وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا
بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا
يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا
خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ
لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا
آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
تفسر ابن كثير الأنبياء - تفسير ابن كثير
وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً
وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا
إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا
أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا
وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى
جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً
وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ
مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا
خَامِدِينَ (15) } .
يقول تعالى منبهًا على شرف القرآن، ومحرضًا لهم على معرفة
قدره: { لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ } قال ابن عباس:
شَرَفُكم.
وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم. (5/334)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ
لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ
} [ الزخرف: 44 ] .
وقوله:
{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً } هذه
صيغة تكثير، كما قال { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء: 17] .
وقال تعالى: { فَكَأَيِّنْ (1) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا
وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ
وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج:45] . وقوله: { وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ }
أي: أمة أخرى بعدهم.
{ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا } أي: تيقنوا أن العذاب واقع
(2) بهم، كما وعدهم نبيهم، { إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ } أي: يفرون هاربين.
{ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ } هذا تهكم بهم قدرًا أي: قيل لهم
قدرًا: لا تركضوا هاربين من نزول العذاب، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من النعمة
والسرور، والمعيشة والمساكن الطيبة.
قال قتادة: استهزاء بهم.
{ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ } أي: عما كنتم فيه من أداء شكر
النعمة.
{ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } اعترفوا
بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك، { فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى
جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ } أي: ما (3) زالت تلك المقالة، وهي الاعتراف
بالظلم، هِجيراهم حتى حصدناهم حصدًا (4) وخمدت حركاتهم وأصواتهم خمودًا.
{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ
لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19)
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) } .
يخبر تعالى أنه خلق السموات والأرض بالحق، أي: بالعدل
والقسط، { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ
أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [ النجم :31]، وأنه لم يخلق ذلك عبثًا
ولا لعبًا، كما قال: { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ (5) وَالأرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ
كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } [ ص:27]
وقوله تعالى: { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } قال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: { لَوْ
أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا } يعني: من عندنا،
يقول: وما خلقنا جنة ولا نارًا، ولا موتًا، ولا بعثًا، ولا حسابًا.
وقال الحسن، وقتادة، وغيرهما: { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ
نَتَّخِذَ لَهْوًا } اللهو: المرأة بلسان أهل اليمن.
__________
(1) في ف: "وكأين".
(2) في ف: "تيقنوا العذاب أنه واقع".
(3) في ف: "فما".
(4) في ف، أ: "جعلناهم حصيدا خامدين".
(5) في ف ، أ : "السماوات". (5/335)
وقال إبراهيم النَّخعِي: { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ
لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ } من الحور العين.
وقال عكرمة والسدي: المراد باللهو هاهنا: الولد.
وهذا والذي قبله متلازمان، وهو كقوله تعالى: { لَوْ أَرَادَ
اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
سُبْحَانَهُ } [الزمر:4]، فنزه نفسه عن اتخاذ الولد
مطلقًا، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل، من اتخاذ عيسى، أو العزير (1) أو
الملائكة، { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } [
الإسراء:43] .
وقوله: { إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ } قال قتادة، والسدي،
وإبراهيم النخعي، ومغيرة بن مِقْسَم، أي: ما كنا فاعلين.
وقال مجاهد: كل شيء في القرآن "إن" فهو إنكار.
وقوله:
{ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ } أي: نبين الحق
فيدحض الباطل؛ ولهذا قال: { فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } أي: ذاهب مضمحل، { وَلَكُمُ الْوَيْلُ } أي: أيها
القاتلون: لله ولد، { مِمَّا تَصِفُونَ } أي: تقولون وتفترون.
ثم أخبر تعالى عن عبودية الملائكة له، ودأبهم في طاعته ليلا
ونهارًا ، فقال: { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ }
يعني: الملائكة، { لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } أي: لا يستنكفون عنها، كما قال: { لَنْ
يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ
الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ
فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا } [ النساء :172] .
وقوله: { وَلا يَسْتَحْسِرُونَ } أي: لا يتعبون ولا
يَملُّون.
{ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } فهم
دائبون في العمل ليلا ونهارًا، مطيعون قصدًا وعملا قادرون عليه، كما قال تعالى: {
لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [ التحريم:6].
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دُلامة البغدادي، أنبأنا
عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن صفوان بن مُحرِز، عن حكيم بن حِزَام
قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ قال لهم: "هل تسمعون
ما أسمع؟" قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شِبْر إلا وعليه ملك
ساجد أو قائم". غريب ولم يخرجوه (2) .
ثم رواه ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن سعيد، عن
قتادة مرسلا.
وقال أبو إسحاق (3) ، عن حسان بن مخارق، عن عبد الله بن
الحارث بن نوفل قال: جلست إلى كعب الأحبار وأنا غلام،
فقلت له: أرأيت قول الله [للملائكة] (4) { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا
يَفْتُرُونَ }
__________
(1) في ف: "أو عزيز".
(2) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (3/201) والطحاوي في مشكل
الآثار برقم (1134) من طريق عبد الوهاب بن عطاء به، وله
شاهد من حديث أبي ذر الغفاري أخرجه الترمذي في السنن برقم (2312) وقال: "هذا
حديث حسن غريب".
(3) في هـ، ف، أ: "محمد بن إسحاق" والمثبت من الطبري
17/70.
(4) زيادة من ف، أ. (5/336)
أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ
(21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ
اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ
هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24)
أما يشغلهم عن التسبيح الكلام والرسالة والعمل؟. فقال: فمن
هذا الغلام؟ فقالوا: من بني عبد المطلب، قال: فقبل رأسي، ثم قال لي: يا بني، إنه
جعل لهم التسبيح، كما جعل لكم النفس، أليس تتكلم وأنت تتنفس (1) وتمشي وأنت تتنفس؟.
{ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا
اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)
لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) }
ينكر (2) تعالى على من اتخذ من دونه آلهة، فقال: بل {
اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ } أي: أهم يحيون الموتى
وينشرونهم من الأرض؟ أي: لا يقدرون على شيء من ذلك. فكيف جعلوها لله ندًا وعبدوها
معه.
ثم أخبر تعالى أنه لو كان في الوجود آلهة غيره لفسدت
السموات الأرض، فقال { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ } أي: في السماء والأرض، {
لَفَسَدَتَا } ، كقوله تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ
مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ
عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون:91]، وقال هاهنا: {
فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي: عما يقولون إن له
ولدًا أو شريكًا، سبحانه وتعالى وتقدس وتنزه عن الذي يفترون ويأفكون علوًا كبيرًا.
وقوله:
{ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } أي: هو
الحاكم الذي لا معقب لحكمه، ولا يعترض عليه أحد، لعظمته وجلاله وكبريائه، وعلوه
وحكمته وعدله ولطفه، { وَهُمْ يُسْأَلُونَ } أي: وهو سائل خلقه عما يعملون، كقوله: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الحجر:92، 93] وهذا كقوله تعالى: { وَهُوَ
يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ } [ المؤمنون:88] .
{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا
بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ
لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) }
__________
(1) في ف: "وأنت تمشي".
(2) في ف: "فينكر" (5/337)
تفسير القرطبي /الأنبياء - تفسير القرطبي
الآيات:
11 - 15 {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً
وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا
هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ، لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ
وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً
خَامِدِينَ} (11/273)
قوله تعالى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ
ظَالِمَةً} يريد مدائن كانت باليمن. وقال أهل التفسير والأخبار: إنه أراد أهل حضور
وكان بعث إليهم نبي اسمه شعيب بن ذي مهدم، وقبر شعيب هذا باليمن بجبل يقال له ضنن
كثير الثلج، وليس بشعيب صاحب مدين؛ لأن قصة حضور قبل مدة عيسى عليه السلام، وبعد مئين
من السنين من مدة سليمان عليه السلام، وأنهم قتلوا نبيهم وقتل أصحاب الرسول في ذلك
التاريخ نبيا لهم اسمه حنظلة بن صفوان، وكانت حضور بأرض الحجاز من ناحية الشام،
فأوحى الله إلى أرميا أن أيت بختنصر فأعلمه أني قد سلطته على أرض العرب وأني منتقم
بك منهم، وأوحى الله إلى أرميا أن احمل معد بن عدنان على البراق إلى أرض العراق؛
كي لا تصيبه النقمة والبلاء معهم، فإني مستخرج من صلبه نبيا في آخر الزمان اسمه
محمد، فحمل معدا وهو ابن اثنتا عشرة سنة، فكان مع بني إسرائيل إلى أن كبر وتزوج
امرأة اسمها معانة؛ ثم إن بختنصر نهض بالجيوش، وكمن للعرب في مكان - وهو أول من
اتخذ المكامن فيما ذكروا - ثم شن الغارات على حضور فقتل وسبى وخرب العامر، ولم
يترك بحضور أثرا، ثم نصرف راجعا إلى السواد. و”كم” في موضع نصب بـ {قَصَمْنَا}. والقصم الكسر؛ يقال: قصمت ظهر فلان
وانقصمت سنه إذا انكسرت والمعني به ههنا الإهلاك. وأما الفصم “بالفاء” فهو الصدع
في الشيء من غير بينونة؛ قال الشاعر:
كأنه دملج من فضه نبه ... في ملعب من عذاري الحي مفصوم
ومنه الحديث "فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا".
وقوله: {كَانَتْ ظَالِمَةً} أي كافرة؛ يعني أهلها. والظلم وضع الشيء في غير موضعه،
وهم وضعوا الكفر موضع الإيمان.
قوله تعالى: {وَأَنْشَأْنَا} أي أوجدنا وأحدثنا بعد إهلاكهم
{فَلَمَّا أَحَسُّوا} أي رأوا
عذابنا؛ يقال: أحسست منه ضعفا. وقال الأخفش: {أَحَسُّوا} خافوا وتوقعوا. {إِذَا هُمْ مِنْهَا
يَرْكُضُونَ} أي يهربون ويفرون. والركض العدو بشدة الوطء. والركض (11/274)
-------
تحريك الرجل؛ ومنه قوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:
42] وركضت الفرس برجلي استحثثته ليعدو ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا وليس
بالأصل، والصواب ركض الفرس على ما لم يسم فاعله فهوم مركوض.
قوله تعالى: {لا تَرْكُضُوا} أي لا تفروا. وقيل: إن
الملائكة نادتهم لما انهزموا استهزاء بهم وقالت: {لا تَرْكُضُوا} {وَارْجِعُوا
إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم، والمترف
المتنعم؛ يقال: أترف على فلان أي وسع عليه في معاشه. وإنما أترفهم الله عز وجل كما
قال: {وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا} [المؤمنون: 33].
{لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي لعلكم تسألون شيئا من دنياكم؛
استهزاء بهم؛ قاله قتادة. وقيل: المعنى {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} عما نزل بكم من العقوبة
فتخبرون به. وقيل: المعنى {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} أي تؤمنوا كما كنتم تسألون
ذلك قبل نزول البأس بكم؛ قيل لهم ذلك استهزاء وتقريعا وتوبيخا. {قَالُوا يَا
وَيْلَنَا} لما قالت لهم الملائكة: {لا تَرْكُضُوا} ونادت بالثارات الأنبياء! ولم يروا شخصا يكلمهم
عرفوا أن الله عز وجل هو الذي سلط عليهم عدوهم بقتلهم النبي الذي بعث فيهم، فعند
ذلك قالوا: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} فاعترفوا بأنهم ظلموا حين لا
ينفع الاعتراف. {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} أي لم يزالوا يقولون: {يَا وَيْلَنَا
إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً} أي بالسيوف كما يحصد
الزرع بالمنجل؛ قال مجاهد. وقال الحسن: أي بالعذاب. {خَامِدِينَ} أي ميتين. والخمود الهمود كخمود
النار إذا طفئت فشبه خمود الحياة بخمود النار كما يقال لمن مات قد طفئ تشبيها
بانطفاء النار.
الآيات:
16 - 18 {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا
فَاعِلِينَ، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ
زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} (11/275)
قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا
بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} أي عبثا وباطلا؛ بل للتنبيه على أن لها خالقا قادرا يجب
امتثال أموه، وأنه يجازي المسيء والمحسن أي ما خلقنا السماء والأرض ليظلم بعض
الناس بعضا ويكفر بعضهم، ويخالف بعضهم ما أمر به ثم يموتوا ولا يجازوا، ولا يؤمروا
في الدنيا بحسن ولا ينهوا عن قبيح. وهذا اللعب المنفي عن الحكيم ضده الحكمة.
قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} لما
اعتقد قوم أن له ولدا قال: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} واللهو المرأة
بلغة اليمن؛ قاله قتادة. وقال عقبة بن أبي جسرة - وجاء طاووس وعطاء ومجاهد يسألونه
عن قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً} - فقال: اللهو الزوجة؛ وقال الحسن. وقال ابن
عباس: اللهو الولد؛ وقاله الحسن أيضا. قال الجوهري: وقد يكنى باللهو عن الجماع.
قلت: ومنه قول امرئ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني ... كبرت وألا يحسن اللهو
أمثالي
وإنما سمي الجماع لهوا لأنه ملهى للقلب، كما قال:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر
الجوهري: قوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ
لَهْواً} قالوا امرأة، ويقال:
ولدا. {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} أي من عندنا لا من
عندكم. قال ابن جريج: من أهل السماء لا من أهل الأرض. قيل: أراد الرد على من قال
إن الأصنام بنات الله؛ أي كيف يكون منحوتكم ولدا لنا. وقال ابن قتيبة: الآية رد
على النصارى. {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قال قتادة ومقاتل وابن. جريح والحسن:
المعنى ما كنا فاعلين؛ مثل {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر: 23] أي ما أنت إلا نذير. و{إِنْ} بمعنى
الجحد وتم الكلام عند قوله:
{لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}. وقيل: إنه على معنى الشرط؛
أي إن كنا فاعلين ذلك ولكن لسنا بفاعلين ذلك لاستحالة أن يكون لنا ولد؛ إذ لو كان
ذلك لم نخلق جنة (11/276)
-----
ولا نارا ولا موتا ولا بعثا ولا حسابا. وقيل: لو أردنا أن
نتخذ ولدا على طريق التبني لاتخذناه من عندنا من الملائكة. ومال إلى هذا قوم؛ لأن
الإرادة قد تتعلق بالتبني فأما اتخاذ الولد فهو محال، والإرادة لا تتعلق
بالمستحيل؛ ذكره القشيري.
قوله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ}
القذف الرمي؛ أي نرمي بالحق على الباطل. {فَيَدْمَغُهُ} أي يقهره ويهلكه. وأصل
الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ، ومنه الدامغة. والحق هنا القرآن، والباطل الشيطان
في قول مجاهد؛ قال: وكل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان. وقيل: الباطل كذبهم ووصفهم
الله عز وجل بغير صفاته من الولد وغيره. وقيل: أراد بالحق الحجة، وبالباطل شبههم.
وقيل: الحق المواعظ، والباطل المعاصي؛ والمعنى متقارب. والقرآن يتضمن الحجة والموعظة. “فإذا هو زاهق”
أي هالك وتالف؛ قاله قتادة.
{وَلَكُمُ الْوَيْلُ} أي العذاب في الآخرة بسبب وصفكم الله
بما لا يجوز وصفه. وقال ابن عباس: الويل واد في جهنم؛ وقد تقدم. {مِمَّا
تَصِفُونَ} أي مما تكذبون؛ عن قتادة ومجاهد؛ نظيره {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ}
[الأنعام: 139] أي بكذبهم. وقيل: مما تصفون الله به
من المحال وهو اتخاذه سبحانه الولد.
الآيات: 19 - 21 {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ،
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ، أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً
مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ}
قوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي
ملكا وخلقا فكيف يجوز أن يشرك به ما هو عبد ه وخلقه. {وَمَنْ عِنْدَهُ} يعني
الملائكة الذين ذكرتم أنهم بنات الله. {لا يَسْتَكْبِرُونَ} أي لا يأنفون {عَنْ
عِبَادَتِهِ} والتذلل له. {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ}
أي يعيون؛ قال قتادة. مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالأعياء والتعب،
[يقال]: حسر البعير يحسر حسورا أعيا وكل، واستحسر وتحسر مثله، وحسرته أنا حسرا
يتعدى ولا يتعدى، (11/277)
----
وأحسرته أيضا فهو حسير. وقال ابن زيد: لا يملون. ابن عباس:
لا يستنكفون. وقال أبو زيد: لا يكلون. وقيل: لا يفشلون؛ ذكره ابن الأعرابي؛
والمعنى واحد. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ
وَالنَّهَارَ} أي يصلون ويذكرون الله وينزهونه دائما. {لا يَفْتُرُونَ} أي لا
يضعفون ولا يسأمون، يلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس. قال عبد الله بن
الحرث سألت كعبا فقلت: أما لهم شغل عن التسبيح؟ أما يشغلهم عنه شيء؟ فقال: من هذا؟
فقلت: من بني عبد المطلب؛ فضمني إليه وقال: يا ابن أخي هل يشغلك شيء عن النفس؟! إن
التسبيح لهم بمنزلة النفس. وقد استدل بهذه الآية من قال: إن الملائكة أفضل من بني
آدم. وقد تقدم والحمد لله.
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ
يُنْشِرُونَ} قال المفضل: مقصود هذا الاستفهام الجحد، أي لم يتخذوا آلهة تقدر على
الإحياء. وقيل: “أم” بمعنى “هل” أي هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون
الموتى. ولا تكون “أم” هنا بمعنى بل؛ لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدر
“أم” مع الاستفهام فتكون “أم” المنقطعة فيصح المعنى؛ قاله المبرد. وقيل: “أم “عطف
على المعنى أي أفخلقنا السماء والأرض لعبا، أو هذا الذي أضافوه إلينا من عندنا
فيكون لهم موضع شبهة؟ أو هل ما اتخذوه من الآلهة في الأرض يحيي الموتى فيكون موضع
شبهة؟. وقيل: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ
كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] ثم عطف عليه
بالمعاتبة، وعلى هذين التأويلين تكون “أم” متصلة. وقرأ الجمهور {يُنْشِرُونَ} بضم
الياء وكسر الشين من أنشر الله الميت فنشر أي أحياه فحيي. وقرأ الحسن بفتح الياء؛
أي يحيون ولا يموتون.
الآيات: 22 - 24 {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، لا يُسْأَلُ
عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} (11/278)
-----
قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
لَفَسَدَتَا} أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا. قال
الكسائي وسيبويه: “إلا” بمعنى غير فلما جعلت إلا في موضع غير أعرب الاسم الذي
بعدها بإعراب كما غير، كما قال:
وكل أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان
وحكى سيبويه: لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا. وقال الفراء:
“إلا” هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها. وقال
غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير؛ لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده
كان أحدهما عاجزا. وقيل: معنى {لَفَسَدَتَا} أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع
بالاختلاف الواقع بين الشركاء. {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا
يَصِفُونَ} نزه نفسه وأمر العباد أن ينزهوه عن أن يكون له شريك أو ولد.
قوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ} قاصمة للقدرية وغيرهم. قال ابن
جريج: المعنى لا يسأل الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم؛ لأنهم
عبيد. بين بهذا أن من يسأل غدا عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للألهية.
وقيل: لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون. وروي عن علي رضي عنه أن رجلا قال له يا
أمير المؤمنين: أيحب ربنا أن يعصى؟ قال: أفيعصى ربنا قهرا؟ قال: أرأيت إن منعني
الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء؟ قال: إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله
فهو يؤتيه من يشاء. ثم تلا الآية: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ}. وعن ابن عباس قال: لما بعث الله عز
وجل موسى وكلمه، وأنزل عليه التوراة، قال: اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع
لأطعت، ولو شئت ألا تعصى ما عصيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تعصى فكيف هذا يا
رب؟ فأوحي الله إليه: إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} أعاد
التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ، أي صفتهم كما تقدم في
الإنشاء والإحياء، فتكون “أم” بمعنى هل على ما تقدم، فليأتوا بالبرهان على ذلك.
وقيل: الأول احتجاج. من حيث المعقول؛ لأنه قال: “هم ينشرون” ويحيون الموتى؛ هيهات!
والثاني احتجاج بالمنقول، أي هاتوا برهانكم من (11/279)
هذه الجهة، ففي أي كتاب نزل هذا؟ في القران، أم في الكتب
المنزلة سائر الأنبياء؟ {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} بإخلاص التوحيد في القرآن
{وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} في التوراة والإنجيل، وما أنزل الله من الكتب؛ فانظروا هل
في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق
بالتوحيد، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي. وقال قتادة: الإشارة إلى القرآن؛
المعنى: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} بما
يلزمهم من الحلال والحرام {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} من الأمم ممن نجا بالإيمان وهلك
بالشرك. وقيل: {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} بما لهم من الثواب على الإيمان والعقاب على
الكفر {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} من الأمم السالفة فيما يفعل بهم في الدنيا، وما
يفعل بهم في الآخرة. وقيل: معنى الكلام الوعيد والتهديد، أي افعلوا ما شئتم فعن
قريب ينكشف الغطاء. وحكى أبو حاتم: أن يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف قرأ {هَذَا ذِكْرُ
مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} بالتنوين وكسر الميم، وزعم أنه لا وجه لهذا.
وقال أبو إسحاق الزجاج في هذه القراءة: المعنى؛ هذا ذكر مما أنزل إلي ومما هو معي
وذكر من قبلي. وقيل: ذكر كائن من قبلي، أي جئت بما جاءت به الأنبياء من قبلي.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} وقرأ ابن محيصن والحسن {الْحَقُّ} بالرفع بمعنى
هو الحق وهذا هو الحق. وعلى هذا يوقف على {لا يَعْلَمُونَ} ولا يوقف عليه على
قراءة النصب. {فَهُمْ مُعْرِضُونَ} أي عن الحق وهو القرآن، فلا يتأملون حجة
التوحيد.
تفسير الدر المنثور/الأنبياء - تفسير الدر المنثور
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
21-سُورَة الْأَنْبِيَاء
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْأَنْبِيَاء أخرج النّحاس فِي ناسخه
وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخر البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير
قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ:
بَنو إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء هن من الْعتاق الأول وَهن من
تلادي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن
عَسَاكِر عَن عَامر بن ربيعَة أَنه نزل بِهِ رجل من الْعَرَب وَأكْرم عَامر مثواه
وكلم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الرجل فَقَالَ: إِنِّي
استقطعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاديا مَا فِي الْعَرَب أفضل مِنْهُ
وَقد أردْت أَن أقطع لَك مِنْهُ قِطْعَة تكون لَك ولعقبك
فَقَالَ عَامر: لَا حَاجَة لي فِي قطيعتك نزلت الْيَوْم سُورَة
أذهلتنا عَن الدُّنْيَا {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي
غَفلَة معرضون} الْآيَة 1 - 15 (5/615)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا
اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا
النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ
السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ
بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ
الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ
يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ
فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا
جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)
ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا
الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ
كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ
قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11)
فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا
وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا
كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ
حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
----
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون}
قَالَ: من أَمر الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي
قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ: مَا يوعدون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم} يَقُول: مَا ينزل عَلَيْهِم شَيْء من
الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {لاهية قُلُوبهم} قَالَ: غافلة
وَفِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} يَقُول:
أَسرُّوا الَّذين ظلمُوا النَّجْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وأسروا
النَّجْوَى} قَالَ: أَسرُّوا نَجوَاهُمْ بَينهم {هَل
هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أفتأتون
السحر} يَقُولُونَ: إِن مُتَابعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَابعَة
السحر
وَفِي قَوْله: {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل} قَالَ: الْغَيْب
وَفِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أباطيل أَحْلَام
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة
وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي عَن جُنْدُب البَجلِيّ أَنه قتل ساحراً
كَانَ عِنْد الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ قَالَ: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون} (5/616)
-----
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَي فعل الأحلام إِنَّمَا هِيَ رُؤْيا رَآهَا
{بل افتراه بل هُوَ شَاعِر} كل هَذَا قد كَانَ مِنْهُ {فليأتنا بِآيَة كَمَا أرسل الأوّلون}
كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرسل {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة
أهلكناها} أَي أَن الرُّسُل كَانُوا إِذا جاؤوا قَومهمْ بِالْآيَاتِ فَلم يُؤمنُوا
لم ينْظرُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن
فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي
سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت
اسْتَأْنَيْت بقومك
قَالَ: بل أستأني بقومي
فَأنْزل الله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم
يُؤمنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي
قَوْله: {أفهم يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله:
{وَمَا جعلناهم جسداً لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} يَقُول: لم نجعلهم جسداً لَيْسَ
يَأْكُلُون الطَّعَام إِنَّمَا جعلناهم جسداً يَأْكُلُون الطَّعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {وَمَا كَانُوا خَالِدين} قَالَ: لَا بُد لَهُم من الْمَوْت أَن يموتوا
وَفِي قَوْله: {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} إِلَى قَوْله:
{وأهلكنا المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه
وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد أنزلنَا
إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ شرفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ
حديثكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن
أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ دينكُمْ
أمسك عَلَيْكُم دينكُمْ بِكِتَابِكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كتابا
فِيهِ ذكركُمْ} يَقُول: فِيهِ ذكر مَا تعنون بِهِ وَأمر آخرتكم ودنياكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: بعث الله نَبيا من (5/617)
حمير يُقَال لَهُ شُعَيْب فَوَثَبَ إِلَيْهِ عبد بعصا
فَسَار إِلَيْهِم بخْتنصر فَقَاتلهُمْ فَقَتلهُمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم شَيْء
وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت
ظالمة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن
الْكَلْبِيّ {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: هِيَ حصون بني أَزْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ:
أهلكناها
وَفِي قَوْله: {لَا تركضوا} قَالَ: لَا تَفِرُّوا
وَفِي قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} قَالَ: تتفهمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ:
كَانُوا إِذا أحسوا بِالْعَذَابِ وَذَهَبت عَنْهُم الرُّسُل من بعد مَا أنذروهم
فكذبوهم فَلَمَّا فقدوا الرُّسُل وأحسوا بِالْعَذَابِ أَرَادوا الرّجْعَة إِلَى الْإِيمَان
وركضوا هاربين من الْعَذَاب فَقيل لَهُم: لَا تركضوا
فعرفوا أَنه لَا محيص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِذا هم
مِنْهَا يركضون} قَالَ: يفرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} يَقُول: ارْجعُوا
إِلَى دنياكم الَّتِي أترفتم فِيهَا {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} من دنياكم شَيْئا استهزاء
بهم
وَفِي قَوْله: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: لما رَأَوْا
الْعَذَاب وعاينوه لم يكن لَهُم هجيري إِلَّا قَوْلهم: {إِنَّا كُنَّا ظالمين}
حَتَّى دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله:
{وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} قَالَ: ارْجعُوا إِلَى دُوركُمْ
وَأَمْوَالكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَمَا زَالَت تِلْكَ
دَعوَاهُم} قَالَ: هم أهل حصون كَانُوا قتلوا نَبِيّهم فَأرْسل الله عَلَيْهِم
بخْتنصر فَقَتلهُمْ
وَفِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً خامدين} قَالَ:
بِالسَّيْفِ ضربت الْمَلَائِكَة وُجُوههم حَتَّى رجعُوا إِلَى مساكنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: حَدثنِي رجل من
المحررين قَالَ: كَانَ بِالْيمن قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حُضُور وَالْأُخْرَى
فُلَانَة فبطروا وأترفوا حَتَّى كَانُوا (5/618)
يغلقون أَبْوَابهم فَلَمَّا أترفوا بعث الله إِلَيْهِم
نَبيا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ فَألْقى الله فِي قلب بخْتنصر أَن يغزوهم فَجهز
إِلَيْهِم جَيْشًا فقاتلوهم فهزموا جَيْشه ثمَّ رجعُوا منهزمين إِلَيْهِ فَجهز
إِلَيْهِم جَيْشًا آخر أكثف من الأول فهزموهم أَيْضا فَلَمَّا رأى بخْتنصر ذَلِك
غزاهم هُوَ بِنَفسِهِ فقاتلوه فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا يركضون
فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: (لَا تركضوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ
ومساكنكم) فَرَجَعُوا فَسَمِعُوا منادياً
يَقُول: يَا لثارات النَّبِي فَقتلُوا بِالسَّيْفِ فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله:
{وَكم قصمنا من قَرْيَة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً} قَالَ:
الْحَصاد {خامدين} قَالَ: كخمود النَّار إِذا طفئت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق
قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خامدين} قَالَ: ميتين
قَالَ:
وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن
ربيعَة وَهُوَ يَقُول: خلوا ثيابهن على عَوْرَاتهمْ فهم بأفنية الْبيُوت خمود/الْآيَة 16 (5/619)
----
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا
لَاعِبِينَ (16)/أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} يَقُول: مَا
خلقناهما عَبَثا وَلَا بَاطِلا
الْآيَة 17 - 20 (5/619)
-------
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ
مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى
الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا
تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا
يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو الْوَلَد (5/619)
-----
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَو
أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} الْآيَة
يَقُول: لَو أردْت أَن أَتَّخِذ ولدا لأتخذت من
الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي
قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اللَّهْو
بِلِسَان الْيمن الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو بلغَة أهل الْيمن
الْمَرْأَة
وَفِي قَوْله: {إِن كُنَّا فاعلين} أَي إِن ذَلِك لَا يكون
وَلَا يَنْبَغِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي
قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: نسَاء {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من
الْحور الْعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو
أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: لعباً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد فِي قَوْله: {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من عندنَا
{إِن كُنَّا فاعلين} أَي مَا كُنَّا فاعلين
يَقُول: وَمَا خلقنَا جنَّة وَلَا نَارا وَلَا موتا وَلَا
بعثاً وَلَا حسابا وكل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن} فَهُوَ إِنْكَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل نقذف
بِالْحَقِّ} قَالَ: الْقُرْآن {على الْبَاطِل} قَالَ:
اللّبْس {فَإِذا هُوَ زاهق} قَالَ: هَالك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر
وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَلكم الويل مِمَّا تصفون} قَالَ:
هِيَ وَالله لكل واصف كذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن
عِنْده} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله
عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} يَقُول: لَا يرجعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن
مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يحسرون (5/620)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي
قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا
يستحسرون} قَالَ: لَا ينقطعون من الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ
فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل
رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا
يفترون} أما شغلهمْ رِسَالَة أما شغلهمْ عمل فَقَالَ: جعل لَهُم التَّسْبِيح كَمَا
جعل لكم النَّفس أَلَسْت تَأْكُل وتشرب وتجيء وَتذهب وتتكلم وَأَنت تتنفس
فَكَذَلِك جعل لَهُم التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله
عَنهُ فِي قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} قَالَ: جعلت أنفاسهم
تسبيحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: خلق
الله الْمَلَائِكَة صمداً لَيْسَ لَهُم أَجْوَاف/الْآيَة 21 - 23 (5/621)
-----
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ
(21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ
رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ
(23)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم
وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة
من الأَرْض هم ينشرون} قَالَ: يحيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أم
اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قيقول: ينشرون الْمَوْتَى من الأَرْض
يَقُول: يحيونهم من قُبُورهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي
قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض} يَعْنِي مِمَّا اتَّخذُوا من
الْحِجَارَة والخشب
وَفِي قَوْله: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله}
قَالَ: لَو كَانَ مَعَهُمَا آلِهَة إِلَّا الله {لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش}
يسبح نَفسه تبَارك وَتَعَالَى إِذا قيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان (5/621)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة
رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} قَالَ: بعباده {وهم
يسْأَلُون} قَالَ: عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا يسْأَل
عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} قَالَ: لَا يسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه
والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ: مَا فِي الأَرْض قوم أبْغض إليّ من الْقَدَرِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا
لأَنهم لَا يعلمُونَ قدرَة الله تَعَالَى
قَالَ الله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي بعض مَا أنزل الله فِي الْكتب:
إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا قدرت الْخَيْر وَالشَّر فطوبى لمن قدرت
على يَده الْخَيْر ويسّرْتُه لَهُ وويل لمن قدرت على يَده الشَّرّ ويسرته لَهُ
إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أُسْأَل عَمَّا
أفعل وهم يسْأَلُون فويل لمن قَالَ وَكَيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء
وَالصِّفَات عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لما بعث الله موى وَكَلمه وَأنزل
عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع
لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى
فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نوف الْبكالِي قَالَ:
قَالَ عُزَيْر فِيمَا يُنَاجِي ربه: يَا رب تخلق خلقا (تضل بهَا من تشَاء وتهدي من
تشَاء) (الْأَعْرَاف آيَة 155) فَقَالَ لَهُ: يَا عُزَيْر أعرض عَن هَذَا
فَأَعَادَ فَقيل لَهُ: لتعرضن عَن هَذَا وَإِلَّا محوتك من
النبوّة إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَن
عُزَيْرًا سَأَلَ ربه عَن الْقدر فَقَالَ: سَأَلتنِي عَن علمي عُقُوبَتك أَن لَا
أسميك فِي الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن
عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ
التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو
شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك (5/622)
تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل
عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَانْتهى مُوسَى
فَلَمَّا بعث الله عُزَيْرًا وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة
بعد مَا كَانَ رَفعهَا عَن بني إِسْرَائِيل حَتَّى قَالَ: من قَالَ: إِنَّه ابْن
الله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو
شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع
وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا
أفعل وهم يسْأَلُون
فَأَبت نَفسه حَتَّى سَأَلَ أَيْضا فَقَالَ: أتستطيع أَن
تصرّ صرة من الشَّمْس قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بمثقال من نور قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بقيراط من نور قَالَ: لَا
قَالَ:
فَهَكَذَا إِن لَا تقدر على الَّذِي سَأَلت إِنِّي لَا
أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون أما أَنِّي لَا أجعَل عُقُوبَتك إِلَّا أَن أمحو
اسْمك من الْأَنْبِيَاء فَلَا تذكر فيهم
فمحي اسْمه من الْأَنْبِيَاء فَلَيْسَ يذكر فيهم وَهُوَ
نَبِي
فَلَمَّا بعث الله عِيسَى وَرَأى مَنْزِلَته من ربه وَعلمه
الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي
الْمَوْتَى قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو
شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع
وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل
عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون وَأَنت عَبدِي ورسولي وكلمتي ألقيتك إِلَى مَرْيَم وروح
مني خلقتك من تُرَاب ثمَّ قلت لَك كن فَكنت لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ بك
كَمَا فعلت بصاحبك بَين يَديك
إِنِّي لَا أسَال عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَجمع عِيسَى من تيعه وَقَالَ: الْقدر سرّ الله فَلَا
تكلفوه{الْآيَة 24 - 25 }
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق