القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 يناير 2023

تفسير الأيات من{179الي187}من سورة الأعراف هذه الصفحة فيها أسماء الله الحسني والاسم الأعظم لله رب العالمين

 


وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

الأعراف - تفسير ابن كثير

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }

يقول تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا } أي: خلقنا وجعلنا { لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ } أي: هيأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلائق، علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء" (1)

وفي صحيح مسلم أيضا، من حديث عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أنها قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم] (2) أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها (3) أهلا وهم في أصلاب آبائهم" (4)

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود [رضي الله عنه] (5) ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم (6) سعيد".

وتقدم أن الله [تعالى] (7) لما استخرج ذرية آدم من صلبه وجعلهم فريقين: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، قال: "هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي".

والأحاديث في هذا كثيرة، ومسألة القدر كبيرة ليس هذا موضع بسطها.

وقوله تعالى: { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا } يعني: ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله [سببا للهداية] (8) كما قال تعالى: { وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ] (9) } [الأحقاف:26] وقال تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ } [البقرة:18] هذا في حق المنافقين، وقال في حق الكافرين: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ } [البقرة:171] ولم يكونوا صمًا بكمًا عميًا إلا عن الهدى، كما قال تعالى: { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } [الأنفال:23] ،

__________

(1) صحيح مسلم برقم (2653).

(2) زيادة من د.

(3) في د، ك، م: "للنار".

(4) صحيح مسلم برقم (2662).

(5) زيادة من أ.

(6) في ك، م، أ: "أو".

(7) زيادة من أ.

(8) زيادة من د، ك، م، أ.

(9) زيادة من أ. وفي هـ: "الآية".

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

وقال: { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج:46]، وقال { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الزخرف:36 ، 37] .

وقوله تعالى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ } أي: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع (1) بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً [ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ] (2) } [البقرة:171] أي: ومثلهم -في حال دعائهم إلى الإيمان -كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه (3) ما يقول؛ ولهذا قال في هؤلاء: { بَلْ هُمْ أَضَلُّ } أي: من الدواب؛ لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأن الدواب تفقه (4) ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنه إنما خلق ليعبد الله ويوحده، فكفر بالله وأشرك به؛ ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به (5) من البشر، كانت الدواب أتم منه؛ ولهذا قال تعالى: { أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }

{ وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعا وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر".

أخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عنه (6) رواه البخاري، عن أبى اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد به (7) وأخرجه الترمذي، عن الجوزجاني، عن صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم، عن شعيب فذكر بسنده مثله، وزاد بعد قوله: "يحب الوتر": هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر،

__________

(1) في ك، م: "لا ينتفع".

(2) زيادة من أ.

(3) في أ: "لا تفهم".

(4) في أ: "تفعل".

(5) في أ: "بالله".

(6) صحيح البخاري برقم (6410) وصحيح مسلم برقم (2677).

(7) صحيح البخاري برقم (7392).

الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفوّ، الرءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور (1)

ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة [رضي الله عنه] (2) ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.

ورواه ابن حبان في صحيحه، من طريق صفوان، به (3) وقد رواه ابن ماجه في سننه، من طريق آخر (4) عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعا (5) فسرد الأسماء كنحو ما تقدم بزيادة ونقصان.

والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زهير بن محمد: أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن كما رود (6) عن جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبي زيد اللغوي، والله أعلم.

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في التسعة والتسعين (7) بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي سلمة الجهني، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أعلمته (8) أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا". فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلمها؟ فقال: "بلى، ينبغي لكل من سمعها (9) أن يتعلمها".

وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبان البستي في صحيحه بمثله (10)

وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتابه: "الأحوذي في شرح الترمذي"؛ أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله ألف اسم، فالله أعلم.

وقال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال: إلحاد الملحدين: أن دعوا "اللات (11) في أسماء الله.

__________

(1) بعدها في م: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير".

(2) زيادة من أ.

(3) سنن الترمذي برقم (3507).

(4) في أ: "أخرى".

(5) سنن ابن ماجة برقم (3861)، وقال البوصيري: "إسناد طريق ابن ماجة ضعيف لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني".

(6) في ك، م، أ: "روى".

(7) في د: "تسعة وتسعين".

(8) في م: "علمته".

(9) في أ: "ينبغي لمن سمعها".

(10) المسند (1/392)، وصحيح ابن حبان برقم (2372) "موارد".

(11) في أ: "اللات والعزى".

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

وقال ابن جريج، عن مجاهد: { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قال: اشتقوا "اللات" من الله، واشتقوا "العزى" من العزيز.

وقال قتادة: { يُلْحِدُونَ } يشركون. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: الإلحاد: التكذيب. وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدل عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }

يقول تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا } أي: ومن الأمم { أُمًّةٌ } قائمة بالحق، قولا وعملا { يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } يقولونه ويدعون إليه، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يعملون ويقضون.

وقد جاء في الآثار: أن المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية، هي هذه الأمة المحمدية.

قال سعيد، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأ هذه الآية: "هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها: { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } (1) [ الأعراف : 159 ]

وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله تعالى: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي قومًا على الحق، حتى ينزل عيسى ابن مريم متى ما نزل". (2)

وفي الصحيحين، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة -وفي رواية -: حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك -وفي رواية -: وهم بالشام" (3)

{ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }

يقول تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا (4) أنهم على شيء، كما قال تعالى: { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:44، 45] ؛ ولهذا قال تعالى: { وَأُمْلِي لَهُمْ } أي: وسأملي لهم، أطول لهم ما هم فيه { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي: قوي شديد.

__________

(1) رواه الطبري في تفسيره (13/286)، وهو مرسل.

(2) رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (1/474).

(3) صحيحح البخاري برقم (3641) وصحيح مسلم برقم (1037).

(4) في أ: "ويعتقدون".

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) }

يقول تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا } هؤلاء المكذبون بآياتنا { مَا بِصَاحِبِهِمْ } يعني محمدًا -صلوات الله وسلامه عليه (1) { مِنْ جِنَّةٍ } أي: ليس به جنون، بل هو رسول الله حقًا دعا إلى حق، { إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي: ظاهر لمن كان له قلب ولب يعقل به ويعي به، كما قال تعالى: { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } [التكوير:22]، وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [سبأ:46] يقول إنما أطلب منكم أن تقوموا لله قياما خالصا لله، ليس فيه تعصب ولا عناد، { مَثْنَى وَفُرَادَى } أي: مجتمعين ومتفرقين، { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } في هذا الذي جاءكم بالرسالة من الله: أبه جنون أم لا؟ فإنكم إذا فعلتم ذلك، بان لكم وظهر أنه رسول [الله] (2) حقًا وصدقًا.

وقال قتادة بن دعامة: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان على الصفا، فدعا قريشًا فجعل يُفَخِّذهم فَخِذًا فَخِذًا: "يا بني فلان، يا بني فلان"، فحذرهم بأس الله ووقائع الله، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون. بات يصوت إلى الصباح -أو: حتى أصبح، فأنزل الله تعالى: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ } (3)

{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) }

يقول تعالى: { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا } -هؤلاء المكذبون بآياتنا -في ملك الله وسلطانه في السماوات والأرض، وفيما خلق [الله] (4) من شيء فيهما، فيتدبروا ذلك ويعتبروا به، ويعلموا أن ذلك لمن لا نظير له ولا شبيه، ومِنْ فِعْل من لا ينبغي أن تكون (5) العبادة. والدين الخالص إلا له. فيؤمنوا به، ويصدقوا رسوله، وينيبوا إلى طاعته، ويخلعوا الأنداد والأوثان، ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت، فيهلكوا على كفرهم، ويصيروا إلى عذاب الله وأليم عقابه.

وقوله: { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } ؟ يقول: فبأي تخويف وتحذير وترهيب -بعد تحذير محمد وترهيبه، الذي أتاهم به من عند الله في آي كتابه -يصدقون، إن لم يصدقوا بهذا الحديث الذي جاءهم به محمد من عند الله، عز وجل؟! .

وقد روى الإمام أحمد عن حسن بن موسى وعفان (6) بن مسلم وعبد الصمد بن عبد الوارث، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جُدْعَان، عن أبي الصلت، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي، لما انتهينا إلى السماء السابعة، فنظرت فوقي، فإذا أنا برعد وبرق وصواعق"، قال: "وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت: من

__________

(1) في أ: "صلى الله عليه وسلم"

(2) زيادة من د، ك، م، أ.

(3) رواه الطبري في تفسيره (13/289).

(4) زيادة من م.

(5) في ك، أ: "يكون".

(6) في أ: "عثمان".

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء أكلة الربا. فلما نزلت إلى السماء الدنيا فنظرت إلى أسفل مني، فإذا أنا برَهج ودخان وأصوات (1) فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذه الشياطين (2) يُحَرِّفون على أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب". علي بن زيد بن جدعان له منكرات (3) .

ثم قال تعالى:

{ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) }

يقول تعالى: من كُتِب عليه الضلالة فإنه لا يهديه أحد، ولو نظر لنفسه فيما نظر، فإنه لا يجزي (4) عنه شيئا، { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا } [المائدة:41] قال تعالى: { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ } [يونس:101]

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (187) }

يقول تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ } كما قال تعالى: { يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ } [الأحزاب:63] قيل: نزلت في قريش. وقيل: في نفر من اليهود. والأول أشبه؛ لأن الآية مكية، وكانوا يسألون عن وقت الساعة، استبعادًا لوقوعها، وتكذيبًا بوجودها؛ كما قال تعالى: { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [الأنبياء:38]، وقال تعالى: { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } [الشورى:18]

وقوله: { أَيَّانَ مُرْسَاهَا } قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "منتهاها" أي: متى محطها؟ وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة؟

{ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ } أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة، أن يرُدَّ علمها إلى الله تعالى؛ فإنه هو الذي يجليها لوقتها، أي: يعلم جلية أمرها، ومتى يكون على التحديد، [أي] (5) لا يعلم ذلك [أحد] (6) إلا هو تعالى؛ ولهذا قال: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ }

قال عبد الرزاق، عن مَعْمَر، عن قتادة في قوله: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنهم لا يعلمون. قال معمر: قال الحسن: إذا جاءت، ثقلت على أهل السماوات والأرض، يقول: كَبُرَت عليهم .

__________

(1) في م: "وأصوات عالية".

(2) في أ: "هذه أصوات الشياطين".

(3) المسند (2/353).

(4) في م، ك: "لا يجدى".

(5) زيادة من م.

(6) زيادة من أ.

وقال الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.

وقال ابن جُرَيْج: { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } قال: إذا جاءت انشقت السماء (1) وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وكان ما قاله الله، عز وجل (2) فذلك ثقلها.

واختار ابن جرير، رحمه الله: أن المراد: ثَقُلَ علم وقتها على أهل السماوات والأرض، كما قال (3) قتادة.

وهو كما قالاه، كقوله تعالى: { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السماوات والأرض، والله أعلم.

وقال السدي [في قوله تعالى] (4) { ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } يقول: خفيت في السماوات والأرض، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب، ولا نبي مرسل.

{ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } [قال] (5) يبغتهم قيامها، تأتيهم على غفلة.

وقال قتادة في قوله تعالى: { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قضى الله أنها { لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً } قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال (6) "إن الساعة تهيج بالناس، والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقيم سلعته في السوق ويخفض ميزانه ويرفعه" (7)

وقال البخاري: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما (8) بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومَنّ الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقْحَته فلا يَطْعَمُه. ولتقومَنّ الساعة وهو يَلِيط حوضه فلا يسقي فيه. ولتقومَنّ الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها" (9)

وقال مسلم في صحيحه: حدثني زهير بن حرب، حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تقوم الساعة والرجل يحلب اللِّقْحَة، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة. والرجلان (10) يتبايعان الثوب فما يتبايعانه حتى تقوم. والرجل يلوط حوضه فما يصدر حتى تقوم" (11)

وقوله [تعالى] (12) { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } اختلف المفسرون في معناه، فقيل: معناه: كما قال (13) العوفي عن ابن عباس: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } يقول: كأن بينك وبينهم مودة،

__________

(1) في أ: "السموات".

(2) في أ: "الله تعالى".

(3) في م، أ: "قاله".

(4) زيادة من م.

(5) زيادة من أ.

(6) في م: "كان يقول".

(7) رواه الطبري في تفسيره (13/297) والثعلبي في تفسيره كما في "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (1/475) وهو مرسل.

(8) في م: "ثوبا".

(9) صحيح البخاري برقم (6506).

(10) في ك: "والرجل".

(11) صحيح مسلم برقم (2954).

(12) زيادة من ك، م، أ.

(13) في ك، م، أ: "فقيل معناه: كأنك حفى بها كما قال".

كأنك صديق لهم. قال ابن عباس: لما سأل الناس محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الساعة، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمدا حفي بهم، فأوحى الله إليه: إنما علمها عنده، استأثر بعلمها، فلم يطلع الله عليها ملكًا مقربًا ولا رسولا.

وقال قتادة: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة، فأسرّ إلينا متى الساعة. فقال الله، عز وجل: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا }

وكذا روي عن مجاهد، وعكرمة، وأبي مالك، والسُّدِّي، وهذا قول. والصحيح عن مجاهد -من رواية ابن أبي نَجِيح وغيره -: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } قال: استَحْفَيت عنها السؤال، حتى علمت وقتها.

وكذا قال الضحاك، عن ابن عباس: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } يقول: كأنك عالم بها، لست تعلمها، { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ }

وقال معمر، عن بعضهم: { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } كأنك عالم بها.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: { كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } كأنك عالم بها، وقد أخفى الله علمها على خلقه، وقرأ: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية [لقمان:34] .

ولهذا القول أرجح في المعنى من الأول، والله أعلم؛ ولهذا قال: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }

ولهذا لما جاء جبريل، عليه السلام، في صورة أعرابي، يعلم الناس أمر دينهم، فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد، وسأله عن الإسلام، ثم عن الإيمان، ثم عن الإحسان، ثم قال: فمتى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل" أي: لست أعلم بها منك ولا أحد أعلم بها من أحد، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } الآية (1)

وفي رواية: فسأله عن أشراط الساعة، ثم قال: "في خمس لا يعلمهن إلا الله". وقرأ هذه الآية، وفي هذا كله يقول له بعد كل جواب: "صدقت"؛ ولهذا عجب الصحابة من هذا السائل يسأله ويصدقه، ثم لما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم (2) دينكم" (3)

وفي رواية قال: "وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها، إلا صورته هذه".

وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد، في أول شرح صحيح البخاري، ولله الحمد والمنة (4)

ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري فقال: يا محمد، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاء (5) -

__________

(1) رواه البخاري في صحيحه برقم (50) ومسلم في صحيحه برقم (9).

(2) في م، أ: "يعلمكم أمر".

(3) رواه البخاري في صحيحه برقم (50) ومسلم في صحيحه برقم (9).

(4) وانظر هذا المطلب في: شرح الحافظ ابن حجر "فتح الباري" (1/114).

(5) في أ: "هاؤم".

على نحو من صوته -قال: يا محمد، متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك إن الساعة آتية، فما أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها كبير (1) صلاة ولا صيام، ولكني أحب الله ورسوله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب". فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث (2)

وهذا له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: "المرء مع من أحب" (3) وهي متواترة عند كثير من الحفاظ المتقنين.

ففيه أنه، عليه السلام، كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه، أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم، وهو الاستعداد لوقوع ذلك، والتهيؤ له قبل نزوله، وإن لم يعرفوا تعيين وقته.

ولهذا قال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر (4) إلى أحدث إنسان (5) منهم فقال: "إن يعش هذا لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم ساعتكم" (6) يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة.

ثم قال مسلم: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس؛ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يعش هذا الغلام فعسى ألا يدركه الهَرَم حتى تقوم الساعة". انفرد به مسلم (7)

وحدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا معبد بن هلال العنزي (8) عن أنس بن مالك، رضي الله عنه؛ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى الساعة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هُنَيهة، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة، فقال: "إن عُمِّرَ هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" -قال أنس: ذلك الغلام من أترابي (9)

وقال: حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن أنس قال: مر غلام للمغيرة بن شعبة -وكان من أقراني (10) -فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة" (11)

__________

(1) في أ: "كثير".

(2) رواه مسلم في صحيحه برقم (2639) من حديث أنس بن مالك، رضي الله عنه.

(3) جاء من حديث أنس بن مالك وصفوان بن عسال وعبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري:.

أما حديث أنس بن مالك فهو السابق ذكره.

وأما حديث صفوان بن عسال فرواه الترمذي في السنن برقم (3535).

وأما حديث عبد الله بن مسعود فرواه البخاري في صحيحه برقم (6169) ومسلم في صحيحه برقم (2640).

وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه البخاري في صحيحه برقم (6170) ومسلم في صحيحه برقم (2641).

(4) في ك، م: "فينظر".

(5) في ك، م، أ: "أسنان".

(6) صحيح مسلم برقم (2952).

(7) صحيح مسلم برقم (2953).

(8) في ك، م، أ: "سعيد بن أبي هلال المصري".

(9) صحيح مسلم برقم (2953).

(10) في ك، م: "أترابي".

(11) صحيح مسلم برقم (2953).

ورواه البخاري في كتاب "الأدب" من صحيحه، عن عمرو بن عاصم، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس؛ أن رجلا من أهل البادية قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فذكر الحديث، وفي آخره: "فمر غلام للمغيرة بن شعبة"، وذكره (1) وهذا الإطلاق في هذه الروايات محمول على التقييد ب"ساعتكم" في حديث عائشة، رضي الله عنها.

وقال ابن جُرَيْج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل (2) أن يموت بشهر، قال: "تسألوني عن الساعة، وإنما علمها عند الله. وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة، تأتي عليها مائة سنة" رواه مسلم (3)

وفي الصحيحين، عن ابن عمر مثله، قال ابن عمر: وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم انخرام ذلك القرن.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أنبأنا العوام، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر بن عَفَازة (4) عن ابن مسعود، رضي الله عنه، عن رسول الله (5) صلى الله عليه وسلم قال: "لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى"، قال:"فتذاكروا أمر الساعة"، قال: "فردوا أمرهم إلى إبراهيم، عليه السلام، فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال عيسى: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، عز وجل، وفيما عهد إليَّ ربي، عز وجل، أن الدجال خارج"، قال: "ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص"، قال: "فيهلكه الله، عز وجل، إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول: يا مسلم، إن تحتي كافرًا تعالى فاقتله". قال: "فيهلكهم الله، عز وجل، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم"، قال: "فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيطئون بلادهم، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه"، قال: "ثم يرجع الناس إليَّ فيشكونهم، فأدعو (6) الله، عز وجل، عليهم فيهلكهم ويميتهم، حتى تَجْوَى الأرض من نتن ريحهم -أي: تُنْتِن -" قال: "فينزل الله المطر، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في (7) البحر".

قال أحمد: قال يزيد بن هارون: ثم تنسف الجبال، وتمد الأرض مد الأديم -ثم رجع إلى حديث هشيم قال: ففيما عهد إلي ربي، عز وجل، أن ذلك إذا كان كذلك، فإن (8) الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها (9) ليلا أو نهارا (10)

ورواه ابن ماجه، عن بُنْدَار عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حَوْشَب بسنده، نحوه (11)

فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين، ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين، وإنما ردوا===

__________

(1) صحيح البخاري برقم (6167).

(2) في ك: "يقول قبل".

(3) صحيح مسلم برقم (2538).

(4) في م: "غفارة"، وفي ك: "عفان".

(5) في م: "عن النبي".

(6) في م: "وأدعوا".

(7) في أ: "إلى".

(8) في أ: "تكون".

(9) في د، ك: "بولادتها".

(10) المسند (1/375).

(11) سنن ابن ماجة برقم (4081) وقال البوصيري في الزوائد (3/261): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، مؤثر بن عفازة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات".

===الأمر إلى عيسى عليه السلام، فتكلم على أشراطها؛ لأنه ينزل في آخر هذه الأمة منفذًا لأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتل المسيح الدجال، ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه، فأخبر بما أعلمه الله تعالى به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر (1) حدثنا عُبيد الله بن إياد بن لَقِيط (2) قال: سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: "علمها عند ربي لا يُجَلِّيها لوقتها إلا هو، ولكن سأخبركم (3) بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة وهرجًا"، قالوا: يا رسول الله، الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال بلسان الحبشة: "القتل". قال (4) وَيُلقَى بين الناس التَّنَاكرُ، فلا يكاد أحد يعرف أحدًا" (5) لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه.

وقال وَكِيع: حدثنا ابن أبي خالد، عن طارق بن شهاب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن (6) الساعة حتى نزلت: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا } الآية [النازعات:42].

ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل بن أبي خالد، به (7) وهذا إسناد جيد قوي.

فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم [محمد] (8) صلوات الله عليه وسلامه (9) نبي الرحمة، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، والعاقب والمُقَفَّي، والحاشر الذي تحشر (10) الناس على قدميه، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد، رضي الله عنهما: "بعثت أنا والساعة كهاتين" (11) وقرن بين إصبعيه السبابة والتي تليها. ومع هذا كله، قد أمره الله تعالى أن يَرُد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها، فقال: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }

__________

(1) في م: "مليكة".

(2) في أ: "عبد الله بن زياد بن لقيط".

(3) في ك، م: "أخبركم".

(4) في م: "وقال".

(5) المسند (5/389) قال الهيثمي في المجمع (7/309): "رجاله رجال الصحيح".

(6) في أ: "أمر".

(7) سنن النسائي الكبرى برقم (11645).

(8) زيادة من م، أ.

(9) في م:" صلى الله عليه وسلم "

(10) في أ: "يحشر".

(11) أما حديث أنس بن مالك:

فأخرجه البخاري في صحيحه برقم (6504) ومسلم في صحيحه برقم (2951).

وأما حديث سهل بن سعد:

فأخرجه البخاري في صحيحه برقم (4936) ومسلم في صحيحه برقم (2950).

----------

الأعراف - تفسير القرطبي

الآية: 179 {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}

أخبر تعالى أنه خلق للنار أهلا بعدله. ثم وصفهم فقال {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} بمنزلة من لا يفقه؛ لأنهم لا ينتفعون بها، ولا يعقلون ثوابا ولا يخافون عقابا. و {أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا} الهدى. و {آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} المواعظ. وليس الغرض نفي الإدراكات عن حواسهم جملة كما بيناه في "البقرة". {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} لأنهم لا يهتدون إلى ثواب، فهم كالأنعام؛ أي همتهم الأكل والشرب، وهم أضل لأن الأنعام تبصر منافعها

ومضارها وتتبع مالكها، وهم بخلاف ذلك. وقال عطاء: الأنعام تعرف الله، والكافر لا يعرفه. وقيل: الأنعام مطيعة لله تعالى، والكافر غير مطيع. و {أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} أي تركوا التدبر وأعرضوا عن الجنة والنار.

الآية: 180 {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

فيه ست مسائل:-

الأولى: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} أمر بإخلاص العبادة لله، ومجانبة المشركين والملحدين. قال مقاتل وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من المسلمين، كان يقول في صلاته: يا رحمن يا رحيم. فقال رجل من مشركي مكة: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} .

الثانية: جاء في كتاب الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهما حديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نص فيه أن لله تسعة وتسعين اسما؛ في أحدهما ما ليس في الآخر. وقد بينا ذلك في "الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى". قال ابن عطية - وذكر حديث الترمذي - وذلك الحديث ليس بالمتواتر، وإن كان قد قال فيه أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. وإنما المتواتر منه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة" . ومعنى "أحصاها" عدها وحفظها. وقيل غير هذا مما بيناه في كتابنا. وذكرنا هناك تصحيح حديث الترمذي، وذكرنا من الأسماء ما اجتمع عليه وما اختلف فيه مما وقفنا عليه في كتب أئمتنا ما ينيف على مائتي اسم. وذكرنا قبل تعيينها في مقدمة الكتاب اثنين وثلاثين فصلا فيما يتعلق بأحكامها، فمن أراده وقف عليه هناك وفي غيره من الكتب الموضوعة في هذا الباب. والله الموفق للصواب، لا رب سواه.

الثالثة: واختلف العلماء من هذا الباب في الاسم والمسمى، وقد ذكرنا ما للعلماء من ذلك في "الكتاب الأسنى". قال ابن الحصار: وفي هذه الآية وقوع الاسم على المسمى ووقوعه على التسمية. فقوله: {وَلِلَّهِ} وقع على المسمى.، وقوله: {الْأَسْمَاءُ} وهو جمع اسم واقع على التسميات. يدل على صحة ما قلناه قوله: {فَادْعُوهُ بِهَا} ، والهاء في قوله: {فَادْعُوهُ} تعود على المسمى سبحانه وتعالى، فهو المدعو. والهاء في قوله {بِهَا} تعود على الأسماء، وهي التسميات التي يدعى بها لا بغيرها. هذا الذي يقتضيه لسان العرب. ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد" الحديث. وقد تقدم في "البقرة" شيء من هذا. والذي يذهب إليه أهل الحق أن الاسم هو المسمى، أو صفة له تتعلق به، وأنه غير التسمية. قال ابن العربي عند كلامه على قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} : فيه ثلاثة أقوال. قال بعض علمائنا: في ذلك دليل على أن الاسم المسمى؛ لأنه لو كان غيره لوجب أن تكون الأسماء لغير الله تعالى. الثاني: قال آخرون: المراد به التسميات؛ لأنه سبحانه واحد والأسماء جمع.

قلت: ذكر ابن عطية في تفسيره أن الأسماء في الآية بمعنى التسميات إجماعا من المتأولين لا يجوز غيره. وقال القاضي أبو بكر في كتاب التمهيد: وتأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة" أي أن له تسعة وتسعين تسمية بلا خلاف، وهي عبارات عن كون الله تعالى على أوصاف شتى، منها ما يستحقه لنفسه ومنها ما يستحقه لصفة تتعلق به، وأسماؤه العائدة إلى نفسه هي هو، وما تعلق بصفة له فهي أسماء له. ومنها صفات لذاته. ومنها صفات أفعال. وهذا هو تأويل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} أي التسميات الحسنى. الثالث: قال آخرون منهم: ولله الصفات.

الرابعة: سمى الله سبحانه أسماءه بالحسنى لأنها حسنة في الأسماع والقلوب؛ فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وإفضاله. والحسنى مصدر وصف به. ويجوز أن يقدر

{الْحُسْنَى} فعلى، مؤنث الأحسن؛ كالكبرى تأنيث الأكبر، والجمع الكبر والحسن.

وعلى الأول أفرد كما أفرد وصف ما لا يعقل؛ كما قال تعالى: {مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] و {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10].

الخامسة: قوله تعالى: {فَادْعُوهُ بِهَا} أي اطلبوا منه بأسمائه؛ فيطلب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتاح افتح لي، يا تواب تب علي؛ هكذا. فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي، يا لطيف ارزقني. وإن دعوت بالأعم الأعظم فقلت: يا الله؛ فهو متضمن لكل اسم. ولا تقول: يا رزاق اهدني؛ إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير. قال ابن العربي: وهكذا، رتب دعاءك تكن من المخلصين. وقد تقدم في "البقرة" شرائط الدعاء، وفي هذه السورة أيضا. والحمد لله.

السادسة: أدخل القاضي أبو بكر بن العربي عدة من الأسماء في أسمائه سبحانه، مثل متم نوره، وخير الوارثين، وخير الماكرين، ورابع ثلاثة، وسادس خمسة، والطيب، والمعلم؛ وأمثال ذلك. قال ابن الحصار: واقتدى في ذلك بابن برجان، إذ ذكر في الأسماء "النظيف" وغير ذلك مما لم يرد في كتاب ولا سنة.

قلت: أما ما ذكر من قوله: "مما لم يرد في كتاب ولا سنة" فقد جاء في صحيح مسلم "الطيب". وخرج الترمذي "النظيف". وخرج عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه "رب اعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي" الحديث. وقال فيه: حديث حسن صحيح. فعلى هذا جائز أن يقال: يا خير الماكرين امكر لي ولا تمكر علي. والله أعلم. وقد ذكرنا "الطيب، والنظيف" في كتابنا وغيره مما جاء

ذكره في الأخبار، وعن السلف الأخيار، وما يجوز أن يسمى به ويدعى، وما يجوز أن يسمى به ولا يدعى، وما لا يجوز أن يسمى به ولا يدعى. حسب ما ذكره الشيخ أبو الحسن الأشعري. وهناك يتبين لك ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

فيه مسألتان:-

الأولى: قوله تعالى: {يُلْحِدُونَ} الإلحاد: الميل وترك القصد؛ يقال: ألحد الرجل في الدين. وألحد إذا مال. ومنه اللحد في القبر؛ لأنه في ناحيته. وقرئ {يَلْحِدُونَ} لغتان والإلحاد يكون بثلاثة أوجه

 

أحدها: بالتغيير فيها كما فعله المشركون، وذلك أنهم عدلوا بها عما هي عليه فسموا بها أوثانهم؛ فاشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز، ومناة من المنان قاله ابن عباس وقتادة. الثاني: بالزيادة فيها. الثالث: بالنقصان منها؛ كما يفعله الجهال الذين يخترعون أدعية يسمون فيها الله تعالى بغير أسمائه، ويذكرون بغير ما يذكر من أفعاله؛ إلى غير ذلك مما لا يليق به. قال ابن العربي: "فحذار منها، ولا يدعون أحدكم إلا بما في كتاب الله والكتب الخمسة؛ وهي البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي. فهذه الكتب التي يدور الإسلام عليها، وقد دخل فيها ما في الموطأ الذي هو أصل التصانيف، وذروا ما سواها، ولا يقولن أحدكم أختار دعاء كذا وكذا؛ فإن الله قد اختار له وأرسل بذلك إلى الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم.

الثانية: معنى الزيادة في الأسماء التشبيه، والنقصان التعطيل. فإن المشبهة وصفوه بما لم يأذن فيه، والمعطلة سلبوه ما اتصف به، ولذلك قال أهل الحق: إن ديننا طريق بين طريقين، لا بتشبيه ولا بتعطيل. وسئل الشيخ أبو الحسن البوشنجي عن التوحيد فقال: إثبات ذات غير مشبهة بالذوات، ولا معطلة من الصفات. وقد قيل في قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم. فالآية على هذا منسوخة بالقتال؛ قاله ابن زيد. وقيل: معناه الوعيد؛ كقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ

وَحِيداً} [المدثر: 11] وقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} [الحجر: 3]. وهو الظاهر من الآية؛ لقوله تعالى: {سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. والله أعلم.

الآية: 181 {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}

في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هم هذه الأمة" وروي أنه قال: "هذه لكم وقد أعطى الله قوم موسى مثلها" وقرأ هذه الآية وقال: "إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم" . فدلت الآية على أن الله عز وجل لا يخلي الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.

الآية: 182 {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ}

أخبر تعالى عمن كذب بآياته أنه سيستدرجهم. قال ابن عباس: هم أهل مكة. والاستدراج هو الأخذ بالتدريج، منزلة بعد منزلة. والدرج: لف الشيء؛ يقال: أدرجته ودرجته. ومنه أدرج الميت في أكفانه. وقيل: هو من الدرجة؛ فالاستدراج أن يحط درجة بعد درجة إلى المقصود. قال الضحاك: كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة. وقيل لذي النون: ما أقصى ما يخدع به العبد؟ قال: بالألطاف والكرامات؛ لذلك قال سبحانه وتعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر؛ وأنشدوا:

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ... ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها ... وعند صفو الليالي يحدث الكدر

الآية: 183 {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}

قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ} أي أطيل لهم المدة وأمهلهم وأؤخر عقوبتهم. {إِنَّ كَيْدِي} أي مكري. {مَتِينٌ} أي شديد قوي. وأصله من المتن، وهو اللحم الغليظ الذي عن جانب

الصلب. قيل: نزلت في المستهزئين من قريش، قتلهم الله في ليلة واحدة بعد أن أمهلهم مدة. نظيره {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [الأنعام: 44].

الآية: 184 {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} أي فيما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم. والوقف على {يَتَفَكَّرُوا} حسن. ثم قال: {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} رد لقولهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]. وقيل: نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة على الصفا يدعو قريشا، فخذا فخذا؛ فيقول: "يا بني فلان ". يحذرهم بأس الله وعقابه. فقال قائلهم: إن صاحبهم هذا لمجنون، بات يصوت حتى الصباح.

الآية: 185 {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}

قوله تعالى {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}.

فيه أربع مسائل:-

الأولى: قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا} عجب من إعراضهم عن النظر في آياته؛ ليعرفوا كمال قدرته، حسب ما بيناه في سورة "البقرة". والملكوت من أبنية المبالغة ومعناه الملك العظيم. وقد تقدم.

الثانية: استدل بهذه الآية - وما كان مثلها من قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} [ق: 6] وقوله:

{أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17] الآية. وقوله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] - من قال بوجوب النظر في آياته والاعتبار بمخلوقاته. قالوا: وقد ذم الله تعالى من لم ينظر، وسلبهم الانتفاع بحواسهم فقال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف: 179] الآية.

وقد اختلف العلماء في أول الواجبات، هل هو النظر والاستدلال، أو الإيمان الذي هو التصديق الحاصل في القلب الذي ليس من شرط صحته المعرفة. فذهب القاضي وغيره إلى أن أول الواجبات النظر والاستدلال؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يعلم ضرورة، وإنما يعلم بالنظر والاستدلال بالأدلة التي نصبها لمعرفته. وإلى هذا ذهب البخاري رحمه الله حيث بوب في كتابه "باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]". قال القاضي: من لم يكن عالما بالله فهو جاهل، والجاهل به كافر. قال ابن رشد في مقدماته: وليس هذا بالبين؛ لأن الإيمان يصح باليقين الذي قد يحصل لمن هداه الله بالتقليد، وبأول وهلة من الاعتبار بما أرشد الله إلى الاعتبار به في غير ما آية. قال: وقد استدل الباجي على من قال إن النظر والاستدلال أول الواجبات بإجماع المسلمين في جميع الأعصار على تسمية العامة والمقلد مؤمنين. قال: فلو كان ما ذهبوا إليه صحيحا لما صح أن يسمى مؤمنا إلا من عنده علم بالنظر والاستدلال. قال: وأيضا فلو كان الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال لجاز للكفار إذا غلب عليهم المسلمون أن يقولوا لهم: لا يحل لكم قتلنا؛ لأن من دينكم أن الإيمان لا يصح إلا بعد النظر والاستدلال فأخرونا حتى ننظر ونستدل. قال: وهذا يؤدي إلى تركهم على كفرهم، وألا يقتلوا حتى ينظروا يستدلوا.

قلت: هذا هو الصحيح في الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". وترجم ابن المنذر في كتاب الأشراف "ذكر صفة كمال الإيمان" أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الكافر إذا قال: أشهد أن

لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأن كل ما جاء به محمد حق، وأبرأ من كل دين يخالف دين الإسلام - وهو بالغ صحيح العقل - أنه مسلم. وإن رجع بعد ذلك وأظهر الكفر كان مرتدا يجب عليه ما يجب على المرتد. وقال أبو حفص الزنجاني وكان شيخنا القاضي أبو جعفر أحمد بن محمد السمناني يقول: أول الواجبات الإيمان بالله وبرسوله وبجميع ما جاء به، ثم النظر والاستدلال المؤديان إلى معرفة الله تعالى؛ فيتقدم وجوب الإيمان بالله تعالى عنده على المعرفة بالله. قال: وهذا أقرب إلى الصواب وأرفق بالخلق؛ لأن أكثرهم لا يعرفون حقيقة المعرفة والنظر والاستدلال. فلو قلنا: إن أول الواجبات المعرفة بالله لأدى إلى تكفير الجم الغفير والعدد الكثير، وألا يدخل الجنة إلا آحاد الناس، وذلك بعيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قطع بأن أكثر أهل الجنة أمته، وأن أمم الأنبياء كلهم صف واحد وأمته ثمانون صفا. وهذا بين لا إشكال فيه. والحمد لله.

الثالثة: ذهب بعض المتأخرين والمتقدمين من المتكلمين إلى أن من لم يعرف الله تعالى بالطرق التي طرقوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه وهو كافر؛ فيلزم على هذا تكفير أكثر المسلمين، وأول من يبدأ بتكفيره آباؤه وأسلافه وجيرانه. وقد أورد على بعضهم هذا فقال: لا تشنع علي بكثرة أهل النار. أو كما قال.

قلت: وهذا القول لا يصدر إلا من جاهل بكتاب الله وسنة نبيه؛ لأنه ضيق رحمة الله الواسعة على شرذمة يسيرة من المتكلمين، واقتحموا في تكفير عامة المسلمين. أي هذا من قول الأعرابي الذي كشف عن فرجه ليبول، وانتهره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد حجرت واسعا" . خرجه البخاري والترمذي وغيرهما من الأئمة. أترى هذا الأعرابي عرف الله بالدليل والبرهان والحجة والبيان ؟ وأن رحمته وسعت كل شيء، وكم من مثله محكوم له بالإيمان. بل اكتفى صلى الله عليه وسلم من كثير ممن أسلم بالنطق بالشهادتين، وحتى إنه اكتفى بالإشارة في ذلك. ألا تراه لما قال للسوداء: "أين الله" ؟ قالت: في السماء. قال: "من أنا"؟ قالت:

أنت رسول الله. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". ولم يكن هناك نظر ولا استدلال، بل حكم بإيمانهم من أول وهلة، وإن كان هناك عن النظر والمعرفة غفلة. والله أعلم.

الرابعة: ولا يكون النظر أيضا والاعتبار في الوجوه الحسان من المرد والنسوان. قال أبو الفرج الجوزي: قال أبو الطيب طاهر بن عبدالله الطبري بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد، وربما زينته بالحلي والمصبغات من الثياب، وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار والاستدلال بالصنعة على الصانع. وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم. قال أبو الفرج: وقال الإمام أبو الوفاء بن عقيل لم يحل الله النظر إلا على صور لا ميل للنفس إليها، ولا حظ للهوى فيها؛ بل عبرة لا يمازجها شهوة، ولا يقارنها لذة. ولذلك ما بعث الله سبحانه امرأة بالرسالة، ولا جعلها قاضيا ولا إماما ولا مؤذنا؛ كل ذلك لأنها محل شهوة وفتنة. فمن قال: أنا أجد من الصور المستحسنة عبرا كذبناه. وكل من ميز نفسه بطبيعة تخرجه عن طباعنا كذبناه، وإنما هذه خدع الشيطان للمدعين. وقال بعض الحكماء: كل شيء في العالم الكبير له نظير في العالم الصغير، ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]. وقد بينا وجه التمثيل في أول "الأنعام". فعلى العاقل أن ينظر إلى نفسه ومتفكر في خلقه من حين كونه ماء دافقا إلى كونه خلقا سويا، يعان بالأغذية ويربى بالرفق، ويحفظ باللين حتى يكتسب القوى، ويبلغ الأشد. وإذا هو قد قال: أنا، وأنا، ونسي حين أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا، وسيعود مقبورا؛ فيا ويحه إن كان محسورا. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} إلى قول {تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 12،16] فينظر أنه عبد مربوب مكلف، مخوف بالعذاب إن قصر، مرتجيا بالثواب إن ائتمر، فيقبل على عبادة مولاه فإنه وإن كان لا يراه يراه ولا يخشى الناس  والله أحق أن يخشاه، ولا يتكبر على أحد من عباد الله؛ فإنه مؤلف من أقذار، مشحون من أوضار، صائر إلى جنة إن أطاع أو إلى نار. وقال ابن العربي: وكان شيوخنا يستحبون أن ينظر المرء في الأبيات الحكمية التي جمعت هذه الأوصاف العلمية:

كيف يزهو من رجيعه ... أبد الدهر ضجيعه

فهو منه وإليه ... وأخوه ورضيعه

وهو يدعوه إلى الحش ... بصغر فيعطيه

قوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} معطوف على ما قبله؛ أي وفيما خلق الله من الأشياء. {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} أي وفي آجالهم التي عسى أن تكون قد قربت؛ فهو في موضع خفض معطوف على ما قبله. وقال ابن عباس: أراد باقتراب الأجل يوم بدر ويوم أحد. {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} أي بأي قرآن غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يصدقون. وقيل: الهاء للأجل، على معنى بأي حديث بعد الأجل يؤمنون حين لا ينفع الإيمان؛ لأن الآخرة ليست بدار تكليف.

الآية: 186 {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}

قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} بين أن إعراضهم لأن الله أضلهم. وهذا رد على القدرية. {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ} بالرفع على الاستئناف. وقرئ بالجزم حملا على موضع الفاء وما بعدها. {يَعْمَهُونَ} أي يتحيرون. وقيل: يترددون. وقد مضى في سورة "البقرة" مستوفى.

الآية: 187 {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}

قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} {أَيَّانَ} سؤال عن الزمان؛ مثل متى. قال الراجز:

أيان تقضي حاجتي أيانا ... أما ترى لنجحها أوانا

وكانت اليهود تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت نبيا فأخبرنا عن الساعة متى تقوم. وروي أن المشركين قالوا ذلك لفرط الإنكار. و {مُرْسَاهَا} في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر {أَيَّانَ}. وهو ظرف مبني على الفتح، بني لأن فيه معنى الاستفهام. و {مُرْسَاهَا} بضم الميم، من أرساها الله، أي أثبتها، أي متى مثبتها، أي متى وقوعها. وبفتح الميم من رست، أي ثبتت ووقفت؛ ومنه {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13]. قال قتادة: أي ثابتات. {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} ابتداء وخبر، أي لم يبينها لأحد؛ حتى يكون العبد أبدا على حذر {لا يُجَلِّيهَا} أي لا يظهرها. {لِوَقْتِهَا} أي في وقتها {إِلَّا هُوَ}. والتجلية: إظهار الشيء؛ يقال: جلا لي فلان الخبر إذا أظهره وأوضحه. ومعنى {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خفي علمها على أهل السماوات والأرض. وكل ما خفي، علمه فهو ثقيل على الفؤاد. وقيل: كبر مجيئها على أهل السماوات والأرض؛ عن الحسن وغيره. ابن جريج والسدي: عظم وصفها على أهل السماوات والأرض. وقال قتادة: وغيره: المعنى لا تطيقها السماوات والأرض لعظمها: لأن السماء تنشق والنجوم تتناثر والبحار تنضب. وقيل: المعنى ثقلت المسألة عنها. {لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} أي فجأة، مصدر في موضع الحال {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ

عَنْهَا} أي عالم بها كثير السؤال عنها. قال ابن فارس: الحفي العالم بالشيء. والحفي: المستقصي في السؤال. 

 قال الأعشى: فإن تسألي عني فيا رب سائل ... خفي عن الأعشى به حيث أصعدا يقال: أحفى في المسألة وفي الطلب، فهو محف وحفي على التكثير، مثل مخصب وخصيب. قال محمد بن يزيد: المعنى يسألونك كأنك حفي بالمسألة عنها، أي ملح. يذهب إلى أنه ليس في الكلام تقديم وتأخير. وقال ابن عباس وغيره: هو على التقديم والتأخير، والمعنى: يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي حفي ببرهم وفرح بسؤالهم. وذلك لأنهم قالوا: بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا بوقت الساعة. {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} ليس هذا تكريرا، ولكن أحد العلمين لوقوعها والآخر لكنهها.

الأعراف - تفسير الدر المنثور

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد ذرأنا} قَالَ: خلقنَا

وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم} قَالَ: خلقنَا لِجَهَنَّم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لما ذَرأ لِجَهَنَّم من ذَرأ كَانَ ولد الزِّنَا مِمَّن ذَرأ لِجَهَنَّم

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خلق الله الْجِنّ ثَلَاثَة أَصْنَاف

صنف حيات وعقارب وخشاش الأَرْض وصنف كَالرِّيحِ فِي الْهَوَاء وصنف عَلَيْهِم الْحساب وَالْعِقَاب

وَخلق الله الإِنس ثَلَاثَة أَصْنَاف

صنف كَالْبَهَائِمِ قَالَ الله {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا أُولَئِكَ كالأنعام بل هم أضلّ} وجنس أَجْسَادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أَرْوَاح الشَّيَاطِين وصنف فِي ضل الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله

وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد ذرأنا لِجَهَنَّم} قَالَ: لقد خلقنَا لِجَهَنَّم {لَهُم قُلُوب لَا يفقهُونَ بهَا} قَالَ: لَا يفقهُونَ شَيْئا من أَمر الْآخِرَة {وَلَهُم أعين لَا يبصرون بهَا} الْهدى {وَلَهُم آذان لَا يسمعُونَ بهَا} الْحق ثمَّ جعلهم كالأنعام ثمَّ جعلهم شرا من الْأَنْعَام فَقَالَ {بل هم أضلّ} ثمَّ أخبر أَنهم الغافلون--وَالله أعلم

- الْآيَة (180)

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَأَبُو عوَانَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي التَّوْحِيد وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة إِنَّه وتر يحب الْوتر

وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لله مائَة اسْم غير اسْم من دَعَا بهَا اسْتَجَابَ الله لَهُ دعاءه

وَأخرج الدَّارقطني فِي الغرائب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله عز وَجل: لي تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة

وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَابْن مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما مائَة إِلَّا وَاحِدًا من أحصاها دخل الْجنَّة إِنَّه وتر يحب الْوتر هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر الْخَالِق البارىء المصور الغفّار القهّار الوهّاب الرزّاق الفتّاح الْعَلِيم الْقَابِض الباسط الْخَافِض الرافع الْمعز المذل السَّمِيع الْبَصِير الحكم الْعدْل اللَّطِيف الْخَبِير الْحَلِيم الْعَظِيم الغفور الشكُور الْعلي الْكَبِير الحفيظ المقيت الحسيب الْجَلِيل الْكَرِيم الرَّقِيب الْمُجيب الْوَاسِع الْحَكِيم الْوَدُود الْمجِيد الْبَاعِث الشَّهِيد الْحق الْوَكِيل الْقوي المتين الْوَلِيّ الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الْحَيّ القيوم الْوَاجِد الْمَاجِد الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمد الْقَادِر المقتدر الْمُقدم الْمُؤخر الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الْبر التواب المنتقم الْعَفو الرؤوف الْمَالِك الْملك ذُو الْجلَال والإِكرام الْوَالِي المتعال المقسط الْجَامِع الْغَنِيّ الْمُغنِي الْمَانِع الضار النافع النُّور الْهَادِي البديع الْبَاقِي الْوَارِث الرشيد الصبور

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء وَالطَّبَرَانِيّ كِلَاهُمَا وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة اسْأَل الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الإِله الرب الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْعَزِيز الْجَبَّار المتكبر الْخَالِق البارىء المصوّر الْحَلِيم الْعَلِيم السَّمِيع الْبَصِير الْحَيّ القيوم الْوَاسِع اللَّطِيف الْخَبِير الحنان المنان البديع الغفور الْوَدُود الشكُور الْمجِيد المبدىء المعيد النُّور البادىء وَفِي لفظ: الْقَائِم الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن العفوّ الغفّار الوهّاب الْفَرد وَفِي لفظ: الْقَادِر الْأَحَد الصَّمد الْوَكِيل الْكَافِي الْبَاقِي المغيث الدَّائِم المتعالي ذَا الْجلَال والإِكرام الْمولى النصير الْحق الْمُبين الْوَارِث الْمُنِير الْبَاعِث الْقَدِير وَفِي لفظ: الْمُجيب المحيي المميت الحميد وَفِي لفظ: الْجَمِيل الصَّادِق الحفيظ الْمُحِيط الْكَبِير الْقَرِيب الرَّقِيب الفتّاح التوّاب الْقَدِيم الْوتر الفاطر الرَّزَّاق العلاَّم الْعلي الْعَظِيم الْغَنِيّ المليك المقتدر الأكرم الرؤوف الْمُدبر الْمَالِك القاهر الْهَادِي الشاكر الْكَرِيم الرفيع الشَّهِيد الْوَاحِد ذَا الطول ذَا المعارج ذَا الْفضل الْكَفِيل الْجَلِيل

وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة وَهِي فِي الْقُرْآن

وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: سَأَلت أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق عَن الْأَسْمَاء التِّسْعَة وَالتسْعين الَّتِي من أحصاها دخل الْجنَّة فَقَالَ: هِيَ فِي الْقُرْآن  

فَفِي الْفَاتِحَة خَمْسَة أَسمَاء{٥}

يَا ألله يَا رب يَا رَحْمَن يَا رَحِيم يَا مَالك

وَفِي الْبَقَرَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ اسْما{٣٣}:{{ يَا مُحِيط يَا قدير يَا عليم يَا حَكِيم يَا عَليّ يَا عَظِيم يَا تواب يَا بَصِير يَا ولي يَا وَاسع يَا كَافِي يَا رؤوف يَا بديع يَا شَاكر يَا وَاحِد يَا سميع يَا قَابض يَا باسط يَا حَيّ يَا قيوم يَا غَنِي يَا حميد يَا غَفُور يَا حَلِيم يَا إِلَه يَا قريب يَا مُجيب يَا عَزِيز يَا نصير يَا قوي يَا شَدِيد يَا سريع يَا خَبِير

وَفِي آل عمرَان{٦}: 

 يَا وهَّاب يَا قَائِم يَا صَادِق يَا باعث يَا منعم يَا متفضل

وَفِي النِّسَاء{٧}

يَا رَقِيب يَا حسيب يَا شَهِيد يَا مقيت يَا وَكيل يَا عَليّ يَا كَبِير

وَفِي الْأَنْعَام{٤}

يَا فاطر يَا قاهر يَا لطيف يَا برهَان

وَفِي الْأَعْرَاف{٢}: يَا محيي يَا مميت

وَفِي الْأَنْفَال{٢}: يَا نعم الْمولى يَا نعم النصير

وَفِي هود{٤}: 

يَا حفيظ/ يَا مجيد /يَا ودود/ يَا فعال لما يُرِيد/

وَفِي الرَّعْد:

 يَا كَبِير/ يَا متعال

وَفِي إِبْرَاهِيم:

 يَا منَّان /يَا وَارِث

وَفِي الْحجر: 

يَا خلاق

وَفِي مَرْيَم: يَا فَرد

وَفِي طه: يَا غفّار

وَفِي قد أَفْلح: يَا كريم

وَفِي النُّور: يَا حق يَا مُبين

وَفِي الْفرْقَان: يَا هادي

وَفِي سبأ: يَا فتَّاح

وَفِي الزمر:

يَا عَالم

وَفِي غَافِر: يَا غَافِر يَا قَابل التَّوْبَة يَا ذَا الطول يَا رفيع

وَفِي الذاريات: يَا رزاق يَا ذَا الْقُوَّة يَا متين

وَفِي الطّور: يَا بر

وَفِي اقْتَرَبت: يَا مليك يَا مقتدر

وَفِي الرَّحْمَن: يَاذَا الْجلَال والإِكرام يَا رب المشرقين يَا رب المغربين يَا بَاقِي يَا مهيمن

وَفِي الْحَدِيد: يَا أول يَا آخر يَا ظَاهر يَا بَاطِن

وَفِي الْحَشْر: يَا ملك يَا قدوس يَا سَلام يَا مُؤمن يَا مهيمن يَا عَزِيز يَا جَبَّار يَا متكبر يَا خَالق يَا بارىء يَا مُصَور

وَفِي البروج: يَا مبدئ يَا معيد

وَفِي الْفجْر: يَا وتر

وَفِي الإِخلاص: يَا أحد يَا صَمد

 ----

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَصَابَهُ هم أَو حزن فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن أمتك ناصيتي فِي يدك مَاض فيّ حكمك عدل فيّ قضاؤك أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن الْعَظِيم ربيع قلبِي وَنور بَصرِي وَذَهَاب همي وجلاء حزني قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا قالهن مهموم قطّ إِلَّا أذهب الله همه وأبدله بهمه فرجا

قَالُوا: يَا رَسُول الله أَفلا نتعلم هَذِه الْكَلِمَات قَالَ: بلَى فتعلموهن وعلموهن

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة  أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله عَلمنِي اسْم الله الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب

قَالَ لَهَا قومِي فتوضئي وادخلي الْمَسْجِد فَصلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ادعِي حَتَّى أسمع

فَفعلت فَلَمَّا جَلَست للدُّعَاء قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ وفقها

فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِجَمِيعِ أسمائك الْحسنى كلهَا مَا علمنَا مِنْهَا وَمَا لم نعلم وَأَسْأَلك بِاسْمِك الْعَظِيم الْأَعْظَم الْكَبِير الْأَكْبَر الَّذِي من دعَاك بِهِ أَجَبْته وَمن سَأَلَك بِهِ أَعْطيته( قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصبته أصبته)

قَوْله تَعَالَى: {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ}

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الإِلحاد التَّكْذِيب

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: اشتقوا الْعُزَّى من الْعَزِيز واشتقوا اللات من الله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: الْإِلْحَاد الضاهاة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ (يلحدون) بِنصب الْيَاء والحاء من اللَّحْد وَقَالَ تَفْسِيرهَا يدْخلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: يشركُونَ

وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} قَالَ: يكذبُون فِي أَسْمَائِهِ

- الْآيَة (181)

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)

- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: ذكر لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذِه أمتِي بِالْحَقِّ يحكمون ويقضون وَيَأْخُذُونَ ويعطون

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: بلغنَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِذا قَرَأَهَا هَذِه لكم وَقد أعْطى الْقَوْم بَين أَيْدِيكُم مثلهَا {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 159

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من أمتِي قوما على الْحق حَتَّى ينزل عِيسَى بن مَرْيَم مَتى مَا نزل

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لتفترقن هَذِه الْأمة على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا فرقة يَقُول الله {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي تنجو من هَذِه الْأمة

- الْآيَة (182 - 183)

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {سنستدرجهم} يَقُول: سنأخذهم {من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: عَذَاب بدر

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن الْمثنى {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: كلما أَحْدَثُوا ذَنبا جددنا لَهُم نعْمَة تنسيهم الاسْتِغْفَار

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سُفْيَان فِي قَوْله {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} قَالَ: نسبغ عَلَيْهِم النعم ونمنعهم شكرها

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وأملي لَهُم إِن كيدي متين} يَقُول: كف عَنْهُم وأخرجهم على رسلهم ان مكري شَدِيد ثمَّ نسخهَا الله فَأنْزل الله {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الْآيَة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كيد الله الْعَذَاب والنقمة 

تفسير- الْآيَة (184)

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ على الصَّفَا فَدَعَا قُريْشًا فخذا فخذا: يَا بني فلَان يَا بني فلَان يُحَذرهُمْ بَأْس الله ووقائع الله إِلَى الصَّباح حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ: إِن صَاحبكُم هَذَا لمَجْنُون بَات يهوت حَتَّى أصبح فَأنْزل الله {أولم يتفكروا مَا بِصَاحِبِهِمْ من جنَّة إِن هُوَ إِلَّا نَذِير مُبين}

تفسير- الْآيَة (185)

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت لَيْلَة أسريَ بِي فَلَمَّا انتهينا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة نظرت فَوقِي فَإِذا أَنا برعد وبرق وصواعق

قَالَ: وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فِيهَا الْحَيَّات ترى من خَارج بطونهم قلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَؤُلَاءِ أَكلَة الرِّبَا فَلَمَّا نزلت إِلَى السَّمَاء

الدُّنْيَا فَنَظَرت إِلَى أَسْفَل مني فَإِذا أَنا برهج ودخان وأصوات فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذِه الشَّيَاطِين يحرجون على أعين بني آدم أَن لَا يتفكروا فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَوْلَا ذَلِك لرأوا الْعَجَائِب

تفسير- الْآيَة (186)

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب

أَنه خطب بالجابية فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ

فَقَالَ لَهُ فَتى بَين يَدَيْهِ كلمة بِالْفَارِسِيَّةِ فَقَالَ عمر لمترجم يترجم لَهُ: مَا يَقُول قَالَ: يزْعم أَن الله لَا يضل أحدا

فَقَالَ عمر: كذبت يَا عَدو الله بل الله خلقك وَهُوَ أضلك وَهُوَ يدْخلك النَّار إِن شَاءَ الله وَلَوْلَا ولث عقد لضَرَبْت عُنُقك فَتفرق النَّاس وَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقدر

وَالله أعلم

تفسير- الْآيَة (187)

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ حمل بن أبي قُشَيْر وسمول بن زيد لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبرنَا مَتى السَّاعَة إِن كنت نَبيا كَمَا تَقول فَإنَّا نعلم مَا هِيَ فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي} إِلَى قَوْله {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ}

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {يَسْأَلُونَك عَن السَّاعَة أَيَّانَ مرْسَاها} أَي مَتى قيامتها {قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} قَالَ: قَالَت قُرَيْش: يَا مُحَمَّد أسر إِلَيْنَا السَّاعَة لما بَيْننَا وَبَيْنك من الْقَرَابَة

قَالَ: {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا قل إِنَّمَا علمهَا عِنْد الله} قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول تهج السَّاعَة بِالنَّاسِ: وَالرجل يسْقِي على مَاشِيَته وَالرجل يصلح حَوْضه وَالرجل يخْفض مِيزَانه وَيَرْفَعهُ وَالرجل يُقيم سلْعَته فِي السُّوق قَضَاء الله لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَيَّانَ مرْسَاها} قَالَ: مُنْتَهَاهَا

وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة قَالَ {علمهَا عِنْد رَبِّي لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} وَلَكِن أخْبركُم بمشاريطها وَمَا يكون بَين يَديهَا إِن بَين يَديهَا فتْنَة وهرجا

قَالُوا: يَا رَسُول الله الْفِتْنَة قد عرفناها الْهَرج مَا هُوَ قَالَ: بِلِسَان الْحَبَشَة الْقَتْل

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الاشعري قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة وَأَنا شَاهد فَقَالَ لَا يعلمهَا إِلَّا الله وَلَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ وَلَكِن سأخبركم بمشاريطها مَا بَين يَديهَا من الْفِتَن والهرج

فَقَالَ رجل: وَمَا الْهَرج يَا رَسُول الله قَالَ: بِلِسَان الْحَبَشَة الْقَتْل وَأَن تَجف قُلُوب النَّاس ويلقي بَينهم التناكر فَلَا يكَاد أحد يعرف أحدا وَيرْفَع ذُو الحجا وَيبقى رجراجة من النَّاس لَا يعْرفُونَ مَعْرُوفا وَلَا يُنكرُونَ مُنْكرا

وَأخرج مُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل أَن يَمُوت بِشَهْر تَسْأَلُونِي عَن السَّاعَة وَإِنَّمَا علمهَا عِنْد الله وَأقسم بِاللَّه مَا على ظهر الأَرْض يَوْم من نفس منفوسة يَأْتِي عَلَيْهَا مائَة سنة

وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَقِي عِيسَى جِبْرِيل فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا روح الله

قَالَ: وَعَلَيْك يَا روح الله

قَالَ: يَا جِبْرِيل مَتى السَّاعَة فانتفض جِبْرِيل فِي أجنحته ثمَّ قَالَ: مَا المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ثقلت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة أَو قَالَ {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ}

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} يَقُول: لَا يَأْتِي بهَا إِلَّا الله

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ يجليها لوَقْتهَا لَا يعلم ذَلِك إِلَّا الله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْخلق إِلَّا يُصِيبهُ من ضَرَر يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله

{ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: ثقل علمهَا على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض إِنَّهُم لَا يعلمُونَ وَقَالَ الْحسن إِذا جَاءَت ثقلت على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض يَقُول: كَبرت عَلَيْهِم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: إِذا جَاءَت انشقت السَّمَاء وانتثرت النُّجُوم وكوّرت الشَّمْس وسيرت الْجبَال وَمَا يُصِيب الأَرْض وَكَانَ مَا قَالَ الله فَذَلِك ثقلهَا بهما

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} قَالَ: فَجْأَة آمِنين

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقوم السَّاعَة على رجل أَكلته فِي فِيهِ فَلَا يلوكها وَلَا يسيغها وَلَا يلفظها وعَلى رجلَيْنِ قد نشرا بَينهمَا ثوبا يتبايعانه فَلَا يطويانه وَلَا يتبايعانه

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يُنَادي مُنَاد: يَا أَيهَا النَّاس أتتكم السَّاعَة ثَلَاثًا

وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا يجليها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ} يَقُول: لَا يرسلها لوَقْتهَا إِلَّا هُوَ {ثقلت فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول: خفيت فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلم يعلم قِيَامهَا مَتى تقوم ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل {لَا تَأْتيكُمْ إِلَّا بَغْتَة} قَالَ: تبغتهم تأتيهم على غَفلَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ أَحدهمَا: عَالم بهَا وَقَالَ الآخر: يجب أَن يسْأَل عَنْهَا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: استحفيت عَنْهَا السُّؤَال حَتَّى علمتها

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ أَحدهمَا: عَالم بهَا وَقَالَ الآخر: يجب أَن يسْأَل عَنْهَا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} يَقُول: كَأَنَّك عَالم بهَا أَي لست تعلمهَا

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: لطيف بهَا

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} يَقُول: كَانَ بَيْنك وَبينهمْ مَوَدَّة كَأَنَّك صديق لَهُم قَالَ ابْن عَبَّاس: لما سَأَلَ النَّاس مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السَّاعَة سَأَلُوهُ سُؤال قوم كَأَنَّهُمْ يرَوْنَ أَن مُحَمَّدًا حفي بهم فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّمَا علمهَا عِنْده اسْتَأْثر بعلمها فَلم يطلع عَلَيْهَا ملكا وَلَا رَسُولا

وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: كَأَنَّك حفي بهم حِين يأتونك يَسْأَلُونَك

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي} بسؤالهم قَالَ: كَأَنَّك تحب أَن يسألوك عَنْهَا

وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ (كَأَنَّك حفيء بهَا)

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا} قَالَ: كَأَنَّك يُعْجِبك أَن يسألوك عَنْهَا لنخبرك بهَا فأخفاها مِنْهُ فَلم يُخبرهُ فَقَالَ {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} النازعات الْآيَة 43 وَقَالَ {أكاد أخفيها} طه الْآيَة 15 وَقِرَاءَة أُبي (أكاد أخفيها من نَفسِي)

وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَت قُرَيْش لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بَيْننَا وَبَيْنك قرَابَة فَأسر إِلَيْنَا مَتى السَّاعَة فَقَالَ الله {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حفي عَنْهَا}

تفسير- الْآيَة (188)

الأعراف - تفسير فتح القدير

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ أُعْطِيَ ثَلَاثَ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُ فِيهِنَّ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَقَالَتْ: اجْعَلْ لِي مِنْهَا وَاحِدَةً، قَالَ: فَلَكِ وَاحِدَةٌ فَمَا الَّذِي تُرِيدِينَ؟ قَالَتْ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي أَجْمَلَ امْرَأَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَعَا اللَّهَ فَجَعَلَهَا أَجْمَلَ امْرَأَةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا عَلِمَتْ أَنْ لَيْسَ فِيهِمْ مِثْلُهَا رَغِبَتْ عَنْهُ وَأَرَادَتْ شَيْئًا آخَرَ، فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهَا كَلْبَةً فَصَارَتْ كَلْبَةً، فَذَهَبَتْ دَعْوَتَانِ، فَجَاءَ بَنُوهَا فَقَالُوا: لَيْسَ بِنَا عَلَى هَذَا قَرَارٌ قَدْ صَارَتْ أُمُّنَا كَلْبَةً يُعَيِّرُنَا النَّاسُ بِهَا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ فَذَهَبْتِ الدَّعَوَاتُ الثَّلَاثُ وَسُمِّيَتِ الْبَسُوسُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْآيَةِ قَالَ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ، وَفِي لَفْظٍ: نَزَلَتْ فِي صَاحِبِكُمْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ بَلْعَامُ بْنُ بَاعُورَاءَ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ تَقُولُ: هُوَ ابْنُ الرَّاهِبِ الَّذِي بُنِيَ لَهُ مَسْجِدُ الشِّقَاقِ، وَكَانَتْ ثَقِيفُ تَقُولُ: هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ صَيْفِيُّ بْنُ الرَّاهِبِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ فَانْسَلَخَ مِنْها قَالَ: نُزِعَ مِنْهُ الْعِلْمُ وَفِي قَوْلِهِ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها قَالَ: رَفَعَهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَصْدَقُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ. وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرُّ الْأُمُورِ محدثاتها، وكلّ محدثة بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» ثُمَّ يَقُولُ:

«بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» . 

تفسير [سورة الأعراف (7) : آية 179]

وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (179)

وَلَقَدْ ذَرَأْنا أَيْ: خَلَقْنَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ أَصْلِ مَعْنَاهُ مُسْتَوْفًى، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا لِجَهَنَّمَ أَيْ: لِلتَّعْذِيبِ بِهَا كَثِيراً أَيْ: خَلَقًا كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَيْ: مِنْ طَائِفَتَيِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ جَعَلَهُمْ سُبْحَانَهُ لِلنَّارِ بِعَدْلِهِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِهَا يَعْمَلُونَ. وَقَدْ عَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ كَوْنِهِمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها كَمَا يَفْقَهُ غَيْرُهُمْ بِعُقُولِهِمْ، وَجُمْلَةُ لَا يَفْقَهُونَ بِها فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِقُلُوبٍ، وَجُمْلَةُ لَهُمْ قُلُوبٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ صِفَةً لكثيرا، جَعَلَ سُبْحَانَهُ قُلُوبَهُمْ لَمَّا كَانَتْ غَيْرَ فَاقِهَةٍ لِمَا فِيهِ نَفْعُهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ غَيْرَ فَاقِهَةٍ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ تَفْقَهُ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ النَّفْعُ وَالرَّشَادُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَهَكَذَا مَعْنَى وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّ الَّذِي انْتَفَى مِنَ الْأَعْيُنِ هُوَ إِبْصَارُ مَا فِيهِ الْهِدَايَةُ بِالتَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْصِرَةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ،

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

وَالَّذِي انْتَفَى مِنَ الْآذَانِ هُوَ سَمَاعُ الْمَوَاعِظِ النَّافِعَةِ، وَالشَّرَائِعِ الَّتِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ، وَمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُ اللَّهِ، وَإِنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ أُولئِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُتَّصِفِينَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ كَالْأَنْعَامِ فِي انْتِفَاءِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَذِهِ الْمَشَاعِرِ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ أَضَلُّ مِنْهَا، لِأَنَّهَا تُدْرِكُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَنْفَعُهَا وَيَضُرُّهَا فَتَنْتَفِعُ بِمَا يَنْفَعُ، وَتَجْتَنِبُ مَا يَضُرُّ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُ وَمَا يَضُرُّ بِاعْتِبَارِ مَا طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَكَلَّفَهُمْ بِهِ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْغَفْلَةِ الْكَامِلَةِ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ التَّمْيِيزِ الَّذِي هُوَ مِنْ شَأْنِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ وَبَصَرٌ وَسَمْعٌ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ ذَرَأْنا قَالَ: خَلَقْنَا.

وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ الْحَسَنِ فِي الْآيَةِ قَالَ: خَلَقْنَا لِجَهَنَّمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَابْنُ النجّار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أن اللَّهَ لَمَّا ذَرَأَ لِجَهَنَّمَ مَنْ ذَرَأَ كَانَ وَلَدُ الزِّنَا مِمَّنْ ذَرَأَ لِجَهَنَّمَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ قَالَ: لَقَدْ خَلَقْنَا لِجَهَنَّمَ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِها قَالَ: لَا يَفْقَهُونَ شَيْئًا من أمور الآخرة وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِها الْهُدَى وَلَهُمْ آذانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِها الْحَقَّ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ كَالْأَنْعَامِ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرًّا مِنَ الْأَنْعَامِ، فَقَالَ: بَلْ هُمْ أَضَلُّ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمُ الْغَافِلُونَ.

تفسير[سورة الأعراف (7) : آية 180]

وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ (180)

هَذِهِ الْآيَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا لَهُ مِنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ، وَالْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ أَيِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الْأَسْمَاءِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَحْسَنِ مُسَمًّى وَأَشْرَفِ مَدْلُولٍ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَدْعُوهُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ إِذَا دُعِيَ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِجَابَةِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَسَيَأْتِي، وَيَأْتِي أَيْضًا بَيَانُ عَدَدِهَا آخِرَ الْبَحْثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَوْلُهُ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ الْإِلْحَادُ: الْمَيْلُ وَتَرْكُ الْقَصْدِ، يُقَالُ: لَحَدَ الرَّجُلُ فِي الدِّينِ وَأَلْحَدَ:

إِذَا مَالَ، وَمِنْهُ اللَّحْدُ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ، وَقُرِئَ يُلْحِدُونَ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْإِلْحَادُ فِي أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، إِمَّا بِالتَّغْيِيرِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُشْرِكُونَ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا اسْمَ اللَّاتِ مِنَ اللَّهِ، وَالْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَمَنَاةَ مِنَ الْمَنَّانِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا بِأَنْ يَخْتَرِعُوا أَسْمَاءً مِنْ عِنْدِهِمْ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِهَا، أَوْ بِالنُّقْصَانِ مِنْهَا، بِأَنْ يَدْعُوهُ بِبَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَمَعْنَى وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ اتْرُكُوهُمْ وَلَا تُحَاجُّوهُمْ وَلَا تَعْرِضُوا لَهُمْ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتِ الْقِتَالِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً «1» وقوله ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا «2» وَهَذَا أَوْلَى لِقَوْلِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ فَإِنَّهُ وَعِيدٌ لَهُمْ بِنُزُولِ الْعُقُوبَةِ وَتَحْذِيرٌ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفْعَلُوا كَفِعْلِهِمْ. وَقَدْ ذَكَرَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ يَقُولُ فِي صِلَاتِهِ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ رَبًّا وَاحِدًا، فَمَا بَالُ هَذَا يَدْعُو رَبَّيْنِ اثْنَيْنِ؟ حَكَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ.

وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن

__________

(1) . المدثر: 11.

(2) . الحجر: 3.

أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَأَبِي نعيم: «من دعا بِهَا اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ» وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يُحِبُّ الْوِتْرَ: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمَقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمُجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّؤُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ» .

هَكَذَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عَنِ الْجُوزْجَانِيِّ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْوَلِيدِ بن مسلم عن شعيب ابن أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعَةً وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَا يُعْلَمُ فِي كَثِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرُ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ صَفْوَانَ بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَسَرَدَ الْأَسْمَاءَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: وَالَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدْرَجٌ فِيهِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ: أَيْ أَنَّهُمْ جَمَعُوهَا مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَبِي زَيْدٍ اللُّغَوِيِّ. قَالَ: ثُمَّ لْيُعْلَمْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْجُهَنِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ:

اللَّهُمَّ إِنِّي عبدك ابن عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» . وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِمِثْلِهِ انْتَهَى. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا

فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: جَاءَتْ فِي إِحْصَائِهَا، يَعْنِي الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى أَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا. وَقَدْ أَخْرَجَهَا بِهَذَا الْعَدَدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَاهُ، وَلَا أَدْرِي كَيْفَ إِسْنَادُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ كِلَاهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَأَبُو الشَّيْخِ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: أَسْأَلُ اللَّهَ الرَّحْمَنَ، الرَّحِيمَ، الْإِلَهَ، الرَّبَّ، الْمَلِكَ، الْقُدُّوسَ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، المتكبر، الخالق، الْبَارِئَ، الْمُصَوِّرَ، الْحَلِيمَ، الْعَلِيمَ، السَّمِيعَ، الْبَصِيرَ، الْحَيَّ، الْقَيُّومَ، الْوَاسِعَ، اللَّطِيفَ، الْخَبِيرَ، الْحَنَّانَ، الْمَنَّانَ، الْبَدِيعَ، الْغَفُورَ، الْوَدُودَ، الشَّكُورَ، الْمَجِيدَ، الْمُبْدِئَ، الْمُعِيدَ، النُّورَ، البادئ، وَفِي لَفْظٍ: الْقَائِمَ، الْأَوَّلَ، الْآخِرَ، الظَّاهِرَ، الْبَاطِنَ، الْعَفُوَّ، الْغَفَّارَ، الْوَهَّابَ، الْفَرْدَ، وَفِي لَفْظٍ: الْقَادِرَ، الْأَحَدَ، الصَّمَدَ، الْوَكِيلَ، الْكَافِيَ، الْبَاقِيَ، الْمُغِيثَ، الدَّائِمَ، الْمُتَعَالِيَ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمَوْلَى، الْبَصِيرَ، الْحَقَّ، الْمَتِينَ، الْوَارِثَ، الْمُنِيرَ، الْبَاعِثَ، الْقَدِيرَ، وَفِي لَفْظٍ: الْمُجِيبَ، الْمُحْيِيَ، الْمُمِيتَ، الْحَمِيدَ وَفِي لَفْظٍ: الْجَمِيلَ: الصَّادِقَ، الْحَفِيظَ، الْمُحِيطَ، الْكَبِيرَ، الْقَرِيبَ، الرَّقِيبَ، الْفَتَّاحَ، التَّوَّابَ، الْقَدِيمَ، الْوِتْرَ، الْفَاطِرَ، الرَّزَّاقَ، الْعَلَّامَ، الْعَلِيَّ، الْعَظِيمَ، الْغَنِيَّ، الْمَلِكَ، الْمُقْتَدِرَ، الْأَكْرَمَ، الرَّؤُوفَ، الْمُدَبِّرَ، الْمَالِكَ، الْقَاهِرَ، الْهَادِيَ، الشَّاكِرَ، الْكَرِيمَ، الرَّفِيعَ، الشَّهِيدَ، الْوَاحِدَ، ذَا الطَّوْلِ، ذَا الْمَعَارِجِ، ذَا الْفَضْلِ، الْخَلَّاقَ، الْكَفِيلَ، الْجَلِيلَ.

وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عَنِ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِسْعِينَ الَّتِي مَنْ أَحْصَاهَا دَخْلَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ: هِيَ فِي الْقُرْآنِ، فَفِي الْفَاتِحَةِ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ، يَا اللَّهُ، يَا رَبُّ، يَا رَحْمَنُ، يَا رَحِيمُ، يَا مَلِكُ وَفِي الْبَقَرَةِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ اسْمًا: يَا مُحِيطُ، يَا قَدِيرُ، يَا عَلِيمُ، يَا حَكِيمُ، يَا عَلِيُّ، يَا عَظِيمُ، يَا تَوَّابُ، يَا بَصِيرُ، يَا وَلِيُّ، يَا وَاسِعُ، يَا كَافِي، يَا رَؤُوفُ، يَا بَدِيعُ، يَا شَاكِرُ، يَا وَاحِدُ، يَا سَمِيعُ، يَا قَابِضُ، يَا باسط، يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا غَنِيُّ، يَا حَمِيدُ، يَا غَفُورُ، يَا حَلِيمُ، يَا إِلَهُ، يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ، يَا عَزِيزُ، يَا نَصِيرُ، يَا قَوِيُّ، يَا شَدِيدُ، يَا سَرِيعُ، يَا خَبِيرُ وَفِي آلِ عِمْرَانَ: يَا وَهَّابُ، يَا قَائِمُ، يَا صَادِقُ، يَا بَاعِثُ، يَا مُنْعِمُ، يَا مُتَفَضِّلُ، وَفِي النِّسَاءِ: يَا رَقِيبُ، يَا حَسِيبُ، يَا شَهِيدُ، يَا مُقِيتُ، يَا وَكِيلُ، يَا عَلِيُّ، يَا كَبِيرُ، وَفِي الْأَنْعَامِ: يَا فَاطِرُ، يَا قَاهِرُ، يَا لَطِيفُ، يَا بُرْهَانُ، وَفِي الْأَعْرَافِ: يَا مُحْيِي، يَا مُمِيتُ، وَفِي الْأَنْفَالِ: يَا نِعْمَ الْمَوْلَى، وَيَا نِعْمَ النَّصِيرُ وَفِي هُودٍ: يَا حَفِيظُ يَا مَجِيدُ، يَا وَدُودُ، يَا فَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ وَفِي الرَّعْدِ: يَا كَبِيرُ، يَا مُتَعَالِي وَفِي إِبْرَاهِيمَ: يَا مَنَّانُ، يَا وَارِثُ وَفِي الْحِجْرِ: يَا خَلَّاقُ وَفِي مَرْيَمَ: يَا فَرْدُ وَفِي طه: يا غفار، وفي قد أفلح: يَا كَرِيمُ وَفِي النُّورِ: يَا حَقُّ يَا مُبِينُ وَفِي الْفُرْقَانِ: يَا هَادِي وَفِي سَبَأٍ: يَا فَتَّاحُ، وَفِي الزُّمَرِ: يَا عَالِمُ وَفِي غَافِرٍ: يَا قَابِلَ التَّوْبِ، يَا ذَا الطَّوْلِ، يَا رَفِيعُ وَفِي الذَّارِيَاتِ: يَا رَزَّاقُ، يَا ذَا الْقُوَّةِ، يَا مَتِينُ وَفِي الطُّورِ: يَا برّ وفي اقتربت:

يَا مُقْتَدِرُ، يَا مَلِيكُ وَفِي الرَّحْمَنِ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا رَبَّ الْمَشْرِقَيْنِ، يَا رَبَّ الْمَغْرِبَيْنِ، يَا بَاقِي

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)

يَا مُعِينُ، وَفِي الْحَدِيدِ: يَا أَوَّلُ، يَا آخِرُ، يَا ظَاهِرُ، يَا بَاطِنُ وَفِي الْحَشْرِ: يَا مَلِكُ، يَا قُدُّوسُ، يَا سَلَامُ، يَا مُؤْمِنُ، يَا مُهَيْمِنُ، يَا عَزِيزُ، يَا جَبَّارُ، يَا مُتَكَبِّرُ، يَا خَالِقُ، يَا بَارِئُ، يَا مُصَوِّرُ، وَفِي الْبُرُوجِ: يَا مُبْدِئُ، يَا مُعِيدُ وَفِي الْفَجْرِ: يَا وَتْرُ وَفِي الْإِخْلَاصِ: يَا أَحَدُ، يَا صَمَدُ، انْتَهَى.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّهُ تَتَبَّعَهَا مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إِلَى أَنْ حَرَّرَهَا مِنْهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ ثُمَّ سَرَدَهَا فَابْحَثْهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَهِيَ فِي الْقُرْآنِ» . وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ! عَلِّمْنِي اسْمَ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، قَالَ لَهَا: قُومِي فَتَوَضَّئِي وَادْخُلِي الْمَسْجِدَ فَصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ادْعِي حَتَّى أَسْمَعَ، فَفَعَلَتْ فَلَمَّا جَلَسَتْ لِلدُّعَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ وَفِّقْهَا، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْنَا مِنْهَا وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الْأَعْظَمِ الْكَبِيرِ الْأَكْبَرِ الَّذِي مَنْ دَعَاكَ بِهِ أَجَبْتَهُ، وَمَنْ سَأَلَكَ بِهِ أَعْطَيْتَهُ، قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: أصبتيه، أصبتيه.

وقد أطال أهل العلم عَلَى الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى حَتَّى أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَكَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَمَعَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَلْفَ اسْمٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ قَالَ: الْإِلْحَادُ: أَنْ يَدْعُوَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ قَالَ: الْإِلْحَادُ: التَّكْذِيبُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: اشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنَ الْعَزِيزِ، وَاشْتَقُّوا اللَّاتَ مِنَ اللَّهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: الْإِلْحَادُ: الْمُضَاهَاةُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَرَأَ يُلْحِدُونَ مِنْ لَحَدَ، وَقَالَ:

تَفْسِيرُهَا: يُدْخِلُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهَا. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاق بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قال:

يشركون.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)

قوله وَمِمَّنْ خَلَقْنا خبر مقدّم وأُمَّةٌ مبتدأ مؤخر ويَهْدُونَ وما بعده صفة ما، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَمِمَّنْ خَلَقْنا هُوَ الْمُبْتَدَأُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ خَلَقَهُ اللَّهُ أُمَّةً يَهْدُونَ النَّاسَ مُتَلَبِّسِينَ بِالْحَقِّ، أَوْ يَهْدُونَهُمْ بما عرفوه من الحق وَبالحق يَعْدِلُونَ بَيْنَهُمْ، قِيلَ هُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَإِنَّهُمُ الْفِرْقَةُ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ حَالَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصَّالِحَةِ بَيَّنَ حَالَ مَنْ يُخَالِفُهُمْ فَقَالَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ

لَا يَعْلَمُونَ

وَالِاسْتِدْرَاجُ: هُوَ الْأَخْذُ بِالتَّدْرِيجِ مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، وَالدَّرْجُ: كَفُّ الشَّيْءِ، يُقَالُ أَدْرَجْتُهُ وَدَرَجْتُهُ، وَمِنْهُ إِدْرَاجُ الْمَيِّتِ فِي أَكْفَانِهِ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الدَّرَجَةِ، فَالِاسْتِدْرَاجُ: أَنْ يَخْطُوَ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَمِنْهُ دَرَجَ الصَّبِيُّ: إِذَا قَارَبَ بَيْنَ خُطَاهُ، وَأَدْرَجَ الْكِتَابَ: طَوَاهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَدَرَجَ الْقَوْمُ:

مَاتَ بَعْضُهُمْ في أثر بعض والمعنى: سنستدرجهم قَلِيلًا قَلِيلًا إِلَى مَا يُهْلِكُهُمْ، وَذَلِكَ بِإِدْرَارِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ وَإِنْسَائِهِمْ شُكْرَهَا، فَيَنْهَمِكُونَ فِي الْغَوَايَةِ، وَيَتَنَكَّبُونَ طُرُقَ الْهِدَايَةِ لِاغْتِرَارِهِمْ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ إِلَّا بِمَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ وَالزُّلْفَةِ، قَوْلُهُ وَأُمْلِي لَهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ، أَيْ: أُطِيلُ لَهُمُ الْمُدَّةَ وَأُمْهِلُهُمْ وَأُؤَخِّرُ عَنْهُمُ الْعُقُوبَةَ، وَجُمْلَةُ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الِاسْتِدْرَاجِ وَالْإِمْلَاءِ وَمُؤَكِّدَةٌ لَهُ، وَالْكَيْدُ: الْمَكْرُ، وَالْمَتِينُ: الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَتْنِ وَهُوَ اللَّحْمُ الْغَلِيظُ الَّذِي عَلَى جَانِبِ الصُّلْبِ.

قَالَ فِي الْكَشَّافِ: سَمَّاهُ كَيْدًا، لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْكَيْدِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ إِحْسَانٌ وَفِي الْحَقِيقَةِ خِذْلَانٌ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا لِلْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وفيما جاء به وما فِي مَا بِصاحِبِهِمْ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَهِيَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ: بِصَاحِبِهِمْ، وَالْجَنَّةُ: مَصْدَرٌ، أَيْ: وَقَعَ مِنْهُمُ التَّكْذِيبُ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا أَيُّ شَيْءٍ مِنْ جُنُونٍ كَائِنٌ بِصَاحِبِهِمْ كَمَا يَزْعُمُونَ، فَإِنَّهُمْ لَوْ تَفَكَّرُوا لَوَجَدُوا زَعْمَهُمْ بَاطِلًا، وَقَوْلَهُمْ زورا وبهتانا وَقِيلَ إِنَّ مَا نَافِيَةٌ وَاسْمُهَا مِنْ جِنَّةٍ وَخَبَرُهَا بِصَاحِبِهِمْ، أَيْ: لَيْسَ بِصَاحِبِهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَدَّعُونَهُ مِنَ الْجُنُونِ، فَيَكُونُ هَذَا رَدًّا لِقَوْلِهِمْ: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ «1» وَيَكُونُ الْكَلَامُ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا وَالْوَقْفُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْقَافِ الْحَسَنَةِ، وَجُمْلَةُ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا، وَمُبَيِّنَةٌ لِحَقِيقَةِ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ وَلِقَصْدِ التَّعْجِيبِ مِنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَالْمَلَكُوتُ: مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالِغَةِ، وَمَعْنَاهُ: الْمُلْكُ الْعَظِيمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَتَفَكَّرُوا حَتَّى يَنْتَفِعُوا بِالتَّفَكُّرِ، وَلَا نَظَرُوا فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ حَتَّى يَهْتَدُوا بِذَلِكَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، بَلْ هُمْ سَادِرُونَ فِي ضَلَالَتِهِمْ خَائِضُونَ فِي غَوَايَتِهِمْ لَا يُعْمِلُونَ فِكْرًا وَلَا يُمْعِنُونَ نَظَرًا. قَوْلُهُ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ أَيْ: لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السموات وَالْأَرْضِ وَلَا فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ، فَإِنَّ فِي كُلِّ مَخْلُوقَاتِهِ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَفَكِّرِينَ، سَوَاءٌ كانت من جلائل مصنوعاته كملكوت السموات وَالْأَرْضِ، أَوْ مِنْ دَقَائِقِهَا مِنْ سَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ، قَوْلُهُ:

وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَلَكُوتٍ، وَأَنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَخَبَرُهَا عَسَى وما بعدها: أي: أو لم يَنْظُرُوا فِي أَنَّ الشَّأْنَ وَالْحَدِيثَ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجْلُهُمْ فَيَمُوتُونَ عَنْ قَرِيبٍ. وَالْمَعْنَى: إِنَّهُمْ إِذَا كَانُوا يُجَوِّزُونَ قُرْبَ آجَالِهِمْ فَمَا لَهُمْ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَهْتَدُونَ بِهِ وَيَنْتَفِعُونَ بِالتَّفَكُّرِ فِيهِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفَكُّرِ وَالنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، أَيْ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ يُؤْمِنُونَ؟ وَفِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ مِنَ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ، وَقِيلَ: لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: للأجل المذكور قبله، وجملة

__________

(1) . الحجر: 6.

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، أَيْ: إِنَّ هَذِهِ الْغَفْلَةَ مِنْهُمْ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ إِلَّا لِكَوْنِهِمْ مِمَّنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَيْ: فَلَا يُوجَدُ مَنْ يَهْدِيهِ إِلَى الْحَقِّ وَيَنْزِعُهُ عَنِ الضَّلَالَةِ أَلْبَتَّةَ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ قُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ الْجَزَاءِ، وَقُرِئَ بِالنُّونِ، وَمَعْنَى يَعْمَهُونَ: يَتَحَيَّرُونَ، وَقِيلَ: يَتَرَدَّدُونَ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي قَوْلِهِ: وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «هَذِهِ أُمَّتِي بِالْحَقِّ يَحْكُمُونَ وَيَقْضُونَ وَيَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ» . وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ فِي الْآيَةِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا قَرَأَهَا: «هَذِهِ لَكَمَ وَقَدْ أُعْطِيَ الْقَوْمُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ مِثْلَهَا، وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ «1» » . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي الْآيَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَتَى نَزَلَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ السدي في قوله: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ يَقُولُ: سَنَأْخُذُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ: عَذَابُ بَدْرٍ. وأخرج أبو الشيخ عن يحيى ابن الْمُثَنَّى فِي الْآيَةِ قَالَ: كُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً تُنْسِيهِمُ الِاسْتِغْفَارَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَنْ سُفْيَانَ فِي الْآيَةِ قَالَ: نُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ وَنَمْنَعُهُمْ شُكْرَهَا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الِاسْتِدْرَاجِ فَقَالَ: ذَلِكَ مَكْرُ اللَّهِ بِالْعِبَادِ الْمُضَيِّعِينَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي قَوْلِهِ وَأُمْلِي لَهُمْ يَقُولُ: أَكُفُّ عَنْهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ إِنْ مَكْرِي شَدِيدٌ، ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ فَأَنْزَلَ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ «2» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَيْدُ اللَّهِ:

الْعَذَابُ وَالنِّقْمَةُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:

ذُكِرَ لَنَا: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الصَّفَا، فَدَعَا قُرَيْشًا فَخِذًا فَخِذًا: يَا بَنِي فُلَانٍ! يَا بَنِي فُلَانٍ! يُحَذِّرُهُمْ بِأْسَ اللَّهِ وَوَقَائِعَ اللَّهِ إِلَى الصَّبَاحِ، حَتَّى قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ، بَاتَ يُصَوِّتُ حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ.

الأعراف - تفسير الجلالين

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا} خَلَقْنَا {لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقُهُونَ بِهَا} الْحَقّ {وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا} دَلَائِل قُدْرَة اللَّه بَصَر اعْتِبَار {وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا} الْآيَات وَالْمَوَاعِظ سَمَاع تَدَبُّر وَاتِّعَاظ {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ} فِي عَدَم الْفِقْه وَالْبَصَر وَالِاسْتِمَاع {بَلْ هُمْ أَضَلّ} مِنْ الْأَنْعَام لِأَنَّهَا تَطْلُب مَنَافِعهَا وَتَهْرُب مِنْ مَضَارّهَا وَهَؤُلَاءِ يَقْدَمُونَ عَلَى النَّار معاندة {أولئك هم الغافلون

 

18 -

وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)

{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} التِّسْعَة وَالتِّسْعُونَ الْوَارِد بِهَا الْحَدِيث وَالْحُسْنَى مُؤَنَّث الْأَحْسَن {فَادْعُوهُ} سَمُّوهُ {بِهَا وَذَرُوا} اُتْرُكُوا {الَّذِينَ يُلْحِدُونَ} مِنْ أَلْحَدَ وَلَحَدَ يَمِيلُونَ عَنْ الْحَقّ {فِي أَسْمَائِهِ} حَيْثُ اشْتَقُّوا منها أسماء لآلهتهم كاللات مِنْ اللَّه وَالْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز وَمَنَاة مِنْ الْمَنَّان {سَيُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة جَزَاء {مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ

18 -

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)

{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثٍ

18 -

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)

{وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الْقُرْآن مِنْ أَهْل مَكَّة {سنستدرجهم} نأخذهم قليلا قليلا {من حيث لا يعلمون}

18 -

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

{وَأُمْلِي لَهُمْ} أَمْهِلْهُمْ {إنَّ كَيْدِي مَتِين} شَدِيد لا يطاق

18 -

أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} فَيَعْلَمُوا {مَا بِصَاحِبِهِمْ} مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مِنْ جِنَّة} جُنُون {إنْ} مَا {هُوَ إلَّا نَذِير مُبِين} بَيِّن الْإِنْذَار

18 -

أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)

{أولم ينظروا في ملكوت} ملك {السماوات وَالْأَرْض وَ} فِي {مَا خَلَقَ اللَّه مِنْ شَيْء} بَيَان لِمَا فَيَسْتَدِلُّوا بِهِ عَلَى قُدْرَة صَانِعه وَوَحْدَانِيّته {و} فِي {أَنْ} أَيْ أَنَّهُ {عَسَى أَنْ يَكُون قَدْ اقْتَرَبَ} قَرُبَ {أَجَلهمْ} فَيَمُوتُوا كُفَّارًا فَيَصِيرُوا إلَى النَّار فَيُبَادِرُوا إلَى الإيمان {فبأي حديث بعده} أي القرآن {يؤمنون}

18 -

مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)

{مَنْ يَضْلِلْ اللَّه فَلَا هَادِي لَهُ وَيَذَرهُمْ} بِالْيَاءِ وَالنُّون مَعَ الرَّفْع اسْتِئْنَافًا وَالْجَزْم عَطْفًا عَلَى مَحَلّ مَا بَعْد الْفَاء {فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ} يَتَرَدَّدُونَ تَحَيُّرًا

18 -

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

{يَسْأَلُونَك} أَيْ أَهْل مَكَّة {عَنْ السَّاعَة} الْقِيَامَة {أَيَّانَ} مَتَى {مُرْسَاهَا قُلْ} لَهُمْ {إنَّمَا عِلْمهَا} مَتَى تَكُون {عِنْد رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا} يُظْهِرهَا {لِوَقْتِهَا} اللَّام بِمَعْنَى فِي {إلَّا هُوَ ثَقُلَتْ} عَظُمَتْ {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} عَلَى أَهْلهَا لِهَوْلِهَا {لَا تَأْتِيكُمْ إلَّا بَغْتَة} فَجْأَة {يَسْأَلُونَك كَأَنَّك حَفِيّ} مُبَالِغ فِي السُّؤَال {عَنْهَا} حَتَّى عَلِمْتَهَا {قُلْ إنَّمَا عِلْمهَا عِنْد اللَّه} تَأْكِيد {وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ} أَنَّ عِلْمهَا عِنْده تعالى 

تعقيب المدون 

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)

 

سورة الأَعْرَاف 7/114

سبب التسمية :

سُميت ‏هذه ‏السورة ‏بسورة ‏الأعراف ‏لورود ‏ذكر ‏اسم ‏الأعراف ‏فيها ‏وهو ‏سور ‏مضروب ‏بين ‏الجنة ‏والنار ‏يحول ‏بين ‏أهلهما ‏روى ‏ابن ‏جرير ‏عن ‏حذيفة ‏أنه ‏سئل ‏عن ‏أصحاب ‏الأعراف ‏فقال ‏ :هم ‏قوم ‏استوت ‏حسناتهم ‏وسيئاتهم ‏فقعدت ‏بهم ‏سيئاتهم ‏عن ‏دخول ‏الجنة ‏وتخلفت ‏بهم ‏حسناتهم ‏عن ‏دخول ‏النار ‏فوقفوا ‏هنالك ‏على ‏السور ‏حتى ‏يقضي ‏الله ‏بينهم ‏‏.

التعريف بالسورة :

1) سورة مكية ماعدا الآيات من " 163 : 170 " فمدنية ،

2) هي من سوره الطول .

3) عدد آياتها .206 آية ،

4) هي السورة السابعة في ترتيب المصحف ،

5) نزلت بعد سورة " ص " ،

6) تبدأ السورة بحروف مقطعة " المص " ،الآية 206 من السورة بها سجدة . ،

7) الجزء "9" ، الحزب " 16،17 ،18 " ، الربع " 1،2،3،4،5،6 " .

محور مواضيع السورة :

سورة الأعراف من أطول السور المكية وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء ومهمتها كمهمة السورة المكية تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله جل وعلا وتقرير البعث والجزاء وتقرير الوحي والرسالة .

سبب نزول السورة :

1) عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمُرِ من الذباب وهي تقول : " اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا له منه فلا أُحِلّه " فأنزل الله تعالى على نبيه " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " فأُمِروا بلبس الثياب

2) عن أبي بكر الهذلي قال : لما نزلت " ورحمتي وسعت كل شئ " قال إبليس: يا رب وانا من الشىء فنزلت " فسأكتبها للذين يتقون " الآية فنزعها الله من إبليس .

3) قال ابن مسعود : نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : هو بلعم بن باعورا وقال الوالبي : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم وكان يعلم اسم الله الأعظم فلما نزل بهم موسىأتاه بنو عمه وقومه وقالوا إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه مما كان عليه فذلك قوله فانسلخ منها .

4) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مُرسِلُ رسولا في ذلك الوقت ورجا أن

يكون هو ذلك الرسول فلما أُرسِلَ محمدحسده وكفر به وروى عكرمة عن ابن عباسفي هذه الآية قال : هو رجل أُعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها وكانت له امرأة يقال لها البسوس وكان له منها ولد وكانت له محبة فقالت اجعل لي منها دعوة واحدة قال لك واحدة فماذا تأمرين قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني اسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا أخر فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نبآية فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا ليس لنا على هذا قرار قد صارت امنا كلبة نبآية يعيرنا بها الناس فادع الله ان يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال أشام من البسوس .

5) قال ابن عباس: قال جهل بن أبي قشير وشموال بن زيد وهما من اليهود: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا ؟ فإنّا نعلم متى هي ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قتادة : قالت قريش لمحمد : إن بيننا وبينك قرابة فَاسِرّ الينا متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى " يسألونك عن الساعة ". أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق قال أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال حدثنا أبو يعلى قال حدثنا عقبة بن مكرم قال حدثنا يونس قال حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن ابان بن لقيط عن قرظة بن حسان قال سمعت ابا موسى في يوم جمعة على منبر الصلاة يقول : سئل رسول الله عن الساعة وأنا شاهد فقال: لا يعلمها إلا الله لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردما من الفتن وهرجا ، فقيل : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : هو بلسان الحبشة القتل وأن تحصر قلوب الناس وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا ويرفع ذوو الحجى وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا .

فضل السورة :

2) عن أبي أيوب وزيد بن ثابت " أن النبي قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين جميعا ".        سورة رقم -7-

 قلت المدون وتكملة للنفع اورد هنا هذا الحديث:

 وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ مَنْدَهْ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» . وَفِي لَفْظِ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ وَأَبِي نعيم: «من دعا بِهَا اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ» وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يُحِبُّ الْوِتْرَ: «هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ، الْقُدُّوسُ، السَّلَامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ، الْمُتَكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ، الْغَفَّارُ، الْقَهَّارُ، الْوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الْفَتَّاحُ، الْعَلِيمُ، الْقَابِضُ، الْبَاسِطُ، الْخَافِضُ، الرَّافِعُ، الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ، السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ، الْحَكَمُ، الْعَدْلُ، اللَّطِيفُ، الْخَبِيرُ، الْحَلِيمُ، الْعَظِيمُ، الْغَفُورُ، الشَّكُورُ، الْعَلِيُّ، الْكَبِيرُ، الْحَفِيظُ، الْمَقِيتُ، الْحَسِيبُ، الْجَلِيلُ، الْكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، الْمُجِيبُ، الْوَاسِعُ، الْحَكِيمُ، الْوَدُودُ، الْمُجِيدُ، الْبَاعِثُ، الشَّهِيدُ، الْحَقُّ، الْوَكِيلُ، الْقَوِيُّ، الْمَتِينُ، الْوَلِيُّ، الْحَمِيدُ، الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ، الْمُحْيِي، الْمُمِيتُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الْوَاجِدُ، الْمَاجِدُ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الْقَادِرُ، الْمُقْتَدِرُ، الْمُقَدِّمُ، الْمُؤَخِّرُ، الْأَوَّلُ، الْآخِرُ، الظَّاهِرُ، الْبَاطِنُ، الْوَالِي، الْمُتَعَالِي، الْبَرُّ، التَّوَّابُ، الْمُنْتَقِمُ، الْعَفُوُّ، الرَّؤُوفُ، مَالِكُ الْمُلْكِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الْمُقْسِطُ، الْجَامِعُ، الْغَنِيُّ، الْمُغْنِي، الْمَانِعُ، الضَّارُّ، النَّافِعُ، النُّورُ، الْهَادِي، الْبَدِيعُ، الْبَاقِي، الْوَارِثُ، الرَّشِيدُ، الصَّبُورُ» .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...