلم يبلغُوا الْأَرْبَعين وَذَلِكَ أَن من جَاوز الثَّلَاثِينَ فقد ذهب جَهله وصباه وَمن بلغ الْأَرْبَعين لم يفقد من عقله شَيْئا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا لِمِيقَاتِنَا} قَالَ: لتَمام الْموعد

وَفِي قَوْله {فَلَمَّا أخذتهم الرجفة} قَالَ: مَاتُوا ثمَّ أحياهم

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} قَالَ: بليتك

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك} قَالَ: مشيئتك

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب إِن هَذَا السامري أَمرهم أَن يتخذوا الْعجل أَرَأَيْت الرّوح من نفخها فِيهِ قَالَ الرب: أَنا

قَالَ: رب فَأَنت إِذا أضللتهم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَاشد بن سعد

أَن مُوسَى لما أَتَى ربه لموعده قَالَ:

يَا مُوسَى إِن قَوْمك افتتنوا من بعْدك

قَالَ: يَا رب وَكَيف يفتنون وَقد أنجيتهم من فِرْعَوْن ونجيتهم من الْبَحْر وأنعمت عَلَيْهِم قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّهُم اتَّخذُوا من بعْدك عجلاً جسداً لَهُ خوار

قَالَ: يَا رب فَمن جعل فِيهِ الرّوح قَالَ: أَنا

قَالَ: فَأَنت أضللتهم يَا رب

قَالَ: يَا مُوسَى يَا رَأس النَّبِيين يَا أَبَا الْحُكَمَاء إِنِّي رَأَيْت ذَلِك فِي قُلُوبهم فيسرته لَهُم

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن السّبْعين الَّذين اخْتَارَهُمْ مُوسَى من قومه إِنَّمَا أخذتهم الرجفة لأَنهم لم يرْضوا بالعجل وَلم ينهوا عَنهُ

وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن أُولَئِكَ السّبْعين كَانُوا يلبسُونَ ثِيَاب الطهرة ثِيَاب يغزله وينسجه العذارى ثمَّ يتبرزون صَبِيحَة لَيْلَة الْمَطَر إِلَى الْبَريَّة فَيدعونَ الله فِيهَا فو الله مَا سَأَلَ الْقَوْم يَوْمئِذٍ شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ الله هَذِه الْأمة

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن

أَن السّبْعين الَّذين اخْتَار مُوسَى من قومه كَانُوا يعْرفُونَ بخضاب السوَاد

 

- الْآيَة (156 - 157)

الأعراف - تفسير البغوي وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) }

قوله عز وجل: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا } قال أبو الدرداء: الأسف شديد الغضب. وقال ابن عباس والسدي: أسِفا أي حزينا. والأسف أشد الحزن، { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي } أي: بئس ما عملتهم بعد ذهابي، يقال: خلفه بخير أو بشر إذا أولاه في أهله بعد شخوصه عنهم خيرا أو شرا، { أَعَجِلْتُمْ } أسبقتم { أَمْرَ رَبِّكُمْ } قال الحسن: وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين 138/أ ليلة. وقال الكلبي: أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم. { وَأَلْقَى الألْوَاحَ } التي فيها التوراة وكان حاملا لها، فألقاها على الأرض من شدة الغضب.

قالت الرواة: كانت التوراة سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفعت ستة أسباعها وبقي سبع، فرفع ما كان من أخبار الغيب، وبقي ما فيه الموعظة والأحكام والحلال والحرام، { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } بذوائبه ولحيته { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحب إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان لين الغضب. { قَالَ } هارون عند ذلك { ابْنَ أُمَّ } قرأ أهل الكوفة والشام هاهنا وفي طه بكسر الميم، يريد يا ابن أمي، فحذف ياء الإضافة وأبقيت الكسرة لتدل على الإضافة كقوله: "يا عباد" وقرأ أهل الحجاز والبصرة وحفص: بفتح الميم على معنى يا ابن أماه.

وقيل: جعله اسما واحدا وبناه على الفتح، كقولهم: حضرموت، وخمسة عشر، ونحوهما، وإنما قال ابن أم وكان هارون أخاه لأبيه وأمه ليرققه ويستعطفه.

وقيل: كان أخاه لأمه دون أبيه، { إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي } يعني عَبَدَة العجل، { وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي } هموا وقاربوا أن يقتلوني، { فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي } في مؤاخذتك عليّ { مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } يعني عبدة العجل.

{ قَالَ } موسى لما تبين له عذر أخيه، { رَبِّ اغْفِرْ لِي } ما صنعت إلى أخي، { وَلأخِي } إن كان منه تقصير في الإنكار على عبدة العجل، { وَأَدْخِلْنَا } جميعا { فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }

إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) }

قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ } أي: اتخذوه إلها { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ } في الآخرة { وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } قال أبو العالية: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم. وقال عطية العوفي: "إن الذين اتخذوا العجل" أراد اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم عيّرهم بصنيع آبائهم فنسبه إليهم { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أراد ما أصاب بني قريظة والنضير من القتل والجلاء.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الجزية، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } الكاذبين، قال أبو قلابة هو -والله -جزاء كل مفتر إلى يوم القيامة أن يذله الله. قال سفيان بن عيينة: هذا في كل مبتدع إلى يوم القيامة.

قوله تبارك وتعالى: { وَلَمَّا سَكَتَ } أي: سكن، { عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ } التي كان ألقاها وقد ذهبت ستة أسباعها { وَفِي نُسْخَتِهَا } اختلفوا فيه، قيل: أراد بها الألواح، لأنها نسخت من اللوح المحفوظ.

وقيل: إن موسى لما ألقى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة أخرى فهو المراد من قوله: { وَفِي نُسْخَتِهَا }

وقيل: أراد: وفيما نسخ منها. وقال عطاء: فيما بقي منها. وقال ابن عباس وعمرو بن دينار: لما ألقى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوما فردت عليه في لوحين فكان فيه، { هُدًى وَرَحْمَةً } أي: هدى من الضلالة ورحمة من العذاب، { لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } أي: للخائفين من ربهم، واللام في { لِرَبِّهِمْ } زيادة توكيد، كقوله:(رَدِفَ لكم) [النمل-72]، وقال

وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)

الكسائي: لما تقدمت قبل الفعل حسنت، كقوله:(للرؤيا تعبرون) [يوسف-43]، وقال قطرب: أراد من ربهم يرهبون. وقيل: أراد راهبون. وقيل: أراد راهبون لربهم.

{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) }

قوله تعالى: { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } أي: من قومه، فانتصب لنزع حرف الصفة، { سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا } فيه دليل على أن كلهم لم يعبدوا العجل. قال السدي: أمر الله تعال موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا { فَلَمَّا } أتوا ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا.

قال ابن إسحاق: اختارهم ليتوبوا إليه مما صنعوا ويسألوا التوبة على من تركوا وراءهم من قومهم، فهذا يدل على أن كلهم عبدوا العجل.

وقال قتادة، وابن جريج، ومحمد بن كعب: { أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ } لأنهم لم يزايلوا قومهم حين عبدوا العجل، ولم يأمروهم بالمعروف لم ينهوهم عن المنكر.

وقال ابن عباس: إن السبعين الذين قالوا:(لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة)[البقرة-55]، كانوا قبل السبعين الذين أخذتهم الرجفة، وإنما أمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختارهم وبرز بهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا قبلنا، ولا تعطه أحدا بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم، فأخذتهم الرجفة.

وقال وهب: لم تكن الرجفة صوتا، ولكن القوم لما رأوا تلك الهيبة أخذتهم الرعدة وقلقوا ورجفوا، حتى كادت أن تَبِيْنَ مفاصلهم، فلما رأى موسى ذلك رحمهم وخاف عليهم الموت، فاشتد عليه فقدهم، وكانوا له وزراء على الخير، سامعين مطيعين، فعند ذلك دعا وبكى وناشد ربه، فكشف الله عنهم تلك الرجفة، فاطمأنوا وسمعوا كلام ربهم، فذلك قوله عز وجل: { قَالَ } يعني موسى { رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ } يعني عن عبادة العجل { وَإِيَّايَ } بقتل القبطي. { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا }

يعني عبدة العجل، وظن موسى أنهم عوقبوا باتخاذهم العجل، وقال هذا على طريق السؤال، يسأل: أتهلكنا بفعل السفهاء؟.

وقال المبرد: قوله "أهلكنا بما فعل السفهاء منا" استفهام استعطاف، أي: لا تهلكنا، وقد علم موسى عليه السلام أن الله تعالى أعدل من أن يأخذ بجريرة الجاني غيره.

قوله تعالى { إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ } أي: التي وقع فيها السفهاء، لم تكن إلا اختبارك وابتلاءك، أضللت بها قوما فافتتنوا، وهديت قوما فعصمتهم حتى ثبتوا على دينك، فذلك هو معنى قوله: { تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا } ناصرنا وحافظنا، { فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ

التدوين

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...