القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 يناير 2023

تفسير الأيات من138 الي143. نسورة الأعراف

 

تفسير الأيات من138 الي143. نسورة اللأعراف 

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)  وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

=======

الأعراف - تفسير ابن كثير

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) }

يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى، عليه السلام، حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، { فَأَتَوْا } أي: فمروا { عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين. وقيل: كانوا من لخم.

قال ابن جريج: وكانوا يعبدون أصناما على صور البقر، فلهذا أثار (1) ذلك شبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا: { يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } أي: تجهلون عظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزه (2) عنه من الشريك والمثيل.

{ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ } أي: هالك { وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

وروى الإمام أبو جعفر بن جرير [رحمه الله] (3) تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعَقِيل، ومعمر كلهم، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان، عن أبي واقد الليثي: أنهم خرجوا من مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال: وكان للكفار سدرة (4) يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها: "ذات أنواط"، قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: "قلتم والذي نفسي بيده، كما قال قوم موسى لموسى: { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ . إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } (5)

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا مَعْمَر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الدِّيلي، عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين، فمررنا بسدرة، فقلت: يا نبي الله (6) اجعل لنا هذه "ذات أنواط"، كما للكفار ذات أنواط، وكان الكفار ينوطون سلاحهم بسدرة، ويعكفون حولها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ] } (7) إنكم تركبون (8) سنن من قبلكم" (9)

ورواه ابن أبي حاتم، من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه عن جده مرفوعا (10)

__________

(1) في أ: "أثر".

(2) في د: "تنزيهه".

(3) زيادة من أ.

(4) في م: "سدة".

(5) تفسير الطبري (13/81 ، 82).

(6) في أ: "رسول الله".

(7) زيادة من د.

(8) في م: "لتركبون".

(9) المسند (5/218) ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (11185) من طريق عبد الرزاق به ورواه الترمذي في السنن برقم (2180) من طريق سفيان عن الزهري بنحوه، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

(10) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (17/21) من طريق ابن أبي فديك، عن كثير بن عبد الله المزني، عن أبيه، عن جده مرفوعا، قال الهيثمي في المجمع (7/24): "فيه كثير بن عبد الله وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه.

قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

{ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) }

يذكِّرهم موسى، عليه السلام، بنعمة الله عليهم، من إنقاذهم من أسر فرعون وقهره، وما كانوا فيه من الهوان والذلة، وما صاروا إليه من العزة والاشتفاء من عدوهم، والنظر إليه في حال هوانه وهلاكه، وغرقه ودماره. وقد تقدم تفسيرها في [سورة] (1) البقرة.

{ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) }

يقول تعالى ممتنا على بني إسرائيل، بما حصل لهم من الهداية، بتكليمه موسى، عليه السلام، وإعطائه التوراة، وفيها أحكامهم وتفاصيل شرعهم، فذكر تعالى أنه واعد موسى ثلاثين ليلة.

قال المفسرون: فصامها موسى، عليه السلام، فلما تم الميقات استاك بلحاء شجرة، فأمره الله تعالى أن يكمل بعشر (2) أربعين.

وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما هي؟ فالأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر عشر ذي الحجة. قاله مجاهد، ومسروق، وابن جريج. وروي عن ابن عباس. فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر، وحصل فيه التكليم لموسى، عليه السلام، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا } [المائدة:3]

فلما تم الميقات عزم (3) موسى على الذهاب إلى الطور، كما قال تعالى: { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ } الآية [طه : 80]، فحينئذ استخلف موسى على بني إسرائيل أخاه هارون، وأوصاه بالإصلاح وعدم الإفساد. وهذا تنبيه وتذكير، وإلا فهارون، عليه السلام، نبي شريف كريم على الله، له وجاهة وجلالة، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر الأنبياء (4)

{ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) }

يخبر تعالى عن موسى، عليه السلام، أنه لما جاء لميقات الله تعالى، وحصل له التكليم من الله [تعالى] (5) سأل الله تعالى أن ينظر إليه فقال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي }

__________

(1) زيادة من م، أ.

(2) في أ: "العشرة".

(3) في د، ك، م: "وعزم".

(4) في ك، أ: "أنبياء الله".

(5) زيادة من ك، أ.

وقد أشكل حرف "لن" هاهنا على كثير من العلماء؛ لأنها موضوعة لنفي التأبيد، فاستدل به المعتزلة على نفي الرؤية في الدنيا والآخرة. وهذا أضعف الأقوال؛ لأنه قد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، كما سنوردها عند قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [القيامة:22 ، 23] .

وقوله تعالى إخبارًا عن الكفار: { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين:15]

وقيل: إنها لنفي التأبيد في الدنيا، جمعا بين هذه الآية، وبين الدليل القاطع على صحة الرؤية في الدار الآخرة.

وقيل: إن هذا الكلام في هذا المقام كالكلام في قوله تعالى: { لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } وقد تقدم ذلك في الأنعام [الآية:103].

وفي الكتب المتقدمة أن الله تعالى قال لموسى، عليه السلام: "يا موسى، إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده"؛ ولهذا قال تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا }

قال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: حدثنا أحمد بن سُهَيْل الواسطي، حدثنا قُرَّة بن عيسى، حدثنا الأعمش، عن رجل، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى ربه للجبل، أشار بإصبعه فجعله دكًا" وأرانا أبو إسماعيل بإصبعه السبابة (1)

هذا الإسناد فيه رجل مبهم لم يسم، ثم قال (2)

حدثني المثنى، حدثنا حجَّاج بن مِنْهال، حدثنا حَمَّاد، عن لَيْث، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال: "هكذا بإصبعه -ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر-فساخ الجبل" (3)

هكذا وقع في هذه الرواية "حماد بن سلمة، عن ليث، عن أنس". والمشهور: "حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس"، كما قال ابن جرير:

حدثني المثنى، حدثنا هُدْبَة بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } قال: وضع الإبهام قريبًا من طرف خنصره، قال: فساخ الجبل -قال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقوله أنس وأنا أكتمه؟ (4)

وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده: حدثنا أبو المثنى، معاذ بن معاذ العنبري، حدثنا حماد بن

__________

(1) تفسير الطبري (13/98).

(2) في أ: "وقال".

(3) تفسير الطبري (13/99).

(4) تفسير الطبري (13/99).

سلمة، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [ جَعَلَهُ دَكًّا ] } (1) قال: قال هكذا -يعني أنه خرج طرف الخنصر -قال أحمد: أرانا معاذ، فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟ قال: فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد؟! وما أنت يا حميد؟! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فتقول أنت: ما تريد إليه؟!

وهكذا رواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق، عن معاذ بن معاذ به. وعن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن سليمان بن حرب، عن حماد [بن سلمة] (2) به (3) ثم قال: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طرق، عن حماد بن سلمة، به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه (4) (5)

ورواه أبو محمد الحسن (6) بن محمد الخلال، عن محمد بن علي بن سُوَيْد، عن أبي القاسم البغوي، عن هدبة بن خالد، عن حماد بن سلمة، فذكره وقال: هذا إسناد صحيح لا علة فيه.

وقد رواه داود بن المحبر، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس مرفوعًا [وهذا ليس بشيء، لأن داود ابن المحبر كذاب ورواه الحافظان أبو القاسم الطبراني وأبو بكر] (7) بنحوه (8)

وأسنده ابن مردويه من طريقين، عن سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن أنس مرفوعا (9) بنحوه، وأسنده ابن مردويه من طريق ابن البيْلِمِاني، عن أبيه، عن ابن عمر مرفوعا، ولا يصح أيضًا.

وقال السُّدِّي، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قول الله تعالى: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } قال: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر { جَعَلَهُ دَكًّا } قال: ترابا { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } قال: مغشيًا عليه. رواه ابن جرير.

وقال قتادة: { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } قال: ميتًا.

وقال سفيان الثوري: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر فهو يذهب معه (10)

وقال سُنَيْد، عن حجاج بن محمد الأعور، عن أبي بكر الهذلي: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا } انقعر فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.

وجاء في بعض الأخبار أنه ساخ في الأرض، فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة، رواه ابن مردويه.

__________

(1) زيادة من أ.

(2) زيادة من أ.

(3) المسند (3/125) وسنن الترمذي برقم (3074) ورواه ابن خزيمة في التوحيد برقم (113) من طريق معاذ بن جبل به.

(4) في أ: "يخرجه".

(5) المستدرك (2/320) ورواه ابن خزيمة في التوحيد برقم (114) وابن الأعرابي في معجمه برقم (405) من طريق عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة به.

(6) في أ ك : "أبو محمد بن الحسن".

(7) زيادة من أ.

(8) ورواه ابن منده في الرد على الجهمية برقم (59) من طريق شعبة به.

(9) ورواه ابن عدي في الكامل (1/350) من طريق أيوب بن خوط عن قتادة عن أنس مرفوعا وأيوب بن خوط متروك الحديث.

(10) في أ: "بعد".

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمر بن شَبَّة، حدثنا محمد بن يحيى أبو غسان الكناني، حدثنا عبد العزيز بن عمران، عن معاوية بن عبد الله، عن الجلد بن أيوب، عن معاوية بن قُرَّة، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله للجبال (1) طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة، بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى. ووقع بمكة: حراء، وثَبِير، وثور".

وهذا حديث غريب، بل منكر (2)

وقال ابن أبي حاتم: ذكر عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج، حدثنا الهَيْثَم بن خارجة، حدثنا عثمان بن حُصَين بن عَلاق، عن عُرْوة بن رُوَيم قال: كانت الجبال قبل أن يتجلى الله لموسى على الطور صُمًا مُلْسا، فلما تجلى الله لموسى على الطور دك (3) وتفطرت الجبال فصارت الشقوق والكهوف.

وقال الربيع بن أنس: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } وذلك أن الجبل حين كشف الغطاء ورأى النور، صار مثل دك من الدكاك. وقال بعضهم: { جَعَلَهُ دَكًّا } أي: فتته.

وقال مجاهد في قوله: { وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } فإنه أكبر منك وأشد خلقا، { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } فنظر إلى الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل فدك على أوله، ورأى موسى ما يصنع الجبل، فخر صعقًا.

وقال عكرمة: { جَعَلَهُ دَكًّا } قال: نظر الله إلى الجبل، فصار صحراء ترابًا.

وقد قرأ بهذه القراءة بعض القراء، واختارها ابن جرير، وقد ورد فيها حديث مرفوع، رواه بن مردويه.

والمعروف أن "الصَّعْق" هو الغشي هاهنا، كما فسره ابن عباس وغيره، لا كما فسره قتادة بالموت، وإن كان ذلك صحيحًا في اللغة، كقوله تعالى: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ } [الزمر:68] فإن هناك قرينة تدل على الموت كما أن هنا قرينة تدل على الغشي، وهي قوله: { فَلَمَّا أَفَاقَ } والإفاقة إنما تكون من (4) غشي.

{ قَالَ سُبْحَانَكَ } تنزيها وتعظيما وإجلالا أن يراه أحد من الدنيا إلا مات.

وقوله: { تُبْتُ إِلَيْكَ } قال مجاهد: أن أسألك الرؤية.

__________

(1) في أ: "للجبل".

(2) ورواه ابن الأعرابي في معجمه (166/2) والمحاملي في أماليه (1/172/1) كما في االسلسة الضعيفة للشيخ ناصر الألباني برقم (162) والخطيب االبغدادي في تاريخ بغداد (10/441) كلهم من طريق عبد العزيز بن عمران عن معاوية بن عبد الله به.

قال الخطيب: "هذا الحديث غريب جدا لم أكتبه إلا بهذا الإسناد" وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/120) وقال: "قال ابن حبان: موضوع، وعبد العزيز متروك يروى المناكير عن المشاهير".

(3) في أ: "صارت دكا".

(4) في ك، م: "عن".

{ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } قال ابن عباس ومجاهد: من بني إسرائيل. واختاره ابن جرير. وفي رواية أخرى عن ابن عباس: { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } أنه لا يراك أحد. وكذا قال أبو العالية: قد كان قبله مؤمنون، ولكن يقول: أنا أول من آمن بك أنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة.

وهذا قول حسن له اتجاه. وقد ذكر محمد بن جرير في تفسيره هاهنا أثرًا طويلا فيه غرائب وعجائب، عن محمد بن إسحاق بن يسار [رحمه الله] (1) وكأنه تلقاه من الإسرائيليات (2) والله [تعالى] (3) أعلم.

وقوله: { وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا } فيه أبو سعيد وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فأما حديث أبي سعيد، فأسنده البخاري في صحيحه هاهنا، فقال:

حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد لطم وجهه، فقال: يا محمد، إن رجلا من أصحابك من الأنصار لطم وجهي. قال: "ادعوه" فدعوه، قال: "لم لطمت وجهه؟" قال: يا رسول الله، إني مررت باليهودي فسمعته يقول: والذي اصطفى موسى على البشر.

قال: قلت: وعلى محمد؟ فأخذتني غضبة (4) فلطمته، قال: "لا تخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور".

وقد رواه البخاري في أماكن كثيرة من صحيحه، ومسلم في أحاديث الأنبياء من صحيحه، وأبو داود في كتاب "السنة" من سننه من طرق، عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري المدني، عن أبيه، عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري، به (5)

وأما حديث أبي هريرة فقال الإمام أحمد في مسنده:

حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: استب رجلان: رجل من المسلمين، ورجل من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين. وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فغضب المسلم على اليهودي فلطمه، فأتى اليهودي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأخبره، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعترف بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى ممسكًا بجانب العرش، فلا أدري أكان ممن صعق فأفاق قبلي، أم كان ممن استثناه الله، عز وجل". أخرجاه في الصحيحين، من حديث

__________

(1) زيادة من أ.

(2) انظر: تفسير الطبري (13/91).

(3) زيادة من م.

(4) في د: "غيظة".

(5) صحيح البخاري برقم (4638 ، 2412 ، 6917 ، 3398 ، 7427 ، 6518) وصحيح مسلم برقم (2374) وسنن أبي داود برقم (4668).

الزهري، به (1)

وقد روى الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا، رحمه الله: أن الذي لطم اليهودي في هذه القضية هو أبو بكر الصديق، رضي الله عنه (2) ولكن تقدم في الصحيحين أنه رجل من الأنصار، وهذا هو أصح وأصرح، والله أعلم.

والكلام في قوله، عليه السلام: "لا تخيروني على موسى"، كالكلام على قوله: "لا تفضلوني على الأنبياء ولا على يونس بن متى"، قيل: من باب التواضع. وقيل: قبل أن يعلم بذلك. وقيل: نهى أن يفضل بينهم على وجه الغضب والتعصب. وقيل: على وجه القول بمجرد الرأي والتشهي، والله أعلم.

وقوله: "فإن الناس يصعقون يوم القيامة"، الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القيامة، يحصل أمر يصعقون منه، والله أعلم به. وقد يكون ذلك إذا جاء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء، وتجلى للخلائق الملك الديان، كما صعق موسى من تجلي الرب، عز وجل، ولهذا قال، عليه السلام: "فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" ؟

وقد روى القاضي عياض في أوائل كتابه "الشفاء" بسنده عن محمد بن محمد بن مرزوق: حدثنا قتادة، حدثنا الحسن، عن قتادة، عن يحيى بن وثاب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما تجلى الله لموسى، عليه السلام، كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء، مسيرة عشرة فراسخ" (3) ثم قال: "ولا يبعد على هذا أن يختص نبيا بما ذكرناه من هذا الباب، بعد الإسراء والحظوة بما رأى من آيات ربه الكبرى.

انتهى ما قاله، وكأنه صحح هذا الحديث، وفي صحته نظر، ولا يخلو رجال إسناده من مجاهيل لا يعرفون، ومثل هذا إنما يقبل من رواية العدل الضابط عن مثله، حتى ينتهي إلى منتهاه، والله أعلم.

__________

(1) المسند (2/264) وصحيح البخاري برقم (3408 ، 2411) وصحيح مسلم برقم (2373).

(2) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/443) : "وأما كون اللاطم في هذه القصة الصديق فهو مصرح به فيما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعة وابن أبي الدنيا في "كتاب البعث" من طريقه عن عمرو بن دينار، عن عطاء وابن جدعان، عن سعيد بن المسيب قال: كان بين رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبين رجل من اليهود كلام في شيء فقال عمرو بن دينار: هو أبو بكر الصديق".

(3) الشفا (1/165).

 

 

الأعراف - تفسير القرطبي

الآية: 138 {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، والباقون بضمها. يقال: عكف يعكف ويعكف بمعنى أقام على الشيء ولزمه. والمصدر منهما على فعول. قال قتادة: كان أولئك القوم من لخم، وكانوا نزولا بالرقة وقيل: كانت أصنامهم تماثيل بقر؛ ولهذا أخرج لهم السامري عجلا. {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} نظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط يعظمونها في كل سنة يوما: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال عليه الصلاة والسلام: "الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن في قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه" . وكان هذا في مخرجه إلى حنين، على ما يأتي بيانه في {بَرَاءَةٌ} إن شاء الله تعالى.

الآيتان: 139 - 140 {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أي مهلك، والتبار: الهلاك. وكل إناء مكسر متبر. وأمر متبر. أي إن العابد والمعبود مهلكان. {وَبَاطِلٌ} أي ذاهب

مضمحل .{مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}{كَانُوا} صلة زائدة. { قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً} أي أطلب لكم إلها غير الله تعالى. يقال: بغيته وبغيت له. {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي على عالمي زمانكم. وقيل: فضلهم بإهلاك عدوهم، وبما خصهم به من الآيات.

الآية: 141 {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}

ذكرهم منته. وقيل: هو خطاب ليهود عصر النبي صلى الله عليه وسلم. أي واذكروا إذ أنجينا أسلافكم؛ حسب ما تقدم بيانه في سورة "البقرة".

الآية: 142 {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}

فيه ثلاث مسائل:-

الأولى: قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} ذكر أن مما كرم الله به موسى صلى الله عليه وسلم هذا فكان وعده المناجاة إكراما له. {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال ابن عباس ومجاهد ومسروق رضي الله عنهم: هي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أمره أن يصوم الشهر وينفرد فيه بالعبادة؛ فلما صامه أنكر خلوف فمه فاستاك. قيل: بعود خرنوب؛ فقالت الملائكة: إنا كنا نستنشق من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك. فزيد عليه عشر ليال من ذي الحجة. وقيل: إن الله تعالى أوحى إليه لما استاك: "يا موسى لا أكلمك حتى يعود

فوك إلى ما كان عليه قبل، أما علمت أن رائحة الصائم أحب إلي من ريح المسك". وأمره بصيام عشرة أيام. وكان كلام الله تعالى لموسى صلى الله عليه وسلم غداة النحر حين فدى إسماعيل من الذبح، وأكمل لمحمد صلى الله عليه وسلم الحج. وحذفت الهاء من عشر لأن المعدود مؤنث. والفائدة في قوله: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} وقد علم أن ثلاثين وعشرة أربعون، لئلا يتوهم أن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها؛ فبين أن العشر سوى الثلاثين. فإن قيل: فقد قال في البقرة أربعين وقال هنا ثلاثين؛ فيكون ذلك من البداء. قيل: ليس كذلك؛ فقد قال: {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} والأربعون، والثلاثون والعشرة قول واحد ليس بمختلف. وإنما قال القولين على تفصيل وتأليف؛ قال أربعين في قول مؤلف، وقال ثلاثين، يعني شهرا متتابعا وعشرا. وكل ذلك أربعون؛ كما قال الشاعر:

"عشر وأربع...."

يعني أربع عشرة، ليلة البدر. وهذا جائز في كلام العرب.

الثانية: قال علماؤنا: دلت هذه الآية على أن ضرب الأجل للمواعدة سنة ماضية، ومعنى قديم أسسه الله تعالى في القضايا، وحكم به للأمم، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال. وأول أجل ضربه الله تعالى الأيام الستة التي خلق فيها جميع المخلوقات، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]. وقد بينا معناه فيما تقدم في هذه السورة من قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]. قال ابن العربي: فإذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل فجاء الأجل ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة. وقد بين الله تعالى ذلك لموسى عليه السلام فضرب له أجلا ثلاثين ثم زاده عشرا تتمة أربعين. وأبطأ موسى عليه السلام في هذه العشر على قومه؛ فما عقلوا جواز التأني والتأخر حتى قالوا: إن موسى ضل أو نسي، ونكثوا عهده وبدلوا بعده، وعبدوا إلها غير الله. قال ابن عباس: إن موسى قال لقومه: إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه، وأخلف فيكم

هارون، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا؛ فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله بما فعلوه من عبادة العجل؛ على ما يأتي بيانه. ثم الزيادة التي تكون على الأجل تكون مقدرة؛ كما أن الأجل مقدر. ولا يكون إلا باجتهاد من الحاكم بعد النظر إلى المعاني المتعلقة بالأمر: من وقت وحال وعمل، فيكون مثل ثلث المدة السالفة؛ كما أجل الله لموسى. فإن رأى الحاكم أن يجمع له الأصل في الأجل والزيادة في مدة واحدة جاز، ولكن لا بد من التربص بعدها لما يطرأ من العذر على البشر، قال ابن العربي. روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة" .

قلت: وهذا أيضا أصل لإعذار الحكام إلى المحكوم عليه مرة بعد أخرى. وكان هذا لطفا بالخلق، ولينفذ القيام عليهم بالحق. يقال: أعذر في الأمر أي بالغ فيه؛ أي أعذر غاية الإعذار الذي لا إعذار بعده. وأكبر الإعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم لتتم حجته عليهم، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15]. وقال {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] قيل: هم الرسل. ابن عباس: هو الشيب. فإنه يأتي في سن الاكتهال، فهو علامة لمفارقة سن الصبا. وجعل الستين غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك العباد، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله، وترقب المنية ولقاء الله؛ ففيه إعذار بعد إعذار. الأول بالنبي عليه السلام، والثاني بالشيب؛ وذلك عند كمال الأربعين؛ قال الله تعالى: {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [الأحقاف: 15]. فذكر عز وجل أن من بلغ أربعين فقد أن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه وعلى والديه ويشكرها. قال مالك: أدركت أهل العلم ببلدنا، وهم يطلبون الدنيا ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة؛ فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس.

الثالثة: ودلت الآية أيضا على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام؛ لقوله تعالى: {ثَلاثِينَ لَيْلَةً} لأن الليالي أوائل الشهور. وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن

الأيام؛ حتى روي عنها أنها كانت تقول: صمنا خمسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعجم تخالف في ذلك، فتحسب بالأيام لأن معولها على الشمس. ابن العربي: وحساب الشمس للمنافع، وحساب القمر للمناسك؛ ولهذا قال: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} .فيقال: أرخت تاريخا، وورخت توريخا؛ لغتان.

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} المعنى: وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها لأخيه هارون: كن خليفتي؛ فدل على النيابة. وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي حين خلفه في بعض مغازيه: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" . فاستدل بهذا الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على جميع الأمة؛ حتى كفر الصحابة الإمامية - قبحهم الله - لأنهم عندهم تركوا العمل الذي هو النص على استخلاف علي واستخلفوا غيره بالاجتهاد منهم. ومنهم من كفر عليا إذ لم يقم بطلب حقه. وهؤلاء لا شك في كفرهم وكفر من تبعهم على مقالتهم، ولم يعلموا أن هذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو بموته، لا يقتضي أنه متماد بعد وفاته؛ فينحل على هذا ما تعلق به الإمامية وغيرهم. وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغيره، ولم يلزم من ذلك استخلافه دائما بالاتفاق. على أنه قد كان هارون شرك مع موسى في أصل الرسالة، فلا يكون لهم فيه على ما راموه دلالة. والله الموفق للهداية. {وَأَصْلِحْ} أمر بالإصلاح. قال ابن جريج: كان من الإصلاح أن يزجر. السامري ويغير عليه. وقيل: أي ارفق بهم، وأصلح أمرهم، وأصلح نفسك؛ أي كن مصلحا. {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} أي لا تسلك سبيل العاصين، ولا تكن عونا للظالين.

الآية: 143 {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} أي في الوقت الموعود. {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أي أسمعه كلامه من غير واسطة. {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} سأل النظر إليه؛ واشتاق إلى رؤيته لما أسمعه كلامه.

قوله تعالى: {قَالَ لَنْ تَرَانِي} أي في الدنيا. ولا يجوز الحمل على أنه أراد: أرني آية عظيمة لأنظر إلى قدرتك؛ لأنه قال {إِلَيْكَ} و {قَالَ لَنْ تَرَانِي} . ولو سأل آية لأعطاه الله ما سأل، كما أعطاه سائر الآيات. وقد كان لموسى عليه السلام فيها مقنع عن طلب آية أخرى؛ فبطل هذا التأويل. {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} ضرب له مثالا مما هو أقوى من بنيته وأثبت. أي فإن ثبت الجبل وسكن فسوف تراني، وإن لم يسكن فإنك لا تطيق رؤيتي، كما أن الجبل لا يطيق رؤيتي. وذكر القاضي عياض عن القاضي أبي بكر بن الطيب ما معناه: أن موسى عليه السلام رأى الله فلذلك خر صعقا، وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلقه الله له. واستنبط ذلك من قوله: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} . ثم قال: { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} وتجلى معناه ظهر؛ من قولك: جلوت العروس أي أبرزتها. وجلوت السيف أبرزته من الصدأ؛ جلاء فيهما. وتجلى الشيء انكشف. وقيل: تجلى أمره وقدرته؛ قاله قطرب وغيره. وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة {دَكّاً}؛ يدل على صحتها {دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر: 21] وأن الجبل مذكر. وقرأ أهل الكوفة {دَكَّاءَ} أي جعله مثل أرض دكاء، وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا. والمذكر أدك، وجمع دكاء دكاوات

ودك؛ مثل حمراوات وحمر. قال الكسائي: الدك من الجبال: العراض، واحدها أدك. غيره: والدكاوات جمع دكاء: رواب من طين ليست بالغلاظ. والدكداك كذلك من الرمل: ما التبد بالأرض فلم يرتفع. وناقة دكاء لا سنام لها. وفي التفسير: فساخ الجبل في الأرض؛ فهو يذهب فيها حتى الآن. وقال ابن عباس: جعله ترابا. عطية العوفي: رملا هائلا. {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} أي مغشيا عليه؛ عن ابن عباس والحسن وقتادة. وقيل: ميتا؛ يقال: صعق الرجل فهو صعق. وصعق فهو مصعوق. وقال قتادة والكلبي: خر موسى صعقا يوم الخميس يوم عرفة، وأعطي التوراة يوم الجمعة يوم النحر. {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} قال مجاهد: من مسألة الرؤية في الدنيا. وقيل: سأل من غير استئذان؛ فلذلك تاب. وقيل: قال على جهة الإنابة إلى الله والخشوع له عند ظهور الآيات. وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية؛ فإن الأنبياء معصومون. وأيضا عند أهل السنة والجماعة الرؤية جائزة. وعند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة، وهذا لا يقتضي التوبة. فقيل: أي تبت إليك من قتل القبطي؛ ذكره القشيري. وقد مضى في "الأنعام" بيان أن الرؤية جائزة. قال علي بن مهدي الطبري: لو كان سؤال موسى مستحيلا ما أقدم عليه مع معرفته بالله؛ كما لم يجز أن يقول له يا رب ألك صاحبة وولد. وسيأتي في "القيامة" مذهب المعتزلة والرد عليهم، إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قيل: من قومي. وقيل: من بني إسرائيل في هذا العصر. وقيل: بأنك لا ترى في الدنيا لوعدك السابق، في ذلك. وفي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فيمن صعق فأفاق قبلي أو حوسب بصفته الأولى" . أو قال "كفته صعقته الأولى" . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن كعب قال: إن الله تبارك وتعالى قسم

كلامه ورؤيته بين محمد وموسى صلى الله وسلم عليهما؛ فكلمه موسى مرتين، ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين.

الأعراف - تفسير الدر المنثور

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)

- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: على لخم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: هم لخم وجذام 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن أبي جريج فِي قَوْله {فَأتوا على قوم يعكفون على أصنام لَهُم} قَالَ: تماثيل بقر من نُحَاس فَلَمَّا كَانَ عجل السامري شبه لَهُم أَنه من تِلْكَ الْبَقر فَذَلِك كَانَ أول شَأْن الْعجل لتَكون لله عَلَيْهِم حجَّة فينتقم مِنْهُم بعد ذَلِك 0 وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله 000 قوم أنجاهم الله من الْعُبُودِيَّة وأقطعهم الْبَحْر وَأهْلك عدوهم وأراهم الْآيَات الْعِظَام ثمَّ سَأَلُوا الشّرك صراحية 0 وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل حنين فمررنا بسدرة فَقلت: يَا رَسُول الله اجْعَل لنا هَذِه ذَات أنواط كَمَا للْكفَّار ذَات أنواط وَكَانَ الْكفَّار ينوطون سِلَاحهمْ بسدرة ويعكفون حولهَا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله أكبر هَذَا كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} إِنَّكُم تَرْكَبُونَ سنَن الَّذين من قبلكُمْ 0

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق كثير بن عبد الله بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح وَنحن ألف ونيف فَفتح الله لَهُ مَكَّة وحنينا حَتَّى إِذا كُنَّا بَين حنين والطائف مَرَرْنَا بشجرةٍ دنوا عَظِيمَة سِدْرَة كَانَ يناط بهَا السِّلَاح فسميت ذَات أنواط وَكَانَت تُعبد من دون الله فَلَمَّا رَآهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صرف عَنْهَا فِي يَوْم صَائِف إِلَى ظلّ هُوَ أدنى مِنْهَا فَقَالَ لَهُ رجل: يَا رَسُول الله اجْعَل لنا ذَات أنواط كَمَا لَهُم ذَات أنواط

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّهَا السّنَن قُلْتُمْ 0 وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل {اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {متبر} قَالَ: خسران 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {متبر} قَالَ: هَالك 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هم فِيهِ وباطل} قَالَ: المتبر المخسر وَقَالَ المتبر وَالْبَاطِل سَوَاء كُله وَاحِد كَهَيئَةِ غَفُور رَحِيم وَالْعرب تَقول: إِنَّه البائس المتبر وَإنَّهُ البائس المخسر 0

- الْآيَة (142)

وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)

- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} قَالَ: ذُو القعده وَعشر من ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: زعم حضرمي أَن الثَّلَاثِينَ لَيْلَة الَّتِي وعد مُوسَى ذُو الْقعدَة وَالْعشر الَّتِي تمم الله بهَا الْأَرْبَعين لَيْلَة عشر ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا من عمل فِي أَيَّام من السّنة أفضل مِنْهُ فِي الْعشْر من ذِي الْحجَّة وَهِي الْعشْر الَّتِي أتمهَا الله لمُوسَى 0

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} يَعْنِي ذَا القعده وَعشرا من ذِي الْحجَّة خلف مُوسَى أَصْحَابه واستخلف عَلَيْهِم هرون فَمَكثَ على الطّور أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة فِي الألواح فقربه الرب نجياً وَكَلمه وَسمع صريف الْقَلَم وبلغنا أَنه لم يحدث فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة حَتَّى هَبَط من الطّور 0 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة} قَالَ: ذُو الْقعدَة {وأتممناها بِعشر} قَالَ: عشر ذِي الْحجَّة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر} قَالَ: إِن مُوسَى قَالَ لِقَوْمِهِ: إِن رَبِّي وَعَدَني ثَلَاثِينَ لَيْلَة أَن أَلْقَاهُ وأخلف هرون فِيكُم فَلَمَّا فصل مُوسَى إِلَى ربه زَاده الله عشرا فَكَانَت فتنتهم فِي الْعشْر الَّتِي زَاده الله فَلَمَّا مضى ثَلَاثُونَ لَيْلَة كَانَ السامري أبْصر جِبْرِيل فَأخذ من أثر الْفرس قَبْضَة من تُرَاب فَقَالَ حِين مضى ثَلَاثُونَ لَيْلَة: يَا بني إِسْرَائِيل إِن مَعكُمْ حليا من حلى آل فِرْعَوْن وَهُوَ حرَام عَلَيْكُم فهاتوا مَا عنْدكُمْ فنحرقها فَأتوهُ بِمَا عِنْدهم من حليهم فأوقدوا نَارا ثمَّ ألْقى الحلى فِي النَّار فَلَمَّا ذاب الحلى ألْقى تِلْكَ القبضة من التُّرَاب فِي النَّار فَصَارَ عجلاً جسداً لَهُ خوار فخار خورة وَاحِدَة لم يثن فَقَالَ السامري: إِن مُوسَى ذهب يطْلب ربكُم وَهَذَا إِلَه مُوسَى فَذَلِك قَوْله {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي} طه الْآيَة 88 يَقُول: انْطلق يطْلب ربه فضل عَنهُ وَهُوَ هَذَا فَقَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى لمُوسَى وَهُوَ يناجيه {قَالَ فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري فَرجع مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} طه الْآيَة 85 - 86 قَالَ يَعْنِي حَزينًا 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب قَالَ: قَالَ الرب تبَارك وَتَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مرْ قَوْمك أَن ينيبوا إِلَيّ ويدعوني فِي الْعشْر - يَعْنِي عشر ذِي الْحجَّة - فَإِذا كَانَ الْيَوْم الْعَاشِر فليخرجوا إليَّ أُغْفِرْ لَهُم قَالَ وهب: الْيَوْم الَّذِي طلبته الْيَهُود فأخطأوه وَلَيْسَ عدد أصوب من عدد الْعَرَب 0 وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس رَفعه لما أَتَى مُوسَى ربه وَأَرَادَ أَن يكلمهُ بعد الثَّلَاثِينَ يوماوقد صَامَ ليلهن ونهارهن فكره أَن يكلم ربه وريح فَمه ريح فَم

الصَّائِم فَتَنَاول من نَبَات الأَرْض فمضغه فَقَالَ لَهُ ربه: لم أفطرت - وَهُوَ أعلم بِالَّذِي كَانَ - قَالَ: أَي رب كرهت أَن أُكَلِّمك إِلَّا وَفِي طيب الرّيح 0 قَالَ: أوما علمت يَا مُوسَى أَن ريح فَم الصَّائِم عِنْدِي أطيب من ريح الْمسك ارْجع فَصم عشرَة أَيَّام ثمَّ إيتني 0 فَفعل مُوسَى الَّذِي أمره ربه فَلَمَّا كلم الله مُوسَى قَالَ لَهُ مَا قَالَ 0 أما قَوْله تَعَالَى: {وَلما جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلمه ربه} 0 أخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كلم الله مُوسَى يَوْم الطّور كَلمه بِغَيْر الْكَلَام الَّذِي كَلمه يَوْم ناداه فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا رب أَهَذا كلامك الَّذِي كَلَّمتنِي بِهِ قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّمَا كلمتك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان ولي قُوَّة الألسن كلهَا وَأقوى من ذَلِك فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بني إِسْرَائِيل قَالُوا: يَا مُوسَى صف لنا كَلَام الرَّحْمَن 0 فَقَالَ: لَا تستطيعونه ألم تروا إِلَى أصوات الصَّوَاعِق الَّذِي يقبل فِي أحلى حلاوة سمعتموه فَذَلِك قريب مِنْهُ وَلَيْسَ بِهِ

وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قبَّة طولهَا سِتّمائَة ذِرَاع يُنَاجِي فِيهَا ربه عز وَجل 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ قي نَوَادِر الْأُصُول عَن كَعْب قَالَ: لما كلم الله مُوسَى قَالَ: يَا رب أهكذا كلامك قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّمَا أُكَلِّمك بِقُوَّة عشرَة آلَاف لِسَان ولي قُوَّة الْأَلْسِنَة كلهَا وَلَو كلمتك بكنه كَلَامي لم تَكُ شَيْئا 0 وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن كَعْب قَالَ: لما كلم الله مُوسَى كَلمه بالألسنة كلهَا قبل كَلَامه - يَعْنِي كَلَام مُوسَى - فَجعل يَقُول: يَا رب لَا أفهم حَتَّى كَلمه آخر الْأَلْسِنَة بِلِسَانِهِ بِمثل صَوته فَقَالَ: يَا رب هَكَذَا كلامك قَالَ: لَا لَو سَمِعت كَلَامي أَي على وَجهه لم تَكُ شَيْئا 0 قَالَ: يَا رب هَل فِي خلقك شَيْء شبه كلامك قَالَ: لَا وَأقرب خلقي شبها بكلامي أَشد مَا سمع النَّاس من الصَّوَاعِق 0 وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قيل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مَا شبهت كَلَام رَبك مِمَّا خلق فَقَالَ مُوسَى: الرَّعْد السَّاكِن 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الْحُوَيْرِث عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة قَالَ: إِنَّمَا كلم الله مُوسَى بِقدر مَا يُطيق من كَلَامه وَلَو تكلم

بِكَلَامِهِ كُله لم يطقه شَيْء فَمَكثَ مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين 0 وَأخرج الديلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه لما خرج أخي مُوسَى إِلَى مُنَاجَاة ربه كَلمه ألف كلمة ومائتي كلمة فَأول مَا كَلمه بالبربرية أَن قَالَ: يَا مُوسَى وَنَفْسِي معبراً: أَي أَنا الله الْأَكْبَر 0 قَالَ مُوسَى: يَا رب أَعْطَيْت الدُّنْيَا لأعدائك ومنعتها أولياءك فَمَا الْحِكْمَة فِي ذَلِك فَأوحى الله إِلَيْهِ: أعطيتهَا أعدائي ليتمرغوا ومنعتها أوليائي ليتضرعوا 0 وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عجلَان قَالَ: كلم مُوسَى بالألسنة كُله وَكَانَ فِيمَا كَلمه لِسَان البربر فَقَالَ كَلمته بالبربرية: أَنا الله الْكَبِير 0 وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم كلم الله مُوسَى كَانَ عَلَيْهِ جُبَّة صوف وَكسَاء صوف وَسَرَاويل صوف وكمه صوف وَنَعْلَان من جلد حمَار غير ذكي 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة قَالَ: لما كلم مُوسَى ربه عز وَجل مكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين 0 وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: كَانَ مُوسَى لم يَأْتِ النِّسَاء مُنْذُ كَلمه ربه وَكَانَ قد ألبس على وَجهه برقع فَكَانَ لَا ينظر إِلَيْهِ أحد إِلَّا مَاتَ فكشف لَهَا عَن وَجهه فأخذتها من غَشيته مثل شُعَاع الشَّمْس فَوضعت يَدهَا على وَجههَا وخرت لله سَاجِدَة 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كلم الله مُوسَى من ألف مقَام فَكَانَ كلما كَلمه رأى النُّور على وَجهه ثَلَاثَة أَيَّام قَالَ: وَمَا قرب مُوسَى امْرَأَة مذ كَلمه ربه 0 وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم اللَّخْمِيّ قَالَ: قَالَت امْرَأَة مُوسَى لمُوسَى: إِنِّي أيم مِنْك مذ أَرْبَعِينَ سنة فأمتعني بنظرة 0 فَرفع البرقع عَن وَجهه فغشى وَجهه نور التمع بصرها فَقَالَت: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي زَوجتك فِي الْجنَّة 0 قَالَ: على أَن لَا تزوّجي بعدِي وَأَن لَا تأكلي إِلَّا من عمل يَديك 0 قَالَ: فَكَانَت تتبع الحصادين فَإِذا رَأَوْا ذَلِك تخاطوا لَهَا فَإِذا أحست بذلك تجاوزته 0

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو خَيْثَمَة فِي كتاب الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين كلم ربه: أَي رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: أَكْثَرهم لي ذكرا 0 قَالَ: أَي عِبَادك أحكم قَالَ: الَّذِي يقْضِي على نَفسه كَمَا يقْضِي على النَّاس 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أغْنى قَالَ: الراضي بِمَا أعْطِيه 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن 0 أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه جماعاً من الْخَيْر فَقَالَ: أصحب النَّاس بِمَا تحب أَن تصْحَب بِهِ 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى ناجى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمِائَة ألف وَأَرْبَعين ألف كلمة فِي ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا سمع مُوسَى كَلَام الْآدَمِيّين مقتهم لما وَقع فِي مسامعه من كَلَام الرب عز وَجل فَكَانَ فِيمَا ناجاه إِن قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّه لم يتصنع المتصنعون بِمثل الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَلم يتَقرَّب إليّ المتقربون بِمثل الْوَرع عَمَّا حرمت عَلَيْهِم وَلم يتعبد المتعبدون بِمثل الْبكاء من خَشْيَتِي 0 فَقَالَ مُوسَى: يَا رب وَيَا إِلَه الْبَريَّة كلهَا وَيَا مَالك يَوْم الدّين وَيَا ذَا الْجلَال والإِكرام مَاذَا أَعدَدْت لَهُم وماذا جزيتهم قَالَ: أما الزاهدون فِي الدُّنْيَا فَإِنِّي أبيحهم جنتي حَتَّى يتبوَّأوا فِيهَا حَيْثُ شاؤوا وَأما الورعون عَمَّا حرمت عَلَيْهِم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة لم يبْق عبد إِلَّا ناقشته الْحساب وفتشت عَمَّا فِي يَدَيْهِ إِلَّا الورعون فَأَنِّي أستحيهم وأجلهم وَأكْرمهمْ وأدخلهم الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَأما الباكون من خَشْيَتِي فَأُولَئِك لَهُم الرفيق الْأَعْلَى لَا يشاركهم فِيهِ أحد

وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ مُوسَى: يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك بِهِ وأدعوك بِهِ 0 قَالَ: قل يَا مُوسَى لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: يَا رب كل عِبَادك يَقُول هَذَا 000 قَالَ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا رب إِنَّمَا أُرِيد شَيْئا تخصني بِهِ 0 قَالَ: يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي وَالْأَرضين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب من أهلك الَّذين هم أهلك الَّذين تظلهم فِي

ظلّ عرشك قَالَ: هم البريئة أَيْديهم الطاهرة قُلُوبهم الَّذين يتحابون بجلالي الَّذين ذكرت ذكرُوا بِي وَإِذا ذكرُوا ذكرت بذكرهم الَّذين يسبغون الْوضُوء فِي المكاره وينيبون إِلَى ذكري كَمَا تنيب النسور إِلَى وكورها ويكلفون بحبي كَمَا يُكَلف الصَّبِي بحب النَّاس ويغضبون لمحارمي إِذا استحلت كَمَا يغْضب النمر إِذا حزب 0 وَأخرج أَحْمد عَن عمر أَن الْقصير قَالَ: قَالَ مُوسَى بن عمرَان: أَي رب أَيْن أبغيك قَالَ: ابغني عِنْد المنكسرة قُلُوبهم إِنِّي أدنوا مِنْهُم كل يَوْم باعاً وَلَوْلَا ذَلِك انهدموا 0 وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد عَن عمار بن يَاسر 0 أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب حَدثنِي بِأحب النَّاس إِلَيْك قَالَ: وَلم 000 قَالَ: لَأحبهُ لحبك أَيَّاهُ 0 فَقَالَ: عبد فِي أقْصَى الأَرْض سمع بِهِ عبد آخر فِي أقْصَى الأَرْض لَا يعرفهُ فَإِن أَصَابَته مُصِيبَة فَكَأَنَّمَا أَصَابَته وَإِن شاكته شَوْكَة فَكَأَنَّمَا شاكته مَا ذَاك إِلَّا لي فَذَلِك أحب خلقي إِلَيّ 0 قَالَ: يَا رب خلقت خلقا تدخلهم النَّار أَو تُعَذبهُمْ فَأوحى الله إِلَيْهِ: كلهم خلقي ثمَّ قَالَ: ازرع زرعا فزرعه 0 فَقَالَ: اسْقِهِ فَسَقَاهُ ثمَّ قَالَ: قُم عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِ فحصده وَرَفعه فَقَالَ: مَا فعل زرعك يَا مُوسَى قَالَ: فرغت مِنْهُ ورفعته

قَالَ: مَا تركت مِنْهُ شَيْئا قَالَ: مَا لَا خير فِيهِ 0 قَالَ: كَذَلِك أَنا لَا أعذب إِلَّا من لَا خير فِيهِ 0 وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب أَخْبرنِي بأكرم خلقك عَلَيْك 0 قَالَ: الَّذِي يسْرع إِلَى هواي إسراع النسْر إِلَى هَوَاهُ وَالَّذِي يُكَلف بعبادي الصَّالِحين كَمَا يُكَلف الصَّبِي بِالنَّاسِ وَالَّذِي يغْضب إِذا انتهكت محارمي غضب النمر لنَفسِهِ فَإِن النمر إِذا غضب لم يبال أَقَلَّ النَّاس أم كَثُرُوا 0 وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة مَوْقُوفا

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ربه عزَّ وَجل فَقَالَ: أَي عِبَادك أغْنى قَالَ: الَّذِي يقنع بِمَا يُؤْتى 0 قَالَ: فَأَي عِبَادك أحكم قَالَ: الَّذِي يحكم للنَّاس بِمَا يحكم لنَفسِهِ قَالَ: فأيّ عِبَادك أعلم قَالَ: أخشاهم 0 وَأخرج أَبُو بكر بن أبي عَاصِم فِي كتاب السّنة وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يمشي ذَات يَوْم فِي طَرِيق فناداه الْجَبَّار عز وَجل: يَا مُوسَى 0 فَالْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير أحدا 000 ثمَّ ناداه الثَّانِيَة: يَا مُوسَى

بن عمرَان 0 فَالْتَفت يَمِينا وَشمَالًا فَلم ير أحد وارتعدت فرائصه ثمَّ نُودي الثالثه يَا مُوسَى بن عمرَان إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فَقَالَ: لبيْك لبيْك فَخر لله تَعَالَى سَاجِدا فَقَالَ: ارْفَعْ رَأسك يَا مُوسَى بن عمرَان فَرفع رَأسه فَقَالَ: يَا مُوسَى إِن أَحْبَبْت أَن تسكن فِي ظلّ عَرْشِي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي كن كَالْأَبِ الرَّحِيم وَكن للأرملة كالزوج العطوف يَا مُوسَى بن عمرَان أرْحم ترحم يَا مُوسَى كَمَا تدين تدان يَا مُوسَى نبأ بني إِسْرَائِيل أَنه من لَقِيَنِي وَهُوَ جَاحد بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدخلته النَّار 0 فَقَالَ: وَمن أَحْمد فَقَالَ: يَا مُوسَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خلقت خلقا أكْرم عليَّ مِنْهُ كتبت اسْمه مَعَ اسْمِي فِي الْعَرْش قبل أَن أخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر بألفي سنة وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِن الْجنَّة مُحرمَة على جَمِيع خلقي حَتَّى يدخلهَا مُحَمَّد وَأمته 0 قَالَ مُوسَى: وَمن أمة أَحْمد قَالَ: أمته الْحَمَّادون يحْمَدُونَ صعُودًا وهبوطاً وعَلى كل حَال يشدون أوساطهم ويطهرون أَطْرَافهم صائمون بِالنَّهَارِ رُهْبَان بِاللَّيْلِ أقبل مِنْهُم الْيَسِير وأدخلهم الْجنَّة بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله 0 قَالَ: إجعلني نَبِي تِلْكَ الْأمة 0 قَالَ: نبيها مِنْهَا 0 قَالَ: إجعلني من أمة ذَلِك النَّبِي

قَالَ: استقدمت واستأخر يَا مُوسَى وَلَكِن سأجمع بَيْنك وَبَينه فِي دَار الْجلَال

وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إلهي مَا جَزَاء من ذكرك بِلِسَانِهِ وَقَلبه قَالَ: يَا مُوسَى أظلهُ يَوْم الْقِيَامَة بِظِل عَرْشِي وأجعله فِي كنفي 0 قَالَ: يَا رب أَي عِبَادك أَشْقَى قَالَ: من لَا تَنْفَعهُ موعظة وَلَا يذكرنِي إِذا خلا 0 وَأخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب مَا جَزَاء من آوى يَتِيما حَتَّى يَسْتَغْنِي أَو كفل أرملة قَالَ: أسْكنهُ جنتي وأظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي 0 وَأخرج ابْن شاهين فِي التَّرْغِيب عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب مَا لمن عزى الثكلى قَالَ: أظلهُ بظلي يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظِلِّي 0 وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس فِي كتاب الْعلم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما قرب مُوسَى نجياً أبْصر فِي ظلّ الْعَرْش رجلا فغبطه بمكانه فَسَأَلَ عَنهُ فَلم يخبر باسمه وَأخْبر بِعَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ: هَذَا رجل كَانَ لَا يحْسد النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله بر بالوالدين لَا يمشي بالنميمة 0 فَقَالَ الله: يَا مُوسَى مَا جِئْت تطلب قَالَ: جِئْت

أطلب الْهدى يَا رب 0 قَالَ: قد وجدت يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَغفر لي مَا مضى من ذُنُوبِي وَمَا غبر وَمَا بَين ذَلِك وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني وَأَعُوذ بك من وَسْوَسَة نَفسِي وَسُوء عَمَلي 0 فَقيل لَهُ: قد كفيت يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَي الْعَمَل أحب إِلَيْك أَن أعمله قَالَ: اذْكُرْنِي يَا مُوسَى 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أتقى قَالَ: الَّذِي يذكرنِي وَلَا ينساني 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أغْنى قَالَ الَّذِي يقنع بِمَا يُؤْتى قَالَ: رب أَي عِبَادك أفضل قَالَ: الَّذِي يقْض بِالْحَقِّ وَلَا يتبع الْهوى قَالَ: رب أَي عِبَادك أعلم قَالَ: الَّذِي يطْلب علم النَّاس إِلَى علمه لَعَلَّه يسمع كلمة تدله على هدى أَو ترده عَن ردى 0 قَالَ: رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك عملا قَالَ: الَّذِي لَا يكذب لِسَانه وَلَا يَزْنِي فرجه وَلَا يفجر قلبه 0 قَالَ: رب ثمَّ أَي على أثر هَذَا قَالَ: قلب مُؤمن فِي خلق حسن قَالَ: رب أَي عِبَادك أبْغض إِلَيْك قَالَ: قلب كَافِر فِي خلق سيِّىء 0 قَالَ: رب ثمَّ أَي على أثر هَذَا قَالَ: جيفة بِاللَّيْلِ بطال بِالنَّهَارِ

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد 0 أَن الله أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا ذَكرتني فاذكرني وَأَنت تنتفض أعضاؤك وَكن عِنْد ذكري خَاشِعًا مطمئناً وَإِذا ذَكرتني فَاجْعَلْ لسَانك وَرَاء قَلْبك وَإِذا قُمْت بَين يَدي فَقُمْ مقَام العَبْد الحقير الذَّلِيل وذمَّ نَفسك فَهِيَ أولى بالذم وناجني حِين تناجيني بقلب وَجل ولسان صَادِق 0 وَأخرج أَحْمد عَن قسي رجل من أهل الْكتاب قَالَ: إِن الله أوحى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا مُوسَى إِن جَاءَك الْمَوْت وَأَنت على غير وضوء فَلَا تلومن إِلَّا نَفسك 0 قَالَ: وَأوحى إِلَيْهِ أَن الله تبَارك وَتَعَالَى يدْفع بِالصَّدَقَةِ سبعين بَابا من السوء مثل الْغَرق والحرق والسرق وَذَات الْجنب 0 قَالَ: وَقَالَ لَهُ: وَالنَّار قَالَ: وَالنَّار 0 وَأخرج أَحْمد عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن عَلِّم الْخَيْر وتعلمه فَأَنِّي منوّر لمعلم الْخَيْر ومتعلمه فِي قُبُورهم حَتَّى لَا يستوحشوا لِمَكَانِهِمْ 0 وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما ارْتقى مُوسَى طور سينا رأى الْجَبَّار فِي أُصْبُعه خَاتمًا قَالَ: يَا مُوسَى مَا هَذَا - وَهُوَ أعلم بِهِ - قَالَ: شَيْء من حلي الرِّجَال يَا رب 0 قَالَ: فَهَل عَلَيْهِ شَيْء من أسمائي مَكْتُوب أَو كَلَامي قَالَ: لَا 0 قَالَ: فَاكْتُبْ عَلَيْهِ {لكل أجل كتاب} الرَّعْد 38 0

وَأخرج االحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عَطاء قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أيتمت الصَّبِي من أَبَوَيْهِ وتدعه هَكَذَا قَالَ: يَا مُوسَى أما ترْضى بِي كافلاً

 

وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن عَطاء قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: أعلمهم بِي 0 وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب إِنَّهُم سيسألنني كَيفَ كَانَ بدؤك قَالَ: فَأخْبرهُم إِنِّي أَنا الْكَائِن قبل كل شَيْء والمكوّن لكل شَيْء والكائن بعد كل شَيْء

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجلد

أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ ربه قَالَ: أَي رب أنزل عليَّ آيَة محكمَة أَسِير بهَا فِي عِبَادك

فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى أَن أذهب فَمَا أَحْبَبْت أَن يَأْتِيهِ عبَادي إِلَيْك فأته إِلَيْهِم

وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة

أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: أَي رب أَي شَيْء وضعت فِي الأَرْض أقل قَالَ: الْعدْل أقل مَا وضعت فِي الأَرْض

وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أَي النَّاس أتقى قَالَ: الَّذِي يذكر وَلَا ينسى

قَالَ: فَأَي النَّاس أعلم قَالَ: الَّذِي يَأْخُذ من علم النَّاس إِلَى علمه

وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: من أذكر بِرُؤْيَتِهِ

قَالَ: أَي رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك الَّذين يعودون المرضى ويعزون الثكلى ويشيعون الهلكى

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: لما قيل للجبال أَنه يُرِيد أَن يتجلى تطاولت الْجبَال كلهَا وتواضع الْجَبَل الَّذِي تجلى لَهُ

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق أَحْمد بن أبي الْحوَاري عَن أبي سُلَيْمَان قَالَ: إِن الله اطلع فِي قُلُوب الْآدَمِيّين فَلم يجد قلباً أَشد تواضعاً من قلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فخصه بالْكلَام لتواضعه

قَالَ

وَقَالَ غير أبي سُلَيْمَان: أوحى الله إِلَى الْجبَال: إِنِّي مُكَلم عَلَيْك عبدا من عَبِيدِي

فتطاولت الْجبَال ليكلمه عَلَيْهَا وتواضع الطّور

قَالَ: إِن قدر شَيْء كَانَ قَالَ: فَكَلمهُ عَلَيْهِ لتواضعه

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَلَاء بن كثيِّر قَالَ: إِن الله تَعَالَى قَالَ: يَا مُوسَى أَتَدْرِي لم كلمتك قَالَ: لَا يَا رب

قَالَ: لِأَنِّي لم أخلق خلقا تواضع لي تواضعك

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن نوف الْبكالِي قَالَ: أوحى الله إِلَى الْجبَال إِنِّي نَازل على جبل مِنْكُم قَالَ: فشمخت الْجبَال كلهَا إِلَّا جبل الطّور فَإِنَّهُ تواضع

قَالَ: أرْضى بِمَا قسم لي فَكَانَ الْأَمر عَلَيْهِ

وَفِي لفظ قَالَ: إِن قدر لي شَيْء فسيأتيني فَأوحى الله: إِنِّي سَأُنْزِلُ عَلَيْك بتواضعك لي ورضاك بِقُدْرَتِي

وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي خَالِد الأحمق قَالَ: لما كلم الله تَعَالَى مُوسَى عرض إِبْلِيس على الْجَبَل فَإِذا جِبْرِيل قد وافاه فَقَالَ: أخّر يَا لعين ايش تعْمل هَهُنَا قَالَ: جِئْت أتوقع من مُوسَى مَا توقعت من أَبِيه

فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: أخر يَا لعين

ثمَّ قعد جِبْرِيل يبكي حِيَال مُوسَى فأنطق الله الْجُبَّة فَقَالَت: يَا جِبْرِيل ايش هَذَا الْبكاء قَالَ: إِنِّي فِي الْقرب من الله وَإِنِّي لأشتهي أَن اسْمَع كَلَام الله كَمَا يسمعهُ مُوسَى

قَالَت الْجُبَّة: يَا جِبْرِيل أَنا جُبَّة مُوسَى وَأَنا على جلد مُوسَى أَنا أقرب إِلَى مُوسَى أَو أَنْت يَا جِبْرِيل أَنا لَا أسمع ماتسمعه أَنْت

 

- الْآيَة (143)

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)

وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ رب أَرِنِي} يَقُول: أَعْطِنِي أنظر إِلَيْك

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {قَالَ رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ: لما سمع الْكَلَام طمع فِي الرُّؤْيَة

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حِين قَالَ مُوسَى لرَبه تبَارك وَتَعَالَى {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ الله لَهُ: يَا مُوسَى إِنَّك لن تراني

قَالَ: يَقُول: لَيْسَ تراني

قَالَ: لَا يكون ذَلِك أبدا يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني أحدا فيحيا

فَقَالَ مُوسَى: رب أَن أَرَاك ثمَّ أَمُوت أحبُ إليَّ من أَن لَا أَرَاك ثمَّ أَحْيَا

فَقَالَ الله لمُوسَى: يَا مُوسَى أنظر إِلَى الْجَبَل الْعَظِيم الطَّوِيل الشَّديد {فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ} يَقُول: فَإِن ثَبت مَكَانَهُ

لم يتضعضع وَلم ينهد لبَعض مَا يرى من عظمى {فَسَوف تراني} أَنْت لضعفك وذلتك وَإِن الْجَبَل تضعضع وأنهد بقوّته وشدته وعظمه فَأَنت أَضْعَف وأذل

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك} قَالَ قَالَ الله عر وَجل: يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني حَيّ إِلَّا مَاتَ وَلَا يَابِس إِلَّا تدهده وَلَا رطب إِلَّا تفرق وَإِنَّمَا يراني أهل الْجنَّة الَّذين لَا تَمُوت أَعينهم وَلَا تبلى أَجْسَادهم

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لن تراني وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل فَإِنَّهُ أكبر مِنْك وَأَشد خلقا

قَالَ {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} فَنظر إِلَى الْجَبَل لَا يَتَمَالَك وَأَقْبل الْجَبَل يندك على أوّله فَلَمَّا رأى مُوسَى مَا يصنع الْجَبَل خرَّ مُوسَى صعقاً

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أوحى الله إِلَى مُوسَى بن عمرَان: إِنِّي مكلمك على جبل طور سيناء صَار من مقَام مُوسَى إِلَى جبل طور سيناء أَرْبَعَة فراسخ فِي أَرْبَعَة فراسخ رعد وبرق وصواعق فَكَانَت لَيْلَة قر فجَاء مُوسَى حَتَّى وقف بَين يَدي صَخْرَة جبل طور سيناء فَإِذا هُوَ بشجرة خضراء المَاء يقطر مِنْهَا وتكاد النَّار تلفح من جوفها فَوقف مُوسَى مُتَعَجِّبا فَنُوديَ من جَوف الشَّجَرَة: يَا مِيشَا

فَوقف مُوسَى مستمعاً للصوت

 

فَقَالَ مُوسَى: من هَذَا الصَّوْت العبراني يكلمني فَقَالَ الله لَهُ: يَا مُوسَى إِنِّي لست بعبراني إِنِّي أَنا الله رب الْعَالمين

فَكلم الله مُوسَى فِي ذَلِك الْمقَام بسبعين لُغَة لَيْسَ مِنْهَا لُغَة إِلَّا وَهِي مُخَالفَة للغة الْأُخْرَى وَكتب لَهُ التَّوْرَاة فِي ذَلِك الْمقَام فَقَالَ مُوسَى: إلهي أَرِنِي أنظر إِلَيْك

قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّه لَا يراني أحد إِلَّا مَاتَ

فَقَالَ مُوسَى: إلهي أَرِنِي أنظر إِلَيْك وأموت فَأجَاب مُوسَى جبل طور سيناء: يَا مُوسَى بن عمرَان لقد سَأَلت أمرا عَظِيما لقد ارتعدت السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ والأرضون السَّبع وَمن فِيهِنَّ وزالت الْجبَال واضطربت الْبحار لعظم مَا سَأَلت يَا ابْن عمرَان

فَقَالَ مُوسَى وَأعَاد الْكَلَام: رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك

فَقَالَ: يَا مُوسَى أنظر إِلَى الْجَبَل فَإِن اسْتَقر مَكَانَهُ فَإنَّك تراني {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرّ مُوسَى صعقاً} مِقْدَار جُمُعَة فَلَمَّا أَفَاق مُوسَى مسح التُّرَاب عَن وَجهه وَهُوَ يَقُول {سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} فَكَانَ مُوسَى بعد مقَامه لَا يرَاهُ أحد إِلَّا مَاتَ وَاتخذ مُوسَى على وَجهه البرقع فَجعل يكلم النَّاس بقفاه فَبينا مُوسَى ذَات يَوْم فِي الصَّحرَاء فَإِذا هُوَ

بِثَلَاثَة نفر يحفرون قبراً حَتَّى انْتَهوا إِلَى الضريح فجَاء مُوسَى حَتَّى أشرفع عَلَيْهِم فَقَالَ لَهُم: لمن تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْر قَالُوا لَهُ: الرجل كَأَنَّهُ أَنْت أَو مثلك أَو فِي طولك أَو نَحْوك

فَلَو نزلت فقدرنا عَلَيْك هَذَا الضريح

فَنزل مُوسَى فتمدد فِي الضريح فَأمر الله الأَرْض فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِ

وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة من طرق عَن أنس بن مَالك

أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ وَوضع طرف إبهامه على أُنْمُلَة الْخِنْصر

وَفِي لفظ: على الْمفصل الْأَعْلَى من الْخِنْصر فساخ الْجَبَل {وخرّ مُوسَى صعقاً} وَفِي لفظ: فساخ الْجَبَل فِي الأَرْض فَهُوَ يهوي فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ثَابت عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ أظهر مِقْدَار هَذَا وَوضع الإِبهام على خنصر الْأصْبع الصُّغْرَى فَقَالَ حميد: يَا أَبَا مُحَمَّد مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا فَضرب فِي صَدره وَقَالَ: من أَنْت يَا حميد وَمَا أَنْت يَا حميد يحدثني أنس بن مَالك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول أَنْت: مَا تُرِيدُ إِلَى هَذَا

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجَبَل الَّذِي أَمر الله أَن ينظر إِلَيْهِ: الطّور

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ: مَا تجلى مِنْهُ إِلَّا قدر الْخِنْصر {جعله دكاً} قَالَ: تُرَابا {وخرّ مُوسَى صعقاً} قَالَ: مغشياً عَلَيْهِ

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما تجلى الله لمُوسَى كَانَ يبصر دَبِيب النملة على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء من مسيرَة عشرَة فراسخ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك

أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما تجلى الله للجبل طارت لعظمته سِتَّة أجبل فَوَقَعت ثَلَاثَة بِالْمَدِينَةِ أحد وورقان ورضوى

وبمكة حراء وثبير وثور

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس

أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما تجلى الله لمُوسَى تطايرت سَبْعَة جبال

فَفِي الْحجاز مِنْهَا خَمْسَة وَفِي الْيمن إثنان فِي الْحجاز أحد وثبير وثور وورقان وَفِي الْيمن حصور وصير

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: اسْمَع مُوسَى قَالَ لَهُ: إِنِّي أَنا الله قَالَ: وَذَاكَ عَشِيَّة عَرَفَة وَكَانَ الْجَبَل بالموقف فَانْقَطع على سبع قطع

قِطْعَة سَقَطت بَين يَدَيْهِ وَهُوَ الَّذِي يقوم الإِمام عِنْده فِي الْموقف يَوْم عَرَفَة وبالمدينة ثَلَاثَة طيبَة وَأحد ورضوى وطور سيناء بِالشَّام

وَإِنَّمَا سمي الطّور: لِأَنَّهُ طَار فِي الْهَوَاء إِلَى الشَّام

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ أخرج خِنْصره

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكا} مثقلة ممدودة

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {دكاً} منوّنة وَلم يمده

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا تجلى ربه للجبل طارت لعظمته سِتَّة أجبل فوقعن بِالْمَدِينَةِ أحد وورقان ورضوى وَوَقع بِمَكَّة ثَوْر وثبير وحراء

وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس

أَن مُوسَى لما كَلمه ربه أحب أَن ينظر إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ {لن تراني وَلَكِن انْظُر إِلَى الْجَبَل} قَالَ: فحف حول الْجَبَل بِالْمَلَائِكَةِ وحف حول الْمَلَائِكَة بِنَار وحف حول النَّار بِالْمَلَائِكَةِ وحف حَولهمْ بِنَار ثمَّ تجلى رَبك للجبل تجلى مِنْهُ مثل الْخِنْصر فَجعل الْجَبَل دكاً وخر مُوسَى صعقاً فَلم يزل صعقاً مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه أَفَاق فَقَالَ {سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي أوّل الْمُؤمنِينَ من بني إِسْرَائِيل

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل} قَالَ: كشف بعض الْحجب

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: كَانَ حجرا أَصمّ فَلَمَّا تجلى لَهُ صَار تَلا تُرَابا دكاً من الدكوات

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان فِي قَوْله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: ساخ الْجَبَل إِلَى الأَرْض حَتَّى وَقع فِي الْبَحْر فَهُوَ يذهب بعد

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي معشر قَالَ: مكث مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَة لَا ينظر إِلَيْهِ أحد إِلَّا مَاتَ من نور رب الْعَالمين ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله {فَلَمَّا تجلى ربه للجبل جعله دكاً} قَالَ: تُرَابا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: كَانَت الْجبَال قبل أَن يتجلى الله لمُوسَى على الطّور صمًّا ملساً لَيْسَ فِيهَا كهوف وَلَا شقوق فَلَمَّا تجلى الله لمُوسَى على الطّور صَار الطّور دكاً وتفطرت الْجبَال فَصَارَت فِيهَا هَذِه الكهوف والشقوق

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {دكاً} قَالَ: الأَرْض المستوية

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {جعله دكاً} قَالَ: دك بعضه بَعْضًا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وخر مُوسَى صعقاً} قَالَ: غشي عَلَيْهِ إِلَّا أَن روحه فِي جسده {فَلَمَّا أَفَاق قَالَ} لعظم مَا رأى {سُبْحَانَكَ} تَنْزِيها الله من أَن يرَاهُ {تبت إِلَيْك} رجعت عَن الْأَمر الَّذِي كنت عَلَيْهِ {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} يَقُول: أول المصدقين الْآن أَنه لَا يراك أحد

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَأَنا أوّل الْمُؤمنِينَ} يَقُول: أَنا أول من يُؤمن أَنه لَا يراك شَيْء من خلقك

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وخر مُوسَى صعقاً} أَي مَيتا {فَلَمَّا أَفَاق} قَالَ: فَلَمَّا رد عَلَيْهِ روحه وَنَفسه {قَالَ سُبْحَانَكَ تبت إِلَيْك وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} أَنه لن تراك نفس فتحيا وإليها يفزع كل عَالم

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تبت إِلَيْك} قَالَ: من سُؤَالِي إياك الرُّؤْيَة {وَأَنا أول الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أول قومِي إِيمَانًا

وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَأَنا أوّل الْمُؤمنِينَ} قَالَ: قد كَانَ إِذن قبله مُؤمنُونَ وَلَكِن يَقُول: أَنا أول من آمن بِأَنَّهُ لَا يراك أحد من خلقك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تخيروني من بَين الْأَنْبِيَاء فَإِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول

من يفِيق فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي أم جوِزيَ بصعقة الطّور

 التدوين

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)  وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)=====
آيات ورد فيها "وجاوزنا"
    وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴿١٣٨ الأعراف﴾
    وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿٩٠ يونس﴾
    ... مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا ... ﴿٢٤٩ البقرة﴾
    فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَبًا ﴿٦٢ الكهف﴾
    أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴿١٦ الأحقاف﴾

كلمات ذات صلة - جَاوَزَهُ وَجَاوَزْنَا جَاوَزَا وَنَتَجَاوَزُ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...