القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 31 ديسمبر 2022

تفسير سورة الأنبيا الآيات من{25 الي 35 }

  
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) *وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
تفسير ابن كثبر
الأنبياء - تفسير ابن كثير 

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) }
يقول تعالى: بل { اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ } يا محمد: { هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ } أي: دليلكم على ما تقولون، { هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ } يعني: القرآن، { وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } يعني: الكتب المتقدمة على خلاف ما تقولون وتزعمون، فكل كتاب أنزل على كل نبي أرسل، ناطق بأنه لا إله إلا الله، ولكن أنتم أيها المشركون لا تعلمون الحق، فأنتم معرضون عنه؛ ولهذا قال: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا يُوحَى (1) إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } ، كما قال: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45]،
__________
(1) في ف، أ: "نوحي".
(5/337)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
وقال: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } [ النحل:36]، فكل نبي بعثه الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والفطرة شاهدة بذلك أيضا، والمشركون لا برهان لهم، وحجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد.
{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) } .
يقول تعالى ردًا على من زعم أن له -تعالى وتقدس-ولدًا من الملائكة، كمن قال ذلك من العرب: إن الملائكة بنات الله، فقال: { سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولا وفعلا.
{ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } أي: لا يتقدمون بين يديه بأمر، ولا يخالفونه فيما أمر (1) به بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى عِلْمه محيط بهم، فلا يخفى عليه منهم خافية، { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ }
وقوله: { وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى } كقوله: { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة: 255]، وقوله: { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } [سبأ:23]، في آيات كثيرة في معنى ذلك.
{ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ } أي: من خوفه ورهبته { مُشْفِقُونَ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ } أي: من ادعى منهم أنه إله من دون الله، أي: مع الله، { فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } أي: كل من قال ذلك، وهذا شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، كقوله: { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } [الزخرف: 81]، وقوله { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر:65] .
{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) } .
يقول تعالى منبهًا على قدرته التامة، وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء، وقهره لجميع المخلوقات، فقال: { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي: الجاحدون لإلهيته العابدون (2) معه غيره، ألم يعلموا
__________
(1) في ف، أ: "أمرهم".
(2) في أ: "العابدين".  (5/338)
أن الله هو المستقل بالخلق، المستبد بالتدبير، فكيف يليق أن يعبد غيره أو يشرك به ما سواه، ألم (1) يروا { أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا } أي: كان الجميع متصلا بعضه ببعض متلاصق متراكم، بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففتق هذه من هذه. فجعل السموات سبعًا، والأرض (2) سبعًا، وفصل بين سماء الدنيا والأرض بالهواء، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض؛ ولهذا قال: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ } أي: وهم يشاهدون المخلوقات تحدث شيئًا فشيئًا عيانًا، وذلك دليل على وجود الصانع الفاعل المختار القادر على ما يشاء: فَفِي كُلّ شيء لَهُ آيَة ... تَدُلّ علَى أنَّه وَاحد ...
قال سفيان الثوري، عن أبيه، عن عكرمة قال: سئل ابن عباس: الليل كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السموات والأرض حين كانتا رتقًا، هل كان بينهما إلا ظلمة؟ ذلك لتعلموا أن الليل قبل النهار.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن أبي حمزة، حدثنا حاتم، عن حمزة بن أبي محمد، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر؛ أن رجلا أتاه يسأله عن السموات والأرض { كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } ؟. قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله، ثم تعال فأخبرني بما قال لك. قال: فذهب إلى ابن عباس فسأله. فقال ابن عباس: نعم، كانت السموات رتقًا لا تمطر، وكانت الأرض رتقًا لا تنبت.
فلما خلق للأرض أهلا فتق هذه بالمطر، وفتق هذه بالنبات. فرجع الرجل إلى ابن عمر فأخبره، فقال ابن عمر: الآن قد علمت أن ابن عباس قد أوتي في القرآن علمًا، صدق -هكذا كانت. قال ابن عمر: قد كنت أقول: ما يعجبني جراءة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي في القرآن علمًا.
وقال عطية العَوْفي: كانت هذه رتقًا لا تمطر، فأمطرت. وكانت هذه رتقًا لا تنبت، فأنبتت.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: سألت أبا صالح الحنَفِي عن قوله: { أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا } ، قال: كانت السماء واحدة، ففتق منها سبع سماوات، وكانت الأرض واحدة ففتق منها سبع أرضين.
وهكذا قال مجاهد، وزاد: ولم تكن السماء والأرض متماستين.
وقال سعيد بن جبير: بل كانت السماء والأرض ملتزقتين، فلما رفع السماء وأبرز منها الأرض، كان ذلك فتقهما الذي ذكر الله في كتابه. وقال الحسن، وقتادة، كانتا جميعًا، ففصل بينهما بهذا الهواء.
وقوله: { وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } أي: أصل كل الأحياء منه.
__________
(1) في أ: "أولم"."
(2) في ف، أ: "والأرضين".  (5/339)
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر (1) ، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة عن أبي ميمونة (2) ، عن أبي هريرة أنه قال: يا نبي الله إذا رأيتك قرت عيني، وطابت نفسي، فأخبرني عن كل شيء، قال: "كل شيء خلق من ماء".
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا همام، عن قتادة، عن أبي ميمونة، عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، إني إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، فأنبئني عن كل شيء. قال: "كل شيء خلق من ماء" قال: قلت: أنبئني عن أمر إذا عملتُ به دخلت الجنة. قال: "أفْش السلام، وأطعم الطعام، وصِل الأرحام، وقم بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنَّة بسلام" (3) .
ورواه أيضا عبد الصمد وعفان وبَهْز، عن همام (4) . تفرد به أحمد، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، إلا أن أبا ميمونة من رجال السنن، واسمه سليم، والترمذي يصحح له. وقد رواه سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة مرسلا والله (5) أعلم.
وقوله: { وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ } أي: جبالا أرسى الأرض بها وقرّرها وثقلها؛ لئلا تميد بالناس، أي: تضطرب وتتحرك، فلا يحصل لهم عليها قرار (6) لأنها غامرة في الماء إلا مقدار الربع، فإنه باد للهواء والشمس، ليشاهد أهلها السماء وما فيها من الآيات الباهرات، والحكم والدلالات؛ ولهذا قال: { أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ } أي: لئلا تميد بهم.
وقوله: { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا } أي: ثغرًا في الجبال، يسلكون فيها طرقًا من قطر إلى قطر، وإقليم إلى إقليم، كما هو المشاهد في الأرض، يكون الجبل حائلا بين هذه البلاد وهذه البلاد، فيجعل الله فيه فجوة -ثغرة-ليسلك الناس فيها من هاهنا إلى هاهنا؛ ولهذا قال: { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } .
وقوله: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا } أي: على الأرض وهي كالقبة عليها، كما قال: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [الذاريات: 47]، وقال: { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } [الشمس:5]، { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق:6]، والبناء هو نصب القبة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِي الإسلام على خمس" أي: خمس (7) دعائم، وهذا لا يكون إلا في الخيام، على ما (8) تعهده العرب.
{ مَّحْفُوظًا } أي: عاليًا محروسًا أن يُنال. وقال مجاهد: مرفوعا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدَّشْتَكي، حدثني
__________
(1) في ف، أ: "الجماهير".
(2) في ف، أ: "أبي ميمون".
(3) المسند (2/295) ورواه الحاكم في المستدرك (4/129) من طريق يزيد بن هارون وصححه. ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (642) "موارد" من طريق أبي عامر العقدي عن همام به.
(4) المسند (2/323-493) من طريق عبد الصمد، (2/323) من طريق عفان، (2/324) من طريق بهز. وقال الهيثمي في المجمع (5/16): "رجاله رجال الصحيح، خلا أبي ميمونة وهو ثقة".
(5) في ف: "فالله".
(6) في ف: "قرار عليها".
(7) في ف: "خمسة".
(8) في ف:" كما".  (5/340)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
أبي، عن أبيه، عن أشعث -يعني ابن إسحاق القُمِّي-عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال رجل: يا رسول الله، ما هذه السماء، قال: "موج مكفوف عنكم" (1) إسناد غريب.
وقوله: { وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } ، كقوله: { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف:105] أي: لا يتفكرون فيما خلق الله فيها من الاتساع العظيم، والارتفاع الباهر، وما زينت به من الكواكب الثوابت والسيارات في ليلها، وفي نهارها (2) من هذه الشمس التي تقطع الفلك بكماله، في يوم وليلة فتسير غاية لا يعلم قدرها إلا الذي (3) قدرها وسخرها وسيرها.
وقد ذكر ابن أبي الدنيا، رحمه الله، في كتابه "التفكر والاعتبار" : أن بعض عباد بني إسرائيل تعبد ثلاثين سنة، وكان الرجل منهم إذا تعبد ثلاثين سنة أظلته غمامة، فلم ير ذلك الرجل شيئًا مما كان يرى لغيره، فشكى ذلك إلى أمه، فقالت له: يا بني، فلعلك أذنبت في مدة عبادتك هذه، فقال: لا والله ما أعلم، قالت: فلعلك هممت؟ قال: لا (4) ولا هممت. قالت: فلعلك رفعت بصرك إلى السماء ثم رددته بغير فكر؟ فقال: نعم، كثيرًا. قالت: فمن هاهنا أتيت.
ثم قال منبهًا على بعض آياته: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أي: هذا في ظلامه وسكونه، وهذا بضيائه وأنسه، يطول هذا تارة ثم يقصر أخرى، وعكسه الآخر. { وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } هذه لها نور يخصها، وفلك بذاته، وزمان على حدة، وحركة وسير خاص، وهذا بنور خاص آخر، وفلك آخر، وسير آخر، وتقدير آخر، { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس:40]، أي: يدورون.
قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة. وكذا قال مجاهد: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة، ولا الفلكة إلا بالمغزل، كذلك النجوم والشمس والقمر، لا يدورون إلا به، ولا يدور إلا بهن، كما قال تعالى: { فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [ الأنعام:96] .
{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) } .
يقول تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ } أي: يا محمد، { الْخُلْدَ } أي: في الدنيا بل { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } [ الرحمن:26، 27] .
وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر، عليه السلام، مات وليس بحي إلى الآن؛ لأنه بشر، سواء كان وليًا أو نبيًا أو رسولا وقد قال تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ } .
__________
(1) ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (539) من طريق أحمد بن القاسم عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي به.
(2) في ف، أ: "النهار".
(3) في ف، أ: "الله".
(4) في ف، أ: "بل والله".  (5/341)
وقوله: { أَفَإِنْ مِتَّ } أي: يا محمد، { فَهُمُ الْخَالِدُونَ } ؟! أي: يؤملون أن يعيشوا بعدك، لا يكون هذا، بل كل إلى فناء؛ ولهذا قال: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ، وقد روي عن الشافعي، رحمه الله، أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين: تمنى رجال أن أموت وإن أمت فَتلْكَ سَبيل لَسْت فيهَا بأوْحد
فقُلْ للَّذي يَبْغي خلاف الذي مضى: تَهَيَّأ لأخْرى مثْلها فكَأن قد (1)
وقوله: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { ونبلوكم } ، يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة، بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية والهدى والضلال..
وقوله: { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أي: فنجازيكم بأعمالكم.
__________
(1) البيتان ذكرهما البيهقي في مناقب الشافعي (2/62) والرازي في مناقب الشافعي (ص119).
تفسير الثؤطبي

الأنبياء - تفسير القرطبي
الآية: 25 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعبد ونِ}
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ} وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نُوحِي إِلَيْهِ} بالنون؛ لقوله: {أَرْسَلْنَا}. {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعبد ونِ} أي قلنا للجميع لا إله إلا الله؛ فأدل العقل شاهدة أنه لا شريك له، والنقل عن جميع الأنبياء موجود، والدليل إما معقول وإما منقول. وقال قتادة: لم يرسل نبي إلا بالتوحيد، والشرائع مختلفة في التوراة والأنجيل والقرآن، وكل ذلك على الإخلاص والتوحيد.
(11/280)
الآيات: 26 - 29 {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}
قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ} نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبد ونهم طمعا في شفاعتهم لهم. وروى معمر عن قتادة قال قالت اليهود - قال معمر في روايته - أو طوائف من الناس: خاتن إلى الجن والملائكة من الجن، فقال الله عز وجل: {سُبْحَانَهُ} تنزيها له. {بَلْ عِبَادٌ} أي بل هم عباد {مُكْرَمُونَ} أي ليس كما زعم هؤلاء الكفار. ويجوز النصب عند الزجاج على معنى بل اتخذ عبادا مكرمين. وأجازه الفراء على أن يرده على ولد، أي بل لم نتخذهم ولدا، بل اتخذناهم عبادا مكرمين. والولد ها هنا للجمع، وقد يكون الواحد والجمع ولدا. ويجوز أن يكون لفظ الولد للجنس، كما يقال لفلان ما {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} أي لا يقولون حتى يقول، ولا يتكلمون إلا بما يأمرهم. {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} أي بطاعته وأوامره. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} أي يعلم ما عملوا وما هم عاملون؛ قال ابن عباس. وعنه أيضا: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} الآخرة {وَمَا خَلْفَهُمْ} الدنيا؛ ذكر الأول الثعلبي، والثاني القشيري. {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} قال ابن عباس: هم أهل شهادة أن لا إله إلا الله وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنه، والملائكة يشفعون غدا في الآخرة كما في صحيح مسلم وغيره، وفي الدنيا أيضا؛ فإنهم يستغفرون للمؤمنين ولمن في الأرض، كما نص عليه التنزيل على ما يأتي. {وَهُمْ} يعني الملائكة {مِنْ خَشْيَتِهِ} يعني من خوفه {مُشْفِقُونَ} أي خائفون لا يأمنون مكره.  (11/281)
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} قال قتادة والضحاك وغيرهما: عني بهذه الآية إبليس حيث أدعى الشركة، ودعا إلى عبادة نفسه وكان من الملائكة، ولم يقل أحد من الملائكة إني إله غيره. وقيل: الإشارة إلى جميع الملائكة، أي فذلك القائل {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} وهذا دليل على أنهم وإن أكرموا بالعصمة فهم متعبد ون، وليسوا مضطرين إلى العبادة كما ظنه بعض الجهال. وقد استدل ابن عباس بهذه الآية على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل أهل السماء. وقد تقدم في “البقرة”. {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} أي كما جزينا هذا بالنار فكذلك نجزي الظالمين الواضعين الألوهية والعبادة في غير موضعهما.
الآيات: 30 - 33 {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ، وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قراءة العامة {أَوَلَمْ} بالواو. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد وشبل بن عباد {أَلَمْ يَرَ} بغير واو وكذلك هو في مصحف مكة. {أَوَلَمْ يَرَ} بمعنى يعلم. {الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً} قال الأخفش: {كَانَتَا} لأنهما صنفان، كما تقول العرب: هما لقاحان أسودان، وكما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] قال أبو إسحاق: {كَانَتَا} لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد بسماء؛ ولأن السموات كانت سماء واحدة، وكذلك الأرضون. وقال: {رَتْقاً}  (11/282)
ولم يقل رتقين؛ لأنه مصدر؛ والمعنى كانتا ذواتي رتق. وقرأ الحسن {رَتَقاً} بفتح التاء. قال عيسى بن عمر: هو صواب وهي لغة. والرتق السد ضد الفتق، وقد رتقت الفتق أرتقه فارتتق أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج. قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة: يعني أنها كانت شيط واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء. وكذلك قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على ثم خلق ريحا بوسطها ففتحها بها، وجعل السموات سبعا والأرضين سبعا. وقول ثان قال مجاهد والسدي وأبو صالح: كانت السموات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا. وحكاه القتبي في عيون الأخبار له، عن إسماعيل بن أبي خالد في قول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا} قال: كانت السماء مخلوقة وحدها والأرض مخلوقة وحدها، ففتق من هذه سبع سموات، ومن هذه سبع أرضين؛ خلق الأرض العليا فجعل سكانها الجن والإنس، وشق فيها الأنهار وأنبت فيها الأثمار، وجعل فيها البحار وسماها رعاء، مسيرة خمسمائة عام؛ ثم خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ وجعل فيها أقواما، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس؛ وآذانهم آذان البقر وشعورهم شعور الغنم، فإذا كان عند اقتراب الساعة ألقتهم الأرض إلى يأجوج ومأجوج، واسم تلك الأرض الدكماء، ثم خلق الأرض الثالثة غلظها مسيرة خمسمائة عام، ومنها هواء إلى الأرض. الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار مثل البغال السود، ولها أذناب مثل أذناب الخيل الطوال، يأكل بعضها بعضا فتسلط على بني آدم. ثم خلق الله الخامسة [مثلها] في الغلظ والطول والعرض فيها سلاسل وأغلال وقيود لأهل النار. ثم خلق الله الأرض السادسة واسمها ماد، فيها حجارة سود بهم، ومنها خلقت تربة آدم عليه السلام، تبعث تلك الحجارة يوم القيامة وكل حجر منها كالطود العظيم، وهي من كبريت تعلق في أعناق الكفار فتشتعل حتى تحرق وجوههم وأيديهم، فذلك قول عز وجل: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] ثم خلق الله الأرض السابعة واسمها عربية وفيها جهنم، فيها بابان اسم  (11/283)
الواحد سجين والآخر الغلق، فأما سجين فهو مفتوح وإليه ينتهي كتاب الكفار، وعليه يعرض أصحاب المائدة وقوم فرعون، وأما الغلق فهو مغلق لا يفتح إلى يوم القيامة. وقد مضى في “البقرة” أنها سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام، وسيأتي له في آخر “الطلاق” زيادة بيان إن شاء الله تعالى. وقول ثالث قال عكرمة وعطية وابن زيد وابن عباس أيضا فيما ذكر المهدوي: إن السموات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات؛ نظيره قوله عز وجل: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ. وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} [الطارق: 11 - 12]. واختار هذا القول الطبري؛ لأن بعده: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ}.
قلت: وبه يقع الاعتبار مشاهدة ومعاينة؛ ولذلك أخبر بذلك في غير ما آية؛ ليدل على مال قدرته، وعلى البعث والجزاء. وقيل:
يهون عليهم إذا يغضبو ... ن سخط العداة وإرغامها
ورتق الفتوق وفتق الرتو ... ق ونقض الأمور وإبرامها
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ثلاث تأويلات: أحدها: أنه خلق كل شيء من الماء؛ قال قتادة الثاني: حفظ حياة كل شيء بالماء. الثالث: وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حي؛ قال قطرب. {وَجَعَلْنَا} بمعنى خلقنا. وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له حديث أبي هريرة قال: قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي، وقرت عيني، أنبئني عن كل شيء؛ قال: "كل شيء خلق من الماء" الحديث؛ قال أبو حاتم قول أبي هريرة: “أنبئني عن كل شيء” أراد به عن كل شيء خلق من الماء، والدليل على صحة هذا جواب المصطفى إياه حيث قال: "كل شيء خلق من الماء" وإن لم يكن مخلوقا. وهذا احتجاج آخر سوى ما تقدم من كون السموات والأرض رتقا. وقيل: الكل قد يذكر بمعنى البعض كقول:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (11/284)
وقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] والصحيح العموم؛ لقول عليه السلام: "كل شي خلق من الماء" والله أعلم. {أَفَلا يُؤْمِنُونَ} أي أفلا يصدقون بما يشاهدون، وأن ذلك لم يكن بنفسه، بل لمكون كونه، ومدبر أوجده، ولا يجوز أن يكون ذلك المكون محدثا.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أي جبالا ثوابت. {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} أي لئلا تميد بهم، ولا تتحرك ليتم القرار عليها؛ قاله الكوفيون. وقال البصريون: المعنى كراهية أن تميد. والميد التحرك والدوران. يقال: ماد رأسه؛ أي دار. ومضى في النحل” مستوفى. {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً} يعني في الرواسي؛ عن ابن عباس. والفجاج ا لمسالك. والفج الطريق الواسع بين الجبلين. وقيل: وجعلنا في الأرض فجاجا أي مسالك؛ وهو اختيار الطبري؛ لقوله: {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي يهتدون إلى السير في الأرض. {سُبُلاً} تفسير الفجاج؛ لأن الفج قد يكون طريقا نافذا مسلوكا وقد لا يكون. وقيل: ليهتدوا بالاعتبار بها إلى دينهم.
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} أي محفوظا من أن يقع ويسقط على الأرض؛ دليله قوله تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج: 65]. وقيل: محفوظا بالنجوم من الشياطين؛ قاله الفراء. دليله قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: 17]. وقيل: محفوظا من الهدم والنقض، وعن أن يبلغه أحد بحيلة. وقيل: محفوظا فلا يحتاج إلى عماد. وقال مجاهد: مرفوعا. وقيل: محفوظا من الشرك والمعاصي. {وَهُمْ} يعني الكفار {عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} قال مجاهد يعني الشمس والقمر. وأضاف الآيات إلى السماء لأنها مجعولة فيها، وقد أضاف الآيات إلى نفسه في مواضع، لأنه الفاعل لها. بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها، من ليلها ونهارها، وشمسها وقمرها، وأفلاكها ورياحها وسحابها، وما فيها من قدرة الله تعالى، إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعا قادرا فيستحيل أن يكون له شريك.  (11/285)
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} ذكرهم نعمة أخرى: جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، والنهار ليتصرفوا فيه لمعايشهم {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي وجعل الشمس آية النهار، والقمر آية الليل؛ لتعلم الشهور والسنون والحساب، كما تقدم في سبحان” بيانه. {كُلٌّ} يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء. قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: {وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً} ويقال للفرس الذي يمد يده في الجري سابح. وفيه من النحو أنه لم يقل: يسحن ولا تسبح؛ فمذهب سيبويه: أنه لما أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بفعل من يعقل وجعلهن في الطاعة بمنزلة من يعقل، أخبر عنهن بالواو والنون ونحوه قال الفراء. وقد تقدم هذا المعنى في “يوسف”. وقال الكسائي: إنما قال: {يَسْبَحُونَ} لأنه رأس آية، كما قال الله تعالى: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} [القمر: 44] ولم يقل منتصرون. وقيل: الجري للفلك فنسب إليها. والأصح أن السيارة تجري في الفلك، وهي سبعة أفلاك دون السموات المطبقة، التي هي مجال الملائكة وأسباب الملكوت، فالقمر في الفلك الأدنى، ثم عطارد، ثم الزهرة، ثم الشمس، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، والثامن فالك البروج، التاسع الفلك الأعظم. والفلك واحد أفلاك النجوم. قال أبو عمرو: ويجوز أن يجمع على فعل مثل أسد وأسد وخشب وخشب. وأصل الكلمة من الدوران، ومنه فلكة المغزل؛ لاستدارتها. ومنه قيل: فلك ثدي المرأة تفليكا، وتفلك استدار. وفي حديث ابن مسعود: تركت فرسي كأنه يدور في فلك. كأنه لدورانه شبهه بفلك السماء الذي تدور عليه النجوم. قال ابن زيد: الأفلاك مجاري النجوم والشمس والقمر. قال: وهي بين السماء والأرض. وقال قتادة: الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء. وقال مجاهد: الفلك كهيئة حديد الرحى وهو قطبها. وقال الضحاك: فلكها مجراها وسرعة مسيرها. وقيل: الفلك موج مكتوف ومجرى الشمس والقمر فيه؛ والله أعلم.
(11/286)
الآيتان: 34 - 35 {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} أي دوام البقاء في الدنيا نزلت حين قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون. وذلك أن المشركين كانوا يدفعون نبوته ويقولون: شاعر نتربص به ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان؛ فقال الله تعالى: قد مات الأنبياء من قبلك، وتولى الله دينه بالنصر والحياطة، فهكذا نحفظ دينك وشرعك. {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}
أي أفهم؛ مثل قول الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
أي أهم فهو استفهام إنكار. وقال الفراء: جاء بالفاء ليدل على الشرط؛ لأنه جواب قولهم سيموت. ويجوز أن يكون جيء بها؛ لأن التقدير فيها: أفهم الخالدون إن مت! قال الفراء: ويجوز حذف الفاء وإضمارها؛ لأن “هم” لا يتبين فيها الإعراب. أي إن مت فهم يموتون أيضا، فلا شماتة في الإماتة. وقرئ {مِتَّ} و {مُتَّ} بكسر الميم وضمها لغتان.
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} تقدم. {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} {فِتْنَةً} مصدر على غير اللفظ. أي نختبركم بالشدة والرخاء والحلال والحرام، فننظر كيف شكركم وصبركم. {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} أي للجزاء بالأعمال.
تفشير الدر المنثور

الأنبياء - تفسير الدر المنثور
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا من دونه آلِهَة قل هاتوا برهانكم} يَقُول: هاتوا بينتكم على مَا تَقولُونَ {هَذَا ذكر من معي}
(5/623)
يَقُول: هَذَا الْقُرْآن فِيهِ ذكر الْحَلَال وَالْحرَام {وَذكر من قبلي} يَقُول: فِيهِ ذكر أَعمال الْأُمَم السالفة وَمَا صنع الله بهم وَإِلَى مَا صَارُوا {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ الْحق فهم معرضون} عَن كتاب الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} قَالَ: أرْسلت الرُّسُل بالإخلاص والتوحيد لله لَا يقبل مِنْهُم حَتَّى يقولوه ويقروا بِهِ والشرائع تخْتَلف فِي التَّوْرَاة شَرِيعَة وَفِي الْإِنْجِيل شَرِيعَة وَفِي الْقُرْآن شَرِيعَة حَلَال وَحرَام فَهَذَا كُله فِي الْإِخْلَاص لله وتوحيد الله
الْآيَة 27 - 30
(5/624)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: إِن الله عز وَجل صاهر الْجِنّ فَكَانَت بَينهم الْمَلَائِكَة
فَقَالَ الله تَكْذِيبًا لَهُم {بل عباد مكرمون} أَي الْمَلَائِكَة لَيْسَ كَا قَالُوا بل هم عباد أكْرمهم الله بِعِبَادَتِهِ {لَا يسبقونه بالْقَوْل} يثني عَلَيْهِم {وَلَا يشفعون} قَالَ: لَا تشفع الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لأهل التَّوْحِيد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لمن رَضِي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: الَّذين ارتضاهم لشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
(5/624)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} فَقَالَ: إِن شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي مَرَرْت بِجِبْرِيل وَهُوَ باملأ الْأَعْلَى ملقى كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة {إِنِّي إِلَه من دونه} قَالَ: وَلم يقل ذَلِك أحد من الْمَلَائِكَة إِلَّا إِبْلِيس دَعَا إِلَى عبَادَة نَفسه وَشرع الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت هَذِه خَاصَّة لإبليس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالغيث وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: لَا يخرج مِنْهَا شَيْء {ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالمطر وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رجلا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما} قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الشَّيْخ فَاسْأَلْهُ ثمَّ تعالَ فَأَخْبرنِي مَا قَالَ
فَذهب إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ قَالَ: نعم كَانَت السَّمَاء رتقاء لَا تمطر وَكَانَت الأَرْض رتقاء لَا تنْبت فَلَمَّا خلق الله الأَرْض فتق هَذِه بالمطر وفتق هَذِه بالنبات
فَرجع الرجل على ابْن عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ ابْن عمر: الْآن علمت أَن ابْن عَبَّاس قد أُوتِيَ فِي الْقُرْآن علما صدق ابْن عَبَّاس هَكَذَا كَانَت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: ملتصقتين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن اللَّيْل كَانَ قبل أم النَّهَار قَالَ: اللَّيْل
ثمَّ قَرَأَ
(5/625)
{إِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} فَهَل تعلمُونَ كَانَ بَينهمَا إِلَّا ظلمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتق من الأَرْض سِتّ أَرضين مَعهَا فَتلك سبع أَرضين بَعضهنَّ تَحت بعض وَمن السَّمَاء سبع سموات مِنْهَا مَعهَا فَتلك سبع سموات بَعضهنَّ فَوق بعض وَلم تكن الأَرْض وَالسَّمَاء مماستين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَت السَّمَاء وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع سموات وَكَانَت الأَرْض وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع أَرضين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَتَا جمعا ففصل الله بَينهمَا بِهَذَا الْهَوَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت السَّمَوَات والأرضون ملتزقتين فَلَمَّا رفع الله السَّمَاء وابتزها من الأَرْض فَكَانَ فتقها الَّذِي ذكر الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني فأنبئني عَن كل شَيْء قَالَ: كل شَيْء خلق من المَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: نُطْفَة الرجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: خلق كل شَيْء من المَاء وَهُوَ حَيَاة كل شَيْء
الْآيَة 31 - 33
(5/626)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا فِيهَا فجاجاً سبلاً} قَالَ: بَين الْجبَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فجاجاً} أَي أعلاماً {سبلاً} أَي طرقاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفاً مَحْفُوظًا} قَالَ: مَرْفُوعا {وهم عَن آياتها معرضون} قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم من آيَات السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: خلق الله فِي ساعتين مِنْهُ اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: دوران {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: فلكة كفلكة المغزل {يسبحون} قَالَ: يدورون فِي أَبْوَاب السَّمَاء مَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: هُوَ فلك السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرة فِي فلك بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض من مجاري النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
وَفِي قَوْله: {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء يَدُور فَهُوَ فلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون}
(5/627)
النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
قَالَ: كفلكة المغزل قَالَ: هُوَ مثل حسبان قَالَ: فَلَا يَدُور الْغَزل إِلَّا بالفلكة وَلَا تَدور الفلكة إِلَّا بالمغزل وَلَا يَدُور الرَّحَى إِلَّا بالحسبان وَلَا يَدُور الحسبان إِلَّا بالرحى كَذَلِك النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا يدرن إِلَّا بِهِ وَلَا يَدُور إِلَّا بِهن قَالَ: والحسبان والفلك يصيران إِلَى شَيْء وَاحِد غير أَن الحسبان فِي الرَّحَى كالفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك كَهَيئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ فِي فلك السَّمَاء كَمَا رَأَيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: هُوَ الدوران
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: المغزل قَالَ كَمَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: وَكَانَ عبد الله يقْرَأ كل فِي فلك يعْملُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ
الْآيَة 34
(5/628)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج قَالَ: لما نعى جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه قَالَ: يَا رب فَمن لأمتي فَنزلت {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فجَاء فَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مسجى فَوضع فَاه على جبين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول: بِأبي وَأمي طبت حَيا وطبت مَيتا فَلَمَّا خرج مرّ بعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ
(5/628)
يَقُول: مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَمُوت حَتَّى يقتل الله الْمُنَافِقين وَحَتَّى يخزي الله الْمُنَافِقين
قَالَ: وَكَانُوا قد اسْتَبْشَرُوا بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفعُوا رؤوسهم فَقَالَ: أَيهَا الرجل أَربع على نَفسك فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ
ألم تسمع الله يَقُول: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون) (الزمر آيَة 30) وَقَالَ: {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} قَالَ: ثمَّ أَتَى الْمِنْبَر فصعده فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَهكُم الَّذِي تَعْبدُونَ فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم لم يمت ثمَّ تَلا (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم) (آل عمرَان آيَة 144) حَتَّى ختم الْآيَة
ثمَّ نزل وَقد استبشر الْمُسلمُونَ بذلك وَاشْتَدَّ فَرَحهمْ وَأخذت الْمُنَافِقين الكآبة
قَالَ عبد الله بن عمر: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لكَأَنَّمَا كَانَت على وُجُوهنَا أغطية فَكشفت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: دخل أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد مَاتَ فَقبله وَقَالَ: وانبياه
واخليلاه
واصفياه
ثمَّ تَلا {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَقَوله: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون)
الْآيَة 35
(5/629)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة} قَالَ: نبتليكم بالشدة والرخاء وَالصِّحَّة والسقم والغنى والفقر والحلال وَالْحرَام وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْهدى والضلالة
وَالله أعلم /الْآيَة 36
==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...