القران كاملا مشاري

حمل المصحف بكل صيغه

 حمل المصحف

Translate

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 5 يناير 2023

نشأة الكون ونظرية الانفجار العظيم من القران ثم مما أثبته العلم الحديث

نشأة الكون ونظرية الانفجار العظيم من القران ثم مما أثبته العلم الحديث
الانفجار العظيم
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
رتْقاً: الرَّتْقُ ضدّ الفتْقُ.
وقال ابن سيده: الرَّتْقُ إلحام الفتْقِ وإصلاحه، رتَقَه يرتُقُه ويرتِقُه رتقاً فارتتق أي التَأَم.
ففتقناهما: الفتقُ خلاف الرتق، فتقه يفتقُّه فتقاً: شقه.
الفتق: انفلاق الصبح.
فهم المفسرين:
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}.
اختلف المفسرون في المراد بالرتق والفتق على أقوال:
أحدها: وهو قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير ورواية عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أن المعنى كانتا شيئاً واحداً ملتصقتين ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرّ الأرض، وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء لأنه تعالى لما فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية، قال كعب: "خلق الله السموات والأرض ملتصقتين ثم خلق ريحاً توسطتهما ففتقهما بها".
وثانيها: وهو قول أبي صالح ومجاهد أن المعنى: كانت السموات مرتفعة فجُعلت سبع سموات وكذلك الأرضون.
وثالثها: وهو قول ابن عباس والحسن وأكثر المفسرين أن السموات والأرض كانتا رتقاً بالاستواء والصلابة، ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات والشجر، ونظيره قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}. ورجحوا هذا الوجه على سائر الوجوه بقوله بعد ذلك: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، ولا يكون كذلك إلا إذا كان المراد ما ذكرنا.
ورابعها: قول أبي مسلم الأصفهاني: يجوز أن يراد بالفتق: الإيجاد والإظهار كقوله: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وكقوله: {قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ}، فأخبر عن الإيجاد بلفظ الفتق، وعن الحال قبل الإيجاد بلفظ الرتق.
أقول (أي الرازي): وتحقيقه أن العدم نفي محض، فليس فيه ذوات مميزة وأعيان متباينة، بل كأنه أمر واحد متصل متشابه فإذا وجدت الحقائق، فعند الوجود والتكون يتميز بعضها عن بعض، وينفصل بعضها عن بعض فبهذا الطريق حَسُنَ جعل الرتق مجازاً عن العدم والفتق عن الوجود".
قال الطبري في تفسير الآية أيضاً:
"وقوله: "ففتقناهما" يقول: فصدعناهما وفرجناهما ثم اختلف أهل التأويل في معنى وصف الله السموات والأرض بالرتق، وكيف كان الرتق وبأي معنى فتق؟
فقال بعضهم: عنى بذلك أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين ففصل الله بينهما بالهواء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك أن السموات كانت مرتتقة طبقة ففتقها الله فجعلها سبع سموات وكذلك الأرض كانت كذلك مرتتقة ففتقها فجعلها سبع أرضين. وهو مروي عن مجاهد وأبي صالح والسدّي.
وقال آخرون: بل عُني بذلك أن السموات كانتا رتقاً لا تمطر، والأرض كذلك رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، وهو مروي عن عكرمة وعطية وابن زيد.
قال أبو جعفر "الطبري": وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: ألم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات ففتقنا السماء بالغيث والأرض بالنبات، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب في ذلك لدلالة قوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" على ذلك".
ورجّح هذا القول القرطبي في تفسيره أيضاً.
مقدمة تاريخية:
يمكن العودة بأولى تصورات الإنسان لنشأة الكون إلى العصر الحجري أي قبل مئات الآلاف من السنين، حيث سيطرت الخرافة على خيال الإنسان وتطور العقل البشري عند المصريين القدامى والبابليين الذي تجلى عندهم الربط بين أزلية الكون والآلهة المتعددة المسيطرة عليه، وقد حاول فلاسفة الإغريق والرومان وضع نظريات للظواهر الكونية بينما ساد علم التنجيم الحضارتين الهندية والصينية.
إن الخاصية العامة التي طبعت تصورات الكون عند الحضارات القديمة هي ارتباطها بعالم الآلهة واعتقادها الراسخ بوجود اختلاف أساسي بين الأرض والسماء، مما لم يسمح بوضع نظريات عن الكون وكيفية نشأته، لكن بعد التطورات الهامة التي شهدتها الإنسانية في بداية القرن العشرين في المجال الفلكي (Cosmology) على الصعيد النظري، مع نظرية النسبية العامة التي وضعت الإطار الرياضي الصحيح لدراسة الكون، وكذلك على الصعيد الرصدي مع الاكتشافات الرائعة لأسرار الفضاء، كان لا بد من وضع نظرية عامة تقوم بإدماج تلك المعطيات مقدمة تصوراً موحداً ومتجانساً قصد تفسير أهم الظواهر الكونية ومنها نشأة الكون.
لقد اقترح القس البلجيكي "جورج لو ميتر" (George Le Maitre) سنة 1927 صورة جديدة لنشأة الكون وتطوره وقد وافقه على ذلك جورج غاموف (George Gamov) الفيزيائي الأمريكي (من أصل روسي) الذي قدّم أفكاراً طورت نظرية (لو ميتر).
حقائق علمية:
- في عام 1927 عرض العالم البلجيكي: "جورج لو ميتر" (George Le Maitre) نظرية الانفجار العظيم والتي تقول بأن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل المتآتي من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فتق الكتلة الغازية وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرّات.
- في عام 1964 اكتشف العالمان "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سُمّيت بالنور المتحجّر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.
- في سنة 1989 أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية "نازا" (NASA) قمرها الاصطناعي Cobe explorer والذي أرسل بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة تؤكد نظرية الانفجار العظيم وما التقطه كل من بنزياس وويلسن.
- وفي سنة 1986 أرسلت المحطات الفضائية السوفياتية معلومات تؤيد نظرية الانفجار العظيم.
التفسير العلمي:
إن مسألة نشأة الكون من القضايا التي تكلّم فيها الفلاسفة والعلماء ولكنها كانت خبط عشواء، فلقد تعددت النظريات والتصورات إلى أن تحدث عالم الفلك البلجيكي "جورج لو ميتر" (George Le Maitre) سنة 1927 عن أن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة أسماها البيضة الكونية.
ثم حصل في هذه الكتلة، بتأثير الضغط الهائل المنبثق من شدة حرارتها، انفجار عظيم فتتها وقذفها مع أجزائها في كل اتجاه فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرات.
ولقد سمى بعض العلماء هذه النظرية بالانفجار العظيم “Big Bang” وبحسب علماء الفيزياء الفلكية اليوم فإن الكون بعد جزء من المليارات المليارات من الثانية (10 -43)، ومنذ حوالي خمسة عشر مليار سنة تقريباً كان كتلة هائلة شديدة الحرارة بحجم كرة لا يبلغ قطرها جزءاً من الألف من السنتيمتر.
وفي عام 1840 أيد عالم الفلك الأمريكي (من أصل روسي) جورج غاموف (George Gamov) نظرية الانفجار العظيم: “Big Bang”، مما مهد الطريق لكل من العالمين "بانزياس" Penziaz و"ويلسون" Wilson سنة 1964 اللذين التقطا موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الخصائص الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، لا تتغير مع الزمن أو الاتجاه، فسميت "النور المتحجّر" أي النور الآتي من الأزمنة السحيقة وهو من بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.
وفي سنة 1989 أرسلت وكالة الفضاء الأمريكية “NASA” قمرها الاصطناعي “Cobe explorer” والذي قام بعد ثلاث سنوات بإرسال معلومات دقيقة إلى الأرض تؤكد نظرية الانفجار العظيم، وسمّي هذا الاكتشاف باكتشاف القرن العشرين. هذه الحقائق العلمية ذكرها كتاب المسلمين "القرآن" منذ أربعة عشر قرناً، حيث تقول الآية الثلاثون من سورة الأنبياء: {أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}.
ومعنى الآية أن الأرض والسموات بما تحويه من مجرات وكواكب ونجوم والتي تشكل بجموعها الكون الذي نعيش فيه كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة وقوله تعالى {رتقاً} أي ملتصقتين، إذ الرتق هو الالتصاق ثم حدث لهذه الكتلة الواحدة "فتق" أي انفصال وانفجار تكونت بعده المجرات والكواكب والنجوم، وهذا ما كشف عنه علماء الفلك في نهاية القرن العشرين.
أو ليس هذا التوافق مدهشاً للعقول، يدعوها للبحث عن خالق هذا الكون، مسبب الأسباب؟
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}.
مراجع علمية:
قد ذكرت الموسوعة البريطانية انه في عام 1963، كلفت مختبرات “Bell” العالِمان أرنو بنزياس و روبرت ويلسون باتباع أثر موجات الراديو التي تشوش على تقدم اتصالات الأقمار الاصطناعية. اكتشف العالِمان "بنزياس" و "ويلسون" أنه كيفما كان اتجاه محطة البث فإنه يلتقط دائماً موجات ذات طاقة مشوشة خفيفة، حتى ولو كانت السماء صافية، أسهل حل كان إعادة النظر في تصميم اللاقطات لتصفي الموجات من التشويش، ولكنهما ظلوا يتتبعون أثر هذه الموجات المشوشة، فكان اكتشافهم المهم للموجات الفضائية التي أثبتت نظرية الانفجار العظيم.
بنزياس و ويلسون ربحوا جائزة نوبل في الفيزياء على هذا الاكتشاف سنة 1978.
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو تقريرها بأن نشأة الكون بدأت إثر الانفجار العظيم بعد أن كان كتلة واحدة متصلة، وهذا ما أوضحته وأكدته دراسات الفلكيين وصور الأقمار الاصطناعية في نهاية القرن العشرين.
توسع الكون
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
أيد: الأيْدُ والآدُ جميعاً: القوة.
ومنه قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ}.
أي ذا القوة.
وآدَ يئيد أيداً. إذا اشتدَّ وقوِي.
والتأييد مصدر أيّدته أي قوّيتُه.
قال الله تعالى: {إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أي قوّيتُكَ.
قال أبو الهيثم: آد يئيد إذا قوِيَ، وأيَدَ يُؤيدُ إياداً إذا صار ذا أيدٍ، ورجل أيِّدٌ بالتشديد أي قويٌّ.
موسعون: السَّعَة نقيض الضيق.
وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أراد جعلنا بينها وبين الأرض سعَة.
فهم المفسرين:
إنه من دواعي الفخر أن نعلم أن علماء التفسير والعقيدة الإسلامية قد أدركوا ضرورة وجود إمكانية لتوسع الكون، حيث نجد في كتاب تهافت التهافت لابن رشد الحفيد مناظرة بين طروحات أبي حامد الغزالي الذي يتكلم بلسان علماء العقيدة المتكلمين، وردود أبي الوليد ابن رشد الذي يتكلم بلسان الفلاسفة.
لقد طرح أبو حامد الغزالي السؤال: "هل كان الله قادراً على أن يخلق العالم أكبر مما هو عليه؟ فإن أجيب بالنفي فهو تعجيز لله وإن أجيب بالإثبات ففيه اعتراف بوجود خلاء خارج العالم كان يمكن أن تقع فيه الزيادة لو أراد الله أن يزيد في حجم العالم عما هو عليه"، أما ابن رشد الذي يلتزم موقف الفلاسفة اليونانيين، فإنه يرى أن "زيادة حجم العالم أو نقصه عما هو عليه مستحيل لأن هذا التجويز إذا قام فلا مبرر لإيقافه عند حد، وإذن فيلزم تجويز زيادات لا نهاية لها".
إنه من الواضح في هذه المناظرة أنه رغم عدم توفر المعلومات التفصيلية عن فيزياء الكون والقوى العاملة فيه إلا أن المتكلمين المسلمين حين اشتدوا إلى أصول العقيدة الإسلامية المستنبطة بشكل صحيح من القرآن فإنهم توصّلوا إلى فهم مسائل عويصة منها مسألة توسع الكون والتي هي قضية مستحدثة في الاستنباط العلمي في القرن العشرين الميلادي، بينما هذه المناظرة تمت في القرن السادس الميلادي.
وقال ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}: أي: "قد وسّعنا أرجاءها، فرفعناها بغير عمد حتى استقلّت كما هي".
حقائق علمية:
في عام 1929 شاهد عالم الفلك الأمريكي "إدوين هابل" بواسطة التلسكوب أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات هائلة.
إن حركة ابتعاد المجرات ناتجة عن توسع الفضاء (الكون) وامتداده.
التفسير العلمي:
يقول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47].
تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن الكون المعبّر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، يدل على ذلك لفظ "موسعون" فهو اسم فاعل بصيغة الجمع لفعل أوسع وهو يفيد الاستمرار، لكن القرآن لم يبين تفاصيل الاتساع وإنما أورده مجملاً، وإذا عدنا إلى علماء التفسير الأقدمين نجدهم قد تعرضوا لهذه القضية، فالإمام أبو حامد الغزالي طرح هذه القضية في كتابه تهافت الفلاسفة حيث قال: "هل كان الله قادراً على أن يخلق العالم أكبر مما هو عليه؟ فإن أجيب بالنفي فهو تعجيز لله، وإن أجيب بالإثبات ففيه اعتراف بوجود خلاء خارج العالم كان يمكن أن تقع فيه الزيادة لو أراد الله أن يزيد في حجم العالم عما هو عليه".
ولكن ماذا يقول علم الفلك الحديث في هذا الموضوع؟
في عام 1929 أكد العالمان الفلكيان "همسن" و "هابل" نظرية توسع الكون بالمشاهدة، حيث وضع هابل القاعدة المعروفة باسمه وهي قانون تزايد بُعد المجرات بالنسبة لمجراتنا، وبالنسبة لبعضها البعض، وبفضل هذا القانون أمكن حساب عمر الكون التقريبي، وقد قام "هابل" باستدعاء "آينشتين" من ألمانيا إلى أميركا حتى يُرِيَه تباعد المجرات والكواكب بواسطة التلسكوب.
وتفسير ظاهرة ابتعاد المجرات يتمثل في أنه إذا كان هناك مصدر ضوئي من الفضاء الخارجي يبتعد عنا فإن تردد الأمواج الضوئية ينخفض وبالتالي ينزاح نحو اللون الأحمر. أما إذا كان المصدر الضوئي يقترب منا فإن الانزياح الذي يسجله المشاهد سيكون نحو اللون الأزرق. ويكون الانزياح الطيفي ملموساً عندما تكون سرعات المصدر الضوئي معتبرة بالنسبة لسرعة الضوء، بينما لا يمكن مشاهدته بالنسبة للمصادر الضوئية العادية ذات السرعات الضئيلة مقارنة مع سرعة الضوء، وهذا ما أكده العالم الفيزيائي دوبلر (Doppler).
إن حركة ابتعاد المجرات ناتجة عن توسع الفضاء نفسه حيث تنساق معه المجرات كلها.
وبصورة عامة فإن المجرات وتجمعات المجرات وأكداس المجرات هي أشبه ما تكون بكتل غازية هائلة من الدخان ما تزال تتوسع وينتشر ويتوسع معها الكون منذ حصل الانفجار العظيم في الكتلة الغازية الأولى، وقد أشارت الموسوعة الفضائية إلى هذه الظاهرة.
وختاماً نقول: إن اتفاق الفلكيين في النصف الثاني من القرن العشرين على حقيقة توسع الكون أسقطت فرضية أزلية الكون وقدمه، وثبت علمياً أن للكون بداية ونهاية، فسبحان الذي صدقنا وعده عندما قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53].
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو دلالة لفظ "موسعون" الذي يفيد الماضي والحال والاستقبال، على أن الكون في حالة توسُّع مستمر، وهذا ما كشفت عنه المشاهدات الفلكية للعالم "هابل" عام 1929م.
حركة الشمس وجريانها ونهايتها
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].
وقال عز وجل: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2].
وقال سبحانه: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
التفسير اللغوي:
"والشمس تجري لمستقر لها" أي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاً.
وقيل لأجلٍ قُدِّر لها.
فهم المفسرين:
أشار علماء التفسير كالرازي والطبري والقرطبي استنباطاً من الآيات القرآنية أن الشمس كالأرض وغيرها من الكواكب، هي في حالة حركة وسَبْحٍ دائمة في مدار خاص بها.
مقدمة تاريخية:
استطاع الصينيون والبابليون أن يتنبؤوا بالكسوف والخسوف ثم ازداد الاهتمام بعلم الفلك في عهد اليونان، فقرر طالس وأرسطو وبطليموس أن الأرض ثابتة، وهي مركز الكون، والشمس وكل الكواكب تدور حولها في كون كروي مغلق.
وفي بداية القرن الثالث قبل الميلاد جاء "أريستاركوس" (Aristarchus) بنظرية أخرى، فقد قال بدوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر الشمس جرماً ثابتاً في الفضاء، ورفض الناس هذه النظرية وحكموا على مؤيديها بالزندقة وأنزلوا بهم أشد العقاب وبقي الأمر على تلك الحال حتى انتهت العصور الوسطى.
في عام 1543 نشر العالم البولوني "كوبرنيكوس" (Copernicus) كتابه عن الفلك والكواكب وأرسى في كتابه نظرية دوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر أيضاً أن الشمس ثابتة كسلفه أريستاركوس.
ثم بدأت تتحول هذه النظرية إلى حقيقة بعد اختراع التلسكوب وبدأ العلماء يميلون إلى هذه النظرية تدريجياً إلى أن استطاع العالم الفلكي الإيطالي "غاليليو" (Galileo) أن يصل إلى هذه الحقيقة عبر مشاهداته الدائمة وتعقّبه لحركة الكواكب والنجوم وكان ذلك في القرن السابع عشر، وفي القرن نفسه توصّل "كابلر" (Kepler) العالم الفلكي الألماني إلى أن الكواكب لا تدور حول الأرض فحسب بل تسبح في مدارات خاصة بها إهليجية الشكل حول مركز هو الشمس.
وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أن كشف العالم الإنكليزي "ريتشارد كارينغتون" (Richard Carrington) في منتصف القرن التاسع عشر أن الشمس تدور حول نفسها خلال فترة زمنية قدرها بثمانية وعشرين يوماً وست ساعات وثلاث وأربعين دقيقة وذلك من خلال تتبّعه للبقع السوداء التي اكتشفها في الشمس كما جاء في وكالة الفضاء الأميركية . ويعتقد العلماء الآن أن الشمس قد قطعت نصف مدة حياتها، وأنها ستتحول تدريجياً إلى نجم منطفىء بعد خمس مليارات سنة، بعد أن تبرد طاقتها وتتكثف الغازات فيها.
حقائق علمية:
- كشف العالم الفلكي "كابلر" أن الشمس وتوابعها من الكواكب تسبح في مدارات خاصة بها وفق نظام دقيق.
- كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس تدور حول نفسها.
- أن الشمس سينطفىء نورها عندما ينتهي وقودها وطاقتها حيث تدخل حينئذ عالم النجوم الأقزام ثم تموت.
التفسير العلمي:
يقول المولى عز وجل في كتابه المجيد: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].
تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن الشمس في حالة جريان مستمر حتى تصل إلى مستقرها المقدّر لها، وهذه الحقيقة القرآنية لم يصل إليها العلم الحديث إلا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كشف العالم الفلكي "ريتشارد كارينغتون" أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بها وفق نظام ومعادلات خاصة وهذا مصداق قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [الرعد: 2]، فما هو التفسير العلمي لحركة الشمس؟
إن الشمس نجم عادي يقع في الثلث الخارجي لشعاع قرص المجرّة اللبنية وكما جاء في الموسوعة الأميركية فهي تجري بسرعة 220 مليون كلم في الثانية حول مركز المجرة اللبنية التي تبعد عنه 2.7 × 10 17 كلم ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة.
فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4.6 مليار سنة، أكملت الشمس وتوابعها 18 دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو تجمع من المجرات، وهذا التجمع يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، وكدس المجرات يجري نحو تجمع هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور ويسبح ونجد هذه المعاني العلمية في قوله تعالى: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
ولكن أين هو مستقر الشمس الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}؟
إن علماء الفلك يقدّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفىء، هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، هذا بالإضافة إلى ما تم كشفه في القرن العشرين من أن النجوم كسائر المخلوقات تنمو وتشيخ ثم تموت، فقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأميركية (NASA) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض - إلا أن موعد حدوث ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ} [الأعراف: 187].
المراجع العلمية:
ذكرت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) أن الشمس تدور بنفس اتجاه دوران الأرض و"دوران كارنغتون" سمي نسبة للعالِم "ريتشارد كارنغتون"، العالم الفلكي الذي كان أول من لاحظ دوران البقع الشمسية مرة كل 27.28 يوماً.
وتقول الموسوعة الأميركية أن مجرتنا -مجرة درب التبانة- تحتوي حوالي 100 بليون نجم، ;كل هذه النجوم تدور مع الغاز والغبار الكوني الذي بينها حول مركز المجرة، تبعد الشمس عن مركز المجرة مليارات الكيلومترات 2.7×10 17 (1.7×10 17) وتجري حوله بسرعة 220كلم/ثانية (140 ميل/الثانية)، وتستغرق حوالي 250 مليون سنة لتكمل دورة كاملة، وقد أكملت 18 دورة فقط خلال عمرها البالغ 4.6 مليارات سنة.
وذكرت أيضا وكالة الفضاء الأميركية (ناسا): " الذي يظهر أن الشمس قد كانت نشطة منذ 4.6 بليون سنة وأنه عندها الطاقة الكافية لتكمل خمسة بليون سنة أخرى من الآن".
وأيضا تقول : "يقدر للشمس انتهاؤها كنجم قزم".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو تقريرها بأن الشمس في حالة جريان وسَبْحٍ في الكون، هذا ما كشف عنه علم الفلك الحديث بعد قرون من نزول القرآن الكريم.
السماء ذات الرجع
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق: 11].
التفسير اللغوي:
الرَّجْع: رجع يرجعُ رجْعاً ورجوعاً: انصَرفَ.
وقيل: الرجْعُ: محْبِسُ الماء.
والرَّجْعُ: المطر لأنه يرجع مرة بعد مرة، وفي التنزيل: {والسماء ذات الرَّجع} ويُقال: ذات النفع.
قال ثعلب: ترجع بالمطر سنة بعد سنة.
وقال اللحياني: لأنها ترجع بالغيث.
وقال الفراء: تبتدىء بالمطر ثم ترجع به كل عام.
وقال غيره: ذات الرَّجع: ذات المطر، لأنه يجيء ويرجع ويتكرر.
فهم المفسرين:
قال الرازي في تفسيره للآية: قال الزجاج: الرجع المطر لأنه يجيء ويتكرر، واعلم أن كلام الزجاج وسائر أئمة اللغة صريح في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر بل سُمّي رجعاً على سبيل المجاز ولحسن هذا المجاز وجوه:
أحدها: قال القفال: كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته ووصل الحروف به، فكذا المطر لكونه عائداً مرة بعد أخرى سُمّي رجعاً.
وثانيها: أن العرب كانوا يزعمون أن السحاب يحمل الماء من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض.
وثالثها: أنهم أرادوا التفاؤل فسموه رجعاً ليرجع.
ورابعها: أن المطر يرجع في كل عام، إذا عرفت هذا فسنقول للمفسرين أقوال:
أحدها: قال ابن عباس: "والسماء ذات الرجع" أي ذات المطر يرجع المطر بعد مطر".
وثانيها: رجع السماء: إعطاء الخير الذي يكون من جهتها حالاً بعد حال على مرور الأزمان، ترجعه رجعاً أي تعطيه مرة بعد مرة.
وثالثها: قال ابن زيد: هو أنها ترد وترجع شمسها وقمرها بعد مغيبها، والقول الصواب هو الأول.
قال القرطبي: قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} أي ذات المطر ترجع كل سنة بمطر بعد مطر، كذا قال عامة المفسرين.
حقائق علمية:
1- تقوم الطبقة الأولى من الغلاف الجوي "التروبوسفير" (Troposphere) بإرجاع بخار الماء إلى الأرض على شكل أمطار، وبإرجاع الحرارة إليها أيضاً في الليل على شكل غاز ثاني أكسيد الكربون CO2.
2- يعتبر الغلاف الجوي للأرض درعاً واقياً عظيماً يحمي كوكب الأرض من الشهب والنيازك والإشعاعات القاتلة للأحياء، وذلك بفضل الطبقة الخامسة من طبقاته وهي الستراتوسفير (Stratosphere) .
3- تعتبر الطبقة الرابعة من طبقات الغلاف الجوي وهي الثيرموسفير (Thermosphere) ذات رجع فهي تعكس موجات الراديو القصيرة والمتوسطة إلى الأرض.
التفسير العلمي:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق: 11].
تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن أهم صفة للسماء هي أنها ذات رجع فما معنى الرجع؟
الرجع في اللغة كما يقول ابن منظور في لسان العرب: هو محبس الماء وقال اللحياني: سميت السماء بذات الرجع لأنها ترجع بالغيث وكلمة الرجع مشتقة من الرجوع وهو العودة والعكس، ومعنى الآية أن السماء تقوم بوظيفة الإرجاع والعكس.
وقد جاء العلم ليؤكد هذا التفسير فقد كشف علماء الفلك أن طبقة التروبوسفير التي هي إحدى طبقات الغلاف الجوي للأرض تقوم بإرجاع ما تبخر من الماء على شكل أمطار إلى الأرض من خلال دورة دائمة سميت بدورة تبخر الماء.
كما اكتشف علماء الفلك أيضاً أن طبقة الستراتوسفير وهي التي تضم طبقة الأوزون تقوم بإرجاع وعكس الإشعاعات الضارة الما فوق بنفسجية إلى الفضاء الخارجي، وبالتالي فهي تحمي الأرض من الإشعاعات الكونية القاتلة، فهي تعتبر حاجزاً منيعاً يحول دون وصول كميات كبيرة من ضوء الشمس وحرارتها إلى الأرض، كما نصت على ذلك الموسوعة البريطانية.
أما طبقة الثيرموسفير فإنها تقوم بعكس وإرجاع موجات الراديو القصيرة والمتوسطة التردد AM و SW الصادرة من الأرض وهذا ما يفسر إمكانية استقبال هذه الموجات من مسافات بعيدة جداً. وقد ذكرت ذلك بالتفصيل الموسوعة البريطانية.
يتضح مما تقدم أن أهم صفة للسماء كشف عنها العلماء في القرن العشرين هي أنها ذات رجع.
فسبحان الله الذي قال في كتابه المعجز: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}.
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو دلالتها الواضحة على أن أهم صفة للسماء هي أنها ذات رجع، وهذا ما كشفه العلم في القرن العشرين.
القمر كان مشتعلاً ثم انطفأ
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
- آية: الآية: العلامة، وقال ابن حمزة، الآية من القرآن كأنها العلامة التي يُفضى منها إلى غيرها.
فهم المفسرين:
لقد استنبط الصحابة الكرام منذ أربعة عشر قرناً أن كوكب القمر كان يشعّ نوراً ثم أذهب الله ضوءه وأزاله، وذلك من خلال تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الإسراء: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}، فقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في تأويله للآية: "كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو" )روح المعاني للألوسي(: [15/26].
حقائق علمية:
- اكتشف علماء الفلك بعد صعود الإنسان إلى القمر وبواسطة الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية أن كوكب القمر كان في القديم كوكباً مشتعلاً لكنه انطفأ وذهب ضوؤه.
التفسير العلمي:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} [الإسراء: 12].
تشير الآية القرآنية الكريمة إلى حقيقة علمية لم تظهر إلا في القرن العشرين، وهي أن القمر كان في القديم كوكباً مشتعلاً ثم أطفأ الله تعالى نوره، ودلالة القرآن على هذا واضحة كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمحي، فالسواد الذي في القمر أثر ذلك المحو".
هذا القول هو لصحابي جليل استنبطه من القرآن الكريم منذ ألف وأربعمائة سنة، فماذا يقول علماء الفلك في هذا الموضوع؟
لقد كشف علم الفلك أخيراً أن القمر كان مشتعلاً في القديم ثم مُحيَ ضوءه وانطفأ.
فقد أظهرت المراصد المتطورة والأقمار الاصطناعية الأولى صوراً تفصيلية للقمر، وتبيّن من خلالها وجود فوهات لبراكين ومرتفعات وأحواض منخفضة.
ولم يتيسّر للعلماء معرفة طبيعة هذا القمر تماماً حتى وطىء رائد الفضاء الأميركي "نيل آرمسترونغ" سطحه عام 1969 م. ثم بواسطة وسائل النظر الفلكية الدقيقة، والدراسات الجيولوجية على سطحه، وبعد أن تم تحليل تربته استطاع علماء الفضاء القول كما جاء في وكالة الفضاء الأميركية “Nasa”:
بأن القمر قد تشكل منذ 4.6 مليون سنة وخلال تشكله تعرض لاصطدامات كبيرة وهائلة مع الشهب والنيازك، وبفعل درجات الحرارة الهائلة تم انصهار حاد في طبقاته مما أدى إلى تشكيل الأحواض التي تدعى ماريا “Maria” وقمم وفوهات تدعى كرايترز “Craters” والتي قامت بدورها بإطلاق الحمم البركانية الهائلة فملأت أحواضه في تلك الفترة. ثم برد القمر، فتوقفت براكينه وانطفأت حممه، وبذلك انطفأ القمر وطمس بعد أن كان مشتعلاً.
وإذا عدنا إلى الآية القرآنية فإننا نلاحظ استعمال لفظ "محونا" والمحوُ عند اللغويين هو الطمس والإزالة، والمعنى أن الله تعالى أزال وطمس ضوء القمر، والمحْوُ المقصود ليس إزالة كوكب القمر، فهو لا يزال موجوداً ولكن إزالة نوره وضوئه، وهذا واضح من العبارة القرآنية "آية الليل" وهي القمر و"آية النهار" وهي الشمس. والطمس يكون للنور ولذلك قال تعالى: {وجعلنا آية النهار مبصرة}، فجاء بكلمة مبصرة وهي وجه المقارنة لتدل على أن المقارنة هي بين نور آية الليل (القمر) ونور آية النهار (الشمس)، فالأول انطفأ والأخرى بقيت مضيئة نبصر من خلالها.
فيا ترى من بلّغ محمداً صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة والتي تحتاج للمركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية والتحاليل الجيولوجية والتي لم يمضِ على اكتشافها سوى عشرات السنين؟
فسبحان العليم الحكيم الذي قال: {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
المراجع العلمية:
ذكرت وكالة الفضاء الأميركية:
"إن القمر حالياً لديه نشاط زلزالي طفيف وتدفق قليل للحرارة مما يوحي أن معظم النشاط الداخلي للقمر قد انقطع منذ زمن بعيد.
ومن المعلوم أن القمر منذ بلايين السنين خضع لتوقد شديد، نتج عنه تمايز القشرة، تبع ذلك خضوعه لتدفقات من الحمم البركانية.
وما إن تقلص هيجان الحمم في الأحواض العظيمة، حتى توقفت بوضوح مصادر الاتقاء عند القمر.
ومن بلايين السنين القليلة والأخيرة من تاريخه أمضى القمر هادئاً وبشكل أساسي غير نشط جيولوجياً باستثناء تتابع انهمار الصدمات عليه (من الشهب والنيازك).
يعتقد العلماء الآن أن القمر هو نتيجةً للتصادم بين الأرض القديمة وبين كوكب أصغر سبقها قدماً، منذ 4.6 بليون سنة مضت، والتصادم العظيم نشر مواد متبخرة على شكل قرص أخذت تدور حول الأرض، لاحقاً برد هذا البخار وتقلّص إلى قطرات، والتي تخثرت بدورها نحو القمر.
كما ذكرت:
منذ حوالي 4 بليون سنة، سلسلة من الاصطدامات الرئيسية حصلت وكوّنت فجوات ضخمة، هذه الفجوات الآن هي أماكن الأحواض التي تدعى "ماريا" (مثل حوض "إمبريوم" و "سيرينيتاتس")، وفي فترة بين أربعة إلى 2.5 بليون سنة مضت، كان النشاط البركاني قد ملأ هذه الأحواض بالحمم البركانية السوداء والتي تدعى "بازلت". بعد فترة الهيجان البركاني برد القمر وأصبح غير نشط نسبياً باستثناء بعض المناسبات من الضربات النيزكية والمذنبية".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو إشارتها إلى أن القمر كان له نور وضوء ثم انمحى وطمس فصار مظلماً، فقال تعالى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} أي القمر، وهو ما كشفت عنه صور الأقمار الصناعية والدراسات والتحاليل الجيولوجية لسطح القمر في القرن العشرين.
الضغط الجوي
آيات الإعجاز:
قال الله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
التفسير اللغوي:
الحرج: المتحرّج: الكافّ عن الإثم.
الحرج: أضيق الضيق.
قال ابن الأثير: الحرج في الأصل: الضيق.
رجل حرج وحرِجٌ: ضيّق الصدر.
وحِرجَ صدرُه يحرج حرجاً، ضاق فلم ينشرح لخير.
حقائق علمية:
كلما ارتفع الإنسان في السماء انخفض الضغط الجوي وقلّت كمية الأكسجين مما يتسبب في حدوث ضيق في الصدر وصعوبة في التنفس.
التفسير العلمي:
يقول الله عز وجل في كتابه المبين :{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}. [ الأنعام: 125].
آية محكمة تشير بكل وضوح وصراحة إلى حقيقتين كشف عنهما العلم.
الأولى: أن التغير الهائل في ضغط الجو الذي يحدث عند التصاعد السريع في السماء، يسبب للإنسان ضيقاً في الصدر وحرجاً.
الثانية: أنه كلما ارتفع الإنسان في السماء انخفض ضغط الهواء وقلت بالتالي كمية الأوكسجين، مما يؤدي إلى ضيق في الصدر وصعوبة في التنفس.
ففي عام 1648 م أثبت العالم المشهور بليز باسكال ( Blaise Pascal ) أن ضغط الهواء يقل كلما ارتفعنا عن مستوى سطح البحر.
جاء في الموسوعة العالمية ما ترجمته : إن الكتلة العظيمة للجو غير موزعة بشكل متساوٍ بالاتجاه العامودي، بحيث تتجمع خمسون بالمئة من كتلة الجو (50 %) مـا بين سطح الأرض وارتفـاع عشريـن ألف قدم (20.000 ft) فوق مستوى البحر، وتسعون بالمئة (90 %) ما بين سطح الأرض وارتفاع خمسين ألف قدم (50,000 ft) عن سطح الأرض.
وعليه: فإن الكثافة ( Density ) تتناقص بسرعة شديدة كلما ارتفعنا بشكل عامودي، حتى إذا بلغنا ارتفاعات جد عالية، وصلت كثافة الهواء إلى حد قليل جداً.
كما جاء في المرجع نفسه ما ترجمته: جميع المخلوقات الحية تحتاج إلى الأوكسجين، ما عدا المخلوقات البسيطة المكونة من خلية واحدة (one celled organism).
وعلى سبيل المثال الإنسان -عادة- لا بد أن يتنفس الأوكسجين، ليبقى حياً ومحافظاً على مستوى معين من الضغط. فوجود الإنسان على ارتفاع دون عشرة آلاف قدم (10,000 ft) فوق مستوى البحر لا يسبب له أية مشكلة جدية بالنسبة للتنفس. ولكـن إذا وجـد على ارتفاع ما بين عشـرة آلاف وخمس وعشرين ألف قـدم (10,000 - 25,000 ft) سيكون التنفس في مثـل هذا الارتفـاع ممكنـاً، حيث يستطيع الجهـاز التنفسي للإنسـان (respiratory system) أن يتأقلم بصعوبـة وبكثير من الضيق. وعلى ارتفاع أعلـى لن يستطيع الإنسان أن يتنفس مطلقاً مما يؤدي -في العادة- إلى الموت بسبب قلة الأوكسجين ((Oxygen Starvation.
وجاء في الموسوعة الأميركية ما ترجمته : " يجب على الطائرة إذا كانت على علو شديد الارتفاع، أن تحافظ على مستوى معين من الضغط الداخلي لحماية الركاب، فإن الضغط الجوي في تلك الارتفاعات يكون أدنى بكثير من الحد المطلوب لتأمين الأوكسجين الكافي لبقاء الركاب على قيد الحياة. كما أن التغير السريع في الضغط الجوي الناتج عن تغير الارتفاع يؤدي إلى انزعاج جسدي حاد. هذه الحالة سببها ارتفاع نسبة النيتروجين في الدم عند الانخفاض السريع في الضغط ".
هذا، ومن المسلم به أن الإنسان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على أية معرفة بتغير الضغط وقلته كلما ارتفع في الفضاء، وأن ذلك يؤدي إلى ضيق في التنفس، بل إلى تفجير الشرايين عند ارتفاعات شاهقة.
ومع ذلك، فإن الآية الكريمة : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}. [الأنعام: 125] تشير صراحة إلى أن صدر الإنسان يضيق إذا تصاعد في السماء وأن هذا الضيق يشتد كلما ازداد الإنسان في الارتفاع إلى أن يصل إلى أشد الضيق، وهو معنى " الحرج " في الآية، كما فسره علماء اللغة.
ولقد عبّرت الآية عن هذا المعنى بأبلغ تعبير في قوله تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ} إذ إن أصلها "يتصعدُ " قلبت التاء صادا ثم أدغمت في الصاد، فصارت يْصّعدْ ومعناه أنه يفعل صعودا بعد صعود.
فالآية لم تتكلم عن مجرد الضيق الذي يلاقيه في الجو، المتصاعد في السماء فقط، وإنما تكلمت أيضاً عن ازدياد هذا الضيق إلى أن يبلغ أشده.
فسبحان من جعل سماع آياته لقوم سبب تحيرهم، ولآخرين موجب تبصرهم. وسبحان من أعجز بفصاحة كتابه البلغاء، وأعيى بدقائق خطابه الحكماء، وأدهش بلطائف إشاراته الألباء.
وسبحان من أنزل على عبده الأُمِّيّ : {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
مراجع علمية:
جاء في الموسوعة العالمية ما ترجمته : إن الكتلة العظيمة للجو غير موزعة بشكل متساو بالاتجاه العامودي، بحيث تتجمع خمسون بالمئة من كتلة الجو ( %50 ) ما بين سطح الأرض وارتفاع عشرين ألف قدم (20.000 ft) فوق مستوى البحر، وتسعون بالمئة (90%) ما بين سطح الأرض وارتفاع خمسين ألف قدم (50.000 ft) عن سطح الأرض.
وعليه: فإن الكثافة (Density) تتناقص بسرعة شديدة كلما ارتفعنا بشكل عامودي، حتى إذا بلغنا ارتفاعات جد عالية، وصلت كثافة الهواء إلى حد قليل جداً.
كما جاء في المرجع نفسه ما ترجمته: جميع المخلوقات الحية تحتاج إلى الأوكسجين، ما عدا المخلوقات البسيطة المكونة من خلية واحدة (one celled organism).
وعلى سبيل المثال : الإنسان - عادة - لا بد أن يتنفس الأوكسجين، ليبقى حياً ومحافظاً على مستوى معين من الضغط. فوجود الإنسان على ارتفاع دون العشرة آلاف قدم (10.000 ft) فوق مستوى البحر لا يسبب له أية مشكلة جدية بالنسبة للتنفس.ولكن إذا وجد على ارتفاع ما بين عشرة آلاف وخمس وعشرين ألف قدم (10.000 - 25.000 ft) سيكون التنفس في هكذا ارتفاع ممكنا، حيث يستطيع الجهاز التنفسي للإنسان (respiratory system) أن يتأقلم بصعوبة وبكثير من الضيق. وعلى ارتفاع أكثر لن يستطيع الإنسان أن يتنفس مطلقاً مما يؤدي - في العادة - إلى الموت بسبب قلة الأوكسجين (Oxygen starvation).
وجاء في الموسوعة الأميركية ما ترجمته : " يجب على الطائرة إذا كانت على علو شديد الارتفاع، أن تحافظ على مستوى معين من الضغط الداخلي لحماية الركاب، فإن الضغط الجوي في تلك الارتفاعات يكون أدنى بكثير من الحد المطلوب لتأمين الأوكسجين الكافي لبقاء الركاب على قيد الحياة. كما أن التغير السريع في الضغط الجوي الناتج عن تغير الإرتفاع يؤدي إلى انزعاج جسدي حاد. هذه الحالة سببها ارتفاع نسبة النيتروجين في الدم عند الانخفاض السريع في الضغط ".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو دلالة لفظ "يصّعّد" على أن الارتفاع في السماء يسبب ضيقاً في التنفس وهو ما كشفت عنه دراسات علم الفلك في عصرنا.
حساب سرعة الضوء في الفراغ
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5].
فهم المفسرين:
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيره للآية: "هذا في الدنيا، ولسرعة سيره يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم" [راجع الطبري والقرطبي والزمخشري].
وقال قتادة رضي الله عنه: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة [ذكره الطبري في تفسيره].
وقال القرطبي: "يعني: في يوم كان مقداره في المسافة (دوماً) ألف سنة".
وذكر أبو حيّان في تفسيره أن: "السنة مبنية على سير القمر".
وذكر البغوي في تفسيره لقوله تعالى: "مما تعدون" أي: "للمؤمنين".
وقال القرطبي: أي: "مما تحسبون".
مقدمة تاريخية:
في عام 1676 قدّم "أولاس رومر" الدليل الأول في التاريخ على أن سرعة الضوء غير لحظية، واستمرت القياسات ثلاثة قرون إلى أن اعتمدت في باريس سنة 1983 القيمة الدولية لسرعة الضوء في الفراغ وتقدّر بـ: 299792.458 كم/ثانية.
حقائق علمية:
- طبقاً لبيان المؤتمر الدولي للمعايير الذي انعقد في باريس سنة 1983 فإن سرعة الضوء في الفراغ تقدّر بـ 299792.458 كم/ثانية.
- سرعة الضوء واحدة لكل موجات الطيف وتمثل حد السرعة في الكون الفيزيائي.
سرعة جميع الأجسام نسبية تتأثر بحركة الراصد فيلزمها تعيينه إلا سرعة الضوء الوحيدة المطلقة ذات قيمة كونية ثابتة.
- مسافة شهر وفق ما يعدون (الحساب القمري)= 5152612.269 كم
- مسافة الألف سنة= 25.83134723 بليون كم
- السنة القمرية قائمة على حركة القمر حول الأرض.
- المسافة المجردة التي يقطعها القمر حول الأرض في كل شهر (طول المدار القمري المعزول) = 2152612.269 كم
- السرعة الوسطية للقمر = 86164.09966 كم/ثانية
- الشهر النجمي = 27.32166 يوماً
- طول المدار المرصود = 2414406.35 كم
- نسبة مركبة السرعة = (جتا هـ) = 0.89157
ملاحظة: يتم حساب متوسط السرعة المدارية للقمر كما لو كانت الأرض ساكنة مما يعني ضرب متوسط السرعة المدارية للقمر حول الأرض المتحركة × جيب تمام الزاوية التي تدورها الأرض حول الشمس خلال شهر قمري واحد.
التفسير العلمي:
في سنة 1676 قدّم الفلكي "أولاس رومر" الدليل على أن سرعة الضوء غير لحظية كما ذكرت ذلك الموسوعة البريطانية، واستمرت بعده القياسات ثلاثة قرون إلى أن اعتمدت في باريس سنة 1983 أثناء انعقاد المؤتمر الدولي للمعايير حيث قدرت سرعة الضوء في الفراغ بـ: 299792.458 كم/ثانية.
هذا ما توصل إليه العلماء في أواخر القرن العشرين، كما ذكرت أيضا الموسوعة البريطانية.
وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم فإننا نجده قد أعطى معادلة دقيقة تؤكد لنا صحة ما وصل إليه المؤتمر الدولي للمعايير في باريس عام 1983.
صاحب هذا الاكتشاف هذه المرة هو أحد العلماء المسلمين المتخصصين في الفيزياء وهو الدكتور محمد دودح مستشار لدى هيئة الإعجاز العلمي، حيث استنبط من قوله تعالى في سورة السجدة الآية 5: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أن الأمر المقصود به في الآية هو الأمر الكوني الفيزيائي في حياتنا الدنيا، وقد قال بهذا أيضاً من قبله ترجمان القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فقد روي عنه قوله في تفسير الأمر الذي ذكرته الآية: "هذا في الدنيا ولسرعة سيره (أي الأمر الكوني) يقطع مسيرة ألف سنة في يوم من أيامكم".
وأما عن قوله تعالى: {مما تعدون} فقد ذكر أبو حيان التوحيدي في تفسيره أن: "السنة مبنية على سير القمر" ومعنى ذلك أن العرب كانت تعتمد في حساب الزمن على الحساب القمري، كما كانوا يعبرون عن المسافة بالزمن كأن يقولوا: مسافة ثلاثة أيام، والقرآن نزل بلغة العرب فقال: "مما تعدون".
وعلى ضوء ما تقدم إذا علمنا أن سرعة جسم ما = المسافة المقطوعة / الزمن
وبالمطابقة بين المعادلة العلمية والمعادلة القرآنية نجد ما يلي:
المعادلة العلمية المعادلة القرآنية
الزمن في يوم كان مقداره (زمن يوم أرضي)
المسافة ألف سنة مما تعدون (بالحساب القمري) = 12000 دورة قمرية
السرعة = المسافة / الزمن الأمر الكوني = ألف سنة مما تعدون (12000 دورة قمرية / زمن يوم أرضي(
وبالتعويض في المعادلة بالأرقام (راجع الحقائق العلمية لتفصيل الأرقام).
السرعة (الأمر الكوني الفيزيائي) =
وهذه القيمة لسرعة الأمر الكوني مطابقة تماماً لقيمة سرعة الضوء المعلنة دولياً سنة 1983 في باريس.
وقد تم عرض هذا البحث بنتيجته المذهلة على علماء متخصصين في الفيزياء بكلية العلوم بجامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، وصدر تقرير بالموافقة عليه من الناحية العلمية، كما تمت الموافقة عليه أيضاً من
ناحية اللغة وتفسير الآيات من طرف جامعة أم القرى قسم
اللغة والتفسير بمكة المكرمة (المملكة العربية السعودية).
وبذلك اكتسب البحث الموافقة التامة من كل جوانبه.
وبذلك يؤكد القرآن الكريم صحة أهم قانون عرفته البشرية في القرن العشرين، أوليس هذا سبقاً علمياً إعجازياً نطق به القرآن الكريم {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} وصدق الله القائل: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} والقائل أيضاً: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو أنها اعتبرت الحد الأقصى للسرعة الكونية في الفراغ تعادل دوران القمر حول مداره اثنتي عشرة ألف دورة، ومن ثم استنبط الدكتور محمد دودح المعادلة التي تعطي الرقم الصحيح لحساب سرعة الأمر الإلهي، وقد توصل الدكتور محمد دودح إلى أن الرقم القرآني ينطبق تماماً مع الرقم الذي أعلنه المؤتمر الدولي للمعايير في باريس سنة 1983 وهو 299792.458 كم/ثانية.
علم الأرض
عنوان الموضوع
شكل الأرض
آيات الإعجاز:
قال الله عز وجل: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف: 54].
وقال تعالى: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].
وقال سبحانه: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28]
وقال تعالى أيضاً: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} [المعارج: 40].
وقال جل جلاله: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور: 44].
وقال تعالى أيضاً: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: 5].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
- في مادة كوّر: والتكوير معناه لفُّ شيءٍ على آخر في اتجاه مستدير.
فهم المفسرين:
لقد قرر القرآن الكريم أن الأرض كروية في أكثر من موضع وأعطانا أكثر من دليل. وقد نقل الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- عن الضحاك في معنى التكوير: أي يلقي هذا وهذا على هذا، قال وهذا على معنى التكوير في اللغة وهو طرح الشيء بعضه على بعض. وقال الفخر الرازي -رحمه الله تعالى- في تفسيره: "ثبت بالدلائل أن الأرض كرة، فكيف يمكن المكابرة فيه؟!"، كما قال ابن حزم -رحمه الله تعالى-: "إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله تعالى عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة". وقد قرر ذلك أيضاً الإمام الألوسي وابن القيم وابن تيمية رحمهم الله.
مقدمة تاريخية:
لقد قال الأقدمون بكروية الأرض، وعلى رأسهم علماء اليونان كـ "إيراتوستين" (276 ق.م.) و"أرسطو" (384 ق.م.) و"فيتاغورس" (569 ق.م.). فقد تمكن "إيراتوستين" من قياس تقريبي لمحيط الأرض الكروي واعتقد نتيجة ذلك بأن هناك أرضاً مسكونة تقابل أرضه، وقد وصف العلماء المسلمون الأرض بأنها كروية كما جاء في كتاب "المقدسي" (375 هـ) (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم) قوله: "فأما الأرض فإنها كالكرة موضوعة في جوف الفلك، كالمحّة في جوف البيضة". وقال قبله مثل ذلك أيضاً ابن خرداذية (232 هـ) في كتابه (المسالك والممالك)، وقال بذلك الاصطخري والبيروني والإدريسي والحَمْوي وغيرهم كثير.
أما في أوروبا فلم يعتقد الأوروبيون بفكرة كروية الأرض، وكانوا يرون بأن نهاية البحر الذي يلي القارة الأوروبية هو نهاية لامتداد الأرض، إلا أن بعضاً من علماءهم وبعد اطلاعهم على علوم السابقين من المسلمين وغيرهم، رجحت عندهم فكرة كروية الأرض، وتكرس هذا الاعتقاد بعد قيام "كولومبوس" (1451 م) برحلته وقيام "ماجلان" (1480 م) بدورته حول الأرض وكان ذلك بين عام (1518 و 1522 م).
ثم جاء الفيزيائي "اسحق نيوتن" ليقول بأن الأرض شبه كروية، وأثبت ذلك حسابياً حيث وجد بعد تجارب فيزيائية قام بها على البندول أن قطر الأرض عند خط الاستواء يزيد بنسبة (231/1) عن قطرها بين القطبين الشمالي والجنوبي.
ثم جاء القرن العشرون واستطاعت ثورة علم الفلك والمركبات الفضائية في منتصف هذا القرن من الإجابة عن معظم التساؤلات حول كروية الأرض وموقعها في هذا الكون، وأصبح معلوماً أن الأرض شبه كروية تدور حول نفسها ونتيجة ذلك يحصل تتابع الليل والنهار على وجه الأرض.
حقائق علمية:
1- سبقت الرحلات البحرية التي قام بها "كولومبوس" و"ماجلان" بين عام (1519 م) و (1521 م) صور الأقمار الاصطناعية في تحديد كروية الأرض.
2- أظهرت الصـور التي التقطتها الأقمار الصناعية منذ عام (1957 م) أن الأرض شبه كروية مفلطحة عند القطبين (Oblate Spheroid).
3- يؤدي دوران الكرة الأرضية حول مركزها إلى تقلب وتعاقب الليل والنهار عليها.
التفسير العلمي:
لم يشاهد الإنسان الأرض في شكلها الكروي وهي تسبح في الفضاء إلا عندما أطلق العلماء الروس القمر الاصطناعي الأول "سبوتنيك" عام 1957م، حيث استطاعوا الحصول على صور كاملة لكوكب الأرض بواسطة آلات التصوير المرتبطة بالقمر الاصطناعي. وكما ورد في الموسوعة البريطانية أن الأرض شبه كروية مفلطحة عند القطبين (Oblate Spheroid) إذ أن الأرض تنتفخ بصورة بطيئة جداً عند خط الاستواء وتتسطح في منطقة القطبين بفعل دورانها حول نفسها، فطول شعاع الأرض عند خط الاستواء يساوي (6378 كلم) وشعاعها بين القطبين يساوي (6357 كلم)، والفارق الضئيل بين شعاعي الأرض (21 كلم) جعلها تبدو كروية الشكل.
لكن علماء التفسير استنبطوا كروية الأرض من آيات القرآن الكريم حيث قال تعالى: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وفي قوله تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}، ومن هاتين الآيتين يُعرف أن الليل والنهار يجريان في تتابع لا يسبق أحدهما الآخر، وعليه فإما أن يكون التتابع في خط مستقيم أو في خط دائري، ولكن لو كان التتابع في خط مستقيم على وجه الأرض فإنه لن يحدث إلا ليل واحد أو نهار واحد، إذن فلا بد أن يكون على شكل دائري. وقد أخبر تعالى بأن الليل لا يسبق النهار، وهذا المعنى القرآني لا يتحقق إلا إذا كان الليل والنهار يوجدان معاً في وقت واحد على الأرض، وهذا لا يحدث إلا إذا كانت الأرض كروية وكذلك قال علماء التفسير في قوله تعالى: : {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} بأن كور العمامة هو إدارتها واستدارتها حول الرأس، والتكوير لا يكون إلا على سطح كروي والتكوير في اللغة هو طرح الشيء بعضه على بعض، ولعل هذا يوضح الحكمة في قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} حيث لم يقل يكور الليل ثم يكور النهار، فإن الليل والنهار موجودان معاً على الأرض الكروية نصفها ليل ونصفها نهار، فالليل والنهار يكوران على بعضهما على سطح كروي هو الأرض.
وفي قوله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} إشارة أخرى إلى أن الليل والنهار يقلبان والتقليب يعني الدورة بشكل دائري فلزم أن تكون الأرض كروية.
ومما يؤكد كل ذلك قول الله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} فالآيتان تدلان على كروية الأرض، وكيف ذلك؟
أولاً: إنه سبحانه وتعالى قرن المشرق بالمغرب أو المشارق بالمغارب مباشرة ولم يقل (رب المشرق ورب المغرب) أو (رب المشارق ورب المغارب) وذلك لأن الشروق والغروب يتمان في وقت واحد وهذا لا يمكن أن يكون إلا على سطح كروي.
ثانياً: تشير الآية الثانية إلى أن كل بلد له مشرق ومغرب ولا يوجد مشرق واحد ومغرب واحد لأية دولة في العالم وإنما هي مشارق ومغارب وهذا يطابق تماماً مع ما اكتشفه علم الفلك الحديث، حيث وجد العلماء أن في كل جزء من الثانية نجد مشرقاً تشرق فيه الشمس على مدينة ما وتغيب عن أخرى، حيث أن زاوية الشروق تتغير من موقع لآخر وكذلك زاوية الغروب، وهذا ما يدل على كروية الأرض.
وهنا لا بد لنا من تسليط الضوء على أمر مهم، وهو قول الله تعالى في الآيات التالية: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} وقوله تعالى: {وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}، و {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ مَهْدًا} و{ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} و {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا} و {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} و {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطًا} و {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَادًا}، التي قد يعترض أحد ما أن المعاني المستفادة من هذه الآيات لا تدل على معنى الكروية وأن هناك تعارض في آيات القرآن.
إن هذه المعاني لا تناقض دعوى أن الأرض كروية، بل إنها تشير بوضوح جلي إلى ثبوتها، فقد نص أئمة التفسير على أنه لا منافاة بين الآيات الآنفة الذكر وما هو ثابت في قضية كروية الأرض.
قال الإمام فخر الدين الرازي (606 هـ) -رحمه الله تعالى- مجيباً على الاعتراض بنحو قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ} [الرعد: 3]: "الأرض جسم عظيم، والكرة إذا كانت في غاية الكبر كأن كل قطعة منها تشاهد كالسطح". (التفسير الكبير 19/3 و 170) وقال في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ مَهْدًا} [طه: 53]: "المراد من كون الأرض مهداً أنه تعالى جعلها بحيث يتصرف العباد وغيرهم عليها بالقعود والقيام والنوم والزراعة وجميع وجوه المنافع". (22/68).
وقال العلامة القاضي ناصر الدين عبد الله بن عمر الشهير بالبيضاوي (685 هـ) –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا}: "أي مهيّأة لأن يقعدوا ويناموا عليها، كالفراش المبسوط. وذلك لا يستدعي كونها مسطحة، لأن كروية شكلها مع عظم حجمها لا يأبى الافتراش عليها". من (أنوار التنزيل 1/16). وقال الإمام الأصولي أحمد بن جُزّيّ الكلْبي (741 هـ) –رحمه الله تعالى- مبيناً عدم المنافات بين المد والتكوير: "وقد يترتب لفظ البسط والمد مع التكوير، لأن كل قطعة من الأرض ممدودة على حدتها وإنما التكوير لجملة الأرض" من (التسهل لعلوم التنزيل 2/130). وقال العلامة محمد بن محمد المولى أبو السعود العمادي (982 هـ) –رحمه الله تعالى- موضحاً أن الفراش لا ينافي التكوير: "وليس من ضرورة ذلك أي: وصف الأرض بالفراش- كونها مسطحاً حقيقياً، فإن كرية شكلها مع عظم جرمها مصطحة لافتراشها" من (إرشاد العقل السليم 1/61).
وقال العلامة شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي (1270 هـ) –رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: 22]: "ولا ينافي كرويتها كونها فراشاً، لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة منها كالسطح في افتراشه كما لا يخفى" من (روح المعاني 187/1) ومثله في (25/67). وقال في تفسير قوله تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا}: "المراد بسطها وتوسعتها ليحصل بها الانتفاع لمن حلّها ولا يلزم من ذلك نفي كرويتها، لما أن الكرة العظيمة لعظمتها ترى كالسطح المستوي" (14/28) ومثله في (53/17) و (176/26).
وقال في تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19]: "وليس فيه دلالة على أن الأرض مبسوطة غير كرية، لأن الكرة العظيمة يرى كل من عليها ما يليه مسطحاً" (76/29).
وقال أيضاً- في تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا} [النبأ: 6]: "لا دلالة في الآية على ما ينافي كريتها كما هو المشهور من عدة مذاهب" (6/30).
ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله في شرحه: "إن الإنسان يرى الأرض مبسوطة أمامه سواء أكان في القطب الشمالي أم في القطب الجنوبي أم في المنطقة الاستوائية، وهذا لا يمكن أن يحدث بهذه الصورة إلا إذا كانت الأرض كروية، فلو أن الأرض كانت غير ذلك: مربعة أو مثلثة أو أي شكل هندسي آخر، كان لا بد للإنسان أن يشاهد حواف الأرض عند أطرافها".
والذي نستخلصه من هذا كله أن الله قد جعل لنا الأرض ممهدة مبسوطة ليقوم العباد بأعمالهم وأمور دنياهم، وهذا من رحمة الله بعباده فلم يجعلها كلها ودياناً أو كلها جبالاً وعرة وإنما ذللها لهم وجعلها مهداً وفراشاً وجعل فيها مساحات ممدودة نعمة منه سبحانه وتعالى، أما الأرض بجملتها فهي شبه كروية الشكل يكور عليها الليل والنهار ويتقلبان في وقت واحد.
لقد سبق القرآن الكريم العلم الحديث في تحديد شكل الأرض، هذا القرآن الذي نزل على قوم لم يعرفوا شيئاً عن الفلك ولا الهندسة، بل كانوا بدو رُحّل، فصدق الله العظيم القائل: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}.
مراجع علمية:
ذكرت الموسوعة البريطانية:
"أن الكوكب الأكبر الخامس من المجموعة الشمسية، الأرض لها محيط استوائي طوله 40.076 كلم (424.902 ميل) وشعاع استوائي طوله 6.378 كلم (3.963 ميل) ولها شعاع قطبي طوله 6.357 كلم (3.950 ميل) وشعاعها الوسطي بطول 6.371 كلم (3.960 ميل)".
ثم ذكرت "أن القوة الطاردة المركزية لدوران الأرض تجعل الكوكب منتفخاً عند خط الاستواء، وبسبب هذا يصبح شكل الأرض شبه كروية مفلطحة، وتظهر أكثر تسطحاً عند القطبين منه عند خط الاستواء".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو دلالة الألفاظ: "ولا الليل سابق النهار"، "المشارق والمغارب"، "يقلب"، "يكوّر"، "دحاها" لشكل الأرض الشبه الكروي المفلطح، وهو ما كشفت عنه المشاهدة العينية لكروية الأرض من الفضاء الخارجي.
دوران الأرض
آيات الإعجاز:
قال الله عز وجل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].
مقدمة تاريخية:
لاحظ الناس منذ القديم أن الأرض ساكنة تحت أقدامهم فظنوا بأن الأرض هي مركز الكون وأنها لا تتحرك، بينما دأبت الأجرام في السماوات التي ترصعها النجوم على الدوران من حولها، وقد قال بذلك العالم "بطليموس" وأيده كثيرون.
كما لاحظ بعض العلماء حركة الأرض حول الشمس فقال "أريستاركوس" (310-330 ق.م.) أن النجوم ثابتة وأن ما نراه من حركتها هو مجرد حركات ظاهرية ناجمة عن دوران الأرض ومركزية الشمس، ولكنه لم يؤيده في فكرته أحد، بل عارضوه.
كما قال الفيلسوف اليوناني "فيتاغورس" بدوران الأرض لكنه لم يتمكن أيضاً من إثبات نظريته، إلى أن جاء العالم الفلكي الإيطالي "غاليليو" في أواخر القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر والذي صنع منظاراً فلكياً ليشاهد به حركة الأرض، ثم جاء الفلكي "كبلر" في القرن السابع عشر الميلادي وقدّم الأدلة العلمية على دوران الأرض وسائر الأجرام السماوية.
حقائق علمية:
- للأرض حركتان: واحدة حول نفسها (محورها الوهمي) وأخرى حول الشمس.
- تدور الأرض حول نفسها في مدة: 23 ساعة و56 دقيقة و4.096 ثانية، في حركة من الغرب إلى الشرق.
- تبلغ سرعة دوران الأرض في المنطقة الاستوائية 1670 كم في الساعة أي حوالي 465 متراً في الثانية، ثم تتباطأ مع خطوط العرض العليا حيث تصل إلى 312 متراً في الثانية عند درجة العرض 50، وتنعدم السرعة تماماً في القطبين.
- ينتج عن حركة الأرض المحورية (أي دورانها حول نفسها) ثلاثة ظواهر فلكية:
1- حودث الليل والنهار وتعاقبهما.
2- اختلاف التوقيت على سطح الأرض حسب شروق الشمس وغروبها.
3- نشوء القوة النابذة المركزية التي أدت إلى انتفاخ الأرض في المنطقة الاستوائية.
التفسير العلمي:
إن النظام الشمسي الذي نعيش فيه يؤلف وحدة محكمة البناء تضم الشمس وتسعة كواكب - وهي المعروفة حتى الآن - تسبح في مدارات مختلفة.
ويعتبر كوكب الأرض ثالث الكواكب بعداً عن الشمس وهو يتم دورته حولها في ثلاثمائة وستين يوماً وربع اليوم ( 365. 2564). جاء في الموسوعة الأكاديمية الأميركية: "إن الأرض تدور حول محورها ( Spinaxis ) في مدة يوم واحد، وتدور حول الشمس في مدة سنة واحدة..... ويبلغ متوسط سرعة دورانها حول الشمس 30 كلم/ث.
وتدور حول كواكب المجموعة الشمسية أقمار عدة عرف منها تسعة وأربعون (49) قمراً حتى الآن، إلا أنه يرجح وجود أقمار أخرى غير مكتشفة خاصة حول أورانس (Uranus) ونبتون (Neptune) اللذان هما من أكثر الكواكب بعداً عن الشمس. أما قمر الأرض فيتم دورته حولها في 29 يوماً و12 ساعة و44 دقيقة متدرجاً في أطواره أو - منازله - المختلفة.
هذا، وإن النظام الشمسي يشكل أيضاً مع أنظمة مشابهة وحدة أكبر تعرف بمجرة درب التبانة (Milky way) وتتخذ هذه الأذرع تجمعات ضخمة لملايين النجوم والأنظمة الشمسية والتي تدور أيضاً في مدارات مختلفة حول مركز المجرة بسرعات مختلفة، فالشمس -ومعها النظام الشمسي- تدور مع أذرع المجرة.
تقول الموسوعة العالمية للفلك: "تتم الشمس دورتها حول مركز المجرة في 200 مليون سنة".
إن دوران الأرض في مدارها حول الشمس مما لم يعرفه علم الفلك حتى القرن السادس عشر، فيما وضع الفلكي البولوني نيقولاس كوبرنيكوس (Nicolas Copernicus) تصوره لكونٍ مركزه الشمس وتدور حولها الأرض والكواكب المعروفة آنذاك كما ذكرت الموسوعة البريطانية الجديدة. "حيث كان السائد قبلاً أن الأرض ثابتة في مركز الكون". ففي الموسوعة البريطانية الجديدة: " "في القرن الثاني بعد الميلاد وضع "كلوديوس بطليموس" (Claudius Ptolemaus) أحد أشهر الفلكيين الإغريق تصوره للأرض كمركز للكون، وقد ساد هذا التصور التفكير الفلكي أكثر من 1300 سنة".
وانتظر العالم حتى جاء "كبلر" في القرن السابع عشر الميلادي وأثبت الحقيقة العلمية وهي أن كل ما في الكون من نجوم وكواكب تابعة لها تدور في مسارات خاصة.
وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم فإننا نجد أن قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} فيه إشارة صريحة إلى أن الجبال تدور دوراناً سريعاً كالسحاب لكن الإنسان يراها ثابتة مستقرة. وها هو العلم يثبت أن الأرض تدور بمن عليها من مخلوقات جامدة وحية بنفس السرعة، فلذلك نحسب أن الجبال ثابتة، بينما هي في حقيقتها تدور مع الأرض، وقد ضرب العلماء مثلاً تقريبياً لذلك فإننا إذا تصورنا قطارين انطلقا في نفس الوقت والاتجاه والسرعة، فإن الراكب في أحدهما إذا نظر إلى الراكب الموازي له في القطار الآخر، يظنه جامداً لا يتحرك، وهكذا حركة الجبال مع الأرض.
فسبحان الله القائل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}.
مراجع علمية:
جاء في الموسوعة الأكاديمية الأميركية: "إن الأرض تدور حول محورها ( Spinaxis ) في مدة يوم واحد، وتدور حول الشمس في مدة سنة واحدة..... ويبلغ متوسط سرعة دورانها حول الشمس 30 كلم/ث".
"وتدور حول كواكب المجموعة الشمسية أقمار عدة عرف منها تسعة وأربعون (49) قمراً حتى الان ; إلا أنه يرجح وجود أقمار أخرى غير مكتشفة خاصة حول أورانس ( Uranus ) ونبتون ( Neptune ) اللذان هما من أكثر الكواكب بعداً عن الشمس. أما قمر الأرض فيتم دورته حولها في 29 يوماً و12 ساعة و44 دقيقة متدرجاً في أطواره أو - منازله - المختلفة.
هذا، وإن النظام الشمسي يشكل أيضاً مع أنظمة مشابهة وحدة أكبر تعرف بمجرة درب التبانة ( Milky way ) وتتخذ هذه الأذرع تجمعات ضخمة لملايين النجوم والأنظمة الشمسية والتي تدور - أيضاً في مدارات مختلفة حول مركز المجرة بسرعات مختلفة، فالشمس- ومعها النظام الشمسي - تدور مع أذرع المجرة".
تقول الموسوعة العالمية للفلك: "تتم الشمس دورتها حول مركز المجرة في 200 مليون سنة".
وعليه: فإن كلاً من الشمس والقمر والأرض يسبح في مدار خاص أو فلك - على ما في التعبير القرآني – خاص.
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية هو أنها أشارت لدوران الأرض من خلال دلالة قوله تعالى {وهي تمر مر السحاب} على ذلك، وهو ما كشف عنه العلم في القرن السابع عشر الميلادي.
القارات الخمس مفارش للأرض
أخفض منطقة على سطح الأرض
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
أدنى: دنا من الشيء دنواً ودناوة: قَرُبَ.
وهناك رواية لقراءة أخرى عن الكلبي "في أداني الأرض" ذكرها الألوسي وأبو السعود في تفسيريهما.
وأدنى: أخفض.
فهم المفسرين:
أشار المفسرون كالرازي والقرطبي والطبري وابن كثير إلى المعنى الأول لكلمة "أدنى" وهو أقرب، وذكروا بأن أدنى الأرض أي أقربها.
وقد روي عن ابن عباس والسدي أن الحرب بين الروم وفارس وقعت بين الأردن وفلسطين، وحدد الإمام علي بن حجر العسقلاني مكان المعركة بأنه بين أذرعات بالأردن وبصرى الشام.
حقائق علمية:
- توضح المصورات الجغرافية مستوى المنخفضات الأرضية في العالم أن أخفض منطقة على سطح الأرض هي تلك المنطقة التي بقرب البحر الميت في فلسطين حيث تنخفض عن سطح البحر بعمق (392) متراً. وقد أكدت ذلك صور وقياسات الأقمار الاصطناعية.
التفسير العلمي:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 1-5].
إن سبب نزول هذه الآيات هو وقوع معركة بين مملكتي فارس والروم في منطقة بين أذرعات وبصرى قرب البحر الميت حيث انتصر فيها الفرس، وكان ذلك سنة 619م.
ولقد أصاب المسلمين الحزن نتيجة لانهزام الروم لأنهم أهل كتاب وديانة سماوية بينما الفرس مجوس وعبّاد للنار، فوعد الله تعالى المسلمين بأن الفرس ستُغلب في المعركة الثانية بعد بضع سنوات وأن نصر الروم سيتزامن مع نصر المسلمين على المشركين. وبضع سنوات هو رقم بين الخمسة والسبعة أو بين الواحد والتسعة كما يقول علماء اللغة العربية، وقد تحقق ما وعد به القرآن الكريم بعد سبع سنوات أي ضمن المدة التي حددها من قبل، حيث وقعت معركة أخرى بين الفرس والروم سنة 626م وانتصر فيها الروم وتزامن ذلك مع انتصار المسلمين على مشركي قريش في غزوة بدر الكبرى.
إن المتأمل في الآية القرآنية يلاحظ أنها قد وصفت ميدان المعركة الأولى بين الفرس والروم بأنه أدنى الأرض وكلمة أدنى عند العرب تأتي بمعنيين أقرب وأخفض، فهي من جهة أقرب منطقة لشبه الجزيرة العربية، ومن جهة أخرى هي أخفض منطقة على سطح الأرض، إذ إنها تنخفض عن مستوى سطح البحر بـ 392 متراً وهي أخفض نقطة سجلتها الأقمار الاصطناعية على اليابسة، كما ذكرت ذلك الموسوعة البريطانية، وهذا تصديق للآية القرآنية الكريمة فسبحان الله القائل: {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}.
المراجع العلمية:
ذكرت الموسوعة البريطانية ما ترجمته: "البحر الميت، بقعة مائية مالحة مغلقة بين (إسرائيل) والأردن، وأخفض جسم مائي على الأرض فانخفاضه يصل إلى نحو 1312 قدم (حوالي 400 متر) من سطح البحر، القسم الشمالي منه يقع في الأردن، وقسمه الجنوبي مقسّم بين الأردن وإسرائيل، ولكن بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، ظل الجيش الإسرائيلي في كل الضفة الغربية. البحر الميت يقع بين تلال جُدَيّة غرباً وهضاب الأردن شرقا ً".
وجه الإعجاز:
يتجلى وجه الإعجاز في قوله تعالى: {أدنى الأرض] حيث تعني كلمة "أدنى" في اللغة أقرب وأخفض، فأخفض منطقة هي منطقة أغوار البحر الميت بفلسطين. تماماً كما سجلته الأقمار الاصطناعية بعد أربعة عشر قرناً.
هل كانت بلاد العرب مروجاً وأنهاراً؟
أحاديث الإعجاز:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" حديث صحيح رواه مسلم.
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
المَرْجُ: أرضٌ ذات كلأ ترعى فيها الدواب، وفي التهذيب أرض واسعة فيها نبت كثير تمرُجُ فيها الدواب، والجمع مروج.
فهم المفسرين:
لم يشر علماء الحديث إلى ما كشفته الدراسات الجيولوجية في عصرنا لانعدام المعلومات والتقنية المناسبة لمعرفة ذلك وقتئذ.
حقائق علمية:
- يذكر علماء الجيولوجيا أنه قد مرّ على الأرض منذ عشرة آلاف سنة عصر جليديّ بدأ رحلته من القطب الشمالي ووصل إلى الجزيرة العربية، فحوّلها إلى أنهار وبساتين.
- مر على الأرض مرحلة جليدية خفيفة بدأت في القرن السادس عشر وامتدّت لثلاثة قرون كان ذروتها في سنة 1750.
- إن الأعاصير الثلجية التي تضرب أوروبا وأمريكا علامة على بداية عصر جليدي آخر، تعود به شبه الجزيرة العربية كما كانت منذ عشرة آلاف سنة مروجاً وأنهاراً.
- تم اكتشاف قرية الفاو في الربع الخالي بشبه الجزيرة العربية، حيث كانت مدفونة تحت جبال من الرمال، فاعتبرت دليلاً على وجود حياة سابقة في تلك الصحارى.
التفسير العلمي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً" حديث صحيح رواه مسلم.
إن الحديث النبوي الشريف يشير إلى أن منطقة شبه الجزيرة العربية كانت فيما مضى مملوءة بالأنهار والبساتين، وأنها ستعود كما كانت قبل أن تنتهي الحياة على هذه الأرض.
ترى ماذا يقول علماء الجيولوجيا عن هذا التقرير النبوي؟
يذكر العلماء الجيولوجيون أنه مر على كوكب الأرض عدة عصور جليدية كان آخرها منذ عشرة آلاف سنة، وهو زمن تحوّلت فيه كمية من البحار إلى ثلوج تراكمت في القطب المتجمد الشمالي. ثم أخذت هذه الثلوج بالزحف نحو الجنوب باتجاه أوروبا وأمريكا حتى وصلت إلى شبه جزيرة العرب، والتي أصبحت عندئذ أكثر مناطق العالم من حيث الأمطار والأنهار، فكثرت فيها البساتين والمروج. وقد أجملت الموسوعة البريطانية وصف هذه الظاهرة فذكرت ما ترجمته أن تغيرات المناخ والطقس كان كبيراً بالقرب من المناطق الجليدية التي امتدت نحو الجنوب وتسببت بتغير المناخ فيه وظهور حياة نباتية جديدة.
ويشير الجيولوجيون أيضاً إلى أن العواصف الثلجية التي تضرب أوروبا وأمريكا اليوم علامة على بداية عصر جليدي آخر، وأن هذا العصر الجليدي عندما يكتمل ستصبح البلاد العربية أكثر المناطق من حيث الأنهار والبساتين.
كما تم اكتشاف قرية الفاو في الربع الخالي بالصحراء السعودية، والتي كانت تحت جبال من الرمال، حيث قدّر الجيولوجيون أن الرمال الموجودة في الصحراء العربية توجد تحتها أنهار وأشجار اندرست بفعل تكاثف الرمال فوقها.
وقد استغرب الجيولوجي الألماني "كرونر" (Kroner) عندما عُرِضت عليه ترجمة هذا الحديث النبوي الشريف "لا تقوم الساعة حتى تعود بلاد العرب مروجاً وأنهاراً" وأنها ستعود كما كانت؟ فأجاب الدكتور كرونر: إن هذا لا يمكن أن يصدر إلا بوحي" كما إن شهادة هذا العالم الجيولوجي الألماني تصديق لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] وقوله أيضاً: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
المراجع العلمية:
جاء في الموسوعة البريطانية ما ترجمته: " هل كانت بلاد العرب مروجاً وأنهاراً؟
1- من أهم مظاهر العصر الجليدي الأخير (1.600.000 إلى 10.000 سنة ماضية) كان التمدد والانكماش المتكرران لغطاء الأرض الجليدي، هذه التغيرات الجليدية أثرت على المحيط الجيولوجي والمناخي والبيولوجي، وعلى تطور البيئة الإنسانية الأولى. اعتمد العصر الجليدي في تغيراته على تحرك القشرة الجليدية. تقريباً كل كندا، الثلث الشمالي من الولايات المتحدة، ومعظم أوروبا، كل اسكندنافيا، ومناطق كبيرة من شمال سيبريا كانت مغطاة بالجليد خلال العصور الجليدية. في زمن ما، خلال العصر الجليدي 30% من أرض الكوكب الأرضي كان مغطى بالجليد، وأحياناً كان الغطاء الجليدي يتقلص إلى أقل مما هو موجود اليوم.
2- تغير المناخ: إن التغيرات البيئية المصحوبة بتغير المناخ سببت اضطرابات قوية لطيور الفاونا والفلورا على اليابسة وفي المحيطات. هذه الاضطرابات كانت كبيرة قرب القشور الجليدية الأمامية التي امتدت إلى الجنوب وسببت في تغيّر المناطق المناخية والنباتية.
في المناطق المعتدلة في وسط أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث توجد غابات صغيرة اليوم، كانت الخضرة والنباتات مشابهة لنباتات المنطقة الشمالية التاندرا ذات الأعشاب والحشائش والقليل من الأشجار خلال العصور الجليدية. جنوباً كانت توجد مناطق واسعة من الغابات ذات النسب المتفاوتة من شجر الصنوبر وغيرها، والتي امتدت إلى البحر الأبيض المتوسط في أوروبا وشمال لويزيانا في شمال أمريكا.
3- العصر الجليدي الصغير:
عدد من العصور الجليدية المهمة حصلت خلال تاريخ كوكب الأرض، أولها كان منذ حوالي 570 مليون سنة، وأقربها منذ حوالي (1.600.000 سنة وانتهى منذ 10.000 سنة). مر على الأرض عصر أشبه ما يكون بالعصور الجليدية سُمِّيَ بالعصر الجليدي الصغير، في القرن السادس عشر واستمر لثلاثة قرون، وصل إلى ذروته في عام 1750 م حيث كان الغطاء الجليدي منتشراً انتشاراً كبيراً على سطح الأرض أكثر من أي وقت مضى منذ العصور الجليدية الأساسية".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الحديث النبوي هو قوله عليه الصلاة والسلام: "حتى تعود" والعودة لا تكون إلا بعد ذهاب أي كينونة سابقة، فبلاد العرب كانت مروجاً وأنهاراً وستعود كما كانت، وهذا ما كشفه علماء الجيولوجيا في القرن العشرين.
معدن الحديد مُنَزّلٌ من الفضاء الخارجي
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
فهم المفسرين:
نقل عن علماء التفسير في تفسير هذه الآية قولهم بأن الحديد منزل من السماء، واستدلوا كذلك بالحديث المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أنزل الله أربع بركات من السماء: الحديد، والنار، والماء، والملح". أما منافع الحديد فقد أفاض المفسرون في الحديث عنها.
حقائق علمية:
- كشف علماء الجيولوجيا أن 35% من مكونات الأرض من الحديد.
- الحديد أكثر المعادن ثباتاً وتصل كثافته إلى 7874 كم3، وبذلك يحفظ توازن الأرض.
- يتميز الحديد بأعلى الخصائص المغناطيسية وذلك للمحافظة على جاذبية الأرض.
- أصل الحديد من مخلفات الشهب والنيازك التي تتساقط من الفضاء الخارجي على كوكب الأرض، حيث تتساقط آلاف النيازك التي قد يزن البعض منها عشرات الأطنان وقد تم اكتشاف بعضها في أستراليا وأميركا.
- لا تتكوّن ذرّة واحدة من معدن الحديد إلا بطاقة هائلة تفوق مجموع الطاقة الشمسية.
التفسير العلمي:
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
إن القرآن يقدّر في هذه الآية الكريمة أن معدن الحديد قد تم إنزاله من السماء ولم يكن موجوداً على كوكب الأرض.
وقد ذكر هذه الحقيقة علماء التفسير، كما أفاضوا في الكلام عن بأس الحديد ومنافعه. أما العلم فإنه لم يتوصل إليها إلا في أوائل الستينات حيث وجد علماء الفضاء أن أصل معدن الحديد ليس من كوكب الأرض بل من الفضاء الخارجي، وأنه من مُخلّفات الشهب والنيازك، إذ يحول الغلاف الجوي بعضاً منها إلى رماد عندما تدخل نطاق الأرض، ويسقط البعض الآخر على أشكال وأحجام مختلفة.
كشف علماء الفضاء مؤخراً أن عنصر الحديد لا يمكن له أن يتكون داخل المجموعة الشمسية، فالشمس نجم ذو حرارة وطاقة غير كافية لدمج عنصر الحديد، وهذا ما دفع بالعلماء إلى القول بأن معدن الحديد قد تم دمجه خارج مجموعتنا الشمسية، ثم نزل إلى الأرض عن طريق النيازك والشهب.
ويعتقد علماء الفلك حالياً أن النيازك والشهب ما هي إلا مقذوفات فلكية من ذرات مختلفة الأحجام، وتتألف من معدن الحديد وغيره، ولذلك كان معدن الحديد من أول المعادن التي عُرِفتْ للإنسانية على وجه الأرض، لأنه يتساقط بصورة نقية من السماء على شكل نيازك.
قال "أرثر بيرز" في كتابه "الأرض": "قُسّمت النيازك إلى ثلاثة أقسام عامة:
1- النيازك الحديدية: ومتكونة من أكثر من 98% من الحديد والنيكل.
2- النيازك الحديدية الحجرية: نصفها مكوّن تقريباً من الحديد والنيكل والنصف الآخر من نوع الصخر المعروف باسم الـ "أوليفين".
3- النيازك الحجرية: التي تشمل على حجارة، وتقسم حجارتها إلى عدة أنواع.
يتساقط في كل عام آلاف النيازك والشهب على كوكب الأرض، التي قد يزن بعضها أحياناً عشرات الأطنان. ففي سنة 1902 عثر على نيزك في الولايات المتحدة بلغ (62 طناً) مكوّن من سبائك الحديد والنيكل. أما في ولاية "أريزونا" فقد أحدث شهاب فوهةً ضخمةً عمقها (600 قدم) وقطرها (4000 قدم) وقد بلغت كميات الحديد المستخرجة من شظاياه الممزوجة بالنيكل عشرات الأطنان.
ومن هذا الشرح العلمي تتبين لنا دقة الوصف القرآني "أنزلنا الحديد". ولكن ما هو البأس الشديد وما هي المنافع التي أشار إليها القرآن بقوله: {فيه بأس شديد و منافع للناس}؟
لقد وجد علماء الكيمياء أن معدن الحديد هو أكثر المعادن ثباتاً ولم يتوصل العلم إلى الآن من اكتشاف معدن له خواص الحديد في بأسه وقوته ومرونته وشدة تحمله للضغط. وهو أيضاً أكثر المعادن كثافةً حيث تصل كثافته إلى 7874 كم3، وهذا يفيد الأرض في حفظ توازنها. كما يعتبر معدن الحديد الذي يشكل 35% من مكونات الأرض، أكثر العناصر مغناطيسية وذلك لحفظ جاذبيتها.
في واقع الأمر لم تعرف البشرية أهمية الحديد الصناعية إلا في القرن الثامن عشر أي بعد نزول القرآن باثني عشر قرناً، حيث اتجه العالم فجأة إلى صناعة الحديد واكتشفوا أيسر الوسائل لاستخراجه. وقد دخل الحديد الآن في كل المجالات الصناعية كأساس لها، بل أصبح حجر الزاوية في جميع استعمالات البشر، فهو يستخدم كأنسب معدن في صناعة الأسلحة وأساساً لجميع الصناعات الثقيلة والخفيفة.
ولا بد أن نذكر أيضاً أن الحديد عنصر أساسي في كثير من الكائنات الحية، كما في بناء النباتات التي تمتص مركباته من التربة، والهيموغلوبين في خلايا الدم عند الإنسان والحيوان.
ونختم كلامنا عن الحديد بالإشارة إلى توافق عددي عجيب ذكره الدكتور زغلول النجار وهو من كبار علماء الجيولوجيا في العالم حيث نبهّه أحد أساتذة الكيمياء في أستراليا إلى أن رقم سورة الحديد يوافق الرقم الذرّي لمعدن الحديد وهو (56) بينما يوافق رقم آية الحديد العدد الذرّي لمعدن الحديد وهو (26)، ويأتي شرح ذلك مفصلاً في قسم الموافقات العددية. فسبحان من علّم محمداً صلى الله عليه وسلم كل هذه الحقائق العلمية. إنه رب العالمين خالق الأكوان القائل في كتابه العزيز {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
مراجع علمية:
ذكرت الموسوعة البريطانية:
"... على أية حال، إن أصل تكوّن الأرض عن طريق النمو التراكمي للكويكبات هي فرضية موثقة، والنيازك هي الأمثلة المحتملة للكويكبات التي عاشت في مرحلة ما قبل التكوكب من النظام الشمسي. هو هكذا يظهر أن الأرض قد تشكلت بتراكم الأجسام الصلبة مع التركيب المتوسط للنيازك الحجرية. على أية حال، عملية النمو التراكمي تقود إلى التفرقة الهائلة من العناصر. إن الكثير من الحديد قد أُرجع إلى الحالة المعدنية وغاص نحو المركز ليكوّن اللب، حاملاً معه القسم الأكبر من عناصر (السيدروفيل)*. أما عناصر (الليثوفيل)*، تلك ذات الألفة الأكثر للأكسجين من الحديد، فهي تتحد على شكل أكاسيد، في الغالب السيليكات، وتؤمن المادة المكونة للدٍّثار –(غلاف اللب الأرضي)- والقشرة. كما تميل عناصر (التشالكوفيل)* إلى تكوين الكبريتيدات، على أية حال، بعض الكبريتيدات تستقر على درجات حرارة عالية داخل الأرض، إذ أن مصير عناصر (التشالكوفيل)* خلال التاريخ المبكر للأرض غير مؤكدة نوعاً ما.
يمكن لهذا التمايز الجيوكيميائي الابتدائي للأرض أن يُترجم في تعابير النظام: حديد – مغنيزيوم – سيليكون – أكسجين – كبريت، لأن هذه العناصر الخمسة تكون حوالي 95 بالمائة من الأرض. لم تكن هناك كمية كافية من الأكسجين لتتحد مع أكثر العناصر معدنية الحديد، والمغنيزيوم والسيليكون. وبما أن المغنيزيوم والسيليكون لديهم ائتلاف مع الأكسجين أكثر من الحديد، فإنها تتّحد مع الأكسجين بالكامل. يتّحد الأكسجين الباقي مع قسم من الحديد مخلفاً البقية على شكل حديد معدني وكبريتيد الحديد. كما أشرنا سابقاً، يغوص المعدن في العمق ليشكّل اللب، صاحباً معه القسم الأكبر من عناصر (السيدروفيل)*..."
*- التشالكوفيل: أليف الكبريت.
- السيدروفيل: أليف النيزك الحديدي.
- الليثوفيـل: أليف الصخر.
"...إن احتراقاً إضافياً للمواد يؤدي إلى مجموعة من التفاعلات النووية المعقدة عن طريق العناصر التي نتجت من احتراق الكربون والأكسجين و التي تُحوّل بشكل تدريجي إلى عناصر ذات طاقة ترابطية كسرية قصوى، على سبيل المثال، الكروم والمنغنيز والحديد والكوبالت والنيكل. أعطت هذه التفاعلات جماعياً اسم احتراق السيليكون لأن قسماً مهماً من العملية هو تحطيم لنوى السيليكون إلى نوى الهيليوم، والتي تضاف تباعاً إلى نوى سيليكون أخرى لإنتاج العناصر المذكورة سابقاً.
أخيراً على درجات الحرارة تقريباً 4 × 910 ك، هناك إمكانية لبلوغ تقريبي إلى الموازنة الإحصائية النووية. في هذه المرحلة، بالرغم من أن التفاعلات النووية تتابع عملها، فإن كل تفاعل نووي ومعكوسه قد حدث بشكل سريع على حدٍّ سواء. وليس هناك تغير إجمالي آخر للتركيبة الكيميائية. وهكذا، فإن الإنتاج التدريجي للعناصر الثقيلة من خلال تفاعلات الاندماج النووي تُوازن بالتفكك وتتوقف عملية التعزيز فعلياً حينما تسود المادة على شكل الحديد والعناصر المجاورة له في الجدول الدوري. حقيقةً، إذا حدث تسخين آخر، فإن تحويلاًُ للنوى الثقيلة إلى نوى أخف سيتبع ذلك وبنفس الطريقة تقريباً التي يحصل فيها تأين (تشرّد) للذرات عندما تسخّن وتحمّى..."
"... إن الكثافة في لب الشمس تعادل تقريباً 100 ضعف كثافة الماء (تقريباً ستة أضعاف الكثافة في مركز الأرض)، لكن درجة الحرارة فهي على الأقل 15.000.000 كلفن، بحيث أن الضغط المركزي يساوي على الأقل 10.000 ضعف أكثر من ذلك في مركز الأرض والذي يعادل 3500 كيلوبار.
... تنخفض درجة حرارة الشمس من 15.000.000 كلفن في المركز إلى 5.800 كلفن على سطحها النيِّر، ..."
" يحتمل للنجوم ذات الكتلة المنخفضة أن تكون درجة الحرارة القصوى متدنية جداً لأية تفاعلات نووية مهمة يمكن لها أن تحدث، ولكن للنجوم الهائلة مثل الشمس وأعظم منها، فإنه يمكن أن تحدث أغلب تسلسلات تفاعلات الاندماج النووي الموصوفة سابقاً. علاوة على ذلك، فإن ميزان الوقت للتطور النجمي يُشتق من نظريات التطور النجمي التي تبرهن أن النجوم الأكثر كتلة جوهرياً من الشمس يمكن أن تكون أكملت تاريخ حياتها النشيط في وقت قصير مقارنةً بعمر اشتقاق الكون من نظرية الانفجار العظيم الكونية.
هذه النتيجة تعني أن النجوم الأكثر كتلةً من الشمس والتي تكونت باكراً جداً في تاريخ حياة المجرة، من المحتمل أنها أنتجت بعض العناصر الثقيلة التي تشاهد اليوم، وأما النجوم الأقل كتلة من الشمس فهي لم يكن لها أن تلعب أي دور في هذا الإنتاج ".
"إن الحديد، الذي هو أساس تكوين لب الأرض، هو أكثر العناصر انتشاراً في الأرض بشكل كلي (35 بالمائة) ...".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو دلالة لفظ "أنزلنا الحديد" الذي يفيد هبوط الحديد من السماء، وهذا ما كشفت عنه الدراسات الفضائية والجيولوجية في النصف الثاني من القرن العشرين.
الجبال أوتاد
آيات الإعجاز:
قال الله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
وتد: وتَدَ الوتِدُ وتْداً، وتِدَةً، ووتَّد، كلاهما: ثبَّت، والجمع أوتاد.
تميد: ماد الشي يميد ميداً، إذا تحرك ومال، وفي الحديث: "لمّا خلق الله الأرض جعلت تميدُ فأرساها بالجبال".
فهم المفسرين:
قال الإمام الرازي في تفسيره لقوله تعالى: "والجبال أوتاداً": أي أوتاداً للأرض كي لا تميد بأهلها، فيكمل كون الأرض مهاداً بسبب ذلك".
وقال القرطبي في تفسيره للآية أيضاً: "أوتاداً: أي لتسكُنَ ولا تتكفأ ولا تميل بأهلها".
وقال القرطبي أيضاً في تفسير قوله تعالى: "وألقينا فيها رواسي" أي: جبالاً ثابتة لئلا تتحرك (الأرض) بأهلها".
مقدمة تاريخية:
لقد تعرّف الإنسان على الجبال منذ القديم على أنها كتل صخرية عالية الارتفاع عن سطح الأرض، واستمر هذا التعريف للجبال إلى أن أشار "بيير بوجر" عام 1835م إلى أن قوى الجذب المسجلة لسلاسل جبال الإنديز أقل بكثير مما هو متوقع من كتلة صخرية هائلة بهذا الحجم، فاقترح ضرورة وجود كتلة أكبر من نفس مادة تلك الجبال حتى يكتمل تفسير الشذوذ في مقدار الجاذبية.
وفي أواسط القرن التاسع عشر أشار "جورج إيفرست" إلى وجود شذوذ في نتائج قياس المسافة بين محطّتي "كاليانا" و"كاليان بور" يقدر بـ: 153 متراً، ولم يستطع "إيفرست" تفسير الظاهرة فسمّاها "لغز الهند".
واقترح "جون هنري برات" أن يكون السبب ناشئاً عن سوء تقدير لكتلة جبال الهمالايا، كما وضع "جورج إبري" سنة 1865 فرضية تنص على أن جميع سلاسل الجبال الهائلة الارتفاع هي عبارة عن كتل عائمة في بئر من المواد المنصهرة التي تقع أسفل القشرة الأرضية، وأن هذه المواد المنصهرة أكثر كثافة من مادة الجبال والتي يفترض فيها أن تغوص في تلك المواد المنصهرة العالية الكثافة كي تحافظ على انتصابها على السطح.
وفي سنة 1889 طرح الجيولوجي الأمريكي "داتون" نظرية سماها "نظرية التوازن الهيدروستاتي للأرض" ومثّلها عملياً بمجموعة من المكعبات الخشبية المتفاوتة الأطوال وذلك بجعلها تعوم في حوض مليء بالماء، حيث وجد أن هذه المكعبات تغوص في الماء وأن مقدار هذا الغوص يتناسب طرداً مع ارتفاع وعلو تلك المكعبات وهذا ما يسمى الآن "حالة التوازن الهيدروستاتي".
وفي عام 1969 طرح عالم الجيولوجيا الفيزيائية الأمريكي "مورجان" (Morgan) نظرية بنائية الألواح (الصفائح) والتي تقول بأن القشرة الأرضية ليست جسماً مصمتاً متصلاً بل إنها عبارة عن ألواح (أو صفائح) تفصل بينها حدود، وأنها تتحرك إما متقاربة أو متباعدة، وأن الجبال عبارة عن أوتاد تحافظ على اتزان هذه الألواح (الصفائح) أثناء حركتها.
حقائق علمية:
- الجبل يشبه الوتد شكلاً إذ إن قسماً منه يغرق في طبقة القشرة الأرضية.
- الجبل يشبه الوتد من حيث الدور والوظيفة إذ إنه يعمل على تثبيت القشرة الأرضية ويمنعها من الاضطراب والميلان.
- كشف الجيولوجيون أن طبقة القشرة الأرضية (السيال) هي التي تشكل القارات وتحتضن المحيطات.
- في سنة 1889 وضع الجيولوجي الأمريكي "داتون" "Dutton" نظرية التوازن الهيدروستاتي للأرض.
- في عام 1969 تم الكشف على أن القشرة الأرضية عبارة عن ألواح أرضية تفصل بينها حدود وأن الجبال عبارة عن أوتاد تحافظ على توازن تلك الألواح الأرضية أثناء حركتها.
التفسير العلمي:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7].
من الآية السالفة الذكر يتضح لنا معنيان؛ الأول: أن الجبال تشبه الأوتاد شكلاً؛ إذ إن قسماً من مادة الجبال يغرق في طبقة القشرة الأرضية. والثاني: أن الجبال تشبه الأوتاد دوراً؛ أي أنها تعمل على تثبيت القشرة الأرضية وتمنعها من أن تميد وتضطرب!!.
أما المعنى الأول: فقد اكتشف علم الجيولوجيا الحديث أن طبقة القشرة الأرضية (السيال) التي نعيش عليها هي التي تشكل القارات وتحتضن المحيطات، وترتفع جبالاً في مكان وتنخفض ودياناً في مكان آخر وتلي هذه الطبقة - مباشرة - طبقة السيما وهي أكثف من طبقة السيال؛ ولكن تحت ثقل هذه الأخيرة يصبح لها قوام عجيني الأمر الذي يسهل انزلاق القارات عليها؛ فالقارات جميعها تنزلق بسرعة ملحوظة وباتجاهات متعددة، حسب القياسات الحديثة بالأقمار الاصطناعية.
جاء في كتاب "الأرض" (Earth, Frank Press, 3rd ed., P. 435, 1982) إن الجبال الضخمة لا ترتكز على قشرة صلبة، وإنما هي تطفو على بحر من الصخور الأكثر كثافة، وبمعنى آخر: "إن للجبال جذوراً أقل كثافة من طبقة السيما تساعد هذه الجبال على العوم".
ويقول العالم Van Anglin C.R. في كتابه "Geomorphology" الصادر في عام 1948 (ص:27): "من المفهوم الآن أنه من الضروري وجود جذر في السيما مقابل كل جبل فوق سطح الأرض".
ولنفهم هذا التوازن نأخذ مثلاً الجليد: فالجليد أقل كثافة ( Density ) من الماء، كما أن السيال أقل كثافة من السيما، فإن علا جبل الجليد فوق الماء فلا بد من امتداد له تحت الماء يدفعه ويساعده على العوم. كذلك الجبال الصخرية؛ فهي تشكل - من حيث تكوينها - جزءاً بارزاً فوق سطح الأرض وجذراً غارقاً في السيما، وقد أثبت ذلك علمياً بواسطة قياسات الجاذبية في مختلف تضاريس الأرض.
فقد جاء في كتاب الأرض " أن الجهاز المعروف بـ "ميزان البناء" (Plumb Bob) يظهر انحرافاً عند المستقيم العامودي نسبة لسطح الأرض بسبب جاذبية الكتل الجبلية.
وفي صفحة 435 من الكتاب نفسه: إن ميزان البناء يتحسس الكثافة العالية للجزء الظاهر من الجبل كما يتحسس الكثافة القليلة للجذر. وظهر ذلك عند قياس مقدار الانحراف بدقة.
لقد اتضح من خلال ما تقدم أنه من الثابت علمياً أن للجبال شكل أوتاد، كما هو مذكور في القرآن العظيم المنزل على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منذ ما يزيد على 1400 سنة.
هذا بالنسبة للمعنى الأول، أما المعنى الثاني: وهو دور الجبال في تثبيت القشرة الأرضية.
فقد أكدته "نظرية التوازن الهيدروستاتي للأرضي" للجيولوجي الأمريكي "داتون" "Dutton" سنة 1889 والتي تنص على أن المرتفعات تغوص في الماء بمقدار يتناسب طرداً مع ارتفاعها وعلوّها، كما جاءت نظرية "بنائية الألواح الأرضية" التي طرحت عام 1969 لتبيّن أن الجبال تقوم بحفظ توازن القشرة الأرضية وتوضح هذه النظرية التي تم التأكد منها بواسطة صور الأقمار الاصطناعية بأن القشرة الأرضية ليست جسماً مُصْـمتاً بل إنها عبارة عن ألواح (صفائح) أرضية تفصل بينها حدود، وهذه الصفائح تتحرك إما متقاربة أو متباعدة بحيث تكون الجبال غير الرسوبية عبارة عن أوتاد تحافظ على توازن هذه الألواح الأرضية أثناء حركتها.
بين يدي هذا كله يطرح سؤال، وهو كيف عرف النبي محمد بن عبد الله صلاة الله وسلامه عليه أن الجبال تشبه الأوتاد شكلاً ودوراً في الوقت الذي كان فيه الإنسان يجهل طبيعة تكّون الأرض؟!.
والجواب هو أن أي عاقل - على ضوء ما تقدم - ليقطع جازماً بأن هذا الكتاب الذي أُنزل معجز وأنه ليس من صنع البشر ولا هو داخل في طاقاتهم ولا تحت إمكانياتهم - مهما أوتوا من العبقرية والذكاء أو الفطنة والدهاء - وإنما هو كلام الله تعالى خالق الكون، والعالم بحقيقة تكوينه مصداقاً لقوله جل وعز: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو دلالة اللفظ "أوتاداً" على وظيفة الجبال، فهي تحفظ الأرض من الاضطراب والميلان وتؤمن لها الاستقرار، وهذا ما كشف عنه الجيولوجيون في النصف الثاني من القرن العشرين.
الأرض في تناقص مستمر
علم البحار والرياح
عنوان الموضوع
الحواجز المائية
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 19-22].
وقال عز وجل: {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} [النمل: 61].
وقال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب:
- مرج: له معنيان، الأول: الخلط، والثاني: مجيء وذهاب واضطراب.
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: الميم والراء والجيم أصل صحيح يدل على مجيء وذهاب واضطراب.
وقال الزجاج: مرج: خلط يعني البحر الملح والبحر العذب ومعنى لا يبغيان أي لا يبغي المَلِح على العذب فيختلط.
أجاج: ماء أجاج أي مَلِح وقيل مرّ وقيل شديد المرارة وقيل الأجاج: الشديد الحرارة.
قال الله عز وجل: {وهذا ملح أجاج} وهو الشديد الملوحة والمرارة مثل ماء البحر، الأجاج بالضم الماء الملح الشديد الملوحة. وأجيج الماء: صوت انصبابه.
الحجر: الحِجر والحَجر هو المنع والتضييق، قال ابن منظور: "لقد تحجرت واسعاً" أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك.
وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: يسمى العقل حجراً لأنه يمنع من إتيان ما لا ينبغي.
فهم المفسرين:
أ( الحاجز بين بحرين:
لقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الحاجز الذي يفصل بين البحرين المذكورين هو حاجز من قدرة الله تعالى لا يُرى، قال الإمام ابن الجوزي عن البرزخ هو: "مانع من قدرة الله لا يراه أحد" (زاد المسير 6/90) وقال بذلك أيضاً الزمخشري في (الكشاف 3/96)، والقرطبي في تفسيره (جامع الأحكام 13/58)، والبقاعي في (نظم الدرر 13/406).
ب( حاجز بين نهر عذب وبحر مالح:
قال الطبري: يعني بالعذب الفرات: مياه الأنهار والأمطار وبالملح الأجاج: مياه البحار وإنما عنى بذلك أنه من نعمه على خلقه، يخلط ماء النهر العذب الفرات بماء البحر الملح الأجاج ثم يمنع الملح من تغيير العذب عن عذوبته وإفساده إياه بقضائه وقدره.
{وجعل ينهما برزخاً}: يعني حاجزاً يمنع كل واحد منهما من إفساد الآخر.
{وحجراً محجوراً}: يقول:وجعل كل واحد منهما حراماً محرماً على صاحبه أن يغيره.
وعن مجاهد قال: أي حاجزاً لا يراه أحد.
{وجعل بينهما برزخاً} قال مجاهد: البرزخ أنهما يلتقيان فلا يختلطان و"حجراً محجوراً" أي لا تختلط ملوحة هذا بعذوبة هذا فلا يبغي أحدهما على الآخر.
ونشير إلى أنه لم يتيسر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي قررتها الآيات لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم، ومن هنا يفهم تعدد أقوالهم في تفسير لفظ "مرج" ولفظ "البرزخ" ولفظ "حجراً محجوراً" وذلك بسبب نقص العلم البشري طيلة القرون الماضية.
مقدمة تاريخية:
لقد دل الوصف التاريخي لتطور علوم البحار على عدم وجود أية معلومات علمية في هذا الموضوع، بل إن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين، خاصة في النصف الأخير من القرن العشرين، فأعماق البحار كانت مجهولة بالنسبة للإنسان تكثر عنها الأساطير والخرافات.
ثم بدأ علم المحيطات يأخذ مكانه بين العلوم الحديثة عندما قامت السفينة البريطانية "تشالنجر" برحلتها حول العالم (1872-1876 م) حيث توالت الرحلات العلمية لاكتشاف البحار.
في الأربعينات من القرن العشرين، كشفت الدراسات البحرية التي أجريت في المحطات البحرية، أن البحار المالحة بحار مختلفة، وأن هناك حاجزاً وبرزخاً يفصل بين بحرين مالحين.
تطورت دراسة علم المحيطات، وكان للأقمار الاصطناعية الأثر الأكبر في هذا التطور، حيث استطاع العلماء الحصول على صور للبرازخ وكذلك لمصبات الأنهار واختلاف درجات الحرارة والتلوّث.
حقائق علمية:
- يوجد بين البحار المالحة حواجز مائية تحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر.
- يوجد اختلاط بن البحرين رغم وجود الحاجز لكنه اختلاط بطيء بحيث يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر آخر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه دون أن يؤثر على خصائصه.
- بيّنت الدراسات البحرية أن المرجان يوجد فقط في المناطق البحرية ولا يوجد في مناطق المياه العذبة.
- تنقسم المياه إلى ثلاثة أنواع (مياه الأنهار، مياه البحار، ومياه منطقة المصب).
- لا يوجد لقاء مباشر بين ماء النهر وماء البحر في منطقة المصب لوجود حاجز مائي يحيط بهذه المنطقة ويفصل بين الماءين.
- تعتبر منطقة المصب حجر على الكائنات التي تعيش فيها ومحجورة عن الكائنات التي تعيش خارجها.
التفسير العلمي:
لقد اكتشف العلماء في الأربعينات من القرن العشرين أن البحار المالحة بحار مختلفة من حيث الترتيب والخصائص، ولم يكن ذلك إلا بعد أن أقام الباحثون المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار. فقاسوا الفروقات في درجة الحرارة ونسبة الملوحة ومقدار الكثافة ومقدار ذوبان الأكسجين في مياه البحار في كل المحيطات فأدركوا أن البحار مختلفة، ثم توصل العلماء إلى اكتشاف الحواجز (البرازخ) المائية وهي على نوعين:
النوع الأول: الحاجز بين بحرين مالحين:
"لقد اكتشفت الدراسات الحديثة أن البحار رغم أنها تبدو متجانسة إلا أن هناك فروقات كبيرة بين كتلها المائية وفي المناطق التي يلتقي فيها بحرين مختلفين يوجد حاجز بينهما. هذا الحاجز يفصل البحرين بحيث أن كل بحر له حرارته وملوحته وكثافته الخاصة به". [أسس علم البحار، دايفس. صفحة 92-93].
فبين مياه البحر الأبيض المتوسط الساخنة والمالحة حواجز عند دخولها إلى المحيط الأطلسي ذي المياه الباردة والأقل كثافة. كما توجد مثل هذه الحواجز بين مياه البحر الأحمر ومياه خليج عدن، وهذا الذي وصل إليه العلم الحديث في هذا القرن هو صريح البيان القرآني في سورة الرحمن حيث قال تعالى: {مرج البحرين يلتقيان} فالقرآن يتحدث عن بحرين مالحين مختلفين، والدليل على ذلك ما ذكره علماء التفسير من أن لفظ "البحر" إذا أطلق في القرآن دون تقييد فهو ماء البحر المالح، ثم إنه لو كان البحران متشابهين لكانا بحراً واحداً وذلك التفريق بينهما في اللفظ القرآني يدل دلالة علمية دقيقة على وجود اختلاف بينهما مع كونهما مالحين.
والدليل الآخر الذي أشارت إليه الآية القرآنية، أنها وصفت البحرين بأنه يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، ولقد اكتشف العلماء أن اللؤلؤ والمرجان يكونان فقط في البحار المالحة ولا وجود لها في المياه العذبة أو في مناطق امتزاج المياه العذبة مع البحار.
في عام 1942، أسفرت الدراسات العلمية لخصائص البحار عن وجود حواجز مائية تفصل بين البحار الملتقية وهذا ما أشار إليه تعالى بقوله: {بينهما برزخ لا يبغيان}. فـ "البرزخ": أي الحاجز، ويؤكد ذلك قوله تعالى في آية أخرى {وجعل بين البحرين حاجزاً}. و "لا يبغيان": أي لا يبغي ويطغى أحد البحرين على الآخر فيغير خصائصه. كما تبيّن للعلماء وجود اختلاط بين البحار المالحة رغم وجود هذا الحاجز (البرزخ)، وهذا ما دل عليه القرآن {مرج البحرين يلتقيان}، فالمرج يعني الاختلاط، أو الذهاب والإياب والاضطراب. لكن هذا الاختلاط يكون بطيئاً بحيث يجعل القدر الذي يعبر من بحر إلى بحر يتحول إلى خصائص البحر الذي ينتقل إليه دون أن يؤثر على تلك الخصائص. إذ أن هذه الحواجز تحافظ على الخصائص المميزة لكل بحر من حيث الكثافة والملوحة والأحياء المائية والحرارة وقابلية ذوبان الأكسجين في الماء.
ثانياً: الحاجز بين نهر عذب وبين بحر مالح:
1- كيفية اللقاء بين ماء النهر وماء البحر (وماء المصب):
لقد شاهد الناس منذ القدم مياه النهر تصب في البحر، كما لاحظوا أنها تفقد بالتدريج لونها المميز وطعمها الخاص كلما تعمقت في البحر.
ولكن مع تقدم الاكتشافات العلمية قام العلماء بدراسة عينات من الماء حيث يلتقي النهر بالبحر. فعملوا على قياس درجات الملوحة والعذوبة بأجهزة دقيقة، وقياس درجة الحرارة والكثافة، وجمع عينات من الكائنات الحية ثم القيام بتصنيفها، وتحديد أماكن وجودها، ودراسة قابليتها للعيش في البيئات النهرية والبحرية، ثم توصلوا إلى أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي:
أ- مياه الأنهار وهي شديدة العذوبة.
ب- مياه البحار وهي شديدة الملوحة.
ج- مياه في منطقة المصب: مزيج من الملوحة والعذوبة تفصل بين النهر والبحر، فتزداد الملوحة كلما قربت من البحر، وتزداد العذوبة كلما قربت من النهر.
وهذا ما قرره القرآن الكريم حيث وصف البحرين (العذب والمالح) بأوصاف لم يكتشفها العلماء إلا في القرون الأخيرة.
فماء النهر وصفه بقوله "عذب فرات" والماء العذب هو الماء غير المالح، والفرات: أي شديد العذوبة وبهذا الوصف أي (الفرات) خرج ماء المصب الذي يمكن أن يقال عنه بأنه عذب إلا أنه ليس فراتاً.
أما ماء البحر فوصفه القرآن بأنه مِلْح أجاج، فالماء المالح هو ماء البحر وأجاج أي شديد الملوحة. وبالتالي لا ينطبق الوصفان على ماء المصب.
أما ماء المصب: فهو مزيج بين ماء النهر العذب الفرات وماء البحر المِلْح الأجاج، ووصفه القرآن بقوله: {مرج البحرين} –أي- (النهر والبحر).
2- الحاجز المائي المحيط بمنطقة المصب:
لاحظ العلماء أيضاً وجود حاجز مائي يحيط بمنطقة المصب ويحافظ على خصائصها المميزة لها. بل إن ماء النهر وماء البحر لا يلتقيان مباشرة في منطقة المصب بالرغم من حركة المدّ والجزر وحالات الفيضان والانحسار، وذلك لوجود الحاجز المائي المحيط بمنطقة المصب الذي يفصل بينهما دائماً. لكن في مقابل عدم وجود لقاء مباشر بين النهر والبحر لاحظوا وجود امتزاج بطيء مع وجود المنطقة الفاصلة من مياه المصب، والحاجز المائي الذي يحيط بها. وقد أشار القرآن الكريم إلى وجود هذا الحاجز بقوله {وجعل بينهما برزخاً}، والبرزخ كما قال علماء التفسير هو حاجز يمنع كل واحد منهما من إفساد الآخر، قال مجاهد: يلتقيان فلا يختلطان.
3- منطقة المصب وخاصية الحجر (المنع):
لاحظ العلماء اختلاف الكتل المائية الثلاث (ماء النهر، ماء البحر، ماء المصب) في درجة الملوحة والعذوبة، ووجدوا أن معظم الكائنات التي تعيش في البحر والنهر والمصب تموت إذا خرجت من بيئتها الخاصة بها، فما يعيش في النهر لا يعيش في البحر أو في المصب، وهكذا...
ثم قاموا بتصنيف البيئات الثلاث (النهر والبحر والمصب) باعتبار الكائنات التي تعيش فيها، فوجدوا أن منطقة المصب تعد منطقة حجر على معظم الكائنات الحية التي تعيش فيها، فهي لا تعيش إلا في وسط مائي يتناسب في ملوحته وعذوبته مع درجة الضغط الأسموزي فيها، وتموت إذا خرجت من منطقة المصب.
وبالمقابل فإن منطقة المصب تعد أيضاً منطقة محجورة عن معظم الكائنات الحية التي تعيش في البحر والنهر، لأن هذه الكائنات تموت إذا دخلتها وذلك بسبب اختلاف الضغط الأسموزي أيضاً، والعجيب أن القرآن الكريم وصف منطقة المصب بهذين الوصفين فقال {حجراً محجوراً}، ونستطيع أن نفهم الحجر هنا في ضوء الاكتشافات الحديثة بأن الكائنات الحية في منطقة المصب تعيش في حجر ضيق ممنوعة من أن تخرج من هذا الحجر. كما وصفت منطقة المصب أيضاً بأنها محجورة أي ممنوعة عن كائنات حية أخرى من أن تدخل إليها فمنطقة المصب حسب الوصف القرآني هي "حجر" على الكائنات التي فيها، و"محجورة" عن الكائنات الحية الموجودة خارجها.
والذي نستخلصه أن العلماء لاحظوا الفرق الجوهري الذي أشار إليه القرآن الكريم بين الحاجز الذي يفصل بين النهر والبحر وبين الذي يفصل بين البحار المالحة.
فالأول: منطقة المصب فيه تعد منطقة حجر على الكائنات الحية الخاصة بها ومنطقة محجورة عن الكائنات الخاصة بالبحر والنهر، وهو ما وصفه البيان الإلهي في سورة الفرقان حيث قال: {وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً}.
أما الحاجز الثاني: الذي يفصل بين البحار المالحة فإنه لا توجد فيه خاصية منع الكائنات الحية من الخروج أو الدخول إليه، وهذا هو الذي تحدثت عنه آيات سورة الرحمن فقال جل ذكره: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} فليس هناك وصف "حجراً محجوراً" لهذا البرزخ، فنجد معظم الكائنات الحية تنتقل بين البحرين بكل سهولة وذلك لأن الاختلاف في درجة الملوحة ليس شديداً حتى يمنع انتقالها من بيئة بحرية إلى أخرى.
وهنا يقف عقل الإنسان متعجباً أمام بيان الإعجاز القرآني وأمام هذا النظام البديع الذي جعله الله تعالى لحفظ الكتل المائية الملتقية من أن يفسد بعضها خصائص البعض الآخر... {وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها}.
مراجع علمية:
ذكرت الموسوعة البريطانية:
"إن مصبات الأنهار هي أماكن حيث تلتقي الأنهار بالبحر، وكذلك يمكن أن تعرّف بأنها مناطق تخفيف التركيز المحسوب للماء المالح مع الماء العذب بشكل معتدل، إن مصبات الأنهار من الناحية البيولوجية أكثر إنتاجية من النهر أو البحر لأن هذه المصبات لديها نوع خاص ومميز من دورة المياه التي تحبس المغذيات النباتية وتحث على الإنتاج الأولي، والمياه العذبة لكونها أخف من المياه المالحة، تؤدي إلى تشكيل طبقة فاصلة بحيث تطفو على سطح المصب. في الحدود بين المياه العذبة والمياه المالحة، يوجد هناك كمية من الاختلاط تسبَّبَ من تدفق المياه العذبة فوق المياه المالحة وبسبب الانحسارات والمد والجزر. وإن أي اختلاط زائد يمكن أن يتسبب من وقت لآخر من جراء الرياح القوية والأمواج الداخلية التي تتوالد على طول السطح البيني (سطح يشكل حاجزاً بين جسمين) بين المياه العذبة والمالحة".
كما ذكرت في مكان آخر:
"إن الملوحة في المحيطات ثابتة ولكنها تتغير على طول الشاطيء عند تموه المياه المالحة مع المياه العذبة في نهاية الجداول والأنهار، هذه المياه الآسنة تشكل حاجزاً فاصلاً بين الكائنات الحية البحرية والنهرية".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة هو دلالتها على وجود حواجز بين البحار المالحة يسمح باختلاط بطيء، بحيث تفقد كمية المياه المنطلقة من بحر لآخر خصائصها وتكتسب خصائص البحر الذي دخلت فيه. كما دلّت على أن البحار والأنهار تلتقي وتتمازج مع وجود حاجز يمنع الاختلاط الكامل بينهما، وهذا ما كشف عنه علماء البحار في القرن العشرين عن منطقة المصبّ بين النهر والبحر والحواجز البحرية بين بحرين مختلفين.
ظلمات البحار العميقة وحركة الأمواج الداخلية
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40].
التفسير اللغوي:
جاء في لسان العرب:
يغشاه: غشيت الشيء تغشية إذا غطيته.
لجّي: لُجة البحر: حيث لا يدرك قعره... ولجّ البحر: الماء الكثير الذي لا يُرى طرفاه.
ولُجّ الليل: شدة ظلمته وسواده.
فهم المفسرين:
ذكر الإمام القرطبي في تفسيره للآية الكريمة ما يلي: "المراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر، فلا يبصر مَنْ كان في هذه الظلمات شيئاً".
مقدمة تاريخية:
لقد اعتقد الإنسان قديماً بخرافات عديدة عن البحار والمحيطات، ولم تتوفر للبحارة آنذاك معرفة علمية حقيقية عن الأحوال السائدة في أعماق البحار حيث كانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة.
وهذا ما حدا بالخرافات إلى الإحاطة بالبحار الراكدة التي لا يمكن أن تعبرها البواخر، حيث اعتقد الرومان القدماء بوجود أسماك مصاصة لها تأثيرات سحرية على إيقاف حركة السفن، ورغم أن القدماء كانوا على علم بأن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعوبة بمكان معرفة شيء عن الحركات الداخلية في البحار.
ويبين تاريخ العلوم أن الدراسات المتصلة بعلوم البحار وأعماقها لم تبدأ إلا في بداية القرن الثامن عشر عندما اخترعت الأجهزة المناسبة لمثل هذه الدراسات الدقيقة، ومن هذه الأجهزة التي استعملت لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو "قرص سيتشي" (The Secchi disk) وهو عبارة عن قرص أبيض يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية.
ومع نهاية القرن التاسع عشر تم استخدام الوسائل التصويرية التي تم تطويرها خلال الثلاثينات من القرن العشرين، حيث استعملت الخلايا الكهروضوئية.
ويعود الفضل في تفسير ظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور "إيكمان" (V.W.Ekman) في أوائل القرن العشرين.
حقائق علمية:
- اكتشف العلماء أن البحار والمحيطات مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب قسماً كبيراً من ضوء الشمس.
- تمتص مياه البحار ألوان الطيف الضوئي تدريجياً كلما زادت هذه الألوان تعمقاً، فتنشأ مستويات من الظلمات داخل هذه البحار ويشتد الظلام بعد عمق 1000 متر حتى إذا أخرج الإنسان يده لم يراها.
- كشفت علوم البحار الحديثة عن وجود أمواج عاتية في البحار العميقة.
- استطاع العلماء من مشاهدة الأسماك في البحار العميقة على عمق يتراوح بين (600 م – 2700 م) والتي تستخدم أعضاء مضيئة لترى في الظلام وتلتقط فريستها.
التفسير العلمي:
كشفت علوم البحار الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين عن أسرار مدهشة في أعماق البحار والمحيطات، وسنقتصر هنا على ذكر ظاهرتين هما: ظلمات البحر العميقة وحركة الأمواج الداخلية.
- الظاهرة الأولى: ظلمات البحر العميقة:
غالباً ما تكون البحار والمحيطات مغطاة بسحب ركامية كثيفة تحجب قسماً كبيراً من ضوء الشمس، كما يظهر في أكثر صور الأقمار الاصطناعية، فتعكس هذه الغيوم كمية كبيرة من أشعة الشمس وتحجب قسماً كبيراً من ضوئها، وأما الضوء الباقي فيعكس الماء قسماً منه، ويمتص القسم الآخر، الذي يتناقص تناقصاً رأسياً مع تزايد عمق المياه. وهذا ما أشارت إليه الموسوعة البريطانية.
وقد ذكر جيرلوف في كتابه (Marine Optics) أنه ينخفض مستوى الإضاءة في مياه المحيط المكشوفة إلى نسبة 10% من مستواه عند السطح على عمق 35 متراً، وإلى 1% على عمق 85 م، وإلى 0.1% على عمق 135م، وإلى 0.01% على عمق 190م. ويشتد الظلام بعد عمق 1000 متر حتى إذا أخرج الإنسان يده لا يراها.
هذه الحقائق العلمية المدهشة ذكرها القرآن الكريم الذي أنزل على عرب في الصحراء لا يعرفون السباحة ولا خوض البحار والمحيطات، حيث جاء في الآية الأربعين من سورة النور قول الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}، فهذه الآية تتطابق مع تلك الحقائق، إذ قررت أن البحار العميقة غالباً ما تعلوها السحب، وفي قوله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} تدل على انعدام الرؤية ويؤكد ذلك أيضاً قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} فاللجي هو الشديد الظلمة والعمق، والأسماك في ذاك العمق ليس لها عيون بل إنها مجهزة بنور بيولوجي كما ورد في الموسوعة البريطانية وهذا وجه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} فهذه الأسماك قادرة على استبيان طريقها ومعرفته من خلال أعضاء منيرة خلقها الله تعالى في جسمها.
وقاع البحر المنحدر يتغير لونه بصورة تدريجية إلى الأزرق حتى يختفي تماماً مع تزايد العمق، كما أن نفاذ ألوان طيف الضوء إلى البحار تتناسب عكسياً مع ازدياد العمق، فكلما زاد العمق نشأت ظلمة حالت دون رؤية بعض ألوان الطيف الضوئي. ولذلك قال الله تعالى {َظُلُمَات} ولم يقل (ظلمة) وقال: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
لقد لاحظ الدكتور "وليام هي" “HAY” أن الصيادين قادرون على استخدام الاختلاف الظاهر في لون الماء لتحديد العمق بدقة ملحوظة، وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو قرص سيتشي (The Secchi disk) الذي يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية (أساسية).
2- الظاهرة الثانية: حركة الأمواج الداخلية.
إن صورة طبقات الأمواج التي تعلو إحداها الأخرى على سطح البحر تأخذ بالعقول، وهذه الظاهرة للأمواج معروفة تماماً لدى البحارة والصيادين، ولكن الشيء الأشد غرابة الذي لم يعرفه الإنسان إلا قبل مائة سنة فقط، هو تلك الأمواج الداخلية الموجودة في أعماق البحار، والتي تتولد على امتداد السطح الفاصل بين طبقتين من المياه المختلفة من حيث الكثافة والضغط والحرارة والمد والجزر وتأثير الرياح كما ورد في الموسوعة البريطانية. والاختلاف في كثافة المحيط المفتوح أقل منه في المناطق الساحلية التي تصب فيها المياه العذبة من أنهار وجداول وغيرها. ويتشكل السطح الفاصل بين الكثافات المختلفة عند منطقة الهبوط الحراري الرئيسي فيفصل مياه السطح الدافئة عن مياه الأعماق الباردة. وقد يتراوح سمك طبقة المياه الدافئة من بضع عشرات إلى مئات من الأمتار.
وهذه الأمواج التي تتشكل على هذا السطح الفاصل بين الطبقتين المائيتين المختلفتين في الكثافة والملوحة والحرارة، تشبه الموجات السطحية، ولكن لا يمكن أن تشاهد بسهولة من فوق سطح الماء، وتستهلك عملية تكونها جزءاً كبيراً من الطاقة التي كان يمكن استخدامها لدفع سفينة ما إلى الأمام.
فنجد بعض السفن التي تبحر في هذه المياه تفقد فجأة قدرتها على التقدم، داخلةً فيما يعرف بظاهرة المياه الراكدة التي كان الفضل في تفسيرها ودراستها للدكتور السويدي فان إيكمان (V.W.Ekman) في أوائل القرن العشرين كما جاء في الموسوعة البريطانية. وقد قال عز وجل: { فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} والمعنى أن الموج يغشى البحر اللجي وهذا ما أكده علماء البحار حيث قالوا بأن البحر اللجي العميق يختلف عن البحر السطحي وأن الأمواج الداخلية لا تتكون إلا في منطقة الانفصال بين البحر السطحي والبحر العميق. ولهذه الأمواج الداخلية أنواع مختلفة أهمها ما ينشأ في المضايق والقنوات، فمثلاً عند مضيق جبل طارق، يتسبب التدفق الداخلي للتيار السطحي القوي، والتدفق الخارجي للتيار السفلي، في دخول الأمواج الداخلية من المحيط الأطلسي إلى المضيق، كأنها أمواج متكسرة، مثل الأمواج المزبدة على الشاطىء، مما يتسبب في قدر كبير من الاضطرابات الداخلية.
إذن: هناك سحاب وهناك موج سطحي وأمواج داخلية، فإذا سقط الشعاع الضوئي من الشمس، فإن السحاب يمتص بعضه فتحدث ظلمة، فإذا سقط على الموج السطحي عكس هذا الموج بعضه أيضاً، فإذا نزل الشعاع إلى الموج الداخلي انعكس وحدثت ظلمة، ثم إن كثافة الماء العميق تمتص ما بقي من أشعة الشمس على عمق 1000 مترٍ، فيتم الظلام في هذه المنطقة أي في البحر اللجي العميق {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}.
المراجع العلمية:
ذكرت الموسوعة البريطانية: "إن جزيئات الماء والأملاح الذائبة، والمواد العضوية، والأجسام الدقيقة العالقة تجتمع معاً لتسبب انخفاضاً في شدة الإشعاعات الشمسية المتاحة كلما ازدادت تعمقاً".
وتذكر الموسوعة البريطانية أيضا: "بشكل عام، أي فصيلة من الأسماك صنف (Osteichthyes) موجودة في أقصى أعماق المحيطات، عادة فوق الـ 600 م وحتى إلى حد 2700 م (2000 إلى 9000 قدم). الفصائل التي تمثل أكثر من دزينة من العائلات السمكية البحرية، تتميز بأفواه كبيرة وبوجود عضو مضيء على بعض أو عدة أجزاء من الجسم. والأعضاء التي تنتج الضوء تقوم بجذب فريستها أو الأزواج الممكنة. هذه الميزات وغيرها من السمات الغريبة التي تتميز بها أسماك البحر العميق، تظهر التكيفات التطورية مع الضغط الشديد والبرد وبالأخص بيئتهم المظلمة".
وأيضا تذكر الموسوعة البريطانية: "الأمواج موجودة أيضاً في السطوح الداخلية للمحيطات، هذه السطوح تمثل أطباقاً من التغير السريع في كثافة الماء مع ازدياد العمق، والأمواج التي تصحبها تدعى الأمواج الداخلية.
سبب وجود هذه الأمواج الداخلية يكمن في تأثير قوى المد والجزر أو في تأثير الرياح أو تقلبات الضغط. أحياناً، يمكن لسفينة ما أن تسبب في حدوث أمواج داخلية إذا كانت هناك طبقة علوية قليلة العمق والملوحة".
ويذكر نفس المصدر (الموسوعة البريطانية): "كشف "إيكمان" عن نظريته ومواهبه التجريبية في دراسته لما يسمى بالماء الراكد الذي يؤدي إلى تحريك بطيء للقوارب لتصبح تتردد واقفة في مكانها بسبب انتشار طبقة من المياه العذبة فوق هذا البحر والآتية من ذوبان الثلوج".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية القرآنية الكريمة هو تصريحها بوجود ظلمات في أعماق البحار متراكمة فوق بعضها البعض، ووجود أمواج داخلية في البحار والمحيطات العميقة والتي غالباً ما تغطي هذه البحار والمحيطات سحب ركامية تحجب قدراً مهماً من أشعة الشمس، وهذا ما كشفت عنه دراسات علماء البحار في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين.
الرياح لواقح
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22].
التفسير اللغوي:
جاء في مختار الصحاح في مادة لقح:
لقح: ألقح الفحل الناقة والريح السحاب ورياح لواقح ولا تقل ملاقح وهو من النوادر وقيل الأصل فيه مُلقحةٌ ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح كأن الرياح لقحت بخير فإذا أنشأت السحاب وفيها خير وصل ذلك إليه.
فهم المفسرين:
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح}؛ قال: لواقح للشجر والسحاب. وهو قول الحسن وقتادة والضحاك من التابعين. وذكر هذا القول أيضاً الطبري والقرطبي.
وقال طائفة من المفسرين: لواقح جمع لاقح، أي: حاملة للسحاب والخير، وضدها الريح العقيم.
فعلى الأول: تكون لواقح جمع ملقحة.
وعلى الثاني: تكون جمع لاقح.
ولا معارضة بينهما، فلقد صوب إمام المفسرين الطبري كِلا القولين جميعاً، ذلك بأن الرياح تُلقَّحُ بمرورها على التراب والماء والشجر فيكون فيها اللقاح، وهي بذلك لاقحة نفسها. كما أنها ملقحة لغيرها، وإلقاحها السحاب والشجر هو عملها فيهما.
حقائق علمية:
التلقيح الريحي ضروري في عملية الإخصاب وخاصة للنباتات ذات الأزهار الفاقدة لجاذبية الحشرات.
التفسير العلمي:
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22].
وقد جاء في تفسير هذه الآية أن الرياح هي لواقح للشجر والسحاب وهو قول ابن عباس وبعض التابعين، وقال الإمام الطبري إن الرياح حاملة للسحاب والخير.
أما علماء النبات فقد أصبح من المقرر عندهم أن التلقيح عملية أساسية للإخصاب وتكوين البذور، حيث تنتقل حبيبات اللقاح (Pollen Grain) من العناصر الذكرية للزهرة (Anthers) إلى العناصر الأنثوية فيها (Stigmas) حيث يتم الإخصاب.
والتلقيح قد يكون بين العناصر الذكرية والأنثوية للزهرة الواحدة أو النبتة الواحدة ويسمى عندئذ بـ "التلقيح الذاتي" (Self Pollination) وقد يكون بين نبتتين منفصلتين ويسمى حينئذ بـ "التلقيح المختلط" (Cross Pollination) .
تختلف طرق انتقال حبيبات اللقاح باختلاف نوع النبات، فهناك فضلاً عن التلقيح بواسطة الإنسان –كما في تأبير النخل مثلاً- ثلاثة طرق أخرى، وهي:
- التلقيح بواسطة الحيوانات: كالحشرات (Insect Pollination) والطيور (Bird Pollination).
- التلقيح بواسطة المياه (Water Pollination).
- التلقيح بواسطة الرياح (Anemophily).
إنّ للرياح، كم تذكر الموسوعة العالمية دوراً هاماً في عملية نقل اللقاح في النباتات التي تفتقد الأزهار ذات الرائحة والرحيق والألوان الجاذبة للحشرات حيث تقوم الرياح بنشر اللقاح على مسافات واسعة، فعلى سبيل المثال: تنشر الرياح لقاح الصنوبر (Pine) على مسافة قد تصل إلى 800 كيلومتر قبل أن يلتقي اللقاح بالعناصر الأنثوية ويتم التلقيح.
من جملة النباتات التي تعتمد على التلقيح الريحي بشكل أساسي: الصنوبريات و القراص والحور والسنديان والقنّب والبندق.
كما جاء في الموسوعة البريطانية الجديدة أن مما يسهل انتشار اللقاح بواسطة الرياح، كون عناصر الزهرة الذكرية التي تتولى إنتاج اللقاح معرضة للهواء بحيث يسهّل انتشار اللقاح. وكون الزهرة ما أورقت بعد، أو كونها في أعلى الشجرة أو النبتة.
أوَ ليست هذه الحقائق العلمية هي تأكيدات لما جاء في كتاب الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}؟ فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم عالِم نبات ليصدر عنه مثل هذا القول وهو النبي الأمي؟ أم هل كانت عنده دراسات حول النباتات وهو قاطن الصحراء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً؟
مراجع علمية:
جاء في الموسوعة العالمية:
"إن التلقيح الريحي هو خاصية للنباتات ذات الأزهار غير المميزة والتي تفتقد عادة- الأريج والرحيق الجاذب للحشرات حيث أن كمية وافرة من اللقاح الجاف الخفيف الوزن ينتج فتحمله الرياح عابرة به مسافات شاسعة إلى العنصر الأنثوي.
ثم إن تلك الكميات الموجودة في الهواء من ذلك اللقاح هي السبب الرئيسي للحمّى المعروفة بـ "حمّى القش" والتي تصيب الأشخاص ذوي الحساسية المفرطة".
كما ذكرت الموسوعة البريطانية الجديدة:
"ولتسهيل التعرض للريح، تزهر الزهرة –غالباً- قبل نمو الأوراق في الربيع، أو قد تنمو الزهرة في أعلى الشجرة أو النبتة، ويغلب أن تكون المياسم طويلة ومقوسة لمنح مساحة أوسع لالتقاط حبيبات اللقاح".
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز في الآية الكريمة هو إشارتها إلى أن الرياح تقوم بعملية التلقيح الريحي للنباتات، فقال تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} وهذا ما كشف عنه علماء النباتات في القرون الأخيرة.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ج33. كتاب مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي

  ج33. كتاب   مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي وقوله إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ يقتضي الاستقبال إ...