========
=======
الاعراف من 1 الي 11.
المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)
تفسير سورة الأعراف
أولا :ابن كثير
بسم الله الرحمن الرحيم
{ المص (1) كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }
قد تقدم الكلام في أول "سورة البقرة" على ما يتعلق بالحروف وبسطه، واختلاف الناس فيه.
وقال ابن جرير: حدثنا سفيان بن وَكِيع، حدثنا أبي، عن شَرِيك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباس: { المص } أنا الله أفصل وكذا قال سعيد بن جُبَير.
[قوله] (1) { كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ } أي: هذا كتاب أنزل إليك، أي: من ربك، { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال مجاهد، [وعطاء] (2) وقتادة والسُّدِّي: شَكٌّ منه.
وقيل: لا تتحرج به في إبلاغه والإنذار به [واصبر] (3) كما صبر أولو العزم من الرسل؛ ولهذا قال: { لِتُنْذِرَ بِهِ } أي: أنزل إليك لتنذر به الكافرين، { وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } .
ثم قال تعالى مخاطبًا للعالم: { اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كلّ شيء ومليكه، { وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره.
{ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } كقوله: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] . وقوله: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] وقوله: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] .
{ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }
يقول تعالى: { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي: بمخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خِزْيُ الدنيا موصولا بذُلِّ الآخرة، كما قال تعالى: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأنعام : 10 ] . وقال تعالى: { فَكَأَيِّنْ (4) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج: 45 ] .
__________
(1) زيادة من د.
(2) زيادة من م.
(3) زيادة من ك، م، أ.
(4) في أ: "وكأين".
** وقال تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } [ القصص : 58 ].
وقوله: { فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } أي: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته { بَيَاتًا } أي: ليلا { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } من القيلولة، وهي: الاستراحة وسط النهار. وكلا الوقتين وقت غَفْلة ولَهْو (1) كما قال [تعالى] (2) { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُون * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 97، 98 ]. وقال: { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِين * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 45-47 ] .
وقوله: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي: فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم، وأنهم حقيقون بهذا. كما قال تعالى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [ وَأَنْشَأَْ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ] خَامِدِين } (3) [ الأنبياء : 11-15 ] .
وقال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم"، حدثنا بذلك ابن حُمَيْد، حدثنا جرير، عن أبي سِنان، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزرّاد قال: قال عبد الله بن مسعود [رضي الله عنه] (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم". قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } (5) .
وقوله: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } الآية، كقوله [تعالى] (6) { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص: 65 ] وقوله: { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ] فالرَّبُّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ (7) رسالاته؛ ولهذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.
وقال ابن مَرْدُويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكنْدي، حدثنا المحاربي، عن لَيْث، عن نافع، عن ابن عمر [رضي الله عنهما] (8) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم رَاعٍ وكلكم مسئول عن رَعِيَّتِهِ، فالإمام يُسْأل عن الرجل (9)
__________
(1) في ك: "لهو وغفلة".
(2) زيادة من أ.
(3) زيادة من ك، د، أ، وفي هـ "إلى قوله".
(4) زيادة من أ.
(5) تفسير الطبري (12/304).
(6) زيادة من ك، م، أ.
(7) في ك، م: "بلاغ".
(8) زيادة من أ.
(9) في ك: "عن رعيته".
= وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)
والرجل يسأل عن أهله (1) والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده". قال الليث: وحدثني ابن طاوس، مثله، ثم قرأ: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } (2) .
وهذا الحديث مُخَرَّجٌ في الصحيحين بدون هذه الزيادة (3)
وقال ابن عباس: { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون، { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يعني: أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحَقِير؛ لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام: 59 ] .
{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }
يقول [تبارك و] (4) تعالى: { وَالْوَزْن } أي: للأعمال (5) يوم القيامة { الْحَق } أي: لا يظلم تعالى أحدا، كما قال تعالى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء: 47 ] وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 6-11 ] وقال تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 101 -103 ] .
فصل:
والذي يوضع في الميزان يوم القيامة (6) قيل: الأعمال وإن كانت أعراضًا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.
قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس (7) كما جاء في الصحيح من أن "البقرة" و "آل عمران" يأتيان (8) يوم القيامة كأنهما غمامتان -أو: غيَايَتان -أو فِرْقَان من طير صَوَافّ. من ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللَّون، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي
__________
(1) في أ: "أهل بيته".
(2) وفي إسناده عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال ابن معين: يروى المناكير عن المجهولين، ولكن روي من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر وفي الصحيحين.
(3) صحيح البخاري برقم (5188) وصحيح مسلم برقم (1829).
(4) زيادة من أ.
(5) في ك: "الأعمال".
(6) في ك: "يوم القيامة في الميزان".
(7) معالم التنزيل للبغوي (3/215).
(8) في أ: "تأتيان".
** وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)
أسهرت ليلك وأظمأت نهارك (1) وفي حديث البراء، في قصة سؤال القبر: "فيأتي المؤمن شابٌّ حسن اللون طيّب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح" (2) وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.
وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كِفَّة تسعة وتسعون سجلا كل سِجِلّ مَدّ البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها: "لا إله إلا الله" فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلَم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَطاشَت السجلات، وثَقُلَتِ البطاقة".
رواه الترمذي بنحو من هذا (3) وصححه.
وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: "يُؤتَى يوم القيامة بالرجل السَّمِين، فلا يَزِن عند الله جَنَاح بَعُوضَة" (4) ثم قرأ: { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف : 105 ] .
وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "أتعجبون من دِقَّة ساقَيْهِ، فوالذي (5) نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحُدٍ" (6)
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة (7) توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) }
يقول تعالى ممتنا على عبيده (8) فيما مكن لهم من أنه جَعَل الأرض قرارًا، وجعل لها رواسي وأنهارًا، وجعل لهم فيها منازل وبيوتًا، وأباح منافعها، وسَخَّر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش، أي: مكاسب وأسبابًا يتجرون فيها، ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك، كما قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] .
وقد قرأ الجميع: { مَعَايِش } بلا همز، إلا عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج فإنه همزها. والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز؛ لأن معايش جمع معيشة، من عاش يعيش عيشا، ومعيشة أصلها "مَعْيِشَة" فاستثقلت الكسرة على الياء، فنقلت إلى العين فصارت مَعِيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال، فقيل: معايش. ووزنه مفاعل؛ لأن الياء أصلية في الكلمة. بخلاف مدائن
__________
(1) ورواه أحمد في مسنده (5/348) وابن ماجه في السنن برقم (3781) من طريق بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب، رضي الله عنه، مرفوعا
(2) رواه أحمد في مسنده (5/287).
(3) سنن الترمذي برقم (2639) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2639) والحاكم في المستدرك (1/529) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي،
(4) رواه البخاري في صحيحه برقم (4729) بنحوه من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(5) في د، م: "والذي".
(6) رواه أحمد في مسنده (1/420).
(7) في ك: "وتارة".
(8) في م: "عباده".
** وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
وصحائف وبصائر، جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من: مدن وصحف وأبصر، فإن الياء فيها زائدة، ولهذا تجمع على فعائل، وتهمز لذلك، والله أعلم.
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) }
ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو مُنْطَوٍ عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم، ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه، فقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ [ فَسَجَدُوا ] } (1) وهذا كقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ ] } (2) الآية [ الحجر : 28 -30 ] ، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم، عليه السلام، بيده من طين لازب، وصوره بشرًا [سويا] (3) ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الرب تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا، إلا إبليس لم يكن من الساجدين. وقد تقدم الكلام على إبليس في أول تفسير "سورة البقرة".
وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير: أن المراد بذلك كله آدم، عليه السلام.
وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن المِنْهَال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } قال: خُلِقوا في أصلاب الرجال، وصُوِّروا في أرحام النساء.
رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (4)
ونقله ابن جرير عن بعض السلف أيضا: أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم: الذرية.
وقال الربيع بن أنس، والسُّدي، وقتادة، والضحاك في هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أي: خلقنا آدم ثم صورنا الذرية.
وهذا فيه نظر؛ لأنه قال بعده: { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } فدل على أن المراد بذلك آدم، وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } [ البقرة : 57 ] والمراد: آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى [عليه السلام] (5) ولكن لما كان ذلك مِنَّةً على الآباء الذين هم أصلٌ صار كأنه واقع على الأبناء. وهذا بخلاف قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ] } (6) [ المؤمنون : 12 -13 ] فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة (7) وذريته مخلوقون من==
__________
(1) زيادة من ك.
(2) زيادة من م.
(3) زيادة من ك، م، أ.
(4) المستدرك (2/319).
(5) زيادة من أ.
(6) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(7) في ك، م: "من سلالة من طين".
== نطفة، وصح هذا لأن المراد من (1) خلقنا الإنسان الجنس، لا معينا، والله أعلم.
__________
(1) في ك، م، أ: "في".
ثانيا تفسير القرطبي /الأعراف - تفسير القرطبي
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة الأعراف{من1 الي 11.}
سورة الأعراف هي مكية، إلا ثمان آيات، وهي قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ} [الأعراف: 163] إلى قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} [الأعراف: 171]. وروى النسائي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة المغرب بسورة الأعراف، فرَّقها في ركعتين. صححه أبو محمد عبدالحق.
الآية: 1 - 2 {المص، كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}
قوله تعالى {المص} تقدم في أول "البقرة" وموضعه رفع بالابتداء. و {كِتَابٌ} خبره. كأنه قال: {المص} حروف {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ} وقال الكسائي: أي هذا كتاب.
قوله تعالى :{فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} فيه مسألتان:-
الأولى: قوله تعالى: {حَرَجٌ} أي ضيق؛ أي لا يضيق صدرك بالإبلاغ؛ لأنه روي عنه عليه السلام أنه قال: "إني أخاف أن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة" الحديث. خرجه مسلم. قال الكيا: فظاهره النهي، ومعناه نفي الحرج عنه؛ أي لا يضيق صدرك ألا يؤمنوا به، فإنما عليك البلاغ، وليس عليك سوى الإنذار به من شيء من إيمانهم أو كفرهم، ومثله قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6] الآية. وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]. ومذهب مجاهد وقتادة أن الحرج هنا الشك، وليس هذا شك الكفر إنما هو شك الضيق. وكذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر: 97]. وقيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. وفيه بعد. والهاء في{مِنْهُ}للقرآن. وقيل: للإنذار؛ أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه. فالكلام فيه تقديم وتأخير. وقيل للتكذيب الذي يعطيه قوة الكلام. أي فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيب المكذبين له.
الثانية: قوله تعالى: {وَذِكْرَى} يجوز أن يكون في موضع رفع ونصب وخفض. فالرفع من وجهين؛ قال البصريون: هي رفع على إضمار مبتدأ. وقال الكسائي: عطف على {كِتَابٌ} والنصب من وجهين؛ على المصدر؛ أي وذكر به ذكرى؛ قال البصريون. وقال الكسائي: عطف على الهاء في {أَنْزَلْنَاهُ}. والخفض حملا على موضع {لِتُنْذِرَ بِهِ} والإنذار للكافرين، والذكرى للمؤمنين؛ لأنهم المنتفعون به.
الآية: 3 {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}
فيه مسألتان:-
الأولى: قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} يعني الكتاب والسنة. قال الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الحشر: 7]. وقالت فرقة: هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته. والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه. أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه. ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص.
الثانية: قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} {مِنْ دُونِهِ} من غيره. والهاء تعود على الرب سبحانه، والمعنى: لا تعبدوا معه غيره، ولا تتخذوا من عدل عن دين الله وليا. وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه. وروي عن مالك بن دينار أنه قرأ {وَلا تبتغوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي ولا تطلبوا. ولم ينصرف {أَوْلِيَاءَ} لأن فيه ألف التأنيث. وقيل: تعود على {مَا} من قوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}. {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} {مَا} زائدة. وقيل: تكون مع الفعل مصدرا.
الآيتان: 4 - 5 {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ، فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}
قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} {كَمْ} للتكثير؛ كما أن {رُبّ} للتقليل. وهي في موضع رفع بالابتداء، و{أَهْلَكْنَا}الخبر. أي وكثير من القرى - وهي مواضع اجتماع الناس - أهلكناها. ويجوز النصب بإضمار فعل بعدها، ولا يقدر قبلها؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. ويقوي الأول قوله: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ} ولو لا اشتغال{أَهْلَكْنَا}بالضمير لانتصب به موضع {كَمْ}. ويجوز أن يكون{أَهْلَكْنَا}صفة للقرية، و{كَمْ} في المعنى هي القرية؛ فإذا وصفت القرية فكأنك قد وصفت كم. يدل على ذلك قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} [النجم: 26] فعاد الضمير على {كَمْ}.على المعنى؛ إذ كانت الملائكة في المعنى. فلا يصح على هذا التقدير أن يكون {كَمْ} في موضع نصب بإضمار فعل بعدها. {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}فيه إشكال للعطف بالفاء. فقال الفراء: الفاء بمعنى الواو، فلا يلزم الترتيب. وقيل: أي وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا؛ كقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]. وقيل: إن الهلاك. واقع ببعض القوم؛ فيكون التقدير: وكم من قرية أهلكنا بعضها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع. وقيل: المعنى وكم من قرية أهلكناها في حكمنا فجاءها بأسنا. وقيل: أهلكناها بإرسالنا ملائكة العذاب إليها، فجاءها بأسنا وهو الاستئصال. والبأس، العذاب الآتي على النفس. وقيل: المعنى أهلكناها فكان إهلاكنا إياهم في وقت كذا؛ فمجيء البأس على هذا هو الإهلاك. وقيل: البأس غير الإهلاك؛ كما ذكرنا. وحكى الفراء أيضا أنه إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد قدمت أيهما شئت؛ فيكون المعنى وكم من قرية جاءها بأسنا فأهلكناها؛ مثل دنا فقرب، وقرب فدنا، وشتمني فأساء، وأساء فشتمني؛ لأن الإساءة والشتم شيء واحد. وكذلك قوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]. المعنى - والله أعلم - انشق القمر فاقتربت الساعة. والمعنى واحد. {بَيَاتاً} أي ليلا؛ ومنه البيت، لأنه يبات فيه. يقال: بات يبيت بيتا وبياتا. {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} أي أو وهم قائلون، فاستثقلوا فحذفوا الواو؛ قاله الفراء. وقال الزجاج: هذا خطأ، إذا عاد الذكر استغني عن الواو، تقول: جاءني زيد راكبا أو هو ماش، ولا يحتاج إلى الواو. قال المهدوي: ولم يقل بياتا أو وهم قائلون لأن في الجملة ضميرا يرجع إلى الأول فاستغني عن الواو. وهو معنى قول الزجاج سواء، وليس أو للشك بل للتفصيل؛ كقولك: لأكرمنك منصفا لي أو ظالما. وهذه الواو تسمى عند النحويين واو الوقت. و{قَائِلُونَ} من القائلة وهي القيلولة؛ وهي نوم نصف النهار. وقيل: الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن معها نوم. والمعنى جاءهم عذابنا وهم غافلون إما ليلا وإما نهارا. والدعوى الدعاء؛ ومنه قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} [يونس: 10]. وحكى النحويون: اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك. وقد تكون الدعوى بمعنى الادعاء. والمعنى: أنهم لم يخلصوا عند الإهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين. و{دَعْوَاهُمْ}في موضع نصب خبر كان، واسمها {إِلَّا أَنْ قَالُوا} . نظيره {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا} [النمل: 56] ويجوز أن تكون الدعوى رفعا، و {إِلَّا أَنْ قَالُوا} نصبا؛ كقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا} [البقرة: 177] برفع {الْبِرّ} وقوله: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا} [الروم: 10] برفع "عاقبة".
الآيتان: 6 - 7 {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ}
قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} دليل على أن الكفار يحاسبون. وفي التنزيل {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية: 26]. وفي سورة القصص {وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 78] يعني إذا استقروا في العذاب. والآخرة مواطن: موطن يسألون فيه للحساب. وموطن لا يسألون فيه. وسؤالهم تقرير وتوبيخ وإفضاح. وسؤال الرسل سؤال استشهاد بهم وإفصاح؛ أي عن جواب القوم لهم. وهو معنى قوله: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] على ما يأتي. وقيل: المعنى {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} أي الأنبياء {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} أي الملائكة الذين أرسلوا إليهم. واللام في {فَلَنَسْأَلَنَّ} لام القسم وحقيقتها التوكيد. وكذا {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} . قال ابن عباس: ينطق عليهم. {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} أي كنا شاهدين لأعمالهم. ودلت الآية على أن الله تعالى عالم بعلم.
الآية: 8 - 9 {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ}
قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ} ابتداء وخبر. ويجوز أن يكون {الْحَقُّ}نعته، والخبر {يَوْمَئِذٍ}. ويجوز نصب {الْحَقُّ}على المصدر. والمراد بالوزن وزن أعمال العباد بالميزان. قال ابن عمر: توزن صحائف أعمال العباد. وهذا هو الصحيح، وهو الذي ورد به الخبر على ما يأتي. وقيل: الميزان الكتاب الذي فيه أعمال الخلق. وقال مجاهد: الميزان الحسنات والسيئات بأعيانها. وعنه أيضا والضحاك والأعمش: الوزن والميزان بمعنى العدل والقضاء، وذكر الوزن ضرب مثل؛ كما تقول: هذا الكلام في وزن هذا وفي وزانه، أي يعادله ويساويه وإن لم يكن هناك وزن. قال الزجاج: هذا سائغ من جهة اللسان، والأولى أن يتبع ما جاء في الأسانيد الصحاح من ذكر الميزان. قال القشيري: وقد أحسن فيما قال، إذ لو حمل الميزان على هذا فليحمل الصراط على الذين الحق، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجن على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة. وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل. وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا. قال ابن فورك: وقد أنكرت المعتزلة الميزان بناء منهم على أن الأعراض يستحيل وزنها، إذ لا تقوم بأنفسها. ومن المتكلمين من يقول: إن الله تعالى يقلب الأعراض أجساما فيزنها يوم القيامة. وهذا ليس بصحيح عندنا، والصحيح أن الموازين تثقل بالكتب التي فيها الأعمال مكتوبة، وبها تخف. وقد روي في الخبر ما يحقق ذلك، وهو أنه روي "أن ميزان بعض بني آدم كاد يخف بالحسنات فيوضع فيه رق مكتوب فيه {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} فيثقل". فقد علم أن لك يرجع إلى وزن ما كتب فيه الأعمال لا نفس الأعمال، وأن الله سبحانه يخفف الميزان إذا أراد، ويثقله إذا أراد بما يوضع في كفتيه من الصحف التي فيها الأعمال. وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال قال رجل لابن عمر: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال سمعته يقول: "يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله" . فقوله: "فيعطى صحيفة حسناته" دليل على أن الأعمال تكتب في الصحف وتوزن.
وروى ابن ماجة من حديث عبدالله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق فينشر عليه تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله تبارك وتعالى هل تنكر من هذا شيئا فيقول لا يا رب فيقول أظلمتك كتبتي الحافظون فيقول لا ثم يقول ألك عذر ألك حسنة فيهاب الرجل فيقول لا فيقول بلى إن لك عندنا حسنات وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقول إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" . زاد الترمذي "فلا يثقل مع اسم الله شيء" وقال: حديث حسن غريب. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في "الكهف والأنبياء" إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: {مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} جمع ميزان، وأصله موزان، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها. وقيل: يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله. ويمكن أن يكون ذلك ميزانا واحدا عبر عنه بلفظ الجمع؛ كما تقول: خرج فلان إلى مكة على البغال، وخرج إلى البصرة في السفن. وفي التنزيل: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105]. {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123]. وإنما هو رسول واحد في أحد التأويلين. وقيل: الموازين جمع موزون، لا جمع ميزان. أراد بالموازين الأعمال الموزونة. {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} مثله. وقال ابن عباس: توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان كفتان؛ فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة فيوضع في كفة الميزان فتثقل حسناته على سيئاته؛ فذلك قوله: {مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ويؤتى بعمل الكافر في أقبح صورة فيوضع في كفة الميزان فيخف وزنه حتى يقع في النار. وما أشار إليه ابن عباس قريب مما قيل: يخلق الله تعالى كل جزء من أعمال العباد جوهرا فيقع الوزن على تلك الجواهر. ورده ابن فورك وغيره. وفي الخبر "إذا خفت حسنات المؤمن أخرج رسول الله صل الله عليه وسلم بطاقة كالأنملة فيلقيها في كفة الميزان اليمنى التي فيها حسناته فترجح الحسنات فيقول ذلك العبد المؤمن للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي! ما أحسن وجهك وما أحسن خلقك فمن أنت؟ فيقول أنا محمد نبيك وهذه صلواتك التي كنت تصلي على قد وفيتك أحوج ما تكون إليها". ذكره القشيري في تفسيره. وذكر أن البطاقة "بكسر الباء" رقعة فيها رقم المتاع بلغة. أهل مصر. وقال ابن ماجة: قال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة، وأهل مصر يقولون للرقعة بطاقة. وقال حذيفة: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، يقول الله تعالى: {يا جبريل زن بينهم فرد من بعض على بعض". قال: وليس ثم ذهب ولا فضة؛ فإن كان للظالم حسنات أخذ من حسناته فرد على المظلوم، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتحمل على الظالم؛ فيرجع الرجل وعليه مثل الجبال. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله تعالى يقول يوم القيامة يا آدم ابرز إلى جانب الكرسي عند الميزان وأنظر ما يرفع إليك من أعمال بنيك فمن رجح خيره على شره مثقال حبة فله الجنة ومن رجح شره على خيره مثقال حبة فله النار حتى تعلم أني لا أعذب إلا ظالما" .
الآية: 10 {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ}
أي جعلناها لكم قرارا ومهادا، وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة. والمعايش مع معيشة، أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة. يقال: عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة. وقال الزجاج: المعيشة ما يتوصل به إلى العيش. ومعيشة في قول الأخفش وكثير من النحويين مفعلة. وقرأ الأعرج: {مَعَاِئشَ} بالهمز. وكذا روى خارجة بن مصعب عن نافع. قال النحاس: والهمز لحن لا يجوز؛ لأن الواحدة معيشة، أصلها معيشة، فزيدت ألف الوصل وهي ساكنة والياء ساكنة، فلا بد من تحريك إذ لا سبيل إلى الحذف، والألف لا تحرك فحركت الياء بما كان يجب لها في الواحد. ونظيره من الواو مناور ومناور، ومقام ومقاوم؛ كما قال الشاعر:
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها
وكذا مصيبة ومصاوب. هذا الجيد، ولغة شاذة مصائب. قال الأخفش: إنما جاز مصائب لأن الواحدة معتلة. قال الزجاج: هذا خطأ يلزمه عليه أن يقول مقائم. ولكن القول أنه مثل وسادة وإسادة. وقيل: لم يجز الهمز في معايش لأن المعيشة مفعلة؛ فالياء أصلية، وإنما يهمز إذا كانت الياء زائدة مثل مدينة ومدائن، وصحيفة وصحائف، وكريمة وكرائم، ووظيفة ووظائف، وشبهه.
الآية: 11 {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} لما ذكر نعمه ذكر ابتداء خلقه. وقد تقدم معنى الخلق في غير موضع. {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} أي خلقناكم نطفا ثم صورناكم، ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما: المعنى خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره. وقال الأخفش: {ثُمَّ} بمعنى الواو. وقيل: المعنى {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} يعني آدم عليه السلام، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم؛ على التقديم والتأخير. وقيل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ} يعني آدم؛ ذكر بلفظ الجمع لأنه أبو البشر. {ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} راجع إليه أيضا. كما يقال: نحن قتلناكم؛ أي قتلنا سيدكم. {ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} وعلى هذا لا تقديم ولا تأخير؛ عن ابن عباس أيضا. وقيل: المعنى ولقد خلقناكم، يريد آدم وحواء؛ فآدم من التراب وحواء من ضلع من أضلاعه، ثم وقع التصوير بعد ذلك. فالمعنى: ولقد خلقنا أبويكم ثم صورناهما؛ قاله الحسن. وقيل: المعنى خلقناكم في ظهر آدم ثم صورناكم حين أخذنا عليكم الميثاق. هذا قول مجاهد، رواه عنه ابن جريج وابن أبي نجيح. قال النحاس: وهذا أحسن الأقوال. يذهب مجاهد إلى أنه خلقهم في ظهر آدم، ثم صورهم حين أخذ عليهم الميثاق، ثم كان السجود بعد. ويقوي هذا {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172]. والحديث "أنه أخرجهم أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق" . وقيل: {ثُمَّ} للإخبار، أي ولقد خلقناكم يعني في ظهر آدم صلى الله عليه وسلم، ثم صورناكم أي في الأرحام. قال النحاس: هذا صحيح عن ابن عباس.
قلت: كل هذه الأقوال محتمل، والصحيح منها ما يعضده التنزيل؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] يعني آدم. وقال: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1]. ثم قال: {جَعَلْنَاهُ} أي جعلنا نسله وذريته {نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] الآية. فآدم خلق من طين ثم صور وأكرم بالسجود، وذريته صوروا في أرحام الأمهات بعد أن خلقوا فيها وفي أصلاب الآباء. وقد تقدم في أول سورة "الأنعام" أن كل إنسان مخلوق من نطفة وتربة؛ فتأمله. وقال هنا: {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} وقال في آخر الحشر: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]. فذكر التصوير بعد البرء. وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى. وقيل: معنى "ولقد خلقناكم" أي خلقنا الأرواح أولا ثم صورنا الأشباح آخرا.
قوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} استثناء من غير الجنس. وقيل: من الجنس. وقد اختلف العلماء: هل كان من الملائكة أم لا؛ كما سبق بيانه في "البقرة".
الدر المنثور- الأعراف -
تفسير الدر المنثور
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
مُقَدّمَة سُورَة الْأَعْرَاف أخرج ابْن الضريس والنحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة الْأَعْرَاف نزلت بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزل بِمَكَّة الْأَعْرَاف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: آيَة من الْأَعْرَاف مَدَنِيَّة وَهِي {واسألهم عَن الْقرْيَة الَّتِي كَانَت حَاضِرَة الْبَحْر} إِلَى آخر الْآيَة وسائرها مَكِّيَّة
وَأخرج سمويه فِي فَوَائده عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب بطولي الطولين
المص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي أَيُّوب وَزيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ فِي الْمغرب بالأعراف فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة الْأَعْرَاف فِي صَلَاة الْمغرب فقرأها فِي رَكْعَتَيْنِ
رقم (7) /سُورَة الْأَعْرَاف /مَكِّيَّة وآياتها سِتّ ومائتان{206}
- الْآيَة (1)
تفسير الاية 1.
المص (1)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: أَنا الله أفصل
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: أَنا الله أفصل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آلمص} وطه وطسم وَيس وص وحم وحمعسق وق ون وَأَشْبَاه هَذَا فَإِنَّهُ قسم أقسم الله بِهِ وَهِي من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: هُوَ المصوّر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {آلمص} قَالَ: الالف من الله وَالْمِيم من الرَّحْمَن وَالصَّاد من الصَّمد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {آلمص} قَالَ: أَنا الله الصَّادِق
تفسير - الْآيَة (2 - 4)
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: الشَّك
وَقَالَ لأعرابي: مَا الْحَرج فِيكُم قَالَ: الشَّك اللنهس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: شكّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ} قَالَ: ضيق
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} أَي هَذَا الْقُرْآن
تفسير - الْآيَة (5) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا هلك قوم حَتَّى يعذروا من أنفسهم ثمَّ قَرَأَ {فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا
مثله
- الْآيَة (6 - 7) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: نسْأَل النَّاس عَمَّا أجابوا الْمُرْسلين ونسأل الْمُرْسلين عَمَّا بلغُوا {فَلْنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعلم} قَالَ: يوضع الْكتاب يَوْم الْقِيَامَة فيتكلم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: أَحدهمَا الْأَنْبِيَاء وَأَحَدهمَا الْمَلَائِكَة {فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين} قَالَ: ذَلِك قَول الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم} يَقُول: النَّاس تَسْأَلهُمْ عَن لَا إِلَه إِلَّا الله {ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم} قَالَ: هَل بَلغَكُمْ الرُّسُل {ولنسألن الْمُرْسلين} قَالَ: مَاذَا ردوا عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم أبي الرَّحْمَن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: يسْأَل العَبْد يَوْم الْقِيَامَة عَن أَربع خِصَال
يَقُول رَبك: ألم اجْعَل لَك جسداً فَفِيمَ أبليته الم اجْعَل لَك علما فَفِيمَ عملت بِمَا علمت ألم أجعَل لَك مَالا فَفِيمَ أنفقته فِي طَاعَتي أم فِي معصيتي ألم اجْعَل لَك عمرا فَفِيمَ أفنيته وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهيب بن الْورْد قَالَ: بَلغنِي أَن أقرب الْخلق إِلَى الله اسرافيل وَالْعرش على كَاهِله فَإِذا نزل الْوَحْي دلى اللَّوْح من نَحْو الْعَرْش فيقرع جبهة اسرافيل فَينْظر فِيهِ فَيُرْسل إِلَى جِبْرِيل فيدعوه فيرسله فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي اسرافيل فَيُؤْتَى بِهِ ترتعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: مَا صنعت فِيمَا أدّى إِلَيْك اللَّوْح فَيَقُول: أَي رب أديته إِلَى جِبْرِيل
فَيُدْعَى جِبْرِيل فَيُؤتى بِهِ ترتعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: مَا صنعت فِيمَا أدّى إِلَيْك إسْرَافيل فَيَقُول: أَي رب بلغت الرُّسُل
فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم فَيُقَال لَهُم: مَا صَنَعْتُم فِيمَا أدّى إِلَيْكُم جِبْرِيل فَيَقُولُونَ: أَي رب بلغنَا النَّاس
قَالَ: فَهُوَ قَوْله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي سِنَان قَالَ: أقرب الْخلق إِلَى الله اللَّوْح وَهُوَ مُعَلّق بالعرش فَإِذا أَرَادَ الله أَن يوحي بِشَيْء كتب فِي اللَّوْح فَيَجِيء اللَّوْح حَتَّى يقرع جبهة إسْرَافيل وإسرافيل قد غطى وَجهه بجناحيه لَا يرفع بَصَره اعظاماً لله فَينْظر فِيهِ فَإِن كَانَ إِلَى أهل السَّمَاء دَفعه إِلَى مِيكَائِيل وَإِن كَانَ إِلَى أهل الأَرْض دَفعه إِلَى جِبْرِيل فَأول من يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة اللَّوْح يدعى بِهِ ترْعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: هَل بلغت فَيَقُول: نعم
فَيَقُول رَبنَا: من يشْهد لَك فَيَقُول: اسرافيل
فيدعى إسْرَافيل ترْعد فرائصه فَيُقَال لَهُ: هَل بلعك اللَّوْح فَإِذا قَالَ نعم قَالَ اللَّوْح: الْحَمد لله الَّذِي نجاني من سوء الْحساب ثمَّ كَذَلِك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله عز وَجل: يَا إسْرَافيل هَات مَا وَكلتك بِهِ
فَيَقُول: نعم يَا رب فِي الصُّور كَذَا وَكَذَا ثقبة وَكَذَا روح للإنس مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللجن مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللشياطين مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللوحوش مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللطير مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللبهائم مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللهوام مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وللحيتان مِنْهَا كَذَا وَكَذَا فَيَقُول الله عز وَجل: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص ثمَّ يَقُول عز وَجل: هَات مَا وَكلتك يَا مِيكَائِيل
فَيَقُول: نعم يَا رب أنزلت من السَّمَاء كَذَا وَكَذَا كيلة وزنة كَذَا وَكَذَا مِثْقَالا وزنة كَذَا وَكَذَا قيراطاً وزنة كَذَا وَكَذَا خردلة وزنة كَذَا وَكَذَا درة أنزلت فِي سنة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي شهر كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي جُمُعَة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَفِي سَاعَة كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا أنزلت للزَّرْع مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للشياطين مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للانس مِنْهُ كَذَا وَكَذَا وأنزلت للبهائم كَذَا وَكَذَا وأنزلت للوحوش كَذَا وَكَذَا وللطير كَذَا وَكَذَا وللحيتان كَذَا وَكَذَا وللهوام كَذَا وَكَذَا
فَذَلِك كُله كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص ثمَّ يَقُول: يَا جِبْرِيل هَات مَا وَكلتك بِهِ
فَيَقُول: نعم يَا رب أنزلت على نبيك فلَان كَذَا وَكَذَا آيَة فِي شهر كَذَا وَكَذَا فِي جُمُعَة كَذَا وَكَذَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وأنزلت على نبيك فلَان كَذَا وَكَذَا آيَة وَكَذَا وَكَذَا سُورَة فِيهَا كَذَا وَكَذَا آيَة
فَذَلِك كَذَا وَكَذَا آيَة فَذَلِك كَذَا وَكَذَا حرفا وأهلكت كَذَا وَكَذَا مَدِينَة وخسفت بِكَذَا وَكَذَا
فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا هُوَ مثلا بِمثل لَا يزِيد وَلَا ينقص
ثمَّ يَقُول: هَات مَا وَكلتك بِهِ يَا عزرائيل
فَيَقُول: نعم يَا رب فبضت روح كَذَا وَكَذَا إنسي وَكَذَا وَكَذَا جني وَكَذَا وَكَذَا شَيْطَان وَكَذَا وَكَذَا غريق وَكَذَا وَكَذَا حريق وَكَذَا وَكَذَا كَافِر وَكَذَا وَكَذَا شَهِيد وَكَذَا وَكَذَا هديم وَكَذَا وَكَذَا لديغ وَكَذَا وَكَذَا فِي سهل وَكَذَا وَكَذَا فِي جبل وَكَذَا وَكَذَا طير وَكَذَا وَكَذَا هوَام وَكَذَا وَكَذَا وَحش
فَذَلِك كَذَا وَكَذَا جملَته كَذَا وَكَذَا فَيَقُول: خُذْهُ من اللَّوْح
فَإِذا مثلا بِمثل لايزيد وَلَا ينقص
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة بن حيدة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن رَبِّي دَاعِيَّ وَأَنه سائلي هَل بلغت عبَادي وَإِنِّي قَائِل رب إِنِّي قد بلغتهم فليبلغ الشَّاهِد مِنْكُم الْغَائِب ثمَّ إِنَّكُم تدعون مفدمة أَفْوَاهكُم بالفدام إِن أول مَا يبين عَن أحدكُم لفخذه وكفه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس
أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة فَقَالَ الإِمام يسْأَل عَن النَّاس وَالرجل يسْأَل عَن أَهله وَالْمَرْأَة تسْأَل عَن بَيت زَوجهَا وَالْعَبْد يسْأَل عَن مَال سَيّده
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلكُمْ رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته فالإِمام يسْأَل عَن النَّاس وَالرجل يسْأَل عَن أَهله وَالْمَرْأَة تسْأَل عَن بَيت زَوجهَا وَالْعَبْد يسْأَل عَن مَال سَيّده
وَأخرج ابْن حبَان وَأَبُو نعيم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله سَائل كل رَاع عَمَّا استرعاه أحفظ ذَلِك أم ضيعه حَتَّى يسْأَل الرجل عَن أهل بَيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلكُمْ رَاع وكلكم مسؤول عَن رَعيته فأعدوا للمسائل جَوَابا
قَالُوا: وَمَا جوابها قَالَ: أَعمال الْبر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن الْمِقْدَام سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يكون رجل على قوم إِلَّا جَاءَ يقدمهم يَوْم الْقِيَامَة بَين يَدَيْهِ راية يحملهَا وهم يتبعونه فَيسْأَل عَنْهُم ويسألون عَنهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أَمِير يُؤمر على عشرَة إِلَّا سُئِلَ عَنْهُم يَوْم الْقِيَامَة
** وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الله سَائل كل ذِي رعية عَمَّا استرعاه أَقَامَ أَمر الله فيهم أم أضاعه حَتَّى أَن الرجل ليسأل عَن أهل بَيته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا يسْأَل عَنهُ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة ينظر فِي صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر
تفسير- الْآيَة (8 - 10) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)
- أخرج اللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عمر بن الْخطاب قَالَ بَينا نَحن جُلُوس عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس إِذْ جَاءَ رجل لَيْسَ عَلَيْهِ سحناء سفر وَلَيْسَ من أهل الْبَلَد يتخطى حَتَّى ورك بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يجلس أَحَدنَا فِي الصَّلَاة ثمَّ وضع يَده على ركبتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا الإِسلام قَالَ: الإِسلام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله وَأَن تقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وتتم الْوضُوء وتصوم رَمَضَان
قَالَ: فَإِن فعلت هَذَا فَأَنا مُسلم قَالَ: نعم
قَالَ: صدقت يَا مُحَمَّد قَالَ: مَا الإِيمان قَالَ: الإِيمان أَن تؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وتؤمن بِالْجنَّةِ وَالنَّار وَالْمِيزَان وتؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره قَالَ: فَإِذا فعلت هَذَا فَأَنا مُؤمن قَالَ: نعم قَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: الْعدْل {فَمن ثقلت مَوَازِينه} قَالَ: حَسَنَاته {وَمن خفت مَوَازِينه} قَالَ: حَسَنَاته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْعيزَار قَالَ: إِن الإِقدام يَوْم الْقِيَامَة لمثل النبل فِي الْقرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وَعند الْمِيزَان ملك يُنَادي: أَلا إِن فلَان بن فلَان ثقلت مَوَازِينه وَسعد سَعَادَة لن يشقي بعْدهَا أبدا أَلا إِن فلَان بن فلَان خفت مَوَازِينه وشقى شقاء لن يسْعد بعده أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: توزن الْأَعْمَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِنَّمَا يُوزن من الْأَعْمَال خواتيمها فَمن أَرَادَ الله بِهِ خيرا ختم لَهُ بِخَير عمله وَمن أَرَادَ بِهِ شرا ختم لَهُ بشر عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحَارِث الْأَعْوَر قَالَ: إِن الْحق ليثقل على أهل الْحق كثقله فِي الْمِيزَان وَأَن الْحق ليخف على أهل الْبَاطِل كخفته فِي الْمِيزَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر واللالكائي عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: ذكر الْمِيزَان عِنْد الْحسن فَقَالَ: لَهُ لِسَان وكفتان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: يوضع الْمِيزَان بَين شجرتين عِنْد بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير واللالكائي عَن حُذَيْفَة قَالَ: صَاحب الموازين يَوْم الْقِيَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يرد بَعضهم على بعض فَيُؤْخَذ من حَسَنَات الظَّالِم فَترد على الْمَظْلُوم فَإِن لم تكن لَهُ حَسَنَات أَخذ من سيئات الْمَظْلُوم فَردَّتْ على الظَّالِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله {وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق} قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: لَهُ لِسَان وكفتان يُوزن فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم ومنازلهم فِي الْجنَّة بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا تظْلمُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون} قَالَ: قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض أَهله: يَا رَسُول الله هَل يذكر النَّاس أَهْليهمْ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أما فِي ثَلَاث مَوَاطِن فَلَا
عِنْد الْمِيزَان وَعند تطاير الصُّحُف فِي الْأَيْدِي وَعند الصِّرَاط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يُحَاسب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَمن كَانَت حَسَنَاته أَكثر من سيئاته بِوَاحِدَة دخل الْجنَّة وَمن كَانَت سيئاته أَكثر من حَسَنَاته بواحده دخل النَّار ثمَّ قَرَأَ {فَمن ثقلت مَوَازِينه} الْآيَتَيْنِ
ثمَّ قَالَ إِن الْمِيزَان يخف بمثقال حَبَّة ويرجح وَمن اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته كَانَ من أَصْحَاب الْأَعْرَاف فوقفوا على الْأَعْرَاف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الإِخلاص عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: من كَانَ ظَاهره أرجح من بَاطِنه خف مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة وَمن كَانَ بَاطِنه أرجح من ظَاهره ثقل مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يوضع الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فيوزن الْحَسَنَات والسيئات فَمن رجحت حَسَنَاته على سيئاته دخل الْجنَّة وَمن رجحت سيئاته على حَسَنَاته دخل النَّار
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَفعه قَالَ: إِن ملكا مُوكل بالميزان فَيُؤتى بِالْعَبدِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقف بَين كفتي الْمِيزَان فَإِن ثقل مِيزَانه نَادَى الْملك بِصَوْت يسمع الْخَلَائق: سعد فلَان بن فلَان سَعَادَة لَا يشقى بعْدهَا أبدا وَإِن خفت مِيزَانه نَادَى الْملك: شقى فلَان شقاوة لَا يسْعد بعْدهَا أبدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد والآجري فِي الشَّرِيعَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَائِشَة
أَنَّهَا ذكرت النَّار فَبَكَتْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك
قَالَت: ذكرت النَّار فَبَكَيْت فَهَل تذكرُونَ أهليكم يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: أما فِي ثَلَاث مَوَاطِن فَلَا يذكر أحدا أحدا حَيْثُ تُوضَع الْمِيزَان حَتَّى يعلم اتخف مِيزَانه أم تثقل وَعند تطاير الْكتب حِين يُقَال {هاؤم اقرؤوا كِتَابيه} الحاقة الْآيَة 19 حَتَّى يعلم أَيْن يَقع كِتَابه أَفِي يَمِينه أم فِي شِمَاله أَو من وَرَاء ظَهره وَعند الصِّرَاط إِذا وضع بَين ظَهْري جَهَنَّم حافتاه كلاليب كَثِيرَة وحسك كثير يحبس الله بهَا من شَاءَ من خلقه حَتَّى يعلم أينجو أم لَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يوضع الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فَلَو وزن فِيهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض لوسعت فَتَقول الْمَلَائِكَة: يَا رب لمن يزن هَذَا فَيَقُول الله: لمن شِئْت من خلقي
فَتَقول
الْمَلَائِكَة: سُبْحَانَكَ
مَا عبدناك حق عبادتك وَيُوضَع الصِّرَاط مثل حد الموس فَتَقول الْمَلَائِكَة: من تنحى على هَذَا فَيَقُول: من شِئْت من خلقي فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ مَا عبدناك حق عبادتك
** وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد والآجري فِي الشَّرِيعَة واللالكائي عَن سلمَان قَالَ: يوضع الْمِيزَان وَله كفتان لَو وضع فِي إِحْدَاهمَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ لوسعه فَتَقول الْمَلَائِكَة: من يزن هَذَا فَيَقُول: من شِئْت من خلقي
فَتَقول الْمَلَائِكَة: سُبْحَانَكَ مَا عبدناك حق عبادتك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: خلق الله كفتي الْمِيزَان مثل السَّمَوَات وَالْأَرْض فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا من تزن بِهَذَا قَالَ: أزن بِهِ من شِئْت
وَخلق الله الصِّرَاط كَحَد السَّيْف فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا من تجيز على هَذَا قَالَ: أُجِيز عَلَيْهِ من شِئْت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمِيزَان لَهُ لِسَان وكفتان يُوزن فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات فَيُؤتى بِالْحَسَنَاتِ فِي أحسن صُورَة فتوضع فِي كفة الْمِيزَان فتثقل على السَّيِّئَات فتؤحذ فتوضع فِي الْجنَّة عِنْد مَنَازِله ثمَّ يُقَال لِلْمُؤمنِ: الْحق بعملك
فَينْطَلق إِلَى الْجنَّة فَيعرف مَنَازِله بِعَمَلِهِ وَيُؤْتى بالسيئات فِي أقبح صُورَة فتوضع فِي كفة الْمِيزَان فتخف - وَالْبَاطِل خَفِيف - فتطرح فِي جَهَنَّم إِلَى مَنَازِله فِيهَا وَيُقَال لَهُ: الْحق بعملك إِلَى النَّار
فَيَأْتِي النَّار فَيعرف مَنَازِله بِعَمَلِهِ وَمَا أعد الله لَهُ فِيهَا من ألوان الْعَذَاب
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلهم أعرف بمنازلهم فِي الْجنَّة وَالنَّار بعملهم من الْقَوْم يَنْصَرِفُونَ يَوْم الْجُمُعَة رَاجِعين إِلَى مَنَازِلهمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشفع لي يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَنا فَاعل
قلت: يَا رَسُول الله أَيْن أطلبك قَالَ: أطلبني أول مَا تطلبني على الصِّرَاط
قلت: فَإِن لم ألقك على الصِّرَاط قَالَ: فاطلبني عِنْد الْمِيزَان
قلت: فَإِن لم ألقك عِنْد الْمِيزَان قَالَ: فاطلبني عِنْد الْحَوْض فَإِنِّي لَا أخطىء هَذِه الثَّلَاثَة مَوَاطِن
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُؤُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلاً كل سجل مِنْهَا مد الْبَصَر فَيَقُول: أتنكر من هَذَا شَيْئا أظلمك كتبتي الحافظون فَيَقُول: لَا يَا رب
فَيَقُول: أَفَلَك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فَيَقُول: لَا يَا رب
فَيَقُول: بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَة وَأَنه لَا ظلم عَلَيْك الْيَوْم
فَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله فَيَقُول: يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيُقَال: إِنَّك لَا تظلم
فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة وَلَا يثقل مَعَ اسْم الله شَيْء
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُوضَع الموازين يَوْم الْقِيَامَة فيؤتي بِالرجلِ فَيُوضَع فِي كَفه وَيُوضَع مَا أحصى عَلَيْهِ فتمايل بِهِ الْمِيزَان فيبعث بِهِ إِلَى النَّار فَإِذا أدبر بِهِ صائح يَصِيح من عِنْد الرَّحْمَن: لَا تعجلوا لَا تعجلوا فَإِنَّهُ قد بَقِي لَهُ
فَيُؤتى ببطاقة فِيهَا: لَا إِلَه إِلَّا الله فتوضع مَعَ الرجل فِي كفة حَتَّى تميل بِهِ الْمِيزَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والنميري فِي كتاب الْأَعْلَام عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ إِن لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام من الله عز وَجل موقفا فِي فسح من الْعَرْش عَلَيْهِ ثَوْبَان أخضران كَأَنَّهُ سحوق ينظر إِلَى من ينْطَلق بِهِ من وَلَده إِلَى الْجنَّة وَينظر إِلَى من ينْطَلق بِهِ من وَلَده إِلَى النَّار فَبينا آدم على ذَلِك إِذا نظر إِلَى رجل من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فينادي آدم: يَا أَحْمد يَا أَحْمد فَيَقُول: لبيْك يَا أَبَا الْبشر
فَيَقُول: هَذَا رجل من أمتك ينْطَلق بِهِ إِلَى النَّار فأشد المئزر وأسرع فِي أثر الْمَلَائِكَة وَأَقُول: يَا رسل رَبِّي قفوا
فَيَقُولُونَ: نَحن الْغِلَاظ الشداد الَّذين لَا نعصي الله مَا أمرنَا ونفعل مَا نؤمرر فَإِذا أيس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبض على لحيته بِيَدِهِ الْيُسْرَى واستقبل الْعَرْش بِوَجْهِهِ فَيَقُول: يَا رب قد وَعَدتنِي أَن لَا تخزيني فِي أمتِي فيأتي النداء من عِنْد الْعَرْش: أطِيعُوا مُحَمَّدًا وردوا هَذَا العَبْد إِلَى الْمقَام
فَأخْرج من حجزتي بطاقة بَيْضَاء كالأنملة فألقيها فِي كفة الْمِيزَان الْيُمْنَى وَأَنا أَقُول: بِسم الله
فترجح الْحَسَنَات على السَّيِّئَات فينادي سعد وَسعد جده وثقلت مَوَازِينه: انْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة فَيَقُول: يَا رسل رَبِّي قفوا حَتَّى أسأَل هَذَا العَبْد الْكَرِيم على ربه
فَيَقُول: بِأبي أَنْت وَأمي مَا أحسن وَجهك وَأحسن خلقك من أَنْت فقد: أقلتني عثرتي
فَيَقُول: أَنا نبيك مُحَمَّد وَهَذِه صَلَاتك الَّتِي كنت تصلي عَليّ وافتك أحْوج مَا تكون إِلَيْهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يوضع فِي ميزَان العَبْد نَفَقَته على أَهله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة واللالكائي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمتان خفيفتان على اللِّسَان ثقيلتان فِي الْمِيزَان حبيبتان إِلَى الرَّحْمَن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ
الله الْعَظِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو جِيءَ بالسموات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَمَا بَينهُنَّ وَمَا تحتهن فوضعن فِي كفة الْمِيزَان وَوضعت شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الكفة الْأُخْرَى لرجحت بِهن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد جيد عَن أنس قَالَ: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا ذَر فَقَالَ أَلا أدلُّك على خَصْلَتَيْنِ هما خفيفتان على الظّهْر وأثقل فِي الْمِيزَان من غَيرهمَا قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْك بِحسن الْخلق وَطول الصمت فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق بمثلهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: قلت لأم الدَّرْدَاء: أما سَمِعت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا قَالَت: نعم دخلت عَلَيْهِ فَسَمعته يَقُول أول مَا يوضع فِي الْمِيزَان الخُلق الْحسن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصحح وَابْن حبَان واللالكائي عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من شَيْء يوضع فِي الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة أثقل من خُلق حسن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: أَعْطَيْت نَاقَة فِي سَبِيل الله فَأَرَدْت أَن أَشْتَرِي من نسلها فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ دعها تَأتي يَوْم الْقِيَامَة هِيَ وَأَوْلَادهَا جَمِيعًا فِي ميزانك
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضى لِأَخِيهِ حَاجَة كنت وَاقِفًا عِنْد مِيزَانه فَإِن رجح وَإِلَّا شفعت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن مغيث بن سميّ وَعَن مَسْرُوق قَالَا: تعبَّد رَاهِب فِي صومعة سِتِّينَ سنة فَنظر يَوْمًا فِي غب السَّمَاء فَقَالَ: لَو نزلت فَإِنِّي لَا أرى أحدا فَشَرِبت من المَاء وتوضأت ثمَّ رجعت إِلَى مَكَاني فتعرضت لَهُ امْرَأَة فتكشفت لَهُ فَلم يملك نَفسه إِن وَقع عَلَيْهَا فَدخل بعض تِلْكَ الغدران يغْتَسل فِيهِ وأدركه الْمَوْت وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال وَمر بِهِ سَائل فأوما إِلَيْهِ أَن خُذ الرَّغِيف رغيفاً كَانَ فِي كسائه فَأخذ الْمِسْكِين الرَّغِيف وَمَات فجيء بِعَمَل سِتِّينَ سنة فَوضع فِي كفة وَجِيء بخطيئته فَوضعت فِي كفة فرجحت بِعَمَلِهِ حَتَّى جِيءَ بالرغيف فَوضع مَعَ عمله فرجح بخطيئته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سفينة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخ بخ خمس مَا أثقلهن فِي الْمِيزَان
سُبْحَانَ الله وَلَا إلَه إِلَّا الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وفرط صَالح يفرطه الْمُسلم
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن عَمْرو بن حُرَيْث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أنفقت عَن خادمك من عمله كَانَ لَك أجره فِي موازينك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضغيف عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تَوَضَّأ فَمسح بِثَوْب نظيف فَلَا بَأْس بِهِ وَمن لم يفعل فَهُوَ أفضل لِأَن الْوضُوء يُوزن يَوْم الْقِيَامَة مَعَ سَائِر الْأَعْمَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب أَنه كره المنديل بعد الْوضُوء وَقَالَ: هُوَ يُوزن
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِنَّمَا كره المنديل بعد الْوضُوء لِأَن كل قطره توزن
وَأخرج المرهبي فِي فضل الْعلم عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوزن يَوْم الْقِيَامَة مداد الْعلمَاء وَدِمَاء الشُّهَدَاء فيرجح مداد الْعلمَاء على دِمَاء الشُّهَدَاء
وَأخرج الديلمي من حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَمْرو
مثله
وَأخرج عبد الْبر فِي فضل الْعلم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: يجاء بِعَمَل الرجل فَيُوضَع فِي كفة مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة فيخف فيجاء بِشَيْء أَمْثَال الْغَمَام فَيُوضَع فِي كفة مِيزَانه فترجح فَيُقَال لَهُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا فَيَقُول: لَا
فَيُقَال لَهُ: هَذَا فضل الْعلم الَّذِي كنت تعلمه النَّاس
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: يَجِيء رجل يَوْم الْقِيَامَة فَيرى عمله محتقراً فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ جَاءَهُ مثل السَّحَاب حَتَّى يَقع فِي مِيرَاثه فَيُقَال: هَذَا مَا كنت تعلم النَّاس من الْخَيْر فورث بعْدك فأجرت فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من كَانَ الأجوفان همه خسر مِيزَانه يَوْم القيامه
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن لَيْث قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام: أمة مُحَمَّد أثقل النَّاس فِي الْمِيزَان ذلت ألسنتهم بِكَلِمَة ثقلت على من كَانَ قبلهم: لَا إِلَه إِلَّا الله
** وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أَيُّوب قَالَ: سَمِعت من غير وَاحِد من أَصْحَابنَا: أَن العَبْد يُوقف على الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة فَينْظر فِي الْمِيزَان وَينظر إِلَى صَاحب الْمِيزَان فَيَقُول صَاحب الْمِيزَان: يَا عبد الله أتفقد من عَمَلك ذَلِك شَيْئا فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: مَاذَا فَيَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
فَيَقُول صَاحب الْمِيزَان: هِيَ أعظم من أَن تُوضَع فِي الْمِيزَان
قَالَ مُوسَى بن عُبَيْدَة: سَمِعت أَنَّهَا تَأتي يَوْم الْقِيَامَة تجَادل عَمَّن كَانَ يَقُولهَا فِي الدُّنْيَا جِدَال الْخصم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي الْأَزْهَر زُهَيْر الْأَنمَارِي قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَخذ مضجعه قَالَ اللهمَّ أَغفر لي وأخسَّ شيطاني وفكَّ رهاني وَثقل ميزاني واجعلني فِي الندي الْأَعْلَى
تفسير- الْآيَة (11)
** لَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ: خلقُوا فِي أصلاب الرِّجَال وصوروا فِي أَرْحَام النِّسَاء
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: خلقُوا فِي ظهر آدم ثمَّ صوروا فِي الْأَرْحَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم فِي الْآيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أما قَوْله {خَلَقْنَاكُمْ} فآدم {ثمَّ صورناكم} فذريته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ} قَالَ: آدم {ثمَّ صورناكم} قَالَ: فِي ظهر آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم} قَالَ: خلق الله آدم من طين ثمَّ صوركُمْ فِي بطُون أُمَّهَاتكُم خلقا من بعد خلق علقَة ثمَّ مُضْغَة ثمَّ عظاماً ثمَّ كسى الْعِظَام لَحْمًا
** وَأخرج عبد
الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ
صورناكم} قَالَ: خلق الإِنسان فِي الرَّحِم ثمَّ صوره فشق سَمعه وبصره وأصابعه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق